لا سقف للعقوبة

لطالما تساءلت ولم أجد إجابة وسأظل أتساءل عن أسباب «حنية» وهشاشة نظام الجزاءات لدينا عندما يتعلق الأمر بمقاول أو تاجر أو شركة موردة أو وكيل شركة.
مثالي اليون هو نظام الجزاءات الحكومية على المتأخرين في تنفيذ المشاريع أو المتأخرين في توريد الإمدادات أو المتأخرين في توريد الأجهزة الطبية.

حيث ينص النظام على خصم (1٪) عن كل أسبوع تأخير في التوريد على أن لا يزيد على (4٪) من قيمة العقد وخصم لا يزيد بأي حال من الأحوال على (10٪) من قيمة العقد فيما يخص مشاريع الانشاء والصيانة والتشغيل.

نسبة الخصم الضئيلة تلك لا تشكل شيئاً يذكر من قيمة العقد ولا من ربحية المستفيد من التأخير، بل إن كثيراً منهم إن لم يكن جميعهم يحسبون حساب هذه النسبة في عطاءاتهم أي أنها مأكولة سلفاً ومأخوذة في الحسبان بل إن هذه النسبة وبسبب ضآلتها يمكن أن تمنح كتخفيض لأي زبون عادي!!.

فما هو يا ترى سر هذا الرفق والحنية بالشركة أو المقاول المتعاقد رغم خطورتها الكبيرة على الوطن وأبنائه في شكل تأخير لأدوية أو إمدادات طبية أساسية للحياة أو عرقلة لمشاريع إنسانية وحيوية هامة جداً؟!.

ثم إن وضع حد أعلى للخصم لا يزيد على 4٪ في التوريد و10٪ في المشاريع مدعاة لمزيد من التأخير في الامدادات أو تنفيذ المشاريع حيث إن التأخير لعدة أسابيع لا يختلف عن التأخير لعدة أشهر عند بلوغ الحد الأعلى للخصم وهو سقف واطي جداً (4٪) أو (10٪)!!.

هذا الحد ليس منطقياً على الاطلاق وغير مبرر بمصلحة عامة بل يصور الحرص على مصلحة خاصة للتاجر وشركائه ويشكل أداة تشجيع على المماطلة بعد بلوغ الحد الأعلى تنعكس آثاره سلباً على المصالح الوطنية بل وسلباً على الدخل الحكومي من الجزاءات المستحقة.

ويشكل هذا الخصم المشروط المحدود عائقاً أمام تنفيذ مشاريع حيوية كثيرة وإمدادات هامة بعضها تعتمد عليه حياة بشر كثر، ويعتبر معضلة كبيرة تعاني منها الدوائر والمؤسسات والوزارات الحكومية في محاولتها دفع عجلة التنمية خصوصاً وأن جل عقود المشاريع أو الامدادات الحكومية (إن لم يكن كلها) يعتمد على المناقصة التي تسمح بدخول مقاولين وشركات ومؤسسات إمداد ضعيفة وغير مؤهلة وذات بنيان هش تتعمد المماطلة والاستفادة من ثغرات نظام الجزاءات والعقوبات مثل ثغرة السقف الواطي جداً للجزاءات فيكون المتضرر الوحيد هو نماء هذا الوطن وتطوره، فكم من المشاريع تأخرت وكم من الأدوية والإمدادات الأساسية للحياة انقطعت بسبب تكتيف يد المسؤول بمحدودية العقوبة التي لا يمكن إلا أن تتم (حسب النظام) والنظام قديم لا يواكب متطلبات التنمية وما جد على السوق من طالح الشركات وغثاء سيل المقاولين والوكلاء.

فمن أجل الوطن والمواطن الصالح الصادق المخلص ومن أجل المرضى والمعاقين ومن أجل دفع عجلة البناء وتسريعها لابد من إلغاء سقف العقوبة وجعله يتناسب طردياً مع التأخر بالوفاء بالالتزامات وعندها «أي عندما تمس العقوبة ربحية التاجر أو تهدده بالخسارة» فإنه سيكون أكثر جدية والعقد شريعة المتعاقدين.

اترك رد