Site icon محمد سليمان الأحيدب

طحن الرصاص دون جعجعة

في مدينة ليبزك الألمانية والمناطق المحيطة بها لوحظ أن عدداً من الشباب الصغار تساقطوا مرضى بأعراض تسمم حاد بالرصاص مع أن أياً منهم لا علاقة لعمله بالتعامل مع الرصاص أو وجود أي سبب واضح يمكن أن يعرض أياً منهم لمعدلات عالية من هذا المعدن !!.

ولأن ثمة تفعيل حقيقي لأدوار مراكز السموم في ألمانيا فقد تم جمع المعلومات من جميع المرضى ومقارنتها فوجد أنه لا يجمع بين هؤلاء الشباب عامل مشترك واحد سوى أن كلاً منهم يتعاطى تدخين المروانا !!.

تم جمع عينات من المروانا التي دخنها المصابون بالتسمم فوجد أنها مغشوشة بالرصاص وعلى الفور تم عقد مؤتمر صحفي موسع أعلن خلاله أن المروانا مغشوشة بالرصاص وقامت العلاقات العامة ببث عدد من مواد التوعية عبر الصحف والتلفاز والمنشورات للتنبيه إلى هذا التلوث في تلك المادة الممنوعة أصلاً وتم فتح مخابر تحليل الدم لكل من أراد التأكد من مستوى الرصاص في دمه فتقدم لمركز واحد في المنطقة 599 شخصاً وجد أن نصفهم يعانون من ارتفاع نسبة الرصاص عن الحد المسموح ، وبدأ تكثيف العلاج من تسمم الدم بالرصاص .

في هذه الحادثة وطريقة التعامل معها عدة دروس تجدر الاستفادة منها بحكم فارق التجربة والخبرات والتوجه.

أولاً أن المواد الممنوعة وغير المرخصة أصلاً ويتم تداولها بالسر عرضة أكثر من غيرها للغش بمواد خطيرة وسموم قاتلة فيجب فحص ما يقبض منها والتوعية بمحتوياته.

ثانياً: أن المتعاطي للمخدر يفترض التعامل معه كمريض وله حق الحماية و التوعية بصرف النظر عن كونه متعاطياً لمخدرات، وان تتم المعالجة في جو من السرية والحفاظ على السمعة ، بينما تتم التوعية بكل صراحة ووضوح وصوت عالٍ ودون تحفظات.

ثالثاً: أن التعاطي مع مثل هذه الحالات والأوبئة يستوجب أن تسبق الأعمال الأقوال فجمع المعلومات وربط العلاقة بين العوامل المشتركة في الحالة المذكورة في ألمانيا تم بصمت ودون ضجيج وبعد معرفة أسباب المشكلة وأبعادها بدأ العمل الجاد “والطحن” لاحتوائها دون”جعجعة” وحتى حينما تم استخدام وسائل الإعلام، لم يتم استخدامها لتلميع الأشخاص أو التحدث عن الأعمال بل تم التركيز فقط على التوعية للحد من المشكلة ، أي أن الإعلام كان وسيلة لا غاية ، وهذا عكس ما حدث عندنا حيث سمعنا ضجيجاً من الصحة عن احتياطات لأنفلونزا الخنازير و إجراء فحوص للقادمين من مناطق مصابة ومنها ألمانيا وتم إعلان ذلك في الطائرة لعموم القادمين لكننا لم نجد أي شيء منه على الأرض فقد دخل القادمون من فرانكفورت دون فحوص ولا كاميرات حرارية .

رابعاً: أن من الضروري جداً إشعار المدمن بأنه مريض و الابتعاد عن إشعاره بأنه مجرم، والعمل على تسهيل اعتراف هؤلاء بممارسة التعاطي للاستفادة من ما لديهم من معلومات ، فمثلاً لو وقع هذا التسمم لدينا وسألت أياً من الضحايا إذا ما كان تناول شيئاً غريباً فقد يرد مرتبكاً (وشو حشيشة ؟!) لكنه لا يمكن أن يعترف لك انه تعاطى أياً من الممنوعات ناهيك , أن يحضر لك عينة منها ، لذا فإن من أهم العناصر الهامة لعلاج المشاكل الخفية للشباب هو العمل الجاد على تسهيل الاعتراف بها والتعامل معها كحالة مرضية قابلة للعلاج دون تبعات.

Exit mobile version