ضفدع«الشانزليزيه»

أنتمي منذ خلقت لعائلة ميسورة الحال كان أقصى ما تسافر إليه مدينة جلاجل بسدير وما أسعد قضاء الإجازة في جلاجل، وبعد أن بلغت أشدي وبحكم عملي وعلمي سافرت كثيرا ومع كثر إلى أكثر بقاع المعمورة، صادفت فاحشي الثراء ورافقت أثرياء وميسورين مثلي ولم أجد من يحقق أقصى استفادة من السفر مثل الذين يسافرون بنقود جمعوها من عرق جبينهم أو جمعوها على مدى سنوات العمر بالتوفير من الراتب أو جمعوها بينهم «قطة» هؤلاء يزورون كل معلم ويتعرفون على كل شبر في البلد.
لم أفهم أبدا وحتى الساعة ماذا يريد المترددون ذهابا وإيابا في الشانزليزيه! ولا المترززون في كراسي مقاهيه ولا بماذا يعودون! الذي أعرفه أن الواحد منهم ينظر إلى المارة لا ليراهم ولكن ليروه! يكاد يستجدي أن تتحول إليه الأبصار، يكاد يتوسل إليه قائلا تكفى اعرفني! قال لي زميل صيدلاني ذات سفرة إلى باريس لحضور مؤتمر دوائي، مشيرا إلى أحدهم وقد تمدد مستعرضا شهرته في كرسي المقهى لساعات، قال «ألا يذكرك بضفدع في كأس؟!» ونحن الصيادلة عملنا الكثير من الأبحاث والاختبارات على الضفادع بوضعها في كأس زجاجية ومراقبة سلوكها، قلت له استغفر ربك ولا تذكرني بأيام الدراسة والاختبارات، استغفر وإن كنت أراك أصبت!
الشيء ذاته كان يحدث قديما في لندن في شارع اكسفورد والريجنت وكان التردد في تلك الشوارع طيلة الإجازة الصيفية هو سمة الرحلة وهدفها وذروة سنامها، كانوا يقطعون الأميال ولا يبرحون لندن، مثلما أنهم الآن يقطعون البحار ولا يبرحون شارعا في باريس.
القلة القليلة التي تسافر بعرق الجبين «تحلل» السفرة لا تدع معلما ولا مزارا إلا دخلته ولا تجربة بحرية أو برية أو جوية إلا خاضتها وهذا ما يجب أن نزرعه في أجيالنا القادمة بالحصول على فوائد السفر السبع كاملة ما أمكن، والترزز ليس من بينها!

رأي واحد على “ضفدع«الشانزليزيه»

اترك رد