مدافع عندهم ومهاجم عند غيرهم

ذلك المدافع الصلب الشرس، الذي يصل في دفاعه حد إغراء المهاجم بما يجوز وما لا يجوز ويغضب مع كل هجمة ويحاول بما أوتي من قوة وصلابة رد الهجوم بالأمس، هو قبل الأمس وربما غدا مهاجم أشرس، يهاجم من كل جهة ويشتاط غضبا على من يدافع فيهاجم ذات اليمين وذات الشمال ومن الأمام ومن الخلف ومن فوق وإن استطاع من تحت.

هذه حالهم، عرفتها منذ بدأت الكتابة النقدية منذ أكثر من أربعين سنة، لذا أسميتهم كما سماهم بعض كتاب دول سبقتنا (الفم الكبير) وعرفتهم أكثر عندما شاركت مع 34 زميلا غيري من خيرة الكتاب والناشطين والمهتمين بالمستهلك في تأسيس أول جمعية لحماية المستهلك في المملكة منذ حوالي ثلاثين سنة.

إنهم موظفو العلاقات العامة أو الشؤون الإعلامية في الشركات الخدمية ووكلاء شركات السيارات والأجهزة والمعدات والمتاجر ومصانع الغذاء والدواء وبعض المؤسسات والجهات الحكومية، وهؤلاء الموظفون يستميتون في الدفاع عن الشركات والمؤسسات والجهات التي يعملون بها عند طرح أي موضوع يهديهم لعيب في خدماتهم أو يبين لهم قصورا في أدائهم لواجباتهم نحو المستهلك.

للأسف لدى كثيرين من القائمين على قسم العلاقات العامة والشؤون الإعلامية وبعض رؤسائهم مفهوم خاطئ عن مهام هذا القسم، فهم يرون أن مهمته الدفاع المستميت عند ورود شكوى لدرجة النفي، بينما المفروض أن من مهامه التقصي عما يرد من شكوى أو ينشر من نقد وتحويل النتائج للرئيس التنفيذي وهو بدوره يكلف من يحقق في القصور أو التقصير – إن ثبت – ويعترف به ويمنح التعويض أو الاعتذار للمشتكي والشكر للناقد ثم يبادر بعلاج أسباب القصور.

ومن الصور الأكثر سوءاً لدى بعض الجهات قيامهم بمنح تسهيلات للكاتب أو الناقد وحل مشاكله هو وترك المشكلة الأساسية قائمة يعاني منها الجميع، بل يصل بهم الأمر إلى منح مميزات للكاتب لكسب رضاه وإسكاته، وهذه أقبح صور الرشوة، فإن رضي وسكت فهو أقبح منها، فالكاتب الأمين النزيه حتى لو واجه مشكلة في خدمة فإنه لا يقبل بحلها له هو فقط بل يطالب بحل يصحح الخطأ الذي سيواجهه غيره ولا يقبل أي مميزات.

ونصيحة مخلصة لكل موظف يدافع عن أخطاء وقصور الجهة التي يعمل بها فأقول له: أنت تغضب وتدافع عن هذه الجهة ضد شكوى مستهلك لأنك موظف فيها، لكن تذكر أنك مستهلك لدى جهة أخرى، وسوف تشتكي يوما ما وتلح في المطالبة بحقك وهذه سنة الحياة، فلا تجور في الخصومة ضد مشتكي فيجار عليك، ثم تذكر أنك وأنت تعمل في الجهة المقصرة مطالب بالمساهمة في إصلاحها، وليس المساهمة في تماديها في ظلم المستهلك وتذكر أن “شر الناس من رضي ظلم الناس للناس”.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 21 صفر 1445هـ 6 سبتمبر 2023م

اترك رد