Site icon محمد سليمان الأحيدب

فينا واحد يلعب.. فينا «واجد» يعاني

ماء مع سكر وكم هائل من المواد الملونة ويحمل مواصفة عصير طبيعي 100في المائة مكتوبة بالخط العريض على العلبة، مشروب ثبت لكل اللجان وجميع الدراسات أنه ضار بالصحة ويسبب تلف خلايا المخ وفشلا كلويا وأمراضا عضوية أخرى، أي أنه مشروب الوهن ويحمل صفة ودعاية شراب القوة والطاقة!! لبن يدعي صاحبه أنه مهضم (تخيل دهن يهضم!! هذي كيف تجي؟! بس عندنا تمشي!!)، زيت قلي يدعي منتجه أنه يحتوي على فيتامين!!، أي فيتامين هذا الذي سيتحمل درجة حرارة القلي فوق 300 درجة مئوية؟!، عصائر أخرى تحتوي كل أنواع الفيتامينات ومع ذلك تحمل عبارة طبيعية 100 في المائة وبدون إضافات مع أن الفاكهة الأصلية لم يعرف عنها أنها تشرفت بتواجد كل الفيتامينات، زيت زيتون أول عصرة والزيت يحلف إنه ماشاف الزيتونة في عمره!!، وعسل أصلي تبرأت منه النحلة.
يا جماعة هل يجوز أن يحدث هذا في بلد فيه هيئة غذاء ودواء؟! وفيه مختبرات عالية التقنية وفيه وزارة تجارة وصناعة، وإذا حدث كيف يستمر في الحدوث حتى بعد ولادة عسيرة لهيئة حماية مستهلك وجمعية حماية أهلية؟!.
المطلوب الآن هو الحد الأدنى للعمل، وهو بالتأكيد ليس حماية صحتنا فهذا شبه مستحيل في ظل الصمت على ادعاء مواصفات ومميزات خيالية متناقضة مع المنطق العلمي ومع ما يقبل العقل تصديقه، مثل أن يهضم اللبن أو (يفتمن) زيت القلي، أو أن تكون المواد الملونة عصيرا طبيعيا والسكر والماء عسلا جبليا، فكل هذه ادعاءات يمكن لأي ربة منزل ذكية أن تثبت كذبها باختبارات بدائية، كما أنه يمكن استغفال عدد كبير من البسطاء وتصديقها وهذا ما يؤكده ارتفاع نسب الإصابات بمرض السكري والضغط وارتفاع نسب الدهون في الدم والموت المفاجئ والجلطات والسمنة المفرطة لدى الأطفال وفقر الدم والأمراض السرطانية، لأن الإنسان العادي البسيط لا يعاني من نقص في الذكاء (حاشى ذلك) ولكنه يعاني من ثقة مفرطة إلى درجة الثقة العمياء بأن الأجهزة الرقابية التي يقرأ ادعاءاتها في الصحف ويسمعها في الإذاعة ويشاهدها في التلفاز لا يمكن أن تسمح بما يضره أو أن يكذب عليه التجار.
المطلوب ليس المستحيل في ظل غياب الهمة وهو حماية الصحة، المطلوب وما أسميته بالحد الأدنى هو حماية العقول من الاستغفال وحماية المجتمع ومؤسساته من تهمة غياب العقل بتصديق ما لا يعقل (حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له).
ما نطالب به الآن هو حماية سمعة مجتمع، لا صحة مجتمع فأمر حماية الصحة أصبح وللأسف كالعنقاء والخل الوفي، ولكننا لا نريد أن نوصم بتوأمة المرض مع الجهل لأننا ولله الحمد، كمجتمع بأكمله، من الجهل براء لكن فينا من الثقة الشيء الكثير، لذلك فإن (فينا واحد يلعب وفينا واحد بل «واجد» يعاني) مع الاعتذار للشاعر والمغني.

Exit mobile version