العوازل البشرية واجترار الكفاءات

من يريد أن يعرف سبب اجترارنا للكفاءات رغم وفرتها، ومن يريد شرحا توضيحيا لعدم حصول الكوادر الوطنية المؤهلة علميا وذهنيا والمفعمة إخلاصا على فرصتها، بينما تدور الفرص على عدد محدود يتواجد في دائرة ضوئية ثابتة لا تتحرك، لا تتجول، لا تبحث، لا تستكشف، ومن يريد سببا لانطباق مثل (ما في هالبلد إلا هالولد) على شهادات التزكية لدينا، فإن كل ما عليهم هو أن يتخيلوا النظر إلى مجتمعنا الوظيفي من منظر جوي من طائرة تحلق على ارتفاع يسمح برؤية شاملة لكنها واضحة، مثلما يحدث عندما تقبل على منطقة وأنت على وشك الهبوط.
سترى أن مجتمعنا الوظيفي يتكون من دوائر منتظمة الشكل، بعضها دوائر كبيرة جدا وواسعة والأخرى متوسطة القطر وأخرى صغيرة، لكنها جميعا تشترك في أنها دوائر، وفي مركز كل دائرة يقبع مسؤول على اختلاف حجمه يختلف قطر الدائرة، لكن هذا الشخص محاط بدائرة بشرية من المقربين ممن اكتسبوا الثقة ولا يريدون التفريط فيها؛ لذا فهذه الكتلة البشرية المحيطة به لا تسمح لأي مستجد، مهما بلغ من الكفاءة والإمكانات والقدرات والذكاء والإبداع والإخلاص والوطنية أن يقترب من ذلك المسؤول القابع في مركز الدائرة، لا عبورا فعليا ولا حتى عبورا بالذكر أو السمعة أو الترشيح أو الثناء والاقتراح.
لا تكاد دائرة أو وزارة أو مؤسسة أو أي مستوى من مستويات المسؤولية يسلم من تواجد هذه التكتلات البشرية المحيطة بالمسؤول، والتي تشكل عوازل شديدة تمنع وصول حرارة الكفاءات ودفئها، لكن طبيعة العوازل البشرية عجيبة وإعجازية مثل خلق الإنسان نفسه ــ جلت قدرة خالقه ــ بكل ما فيه من خصائص وطباع وقدرات خارقة، فكل أنواع العوازل الطبيعية سواء المعدنية أو الخشبية أو الفلينية لها خاصية واحدة، إما أن تعزل الشيء أو لا تعزله، أما الكتل البشرية فلديها خصائص وقدرات فائقة في الانتقاء بالغ الدقة، فهي تمنع التوصيل تماما عمن تشاء وتمنح توصيلا قويا لمن تشاء، كما أنها متعددة الاتجاهات، فهي قد تمنع وصول المعلومة عن كفاءة وطنية إلى المسؤول، بينما تنقل معلومات خاطئة عن المسؤول لتنفير المتقدمين منه ومن طباعه وحدته وتصرفاته.
لذا، فإن من الحكمة والعدل أن يخرج المسؤول من دائرة الشلة المغلقة وينفتح على الجميع دون عوازل، ويكتشف الكفاءات بنفسه ويشرح نفسه للناس، فليس أسوأ من أن تسمع عن الكل من قلة حولك ويسمع الكل عنك من آخرين.

رأيان على “العوازل البشرية واجترار الكفاءات

  1. لله درك
    فما تركت مجالا لتعليق يكتب !
    من يصدق ان فيه موظف يتسول الجهة التي يعمل بها عملا !!
    من يصدق ان هناك من المجتهدين من يمضي 15 عاما في مرتبة واحدة محروما من العلاوة
    بينما من هم اقل منه كفاءة وتأهيلا وحضورا … يقفزون بالزانة !
    من يصدق ان هناك جهات تحارب الموظف المخلص تاركة علامات الاستفهام تعصف !
    من يصدق اني لا استطيع الاستمرار في كتابة التعليق !

  2. رائعٌ جداً .. بوركت يا أستاذ مُحمّد.
    مثل هذهِ المقالات حقها النشرُ على نطاقٍ واسع من صحفٍ ومجلات.
    أتمنى لكَ كل التوفيق؛

اترك رد