معروض طلب قطعة ورق وليس قطعة أرض!! ليت منح الأرض بسرعة الورق!!

منذ ١٨ سنة و تحديدا في ٢٩ يوليو ٢٠٠٢م كتبت في جريدة الرياض في زاويتي (بصوت القلم ) مقالا بعنوان ( الإعلام يظلم عسير ) و كان حينها بعض الأقلام و رسوم الكاريكاتير تبالغ في وصف غلاء إيجار السكن في أبها، فذهبت، عائلتي و أنا وقضينا ،لأول مرة ، أجمل و أسعد و أرخص إجازة صيفية، في منزل صغير جميل في السودة، فوصفت ما وجدت بمنتهى التجرد من العاطفة و أذكر من المقال هذه الجزئية:

 (( بعد الاستقرار لعدة ايام والاستمتاع بخدمات ومرافق القرية السياحية، غلب عليّ ميولي القروي فقررت الاستمتاع بالريف في مسكن منفرد في نفس المنطقة شاهقة الارتفاع فكانت الخيارات متعددة من المنازل الجميلة المفروشة والمؤثثة بكل الاحتياجات الاسرية ولم يتجاوز ايجار اي منها مائتي ريال يومياً مع ان العقد يحدد ان الماء والكهرباء على المالك واخترت منزلا جميلا يقع منفردا في قمة جبل تلامسه السحب من كل جانب ويصل اليه الطريق المعبد حتى عتبة الباب بإيجار يومي قدره مائة وخمسون ريالا علما ان قيمة صهريج الماء الذي يتكفل به المالك متى شئت هي مائة ريال!! فما عساه يوفر؟! واي غلاء يتحدثون عنه؟! .. في ذلك المنزل امضت الاسرة أسعد 30يوما صيفيا لم تجدها في اي مصيف آخر من قبل (لا أحب الحديث عن تجارب الذات ولا اقولها تباهيا ولكن توثيقا واداء شهادة حق وحتى لا يقول قائل، هذا ما شاف عيشه، فقد قضيت اجازات صيف في اورلاندو وباريس وماليزيا ولندن ولم اجد امتع ولا أجمل ولا ارخص ولا آمن من عسير، كان السحاب يحتضن المنزل الصغير من كل جانب حتى لا تكاد ترى من حولك، تنام على صوت زخات المطر وخرير الجداول وتصحو على نغمات حبات البرد تطرق الباب الحديدي الآمن فأي سعادة اكبر ينشدها السائح!، ما الذي يريده الهارب من حر الصيف اكثر من نسمات باردة وظواهر طبيعية فريدة وتحليق فوق السحاب وتجوال في منتزهات طبيعية بكر “بأمان تام لا غريب ولا مستغرب” وبين مواطنين قمة في الكرم وحسن التعامل..اين يجد رب الاسرة نظما واجراءات تصون حرمة العائلة وتمنحها الميزات والاولوية (العائلة في مصايفنا هي بطاقة التسهيلات الذهبية) هذه الميزة لا تشعر بأهميتها الا عندما تفتقدها في الخارج باستثناء من لا يهمهم تقديم التنازلات من بند العادات والتقاليد والأخلاق والقيم..)) انتهى. والمقال موجود في مدونتي هذه بنفس العنوان.

بعد نشر المقال بيوم واحد قام صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ( أمير عسير آنذاك ) بإعادة نشر صورة المقال صفحة كاملة ملونة في صحيفة (الوطن) و ذيلها بعبارة كريمة ( شكرا لمن صدق ) و كانت ( حسب علمي) أول و آخر مرة تنشر فيها صحيفة منافسة مقال صحيفة أخرى صفحة كاملة بترويسة الصحيفة المنافسة و تفاصيلها.

بادرت بشراء ثلاثة أعداد من (الوطن) و احتفظت بها في مكتبتي لسنوات، حتى إذا اجتهدت إحدى بناتي أثناء سفري في مؤتمر و قامت بترتيب مكتبتي و ظنت أنها صحف قديمة قرأتها فتخلصت من الأعداد، ومنذ بحثت ولم أجدها و أنا أحاول لسنوات، بعلاقاتي مع الزملاء في الوطن ولم أجد نسخة من العدد، ومر ١٨ سنة حتى جمعني لقاء وزارة التعليم الشهر الماضي مع الدكتور عثمان الصيني و كنا على نفس الطاولة فكتبت له وريقة عنونتها ب (معروض طلب قطعة ورق لا قطعة أرض) طالبا مساعدته في الحصول على نسخ من العدد، فوعدني و كعادته صدق، وحصلت خلال يومين علي صورة PDF  من الصفحة ( ليت منح الأراضي بهذه السرعة ) ووعد من موظف المحاسبة في جدة بالبحث عن نسخة ورقية.    

اترك رد