قوانين أمريكا المجنونة

لم أشعر يوما ما في حياتي بالاطمئنان للعيش في أمريكا، لا في زمن الشباب (زمن البعثات)، ولا في عمر النضوج، ولا كأب ورب أسرة، كنت وما زلت أشعر أن من يدخل أمريكا يضع مصيره على مفترق شكوى من متحمس لتوافه الأمور أو مريض بالكراهية والعنصرية وكف قانون عفريت قد يهوي بضعيف فقير بريء في وادٍ سحيق من الأحكام بفعل محام ادعاء بارع ظالم أو يبرئ قويا غنيا أو مشهورا رغم وضوح الأدلة ضده بفعل محام دفاع مؤثر ومال وفير!!.

لم يتكون لدي هذا التصور عبثا، بل نتيجة متابعة وتدقيق لما يكتبه الأمريكان عن مجتمعهم ومواقفهم مع القوانين الغريبة المتطرفة جدا في منح الحرية والحماية إذا شاءت، والمتطرفة أكثر في سلبها متى أرادت، والأحكام التي تقوم على قرار هيئة محلفين من شعب على نياته يسهل التأثير فيه سلبا أو إيجابا لا يهتم بمعرفة الثقافات الأخرى، بل قد يجهل اسم عاصمة دول محاذية مثل كندا والمكسيك، ناهيك عن لغة شعوبها وثقافتهم.

في شبابي، تابعت على الهواء مباشرة ودون تفويت محاكمة أوجيه سمسون وتبرئته من قتل زوجته رغم وضوح الأدلة والهرب من العدالة، وقرأت قصص آلاف المظلومين الذين نفذت فيهم أحكام السجن والإعدام لجرائم ثبت لاحقا براءتهم منها، وهذا أمر يحدث في دول أخرى، لكن توجيه الاتهام في أمريكا يتم بطريقة جنونية لا تجدها في أوروبا مثلا.

على تلك الخلفية والانطباع، حذرت مما قد يواجهه المبتعث لأمريكا (قبل 11 سبتمبر)، خصوصا مع الجهل ببعض الأنظمة الغريبة وذات الأحكام القاسية التي لا تتناسب مع المخالفة، والتي يتندر بها حتى الأوروبيون، وللأسف لم نتعظ بما واجهه المبتعث عبدالله الطوالة من الظلم ومحاولة تركيب التهم، ثم تلاه قضايا لعدد من المبتعثين، لعل أغربها حكايات القدر الكاتم المعاصرة. اسطوانة الخادمات الشرقيات بدأت مبكرة مع التهم المركبة على حميدان التركي وخادمته الإندونيسية ولم نتعظ بها أيضا!!، واليوم ندفع الثمن بقضية أخرى ضحيتها سيدة فاضلة لم تتعظ وسافرت بأربع خادمات إلى بلد يرى أن قبول طلب الخادمة بجمع مستحقاتها أو ضم جوازها في نفس خزنة جوازات الأسرة جريمة عقوبتها عشرات السنوات خلف القضبان.

لا أقول قارن بين أمريكا ودول العالم الثالث، بل قارن بين أمريكا ودول أوروبا، وستجد أن العقل نعمة وتعيش حيث يحكم العقل لا جنون العظمة.


رأيان على “قوانين أمريكا المجنونة

اترك رد