المرأة العربية.. لماذا نفخ الشفاه؟!

يجب أن نعترف أننا في البلاد العربية لم نعطِ اهتماما يذكر للأبحاث والدراسات الاجتماعية، رغم أن لدينا مراكز أبحاث وعلماء اجتماع، ولدينا ظواهر اجتماعية تستحق البحث والدراسة، ومن تلك الظواهر ما هو غريب ومستغرب يستحق التوقف عنده كثيرا، خاصة كل ما له علاقة بالثقة بالنفس والتقليد الأعمى.

يجب أن نعترف أيضا أننا، مثل كل البشر، نعجب بالجمال وننظر إليه، حتى لو ادعى بعضنا غض البصر وعدم النظر، فإن لنا النظرة الأولى التي قد تطول، وأغلبنا نعشق الجمال مثلما نمقت القبح، بل إن من العرب القدامى من مات عاشقا وجن جنونه وهام محبا، هذه صراحة وحقيقة يجب أن نعترف بها ونتناولها بشفافية وإلا فإننا نغالط أنفسنا.

ومما يلفت انتباهنا التغيرات والتغييرات التي تحدثها المرأة في نفسها، خاصة إذا كان تغيير مكلف إلى الأسوأ أو الأقبح، وعندما يكون السلوك مكلفا ماليا ومشوها جماليا فهو أمر يدعو للدراسة والبحث، علنا نجد سبيلا للتوجيه والتوعية بالسلوك الصحيح ليضاد حملة الترغيب التي تمارسها المراكز المستفيدة من الترويج للتغيير في الملامح والشكل إلى ملامح جديدة لا تضيف جمالا، بل تؤدي إلى تشوه اشتكت منه كثير من النسوة ورفعت بسببه قضايا تشويه بل ومضاعفات طبية خطيرة بعضها أدى إلى بتر أعضاء، ومن عمليات (التجميل) مجازا، وهو إلى التشويه أقرب، عمليات نفخ الشفاه ونفخ بعض أجزاء من الجسم وهي عمليات أصبحت رائجة وأدت لأخطاء وكوارث طبية، خاصة مع تحولها لعمل تجاري بحت وانتشار مراكزها بشكل عشوائي تصعب مراقبته.

هنا لن أعمم كما قلت عن النظر للجمال أو العشق، وسوف أقول إنني وبعض الرجال ننظر لأخبار دول أوروبية وولايات أميركية ونرى نساءهم في الأخبار، وفي الأنشطة والحفلات والمناسبات، بل وحتى في الأفلام، ومما يلفت النظر أن غالبية نسائهم لا يجرين عمليات نفخ الشفاه ولا غيرها ويبدين أقرب لطبيعتهن دون تكلف ولا مزيد تجميل ولا تشويه، ليس لأنهن أجمل من العربيات، فجمال العربيات مشهود ومعروف، لكن ربما لأنهن أقل تأثرا بخداع المروجين وأكثر ثقة في النفس وأكثر خبرة في عناصر الجمال الحقيقي وملامحه.

النفخ والتفخ والقص والتقليص وعمليات التصغير والتكبير وتعديل الأنف وتضييق المنخرين وغير هذه العمليات التي تسمى تجاوزا بعمليات تجميل، هي شأن شخصي لا دخل لنا فيه، لكنها حينما تتحول إلى عمليات تشويه وحدوث مضاعفات تستدعي تدخلا طبيا مكلفا، تستوجب أن ندرس أبعادها وقبل ذلك مسببات رواجها، ومن أهم الأسئلة التي يجب طرحها (في ظني) هو: ما هي الدوافع النفسية التي تجعل المرأة العربية تلجأ لهذه العمليات؟! وهل للثقة في النفس دور في إجراء مثل هذه التعديلات دون حاجة حقيقية؟! وهل علينا أن نكثف الحملات المضادة وأن نركز مستقبلا على غرس بذور الثقة في النفس وتقوية جذورها في المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام؟!.

كل ما عليك هو أن تركز في النظرة الأولى على شفاه الكاشفات من العربيات وتقارنها بشفاه الغربيات ولا تطيل النظرة الأولى وإن أطلت لغرض البحث والتأكد فعسى أن لا يكون عليك حرج، وستجد أن انتفاخ الشفاه وامتلاءها ينم عن شخصية فارغة من الثقة.

نشر في صحيفة الرياض يوم  السبت 25 محرم 1445هـ 12 أغسطس 2023م

اترك رد