سطو مسلح على بنك الإنجازات

الإنجازات الوظيفية والعلمية والبحثية والطبية ثروة وطنية عظيمة لا يستهان بها، وأصحاب الإنجاز الحقيقيون ثروة وطنية أثمن وأعظم، وحراستهما من السطو ضرورة وأولوية مهمة، فقد يبقى الإنجاز وإن سرق، ولكن المبدع الحقيقي الذي أنجزه سيتعرض للإحباط ويتوقف عن الإبداع وهذا جد خطير.

تتعرض إنجازات الموظف الصغير، سواء كان طبيباً أو باحثاً أو عالماً أو مهندساً أو مفكراً، للسطو من مديره أو رئيسه المباشر، أما سلاح السطو فهو سلاح أبيض يتمثل في ورق المخاطبات البيروقراطية وهو سلاح حاد جارح مسلط على الموظف بقبضة المدير أو الرئيس المباشر، والذي لا يمكن للموظف أن يتخطاه في المخاطبات حتى لو تعلق الأمر بإبداع طبي أو هندسي أو فكري أو علمي أو بحثي لا يقدر عليه إلا ذلك الموظف الملهم المبدع، ولا يمكن للمدير أن يحققه لكن يمكن له أن يختطفه، ويعرف جميع موظفو المؤسسة أن ذلك الإبداع لا تصل إليه قدرات المدير أو الرئيس المباشر ولا فكره، أو هو أصلاً ليس تخصصه الدقيق وأن من قام به غيره، وهذا أشد خطراً، لأنه يخلق لدى الجميع حالة من عدم الثقة في المؤسسة ولا في الإنجازات.

عشت في العمل الوظيفي أكثر من أربعين سنة منها مجال أكاديمي كمعيد ومحاضر ومنها مجال علمي كباحث ومجال صحي كصيدلي ومجال إداري مصاحب لكل هذه المجالات ورأيت حالات من السطو المسلح على إنجازات طبية وبحثية وفكرية وهندسية وعلمية ضحاياها موظفون صغار مبدعون جداً، والسلاح الأبيض المستخدم فيها الورق المدعوم بساطور سلطة المدير.

أكثر ما كان يؤلمني ملامح وجه الضحية المسروق وانعزاله وتوقف إبداعه، وما يؤلمني أكثر أن وطني خسر قدراته، أما ما كان يستفزني فهو وجه سارق الإنجاز وهو يتلقى التهاني مبتسماً، فهو يذكرني بمثل (فلان وجه ابن فهره).

أما ما يسعدني ويسعدكم هو أن هذا العصر يبشر بتلاشي هذه الظاهرة عن طريق فرص التواصل مفتوح المجال والأفق إلكترونياً، والحزم والعزم والجدية في محاربة الفساد، (وذلك فساد إداري)، ويسرني أن أقترح أن يفرض على كل الوزارات والمؤسسات تطبيق نظام مخاطبات تعلمناه من بعض الشركات العالمية، حيث يمكن لأصغر موظف مخاطبة أعلى مدير بصيغة (من الموظف فلان، خلال مديره فلان، إلى المدير الأعلى) دون اشتراط توقيع مدير الموظف أو رئيسه المباشر، بل بإطلاعه فقط، وأن يتم إلكترونياً لا ورقياً.

هذا في المخاطبات والإبداع الفكري والأفكار والمقترحات، أما في الإنجازات العملية اليدوية مثل إنجازات العمليات الطبية والهندسية والحاسوبية والعلمية والبحثية، فأقترح أن تتولى جهة محايدة بعيدة عن المؤسسة والمدير تقصي حقيقة من أنجزها والفصل فيها، فنحن في حاجة للمبدع لا لمن سرقه. والله أعلم وأحكم.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 18 صفر 1444هـ 14 سبتمبر 2022م

اترك رد