في زمن طفولة جيلنا لم تكن المدنية قد حضرت بسلبياتها وايجابياتها، ولم تكن المخدرات قد انتشرت، ولم تكن الحوادث المرورية ولا الجرائم قد ارتفعت نسب حدوثها، وكانت نسبة الشباب الى عدد السكان أقل بكثير منها الآن بكل ما يصاحب ارتفاع نسبة الشباب من صعوبات وطيش واحداث مصاحبة، ومع ذلك كان الأمهات والأباء اكثر حرصاً على تربية أبناءهم والحفاظ عليهم من وقتنا الحاضر مع أن أمهات جيلنا وأباءهم كانوا أقل تعليماً لكنهم كانوا أعلى حساً وتحملاً للمسؤولية، لم تكن الشغالة هي الأم ولا السائق أباً.
اليوم يحق لنا أن نفخر بجهود رجال الأمن وتحملهم لما ينتج عن إهمال الأباء والأمهات من جرائم وأيضاً من ضحايا، فقبض رجال الأمن على كل معتدٍ خلال زمن قياسي لا يتجاوز الساعات إنجاز يحسب لرجال الشرطة والبحث الجنائي وفرق القبض، ولعل القبض على المجرم ابوساطور الذي حاول اختطاف طفلين أحدث الأمثلة وليس أولها ولن يكون أخرها.
تحدث كثر عن جريمة أبوساطور ومحاولته خطف الطفلين، لكن الأهم في نظري أنه حان الآوان لنتحدث إعلامياً في برامج التلفزيون وفي الصحف وفي المنتديات وفي وسائل التواصل عن دور الأم والأب في تواجد أطفالهم مهملين في الشوارع منفردين ودون رقيب، لماذا يعرّضون أطفالهم أصلاً لأمثال أبوساطور، لماذا يسير الطفل في شارع خالي وحيداً، ولماذا يترك الطفل يعبر شوارع وخطوط سريعة، ولماذا يترك المراهق يحضر استعراضات تفحيط ويتجمهر على فعاليات مجرمي العبث بأرواح الناس في شوارع التفحيط.
يجب علينا على مستوى وطني أن نبدأ بمحاسبة الأباء المقصرين والمهملين لأطفالهم مثلما نحاسب من يعتدي عليهم فكلاهما سبب، أحدهما خلق الفرصة بإهماله والأخر استغل الفرصة بإجرامه.
في زمن جيلنا كنا لا نخرج للشارع الا بإذن وبوجود رقيب، وكانت الأم تخوفنا بأشياء هي في الواقع طبيعية ولكنها بمسميات مخيفة، مثل (لا تخرج للشارع يجيك حمار القايلة)، كلمة حمار القايلة مخيفة كأنك تتحدث عن وحش والحقيقة أن الحمار مجرد حمار سائب أو حمار يسحب عربة قاز، أو عربة تحميل، والقايلة هي عز الظهر والأم ركبت الجملة ليكون للشارع هيبة، فما المانع أن تقول الأم اليوم لطفلها لا تخرج للشارع يجيك ابوساطور، فضلاً لا تقل لي هذا تخويف لا يتناسب مع التربية الحديثة والصحة النفسية، فإن تخوفه أمه خير من أن يرهبه أبوساطور ويحطمه حاضراً ومستقبلاً.