Site icon محمد سليمان الأحيدب

وجدتها .. مقياس المسؤولين «اختر»

كنت أتساءل دائما لماذا يقلل المسؤول من حجم معاناة المواطنين، خصوصا بعد تقلده المسؤولية وتربعه على الكرسي الفاخر رغم أنه كان قبل ذلك يتحدث ويكتب مثل غيره عن ذات المعاناة ونفس المشاكل التي أصبح يقلل من شأنها بعد اعتلائه صهوة الكرسي، فوجدت أن جزءا من العيب في الكرسي وجزءا منه في مقياس المسؤول ومقارناته فكثير من المسؤولين، خاصة أولئك الذين جاءتهم المسؤولية باردة مبردة، أصبحوا يقيسون الهزات الأرضية التي تصيب المجتمع، ليس بمقياس «رختر» الذي يقيس نبض الأرض ولكن بمقياس «اختر» الذي تم ضبطه على ظروف الوزير أو المحافظ أو المدير العام وليس على ظروف الفقير أو المكافح أو المواطن العام.
عيب الكرسي أنه متأرجح فيجعل المسؤول يتأرجح بين أهوائه ومصالحه الخاصة واحتياجات ومصالح الناس وعندما يثبت الكرسي فإنه يثبت حسب مكانه فيتعامل مع كل الناس وكأنهم هو (راتب عالٍ، ودخل آخر وفير، وجوال مجاني وسيارة جديدة وقصر عامر)، والكرسي هزاز فيجعل الصورة أمامه مهزوزة لا يرى من خلالها واقع حال الناس فلا يركد إلا على صورته فيقيس عليها، والكرسي دوار والمسؤول يستشعر من دورانه أنه قد يلفظه ليجلس غيره ولم يستشعر بعد أن بقاءه مرهون بحسن أدائه أو حسن تقديره لاحتياجات المواطن.
أما مقياس المسؤول فيذكرك أحيانا كثيرة بمقياس الطفل الفرنسي الشهير الذي قيل له إن الأطفال الأفارقة مصابون بالهزال لأنهم لا يجدون الخبز فقال «يأكلون كيك».
مسؤول الخطوط يرى أن الحجز متوفر وأن الرحلات لا تتأخر وأن وسائل الترفيه في الخطوط السعودية هي الأفضل عالميا، ومسؤول الخدمة الاجتماعية يرى أن الفقراء بخير، ومسؤول الصحة يرى أن الأسرة متوفرة والأخطاء الطبية قليلة وغرف الطوارئ تستقبل كل الحالات ومسؤول التعليم يرى الفصل الدراسي واسعا ومكيفا والمدارس نظيفة ومبانيها حديثة، ومسؤولة التعليم ترى المعلمات معينات ومدللات وغير جريحات ولا مصابات، ومسؤول الجمارك يشعر أن الموظفين مرتاحون وسكن سايس الحيوانات فاخر والشمس باردة وأجواء العمل مريحة ومسؤول التجارة يرى الأسعار معقولة وحقوق المستهلك محفوظة.
تصريحات كثير من المسؤولين تعكس أن ثمة فراغا كبيرا وهوة واسعة بين القائم على الخدمة والمستفيد منها وهذه الفجوة ناجمة من انعزال البعض في برج عاجي بمجرد تولي المسؤولية، ولابد هنا من تقريب ذلك الفراغ ورتق تلك الهوة عن طريق التشديد على ممارسة سياسة الباب المفتوح وإعادة إجراء اللقاءات المفتوحة وحرية طرح السؤال المباشر ونقل هذه اللقاءات تلفزيونيا بدون (مونتاج) وعلى الهواء مباشرة، فخير للوطن أن يسمع شكوى الناس من أن يرى آثارها.

Exit mobile version