الشهر: أفريل 2005

الوجه الآخر للعرق المحلي

أولاً لابد أن نحيي الحملة الأمنية المركزة التي تتعاون فيها جهات متعددة للقضاء على أشكال متعددة من المخالفات في البطحاء ومنفوحة وعدد من أحياء الرياض التي نما فيها العفن والطحالب قبل أن تضيء عليها شمس تلك الحملة الموفقة.
قبل تلك الحملة وأثناءها وأرجو أن لا يكون بعدها كنا نطالع بين الفينة والأخرى أخباراً عن القبض على عمالة تمارس صناعة الخمور والتقطير في براميل كبيرة بطرق بدائية قذرة لتنتج ما يُعرف بالعرق وهو ما اصطلح على تسميته “مقطع عرق” ومنتجه يسمى عرقاً مصنعاً محلياً ويسميه السكيرة “عرق وطني” مع أنه لا يمت للوطنية بأدنى صلة ولكن من سوف يستكثر كلمة (سكران) أو يعتب عليها؟!.

لفت نظري أنه رغم كثرة حالات اكتشاف مصانع الخمور تلك والقبض على القائمين عليها وفضح أمرهم ورغم الكميات الكبيرة التي يقبض عليها، مما يدل على أن لديها سوقاً رائجاً، فإن التوعية بطبيعة هذه النوعية من العرق وخطورته معدومة تماماً وهذا قصور تعودنا عليه من الأكاديميين والمختصين فالأخبار ترد وتتردد عن اكتشاف (المقطع) دون معلومات عن خطورة استخدام المنتج نفسه.

مقاطع العرق تلك تستخدم إلى جانب النفايات القذرة من الفاكهة المتعفنة وأواني الزبالة والمواسير الصدئة والأيادي الملوثة والمواقع التي غالباً ما تكون دورات مياه تعج بالصراصير ويختلط فيها ماء الحمام بماء الاستحمام، أقول تستخدم إلى جانب هذا كله إضافات سامة شديدة الخطورة على العصب البصري وخلايا المخ وخلايا الكبد وتسبب السرطان.

إنهم يستخدمون مواد بديلة للكحول الإثيلي الذي يخضع لرقابة مشددة في بلادنا ولله الحمد فيضعون بدلاً منه مادة “البايردين” التي تستخدم كمذيب صناعي وفي صناعة المواقد وهي مادة تؤدي مباشرة إلى تكسر خلايا الكبد وثبت قطعاً أنها من المواد المسرطنة.

كما أنهم يستخدمون الكحول الصناعية والكحول المثيلي (ميثانول) وهو النوع السام من الكحول ويسبب تلف العصب البصري وفقدان البصر التام بعد حين كما أنه يسبب تليف الكبد بسرعة كبيرة ومنهم من يستخدم كحول التعقيم في المستشفيات (الأيزوبروبايل) وهو سام جداً وله تأثير مباشر على خلايا المخ والكبد والكلى ويسبب الفشل الكلوي بعد فترة قصيرة من الاستخدام وبصورة مفاجئة.

هذه معلومات أنقلها لكم كصيدلي وأؤكدها كباحث حيث سبق أن أجريت تحاليل عدة في كلية الصيدلة على عدد من المنتجات المقبوض عليها فوجدتها تعج بتلك الإضافات المميتة موتاً بطيئاً لكنه موت خسيس كفانا الله وإياكم شره فهل من متعظ يدرك خطورة ما يحدث.

غني عن القول أن تأجير الدور العلوي من الجسد وهو المخ يعتبر من أخس الأفعال سواء كان المستأجر نقياً أو ملوثاً فالسكءر في حد ذاته قتل لنعمة العقل فإذا ما صاحبه قتل للجسد فلا غرابة.

من يراقب مجالس الإدارة؟!

بمجرد أن تتحول الشركة إلى شركة مساهمة فإن السلوكيات المالية لرئيس وأعضاء مجلس ادارة الشركة المساهمة لم تعد شأن مؤسس أو أفراد عائلة فقد أصبحت تمس شريحة كبيرة في تعدادها وإن كانت صغيرة في نسبتها وهم المساهمون الذين يفترض أن يمتلكوا ما لا يقل عن 40٪ من أسهم الشركة حسب توجه الدولة الهادف لإتاحة فرص الاستثمار أمام المواطنين والذي نتمنى أن يفرض قريباً.. وعلى أي حال فإن امتلاك أي نسبة كانت من قبل الجمهور كاف لفرض رقابة خارجية على مصروفات مجلس الادارة وسلوكه المالي ويفترض أن يكون أهم شروط تحويل الشركة إلى شركة مساهمة لأن الهدف الحقيقي والسامي من إشراك المواطنين ليس مجرد رفع سعر السهم في السوق وشراء وبيع أسهم وحسب.
المراقب الوحيد حالياً على مجالس الادارة في الشركات المساهمة هو مراجع الحسابات وهذا وإن كان مكتب محاسبة خارجياً نظرياً فإنه في الواقع لا يعدو كونه موظفاً لدى مجلس الإدارة يأتمر بأمره!!

إن السلوكيات المالية لمجلس ادارة الشركة المساهمة حالياً لا تخضع لرقيب ونقصد سلوكيات رئيس وأعضاء المجلس حتى في بدلاتهم وانتداباتهم وتكاليف عقد مجلس الادارة في عاصمة أوروبية وخلافه من السلوكيات التي كانت في يوم ما تدخل ضمن صيغ المبالغة في المسرحيات والتمثيليات ولم تعد كذلك اليوم حيث أصبحت تشكل عبئاً مالياً على الشركة والشريك الذي هو المساهم الصغير.

إن السلطة المطلقة لأعضاء مجلس الادارة دون رقيب خارجي مستقل باتت تهدد حتى سلوكيات سوق الأسهم وأسعارها والتي عادة ما يذهب ضحيتها صغار المساهمين الذين تتم التضحية بمصالحهم لخدمة أهداف خاصة ومصالح شخصية لمجلس الادارة، خاصة عندما يكون رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو بعضهم أو حتى جميعهم أعضاء في مجالس شركات أخرى أي عندما يكون عضواً في أكثر من شركة ويوظف هذه العضوية المتعددة لخدمة احدى الشركات والإضرار بالأخرى وهكذا «دواليك».

إننا للأسف ونتيجة التأثر بطفرة سوق الأسهم نتعامل مع الشركات المساهمة على أساس أنها أسهم تُشترى اليوم وتباع غداً وكأنها رموز لاستثمار يومي بينما واقع الحال انها تمثل شركات صناعية أو زراعية أو دوائية وخلافها من الأنشطة الأساسية في حياتنا واقتصادنا والمساهم فيها في أي وقت هو شريك يفترض ان تحترم شراكته وماله الذي تمثله أسهمه وأن لا يفترك مستقبل، بل وواقع تلك الشركات المساهمة الأساسية لحياة المجتمع تحت سلطة مطلقة غير مراقبة لمجلس الإدارة.

دوائرنا مصابة بجنون بقر الأسهم

لم أستغرب حجم التجاوب مع ما عبرت عنه من قلق شديد بسبب تأثير الانهماك في متابعة سوق الأسهم عبر الانترنت من مكاتب الموظفين على حال الانتاجية في مجتمعنا بعد أن أشغلت السوق نسبة كبيرة من المسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم والموظفين خاصة موظفي المراتب العليا والمستويات الادارية المعنية بإنهاء اجراءات المواطنين فقد أصابتهم متابعة شاشات الأسعار من مكاتبهم بعزوف تام عن متابعة أعمالهم وإنهاء مصالح المواطنين ومعاملاتهم وشؤونهم الصحية والوظيفية.
وعدم الاستغراب من التجاوب الكبير يعود إلى كون المشكلة تمس مصالح الجميع ومعاملات الجميع ومراجعات الجميع ويشهدها الكل في كل مكان يراجعه.

المستغرب حقاً هو أن الأمر يحدث وينتشر في المجتمع وفي كافة دوائره دون أن يحرك أحد ساكناً نحو معالجة وضع سلبي يهدد انتاجية مجتمع بأكمله في حقبة هامة من تاريخه.

لا أحد من الباحثين أو أساتذة الجامعات أجرى دراسة لتأثير «آفة» متابعة الأسهم من المكتب على انتاجية مجتمعنا رغم مرور وقت ليس بالقصير.

لو أجريت رصداً«ببليوجرافياً» للأبحاث التي تمت في هذا الوطن مستخدماً كلمة «آفة» في بحثك فإنك ستجد مئات البحوث تحت مسمى آفة سوسة النخل وآفة تلويث البيئة وآفة الأخبار رواتها لكنك لن تجد شيئاً عن آفة سوسة متابعة الأسهم التي تنخر في مجتمع بأكمله مع أنها أهم من آفة النخيل وتلويث البيئة من حيث حجم وسعة وكمية التأثير وخطورته الاقتصادية.

التجاوب جاء كبيراً من المواطنين الذين يحترقون هماً وتفوح قلوبهم غيرة على هذا الوطن أما البقية فإنهم على ما يبدو منشغلون بمتابعة الأسهم!!

التعليقات على المقال المذكور جاءت عبر موقع المقالات بجريدة «الرياض» وعبر البريد الالكتروني والهاتف وهي تعبر عن أن حجم المعاناة كبير جداً.

أحدهم يؤكد لي أن المعلمين أيضاً منشغلون بمتابعة الأسهم عن حصصهم وطلابهم وموادهم حتى إن بعضهم يتحدث بالجوال أثناء الحصة وأمام الطلاب مع زميل آخر وربما أجرى صفقة بيع والطلاب ينتظرون مواصلة الدرس.

الآخر يقترح أن يتحول التداول إلى فترة المساء فقط ويوقف تماماً أثناء الدوام وهنا أذكر ان دوام المستشفيات لا ينتهي إلا بعد السادسة مساء وهو الآخر من ضحايا الأسهم!!

كنت قد كتبت أن بعض صغار الموظفين يلاحظون انشغال مديرهم عن عمله وعدم تكليفهم بأي أعمال بسبب متابعته لأسهمه وحول هذا الأمر ذكر لي أحدهم أن مديرهم أكثر اهتماماً بعمله!!، فهو يكلفهم هم بمتابعة أسعار أسهم الشركات التي يتعامل مع أسهمها ويطلب منهم الاتصال به في قاعة الاجتماعات لإخباره عن تغير الأسعار ليخرج من الاجتماع ويشتري أو يبيع.

يا جماعة سيطروا على الوضع فقد خرج عن السيطرة ونجم عنه انخفاض حاد في مؤشر الانتاج في وطننا، انهم يتحدثون عن سوق الأسهم في غرف العمليات وإذا خسر أحدهم فقد يخسر المريض أحد أعضائه أو ينزف حجماً من دمه يعادل حجم التداول فلقد انخفضت حتى القيمة الدفترية للإنسان أما سعر مصالحه في السوق فقد بلغ أدنى حد له عند الإغلاق ولم يتدخل أحد لوقف التعامل بهذه الطريقة.

قلت رحم الله طفرة العقار فقد كانت «مبروكة» لم تتعارض مع الأداء الوظيفي أما جنون الأسهم فقد تسبب في خلق مجتمع غير منتج وظيفياً وعدداً من القدوة الوظيفية السيئة وعدم التركيز في العمل أي أنه أخطر على مجتمعنا من جنون البقر!!

حلو الجوازات لا يكتمل!!

في تعاطينا مع «التكنولوجيا» وخاصة تقنية الحاسب الآلي ما أن نتحرر من عقدة حتى نسقط في أخرى!! والسبب يعود إلى حرص البعض على تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتضييق حدود الاستفادة من التقنية التي تحقق سهولة الاجراءات للمواطنين والمقيمين.
استبشرنا خيراً بخطوة تسديد رسوم تجديد الجوازات والإقامة والخروج والعودة وكل ما يتعلق بالجوازات عن طريق «مكائن الصرف الآلي» صراف البنوك».

إجراء جميل ورائع وحضاري يهدف إلى التسهيل على المراجعين والبنوك وإتمام تحصيل الرسوم باستخدام تقنية الحاسوب البنكي الذي تنتشر نهاياته الطرفية في كل شارع وسكة، بعضها في صالات مكيفة وأنيقة والأخرى تتعامل معها وأنت في سيارتك والبعض الآخر ربما استطاع إجراءها وهو في منزله أو مكتبه عن طريق موقع البنك في الشبكة العنكبوتية (الإنترنت). وبهذا فنحن مجتمع راق ومتحضر!!.

تأتي عقدة البيروقراطية والتنفيع فتلغي جل هذا الاستمتاع بالتقنية عندما تقرر تحديد البنوك المعنية بهذا الإجراء ببنكين فقط لا ثالث لهما!!.

ماذا عن بقية البنوك؟! لماذا لا يمكن التسديد عن طريقها؟! لماذا يستفيد من التقنية عملاء بنك أو اثنين فقط؟! بل ماذا عن النسبة الكبرى من المواطنين والمقيمين التي لديها حسابات في بنوك أخرى غير هذين البنكين؟!.

تلك كانت أسئلة وتساؤلات لابد أن ترد على ذهن كل من يفكر بواقعية وبتفكير عملي يهدف إلى تسخير «التكنولوجيا» لخدمة البشر اجمع.

الأهم من تلك الأسئلة هو الواقع الذي تمخض عن هذه المحدودية والتضييق، أتدرون ماذا حدث؟! أصبح عملاء البنكين المسموح لهما يقفون عند جهاز الصراف ويعرضون على كل من يريد أن يسدد رسوم الجوازات إعطائهم المبلغ مع إضافة (بدل أتعاب استخدام صراف) وهو مبلغ لا يقل عن خمسين ريالاً ليقوم هو كعميل لديه حساب في البنك المسموح، بالتسديد نيابة عنهم ويسلمهم الإيصال من الصراف!!.

أي أنه نشأت سوق سوداء للمتاجرة بالانتماء إلى بنك بعينه وتكليف المراجع المغلوب على أمره مبلغاً إضافياً ورجاء وتوسلات مع أن التقنية نفسها لم تجبره على ذلك.

الشكوى الأخرى من هذا الإجراء أن البنكين المصرح لهما لا يقبلان سوى تسديد يومي بحد أعلى 20,000 ريال أي أن الشركات والمستشفيات والمؤسسات والمصانع التي لديها مئات العمالة محددة بعمل خروج وعودة مثلاً لأربعين موظفاً فقط في اليوم الواحد لأن الشبكة لا تقبل تسديد أكثر من 20,000 ريال وهذا يعيق عمل اقسام خدمات الموظفين في المؤسسات والدوائر الكبرى التي تتعامل مع مئات الجوازات.

أعتقد اننا نعاني من اولئك الذين لا يجدون مفراً من الاذعان لعصر التقنية لكنهم يحنون الى ثغرات البيروقراطية أي ان لدينا فئة استطيع تسميتها (تيكنوبيروقراطية) وهذه تحرمنا من نعمة الاستمتاع بتقنية المعلومات والحاسب الآلي وتحددها وهي واسعة!.

الأسهم تمزق إنتاجية دوائرنا

من المؤكد أن ما يحدث من متابعة الغالبية العظمى من المواطنين لأسعار الأسهم عبر «الإنترنت» قد أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاجية في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء خاصة على مستوى القيادات والمستويات الإدارية التي يتاح لها متابعة «الإنترنت» من شاشات الحاسب الآلي في المكتب وهي شريحة كبيرة جداً.
وهذا النزيف الحاد في الإنتاجية يتضرر منه المراجع في شكل إهمال لشؤون المرضى في المستشفيات وتأخير وإعاقة لمصالح المراجعين في كافة الدوائر الحكومية.

وغني عن القول أن تحول الموظف خلف مكتبه إلى عيون شاخصة في شاشة كمبيوتر ولسان يتدلى وكأنه «كرفتة» وذهن يغرد خارج شؤون العمل سيؤدي بالتأكيد إلى شلل في الإنتاجية بشقيها الذهني والجسدي وتوقف للإبداع والابتكار والتخطيط والإنجاز وكل عمل إداري يحتاج إلى صفاء ذهني.

صغار الموظفين والكسرتارية ومدراء المكاتب يلاحظون انشغال مديرهم عن عمله وتصبب عرقه وهو يتابع أسعار أسهمه وعدم قيامه بالمسؤوليات المناطة به حتى أنه لم يعد يكلفهم بأعمال تشغلهم لكنهم مجبرون على البقاء لأن العبرة بتواجدك في المكتب، وهذا وربي سيؤدي إلِى إرث سيئ من القدوة السيئة سيكون له تأثير على مستقبل العطاء الوظيفي للأجيال القادمة، وصدقوني ليس أشد من المدير تأثيراً كقدوة سلباً أو إيجاباً.

رحم الله طفرة العقار فعندما بدأت في التسعينات الهجرية جذبت عدداً من الموظفين لكنها بطبيعتها لا تستغرق وقتاً ولا تشغل ذهناً، (استئذان) نصف يوم لإفراغ أرض ثم تنساها لأشهر أو سنوات ثم (تستأذن) لإفراغها بيعاً وليس بين الاستئذانين انشغال ذهني. حتى من نجحوا نجاحاً باهراً في العقار كانوا على درجة كبيرة من القناعة فتقاعدوا مبكراً أو استقالوا وتركوا الفرصة لغيرهم. بل أعرف من كان موظفاً صغيراً جداً واختلف مع الوزير شخصياً «كان الوزير يتفق ويختلف مع صغار موظفيه لأنه يشاهدهم ويتابعهم ويستقبلهم!!» فما كان من ذلك الموظف الصغير إلا أن استقال وتحول للعقار حتى أصبح اليوم يدعم مادياً أفكار ومشاريع الوزارة التي «طفشته».

هوامير الأسهم هم هوامير وظائف أيضاً وهم لا يتقاعدون ولا يستقيلون ولا يتبرعون ولا لرواتبهم يحللون، وهذا ما يجعلني أشعر دائماً أن كسب العقار ينعم بالبركة مقارنة بكسب الأسهم.

أما كيف نحل أزمة هدر الإنتاجية بسبب طفرة تجارة الأسهم ومتابعتها مكتبياً فلابد من رقابة صارمة على الإنتاجية اليومية وشحذ الهمم على مستوى وطني للسيطرة على الموقف أي أنها باختصار تحتاج إلى مخلص يغلب مصلحة الوطن على مصلحة أسهمه.

إن طفرة تجارة الأسهم تمزق طاقة الإنتاج خاصة الحكومي فأحذروها.

بنات القصيم.. القصف والمقصف

محنة الساعات الاثنتي عشرة في المدرسة الابتدائية للبنات بالرس لابد وأن تكون قد شهدت مواقف بطولية ومواقف تضحية وحسن تصرف من قبل موظفات سعوديات ولا أقول معلمات فقط، لأن المدرسة تحوي عدداً آخر من العاملات غير المديرة والمساعدة والمعلمات.
لك أن تتخيل مئات الطالبات الصغيرات وعشرات الموظفات اللاتي تعودن على الامن والامان يفاجأن بوابل من «القصف» ينهمر على المبنى الآمن الذي لم يتعود على أكثر من صوت قرع أحذية صغيرة لمجموعة من الطالبات يتسابقن الى «المقصف».

بون كبير وشاسع بين أن يضحكن حول «المقصف» وأن يتعرضن للقصف من حولهن.

العاملات في مدرسة الرس بجميع مستوياتهن الوظيفية بدءاً بمن تعارفنا على تسميتهن «بالفراشات» ومروراً بالمراقبات والكاتبات والاداريات ثم المعلمات والمساعدة وانتهاءً بالمديرة لابد أنهن قمن بعمل وطني خارق تمكن من خلاله وبقدر كبير من الصبر والتضحية وحسن التصرف أن يحافظن على الصغيرات، ليس على أرواحهن وحسب بل على صحة نفسياتهن مستقبلاً وادخال الطمأنينة على نفوسهن في وقت كانت نفسيات العاملات أنفسهن عرضة للتهديد والهلع، كيف لا وهن قوارير وجدن أنفسهن في موقف يفزع لشدته أشد الرجال؟!!.

ما كتب في الصحافة من وصف لبطولتهن رائع انشائياً لكنه لا يكفي،لابد أن التفاصيل كانت أكثر بطولة وشجاعة وحكمة وتضحية.

الموقف لا يميز بين معلمة ومديرة ولا مساعدة و«فراشة» ولا مراقبة وكاتبة او ادارية ولكن من الطبيعي أن تكون إحداهن أكثر شجاعة من الاخرى وأن يكون دور بعضهن أكبر من الآخر حسب القدرات الفردية التي لابد أن تكون مختلفة.

المهم وطنياً، ولكي نشجع مثل تلك المواقف البطولية ونجعلها مثالاً يحتذى أن يتم وعلى أعلى المستويات تكريم جميع منسوبات تلك المدرسة، ومحاولة تقصي تفاصيل المواقف والقصص فإذا ثبت تميز احداهن او بعضهن بقدر أكبر من الدور او التضحية فلها أن تتميز في التكريم بصرف النظر عن مستواها الوظيفي.

من عيوبنا التي يجب أن نصححها أننا دائماً ننسب الفضل للأعلى إدارياً وهو سلوك يخطئ غالباً!!.

لا نريد أن نهمل عاملة شجاعة بذلت تضحية كبيرة ونتركها تترقب الامتنان والثناء وهو يتخطاها الى غيرها ففي ذلك احباط خطير.

والأهم من هذا وذاك أن جميع منسوبات تلك المدرسة يجب أن يحظين بالأولوية في الترقية وتلبية رغبات النقل وتيسير شأنهن الوظيفي وعدم التعسير عليهن مستقبلاً فلا نريد أن يأتي يوم تشعر فيه احداهن أن ما فعلته قوبل بجحود بسبب بيروقراطية ادارية لأننا في وطن اشتهر عنه امتنانه لرجالاته وآن الأوان أن يمتن لنسائه.

التشكيل الجديد للقضاء

التشكيل الجديد لنظام القضاء وما شهده من استحداث لمحاكم متخصصة كالمحاكم التجارية والمحاكم العمالية سيشكل بإذن الله نقلة نوعية في السلوك الاجتماعي وانعاشاً لنفسيات الشارع السعودي ورفع لمعنويات أفراده.
أما كيف ولماذا ينعكس هذا التشكيل على السلوك الاجتماعي والنفسيات والمعنويات فإن ذلك سيكون عن طريق سرعة النظر في القضايا الحقوقية المتخصصة وسرعة البت فيها وتيسير قنوات الشكوى واسترداد الحقوق وهو ما سيشكل رادعاً لكل من كانت تسول له نفسه هضم حقوق الآخرين مستغلاً واقع أن المقاضاة والتداول وصدور الحكم كانت تحتاج إلى نفس طويل وصبر ووقت قد يجعل المشتكي الذي لا يتمتع بالنفس والصبر والوقت بحكم مسؤولياته أو مشاغله يترك متابعة قضيته وما أكثرهم.

وعندما تزداد أعداد «المغبونين» ممن لم يتمكنوا من استرداد حقوقهم فإن ذلك ينعكس سلباً على السلوك في المنزل والمكتب والشارع وعلى الحالة النفسية والمعنوية لأعداد كبيرة من لبنات البناء الاجتماعي فيصاب بالتصدع.

القضاء لدينا ولله الحمد والمنة يتمتع بأعلى درجات الدقة والانصاف والنزاهة واستقلالية القرار المبني على ما يراه قاض عدل يستند في حكمه على تشريع الهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وليس نظام من وضع البشر محدودي القدرات والالمام.

وكل ما كان ينقص محاكمنا هو توزيع القضايا بناءً على التخصص وبناءً على نوع وماهية وملابسات كل قضية، حيث كانت القضايا الصغيرة أو ذات التخصص تنتظر ضمن زحمة قضايا كبيرة ومعقدة، وقد تحقق ذلك التوزيع في التشكيل الجديد والذي سيمنح مجالا أوسع ووقتاً أقصر للتعاطي مع كل قضية حسب تصنيفها وسيؤدي إلى سير سريع «لطوابير» القضايا بل إعادة ترتيب الصفوف بناءً على تصنيف جديد ومن ثم انهاء كل «طابور» على حدة وبسرعة نتوقع أن تكون عالية جداً قياساً بتجارب سابقة مع نفس الجهاز عندما تم إعادة تصنيف كتابات العدل فأصبح صك المبايعة أو الوكالة أو خلافه يصدر خلال ساعات بدلاً من أسابيع في وقت مضى!!.

كل ما أتمناه والحال السارة ما حدث هو أن نرسخ ثقافة التقاضي لحل جميع الاشكالات مهما صغرت حتى لا نترك فرصة لضغينة أو غبن يجعل أحدنا يحاول أن ينصف نفسه بنفسه.

أقصد أن نصل إلى مرحلة من الوعي تجعل من تضرر يضبط اعصابه ويجهز اوراقه فقط لمقاضاة من اضر به اياً كان، ومن ينوي الاساءة إلى كائن من كان يتذكر انه سيقاضيه فيرتدع فإذا كانت الشكوى ممكنة وميسرة اصبح الردع وقائياً ومنع حدوث التساهل.

نريد أن يتمكن الفرد من أن يرفع دعوى ضد موظف عرقل سير معاملته أو خطوط طيران ألغت حجزاً مؤكداًترتب عليه الإضرار بمصلحته أو مؤسسة خدمية كهربية أو هاتفية أو مائية حرمت شخصاً من الانتفاع بالخدمة ولو لساعة واحدة.

إن فتح قنوات الشكوى على مصراعيها وتغريم المخطىء، سواء كان فرداً أو مؤسسة حكومية أو أهلية، غرامة مجزية كفيل بصيانة حقوق الناس ووقتهم واعتبارهم وملكيتهم.

«برفسورات» طب الرياضة

الطب من أكثر المهن الإنسانية نقاءً واستحواذاً على التقدير والاحترام، وهذا يحمل الأطباء مسؤولية أكبر في المحافظة على نقائها لأنها إذا دنست ولو بالشيء اليسير فإن الدنس يكون واضحاً تماماً كما هو الزجاج الشفاف تدنسه مجرد بصمة إصبع متعرق.
وليس أكثر تشويهاً لسمعة الطب من طغيان الأهداف الاستثمارية على الأهداف الإنسانية أو استغلال الإعلام لتميز غير مستحق لخدمة أهداف شخصية من ضمنها كسب شهرة تهدف إلى رفع الفواتير على المرضى وإجراء تعاقدات مع مستشفيات أهلية مبنية على تميز مفتعل إعلامياً يدفع ثمنه المريض وزميل المهنة المحافظة على أخلاقياتها.

هذا التوجه أصبح يحكم تعاملات كثير من الأطباء مع الإعلام إلا من يتمسكون بحقيقة أن الجيد يفرض نفسه دون مزايدة وأن الهدف هو خدمة أهداف إنسانية مقابل مردود نقي يسمو عن التدليس واستغلال الطرق القصيرة المعوجة!!

أطباء العظام ليسوا المثال الوحيد في الساحة لكنّ عدداً منهم ركب موجة الطب الرياضي وحصر نفسه بعلاج اللاعبين والتعامل مع الإعلام الرياضي بعيداً عن الرزانة المعهودة للأطباء فأصبحوا أكثر فئات الأطباء استغلالاً للإعلام إلى درجة المغالطة المكشوفة والمخجلة والتي تسيء لمهنة الطب.

من المعروف ان لقب «برفسور» هو لقب أكاديمي يطلق على كل من وصل إلى درجة أستاذ في سلم ترقيات أعضاء هيئة التدريس في الجامعة ويستخدم في النشر العلمي في المجلات المتخصصة للتعريف بالدرجة العلمية والخبرة أي في المحافل العلمية فقط.

ونعلم أيضاً ان نسبة كبيرة جداً من الأكاديميين في جامعاتنا وصلوا هذه المرحلة في كافة التخصصات ومنهم الأطباء من أساتذة الجامعات بطبيعة الحال.

من بين كل هؤلاء فإن أطباء العظام الذين هدفوا للظهور الإعلامي بحكم أضواء الرياضة هم فقط من يطلق على نفسه هذا اللقب في غير موقعه ويكرره في المحافل الإعلامية حتى بدا وكأن هذا البلد العظيم ليس فيه سوى اثنين أو ثلاثة (برفسورات) هم أطباء إصابات الملاعب مع أن في ذلك ظلماً كبيراً للمملكة العربية السعودية التي تعتبر من أكثر دول المنطقة تقدماً في المجال الأكاديمي والطبي وأكثرها من حيث أعداد الكوادر المؤهلة تأهيلاً عالياً وحاملي شهادة الدكتوراه في كافة المجالات ومنهم أعداد كبيرة وصلت درجة استاذ.

وذلك الإيهام المجحف في حق الوطن يأتي بسبب التنافس والبهرجة الاجتماعية على مستوى نخبوي ومن قبل شريحة يفترض انها أكبر من اللجوء لأساليب جذب تستغل «طيبة» وقلة إطلاع البعض خاصة في المجال الرياضي، وكان هذا السلوك قد بدأ بعدد قليل زاد العدد وهو بلاشك يسيء إلى النظرة للمجتمع ككل ومدعاة للسخرية من سلوكيات المجتمع خاصة انه يصدر من أناس على درجة من العلم.

ولعلنا شهدنا كيف أن تركيز بعض المجتمعات العربية على ثقافة الألقاب ومقدمات التبجيل وتعددها وتصنيفها كان مثار انتقاد وأحياناً تهكم.

ولعل أكبر دليل على أن التنازلات إذا بدأت استفحلت هو ما حدث من جدال بين طبيبين رياضيين في القناة الرياضية منذ أشهر حول إصابة أحد اللاعبين ووصل الجدال حد الشجار الصوتي وتبادل الإساءات وهو أمر دخيل على مهنة الطب فمن أخلاقيات المهنة أن لا ينتقص طبيب من زميله أمام العامة ويشكك في قدراته.

وما حدث دليل كبير أيضاً على أن ألد أعداء مهنة الطب هو استغلالها لأهداف استثمارية أو شهرة تخطط لمستقبل استثماري!!

حماية لمملكة الإنسانية

عبارة «السعودية.. مملكة الإنسانية» سبق أن صدر أمر ملكي كريم برقم 7/3003/م ب وتاريخ 29/11/1425هـ باستخدامها كشعار لجميع المبادرات الإنسانية للمملكة وأن تحظى بتركيز وسائل الإعلام وجعلها خلفية بارزة لكل تلك النشاطات حتى تنقلها وسائل الإعلام الخارجية لما لها من معان عميقة ومتعددة وصدق وواقعية.
وقد تم تعميم ذلك الأمر الملكي الكريم لجميع الجهات المعنية ونشرته الصحف، وبدأت بعض الجهات فعلياً باستخدام تلك العبارة خاصة في عمليات الإغاثة التي تقدمها المملكة للدول المنكوبة.

الذي أود التنبيه إليه لأنني لاحظت بعض مؤشراته هو ضرورة منع ووقف استهلاك مثل هذه العبارة الجميلة باستخدامها في أمور لا تمت لها بصلة كأن يتم تسمية بقالة أو مطعم أو حتى مؤسسة بهذا الاسم أو إطلاقه في مناسبات غير ذات علاقة بالهدف الجميل من تلك الرسالة الإعلامية الوطنية.

وكنت قد لاحظت أن العبارة استخدمت في بعض الحملات الدعائية في انتخابات المجالس البلدية وهو مجال بعيد عن هدف تلك الرسالة التي يجب علينا أن نحافظ عليها ولا نجعلها تستهلك باطلاقها كتسمية لمؤسسات أو مطاعم أو (سوبرماركت) وخلافه.

«السعودية.. مملكة الإنسانية» يجب أن تبقى ملكية وطنية محمية بحقوق الملكية لأنها وبموجب الأمر الملكي الكريم أصبحت بالفعل أحد الشعارات الوطنية الهامة الجديرة بالصيانة من الاستهلاك والتي يفترض حمايتها.

تلك الرسالة بدأ استخدامها أول مرة في مناسبة إنسانية حركت مشاعر العالم نحو هذا البلد عندما بدأت عملية فصل التوأم البولندي وتحولت أضواء كشافات مصوري القنوات الفضائية العالمية العالمية وفلاشات التصوير الصحفي نحو مسرح عملية الفصل وقاعة المؤتمرات الصحفية وقد كان لي شرف اختيار تلك الرسالة القصيرة «السعودية.. مملكة الإنسانية» حينما كنت أبحث عن استغلال أمثل لخلفية لصور الصحافة ولقطات كاميرات الفضائيات تحمل رسالة قصيرة جداً للعالم نفرضها على بعض الإعلام الغربي والعربي الذي لا يريد لإنسانيتنا أن تظهر بصورتها الحقيقية مثل قناة الجزيرة عربياً وبعض قنوات الغرب.

ليس سبب انزعاجي من استخدام تلك العبارة في غير محلها هو لأني اقترحتها في تلك المناسبة، بل على العكس فالهدف هو تذكير شعوب العالم في كل مناسبة بإنسانية هذه البلاد وإرسال رسالة تعيد التوازن بعد الرسائل السلبية التي بعث بها بعض من يحسبون على هذه البلاد.

وبمثل ما أسعدني نجاح تلك الخطوة ووصول الرسالة وأحداثها لتأثيرها ثم اعتماد تعميمها كعبارة وطنية فإنه يسوءني جداً أن تستهلك باستخدامها في غير محلها وأكرر رجائي بأن تتم حمايتها ضمن حقوق الملكية ويمنع استخدامها في غير الأغراض التي حددها الأمر الملكي الكريم.

أكمام البطريق

المسؤولية والامكانات كالثوب والجسد، إذا كانت المسؤولية أكبر من امكانات الشخص أصبح كمن يلبس ثوباً واسعاً طويلاً وافي الأكمام وصاحبنا قصير تحيل ساعديه أشبه بجناحي بطريق.
ليس كل من برع في مجال أو في مرحلة من مراحل المسؤولية قادراً على تحمل المسؤوليات الجسام ونحن أحياناً نستعجل إلباس الثوب الوافي للشخص «الهافي».

من يلبس ثوباً أكبر منه يضطر إلى اخفاء يده اليمنى بل ويخفي اليسرى لأنه لا يريد الظهور إلا لوجهه هو فقط وهذا من أسباب الشعور بالنقص وعدم الثقة، كما أنه وبحكم طول ثوبه يتعثر كثيراً ويسقط غالباً وهو لا يريد لأحد أن يتحدث عن سقطاته أو ينتقدها بل هو لا يريد أن يراها بنفسه لذا فهو يخفي رأسه داخل مساحة الثوب كما يفعل فرخ القطا عندما يريد أن ينام.

والثوب الواسع يخفي الترهلات والنتوءات الجسدية في جسد لابسه لكنه لا يخفي آثارها وما يترتب عليها من بطء في الحركة وانقطاع للنفس واستنجاد بآخر يساعده لكي يجعله يقف على قدميه فإذا وقف دفعه دون شكر وبتنكر واضح ثم لا يلبث أن يعود فيستنجد بالشخص ذاته دون خجل.

المسؤولية أمانة ذات علاقة بمصالح بشر وحياتهم ورفاهيتهم ونفسياتهم وأعصابهم وأبنائهم وبناتهم وصحتهم وأموالهم ووظائفهم فجدير بنا أن نوكلها لمن هو في حجم المسؤولية بل من هو أكبر منها ليفيدها لا ليستفيد منها.

نحن نستعجل أحياناً تقييم الأشخاص بالاستناد على بروزهم في جانب محدود أو في مرحلة ذات نفس قصير أو ننخدع بتلميعهم لأنفسهم أو تلميع الإعلاميين لهذا فإذا ما وضعناهم في المحك الحقيقي وألبسناهم ثوب المسؤولية وجدناه أكبر بكثير من امكاناتهم ووجدوه هم كذلك ودخلنا في مرحلة إخفاء العيوب والتعثر والسقوط تلو الآخر وبدأنا ننظر إليهم بعين الإحباط والمجتمع يترحم على من قبلهم ويترقب من بعدهم.

إننا لا نملك القدرة على تضخيم الأجساد لتملأ الثياب، ولكن لدينا الخيار الثاني الأسهل وهو تقسيم المسؤوليات إلى قطع صغيرة كل منها يشكل ثوباً صغيراً يليق بجسد لابسه ويناسبه ولا «يخب» عليه.

علينا أن لا نحمل الشخص ما لا يطيق من المسؤوليات وإن ادعى القدرة وعلى الأشخاص أن يقتنعوا بمحدودية إمكاناتهم وإذا لم يقتنعوا فإن المصلحة العامة أهم.