لا أؤيد مطلقا استجابة الصحافي لدعوة الشركات والمؤسسات الخاصة للسفر علي حسابهم، كون ذلك يعتبر من محاولة شراء الذمة أو شراؤها فعليا، خاصة حينما تكون الشركة أو المؤسسة ذات طابع خدمي ولها علاقة مباشرة بالمستهلك أو العملاء أو المشتركين اللذين هم في حاجة إلى الصحافي لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم ونقد مقدم الخدمة، فغالبا تهدف هذه الشركات من استضافة الإعلامي إلى كسبه لصفها أو الثناء عليها أو تجنب نقد قلمه على أقل تقدير!.
حتى بعض الجهات الحكومية الخدمية ذات المساس المباشر بالمواطن في صحته أو تعليمه أو سكنه أو نقله يعتبر سفر الصحافي على حسابها أمر غير مهني ويدخل ضمن تضارب المصالح فوضع الناقد الإعلامي حساس جدا، فالناس تقول في المثل الشعبي ( أطعم الفم تستحي العين) في تعبير عن أن (العزومة) تردي العزيمة وإشباع البطن يكسر العين.
قد أكون أكثر حساسية لهذا الموضوع كوننا نحن الصيادلة السعوديين نعارض تماما دعوات شركات الأدوية للصيادلة والأطباء لحضور المؤتمرات على حسابها، فقد كنا نرى أثر ذلك على قرار الصيدلي في إدخال صنف دواء لقائمة أدوية المستشفى و قرار الطبيب في وصف اسم تجاري بعينه، لذا فنحن نعتبر الاستجابة لدعوات الشركات غير أخلاقي و لا مهني.
دعوة الاتحاد السعودي لكرة القدم وهيئة الرياضة السعودية لعدد كبير من النقاد الرياضيين لحضور كأس العالم في روسيا علي حسابها (محفول مكفول)، أمر لا يخرج عما ذكرناه بدليل أنه كان قبل وبعد توجيه الدعوات موضع لغط وكان له تأثير كبير على إيجابية النقد وطغيان الثناء الذي أثر سلبا على دور الصحافة الرياضية وتأثير أكبر على عدالة توزيع الرقاع بدعوة صحافي رياضي وتجاهل صحافي رياضي آخر!، و إن كنت أكرر القول أن الرقاع ما كانت لتوزع أصلاً.
يفترض في الصحافي أو الإعلامي أن يسافر على حساب الوسيلة الإعلامية إن كان مراسلاً أو على حسابه الخاص إن كان كاتبا أو ناقدا، وهذا مطلب أساس لاستقلالية الإعلامي وعدم تأثره أو كسر عينه، فالناقد المهتم يجب أن يضحي بماله ووقته ويرفع الحرج عن نفسه وعن استقلالية الرأي وعن الداعي، فالكم الكبير الذي دعي هذه المرة مكلف جدا و إيجابيته معدومة، بل أن الجمهور السعودي الذي حضر إلى روسيا على حسابه الخاص كان الأكثر فاعلية وإيجابية ورأينا كيف أحرجوا مراسل قناة الحمدين (بي ان سبورت) بهتافات وطنية جعلته يتجمد في مكانه، ولم يكن بينهم مدعو مجانا ممن نعرفهم!.
صحيح أن الدعوات هذه المرة كانت أكثر شمولية وتعددا مقارنة بمناسبات مضت كانت حكرا على فئة من الإعلاميين الرياضيين ويحكمها الميول!، لكن الدعوات أساسا أمر غير مستحب والاستجابة لها لا يخدم المهنية واستقلالية النقد فأستطيع القول أن دعوة هيئة الرياضة أو اتحاد الكرة للصحافيين الرياضيين (محفولين مكفولين) لا يتناسب مع التوجه الحالي للسعودية الجديدة القائم على عدالة وعقلانية الصرف حتى لو كان على حساب راعٍ أو معلن وترشيده إذا كان على حساب الدولة، كما أن نتيجته واضحة جدا و متوقعة (أطعم الفم يستحي القلم) وهذه النتيجة لا يتحمل وزرها لا اتحاد الكرة ولا الهيئة إنما يتحمله نقاد استحت أقلامهم من النقد ولم تستح من التعصب!.