التجاوب ينخفض

ليس من المصلحة أن ترتفع حدة أصوات الصراخ ولا تجد رجع صدى، فالصوت مثل المادة لا تفنى ولا تستحدث!!، فالصوت لا يستحدث لأنه يحدث من أصل معاناة، وهو لا يفنى لأنه موجات تستمر في التضخم حتى تصطدم بجدار صلب صخري، فتعود كرجع صدى حتى يمتص بملامسته لسطح لين هين مرن يتمثل في تجاوب فعال.

هذه ليست فلسفة أو تلاعبا بالألفاظ، بل هي استعارة للفيزياء في تصوير (السيكيولوجيا)، أو الحالة النفسية لصاحب الشكوى التي تبحث عن من يتجاوب معها.

بفعل تزايد قنوات الإعلام وسرعة انتشار آليات التواصل الاجتماعي ومواقعه، فإن الشكوى أصبحت تجد أكثر من وسيلة تنشرها، وأكثر من قناة تنقلها، وأكثر من تقنية توصلها وتكرر إيصالها، حتى تحولت الشكوى إلى صراخ. وفي المقابل، فإن التجاوب من بعض المسؤولين مع الشكوى وصل أدنى مستوياته وأضيق حدوده وأقل نسب حدوثه.

من حيث المستوى، فإن أمر الرد على الشكوى أصبح يتولاه موظف صغير في مسؤولياته وقدرته على الوفاء بما يعد، وهو في الغالب مسؤول علاقات عامة أو ناطق رسمي!!، بينما في السابق يتولى الوزير شخصيا الرد على شكوى الناس، ويعد شخصيا بالتفاعل السريع معها، وكان غالبا يفي بوعده (غازي القصيبي ــ رحمه الله ــ أحد أشهر من جسد هذا المستوى من التجاوب مع الإعلام).

ومن حيث الحدود، فقد ضاقت كثيرا، فحتى مسؤول العلاقات أو الناطق الرسمي أصبح لا ينطق كثيرا في ما يخص شكوى الناس، ولا يتوقف أبدا عن النطق في ما يخص التلميع.

ومن حيث نسبة الحدوث، فقد انخفضت كثيرا جدا، ولك في الصحف عبرة، فقد كانت ردود الجهات الحكومية تنهال تلقائيا وتخصص لها أكثر من صفحتين يوميا وبعدة مسميات بالرغم من أن الرد يذيل بعبارة (على أن ينشر في نفس مكان الشكوى)، واليوم ــ بالكاد ــ تجد ردا من مسؤول وبعد إلحاح مراسل!!.

ارتفاع الصراخ وانخفاض درجة ومستوى التجاوب ليس مؤشرا جيدا، ويجب تصحيح المؤشر وبسرعة.

اترك رد