لم يعد الأمر موضوع حريات شخصية لشعوب أو دول أو تقاليد أمم، فقد أصبح تناول لحوم محرمة لحيوانات قذرة بطبيعتها أو بيئتها أو ذات دور قذر في مهمتها في السلسلة الغذائية لأنها تتغذى على قوارض أو حشرات قذرة أو فضلات آدمية أو حيوانية، أصبح مصدرا لفيروسات خطرة على شعوب العالم أجمع، مثلما حدث و يحدث الآن في جائحة كورونا التي قتلت آلافا مؤلفة من شعوب العالم ممن لا ذنب لهم في مصدر هذا التلوث و أصله.
وعلى هذا الأساس فإنني أقترح على الأمم المتحدة ممثلة في منظمة الأغذية والزراعة و منظمة الصحة العالمية إنشاء إتحاد عالمي للغذاء له صفة الرقابة والتنفيذ و تحديد الأغذية المباحة عالميا و الأغذية المحرمة دوليا، تماما مثل الأسلحة المحرمة دوليا، و لعل أقوى مبرر مؤيد لهذه الخطوة أن وباء كورونا قتل في أنحاء العالم خلال شهر واحد عدد يفوق ما قتله السلاح في سنوات!، و بناء على أبحاث قديمة منذ أول سلالة من فيروس كورونا فصلت في الستينات الميلادية و أبحاث و توقعات علمية معاصرة فإن لتناول لحوم الخفافيش و الثعابين و بعض القوارض والحشرات القذرة دور في تكون الفيروس.
ومن أجمل ما قرأت، أثناء تقصي هذا الموضوع، مقالا للزميل الأستاذ عبدالوهاب الفايز بعنوان ( كما تفاعلنا مع كورونا.. هل نسرع تنظيم قطاع اللحوم و الأغذية؟) تطرق فيه لما اتخذته الصين من إجراءات للحد من ممارسات تناول لحوم تلك الحيوانات، ولم تتمكن إلا بحجة حماية تلك الحيوانات النادرة من الإنقراض، و عرج على معلومات هامة عن ممارسات عصابات تجارة اللحوم في تايلند مثلا و ما كشفه برنامج (ستون دقيقة) الأسترالي من مواقع سرية تحتجز كميات مهولة من الخفافيش والثعابين و القرود المعدة لتجهيز لحومها للبيع في شرق آسيا تحديدا، و مقال الزميل الأستاذ عبدالوهاب يركز على ضرورة حماية الدول أنفسها ذاتيا من هذه الممارسات، و أن نتخذ نحن وطنيا خطوات لتنظيم قطاع اللحوم و الأغذية وهذا هام و خطوة وطنية ضرورية و كعادة مقالات الأستاذ عبدالوهاب فإنها ترسم استراتيجيات وتكون قائمة على أساس علمي مدعم بالمراجع و الحقائق.
أما أنا فأرى إضافة للجهود والخطوات الذاتية للدول فإن المنظمات والهيئات الدولية يجب أن تتخذ خطوة دولية حاسمة تحول دون أن يتعرض العالم بأسره للخطر بسبب ممارسة سكان دولة أو حتى بقعة، لأن الأمر هنا لا يتعلق بمكان محدود بل أصبح تنقل فرد واحد قد يدمر العالم أجمع، لذا فإن قانونا دوليا لا بد أن يتحكم في السلوكيات الغذائية لسكان العالم بما يحمي بعضهم من بعض، وجدير بالتذكير أن القرآن الكريم حدد المباح و المحرم من الطعام والشراب، و جدير بالذكر أن تعاليم الدين الإسلامي و منها غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق والطهارة من الحدث بالماء أثبتت أنها من أهم سبل الوقاية من كورونا وغيرها.