محاكمة مبارك بمسطرة الذهب

بعض الأحكام الشرعية للحالات النادرة تصدر بناء على القياس، وكذا بعض الأحكام الوضعية تستند على القياس، والملفت للنظر في الأحداث المتسارعة في الدول العربية وتحديدا القيام على الأنظمة وثورة الشعوب أنها تزامنت في وقت واحد، كون كل شعب مظلوم مقهور اقتدى بمن ثار قبله، لكنها أي الثورات تباينت في التكلفة البشرية والمآسي الإنسانية والمدة نتيجة سبب واحد لا غيره هو تعاطي الرئيس المطلوب رحيله مع مطالب الشعب، فالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي رحل على الفور وتعامل مع عنصر المفاجأة بمفاجأة الفرار، والرئيس المصري حسني مبارك حاول المقاومة قولا وعملا وحدث ما حدث من خسائر بشرية وضحايا أبرياء، لكنه لم يتجاوز مواقع المظاهرات وميدان التحرير تحديدا وبعض المسالك إلى المواقع الحيوية، ثم أعلن تخليه عن السلطة بعد مراحل من التنازلات، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح اعتمد الحوار ولجان الوساطة ولغة الخطابة ولا زال، وفي المقابل مارس نظام معمر القذافي حربا ضروسا ضد رغبة الشعب وقصفا عشوائيا، وقتل واغتصب وضحى بكل ليبيا من أجل ذاته وهدد ولا زال بإحراق طرابلس مقابل بقائه في السلطة، وهو ما أسميته انتحار مدينة من أجل رجل، في وقت لا زلنا نبحث مشروعية انتحار رجل من أجل مدينة، ذات الجرائم وبشكل أكبر عددا نسبة لعدد السكان مارسها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، بل كان أكثر قسوة في العقوبات الفردية ضد الثوار بنزع الحناجر وبتر الأعضاء وتعذيب الأطفال.
حسنا لو طبقنا مسطرة قياس سلوك الرؤساء المخلوعين والمرفوضين في محاكمة حسني مبارك، نرقمها بحيث يكون أدناها ما فعله زين العابدين بن علي وذروة سنام بشاعتها ما يفعله بشار الأسد وقبله في التدريج معمر القذافي، ومعلوم أن أقصى عقوبة هي الإعدام وأدناها سجن يعقبه الترحيل فإن حسني مبارك لن تصل عقوبته للإعدام كونه لم يفعل ما فعل بشار ومعمر فلا درجات في الإعدام ولن تقارن عقوبته بمن خرج دون أدنى خسائر.
المؤكد عندي أن كل هؤلاء الرؤساء الذين دخلوا على ظهور الدبابات ومكثوا في السلطة زهاء أربعين سنة لو تم التعامل معهم بمسطرة المشير عبد الرحمن سوار الذهب فسيكون أدنى مصيرهم الإعدام، لأن مقياسهم هذه المرة رجل استلم السلطة في السودان عام 1985م بصفته أعلى قادة الجيش وسلمها لحكومة منتخبة في العام التالي.

رأي واحد على “محاكمة مبارك بمسطرة الذهب

اترك رد