ضعف الرقابة بين الصالح والطالح

أكثر ما يحبط الموظف الصالح هو أن يرى زميلا فاسدا يستفيد من الفساد ولا تضبطه عين الرقيب، أو تراه وتتغاضي، أي أن يرى الفاسد يستفيد من فساده ولا يخسر بعقوبة، وأكثر ما يشجع الفاسد هو عدم مراقبته والاحتمال الكبير لنجاته بفعلته دون عقوبة.

لو تقصينا الكثير من مشاكلنا التي نتعرض لها لوجدنا أن أساسها هو ضعف الرقابة وأمن العقوبة وإساءة الأدب المبني على أمن العقوبة في كثير من دوائرنا ووزاراتنا ومؤسساتنا، ودعك من مكافأة الموظف المحسن، فهذه مرحلة لاحقة تأتى بعد معاقبة المسيء في جدول الأولويات؛ لأن الموظف المخلص الصالح لا ينتظر جزاء ولا شكورا، وإن حصل شكره ومكافأته فرح وازداد حماسا وولاء للوزارة أو المؤسسة، أما ولاؤه للوطن ففطري موجود.

الأكثر أهمية لدى الطرفين أو الفئتين من الموظفين الصالح والطالح هو عدم إفلات الطالح من الرقابة ومن ثم العقوبة الرادعة.

استعرض ما شئت من الأمثلة، ولنبدأ بأكثرها شيوعا ولا نقول أقلها خطرا:أستاذ الجامعة الذي يتحمل عبئا تدريسيا هو الأعلى ويجري أبحاثه بنفسه وينتظر الترقية سنوات طويلة؛ لأنه عمل لها بأمانة، سعيد جدا بأمانته، لكن يسوؤه ويحبطه أن يرى الكثير من زملائه لا يقومون بالحد الأدنى من العبء التدريسي المطلوب ولا يجرون أبحاثهم بأنفسهم ويعملون مستشارين في دوائر حكومية بطريقة صورية مدفوعة الأجر ويحصلون على الترقيات السريعة!.

الطبيب الاستشاري الذي يحضر لعيادته بالتزام ويقوم بتدخلاته العلاجية نحو مرضاه بأمانة ويراجع ملفاتهم قبل كل تدخل ويدرب أطباء الامتياز والمقيمين ولا يوكل واجباته لهم ولا يعرض مرضاه للخطر، هو سعيد بأمانته، لكن ينغص عليه أن يرى زملاءه يخرجون من الدوام من العاشرة صباحا ويذهبون لتكسب غير مشروع في مستشفيات خاصة ويهملون مرضاهم ويعرضونهم لأخطاء الطلبة والمتدربين وقليلي الخبرة دون أن تكتشفهم عين رقيب، أو تراهم وتجاملهم.

قس على المثالين ما تريد، وستجد أننا لو فعلنا العمل الرقابي بعزم في وزاراتنا كلها وشددنا المحاسبة بحزم وعاقبنا بصرامة، فإن كثيرا من مشاكلنا بل كوارثنا ما كانت لتكون.

لك أيضا أن تتخيل لو طبقنا المحاسبة بأثر رجعي مثلما يطبق وطننا الغالي المكافأة بأثر رجعي، فهل سيهمل مسؤول أو مدير ما يعرض حياة الناس أو أموالهم للخطر؟!.

مثلا، لو علم من تساهلوا في التعامل مع الكورونا أنهم سيحاسبون بأثر رجعي، هل كانوا سيجرؤون على التهاون؟!.


اترك رد