من الواضح جداً أن مؤسسات القطاع الخاص لدينا باتت متخلفة كثيراً عن الوزارات والمؤسسات الحكومية التي قفزت قفزات نوعية في مجال الخدمات والتعاملات الإلكترونية وسرعة الإنجازات، ففي الوقت الذي تطور فيه أداء الأجهزة الحكومية بشكل ملحوظ، بقي القطاع الخاص يراوح مكانه، بل تراجع أداؤه كثيراً ولم يواكب المرحلة على الإطلاق، وقد يعني هذا أن مؤسسات القطاع الخاص تحتاج إلى موقف حكومي وإجراءات وغرامات تجبرها على مسايرة ركب التطور، أي باختصار حان الوقت للتوقف عن تدليل هذا القطاع.
الأمثلة على ما ذكرت كثيرة ولا أستطيع التفصيل في الأمثلة، لأن ذلك يستدعي الاستشهاد بأسماء بعض الشركات والمؤسسات وهو أمر ينطوي على تشهير لا أملك حقه، ولا أريد أن أملكه، فالهدف هو الإشارة إلى السلوك أو الظاهرة دون تحديد اسم الطرف أو الأطراف.
خذ على سبيل المثال البنوك، لم ترتق مطلقاً بخدماتها بل تراجعت كثيراً ولعل الشكوى مؤخراً من انتهاء تاريخ صلاحية بطاقات الصراف (مدى) وتوقفها عن العمل قبل إصدار بطاقة جديدة أمر أصبح محرجاً جداً للعملاء أثناء التسوق حيث يتفاجأ رب الأسرة أنه لا يستطيع دفع ثمن مشتريات أساسية لأن بطاقته أوقفت دون الحصول على جديدة، وهذا تراجع في الخدمات، فقد كانت بطاقة الصراف الجديدة تصدر قبل انتهاء القديمة بشهر، وهذا التراجع يتنافى مع خطوة حكومية مهمة في محاربة التستر عن طريق فرض توفير مكائن السداد الإلكتروني في نقاط البيع وتقليص الدفع بالنقد، كما أن البنوك أصبحت تطلب حضور العميل لإجراءات يفترض أن تتم عبر الموقع الإلكتروني لو تم ربطه بطريقة صحيحة وآمنة كما هي الحال في (أبشر) و(توكلنا) و(صحتي).
في مجال التعليم فإن تجربة التعليم عن بعد أثبتت أن المدارس الحكومية متقدمة بمراحل عن المدارس الخاصة والأهلية من حيث فاعلية وتفاعل واستمرارية منصة (مدرستي) مقارنة بمنصات المدارس الخاصة، هذا خلاف التقاعس في مجال السعودة والمماطلة في هذه الخطوة التي طبقها التعليم الحكومي منذ عشرات السنين، وكنتيجة للتقاعس قل الانضباط وقل مستوى المخرجات وزاد الغياب والدروس الخصوصية.
في القطاع الخاص الصحي حدث ولا حرج، فيكفي من تخلف المستشفيات الخاصة والأهلية عن الحكومية أن الخاصة لا تعتمد على أطباء استشاريين متفرغين، بل تفسد أطباء حكوميين بأن تسرق وقتهم من المستشفى الحكومي ومن مرضاه لتشغلهم بطرق غير نظامية ولا مشروعة مع إعطائهم (طفسة) من النسبة وجزءاً يسيراً من كعكة الربح الذي تحققه من هذا السلوك المشين، وبالتالي لا تجد لديهم استشاريين في تخصصات أساسية وتكثر لديهم الأخطاء الطبية وتقل الميكنة المتوفرة في المستشفى الحكومي الذي يعالج مجاناً ولكن بشرف!! وسبق أن اقترحت أن تأخذ الدولة ممثلة بوزارة المالية حقها من هذه المخالفات في شكل غرامات مليونية، فتلك المستشفيات لا هي وظفت الاستشاري السعودي متفرغاً ومنحته ذات المميزات وتركت المستشفى الحكومي يفرخ المزيد من الأطباء السعوديين عن طريق توظيفهم كبدلاء وتقليل بطالة الأطباء الجدد، ولا هي وظفت خريجين سعوديين جدد وصرفت على تدريبهم وتطويرهم كما تفعل الحكومة، بل سرقت وقت الاستشاريين من الحكومي وجعلتهم يبقون على وظائفهم الحكومية ويحرمون غيرهم من التعيين!!
مجمل القول: إن القطاع الخاص يجب أن يفطم ويوقف تدليله بما يجعله يقوم بدوره الذي يوازي مكاسبه فلا يكون منشاراً ذا وجهين، (يأكل رايح جاي).
نشر في صحيفة الرياض يوم الأحد 1 جمادي الاولى 1443هـ 5 ديسمبر 2021م