الشهر: أكتوبر 2005

يعيرونك بالخليج

الوتر الذي يعزف عليه هذه الأيام بعض من يتنكرون لهذا الوطن الذي دعمهم حتى اصبحوا شيئاً يذكر هو وتر الاستثمار خارج الوطن وفي دول مجاورة بحجة ان اجراءات التراخيص لدينا معقدة وطويلة وتستلزم الكثير من التعهدات والاقرارات والإثباتات التي إذا ما قورنت بسهولة الاجراءات في دول خليجية مجاورة فإنهم يعتبرونها سبباً لهجرة الأموال.
هؤلاء مثلما تناسوا مرونة هذا الوطن في دعمهم وتشجيع استثماراتهم عند بداياتهم المتواضعة، نسوا أنهم أحد أهم اسباب تلك التعقيدات بل سببها الوحيد.

«يعيرونك بالخليج» قل في تلك الدول لم يعمد التاجر إلى التستر لكي ينتفع وهو قاعد ويضر بوطنه، ولم يمارس رجال الأعمال التحايل على الدعم الحكومي والقروض، ولم يحدث أن أقاموا مشاريع وهمية ومؤسسات على الورق من أجل المتاجرة في تأشيرات العمالة.

في تلك الدول كان وعي المواطن المستثمر وحبه لوطنه أكبر من أن يجعله يزور نسب توطين الوظائف أو يمارس «تطفيش» الموظف الوطني ليجهض كل جهود مكافحة البطالة.

في تلك الدول لم يحاول أحد الالتفاف على الأنظمة السهلة الميسرة أو يتفنن في التحايل عليها وإلا فإنها سوف تتبدل تلقائياً من اليسر إلى العسر!!

كلما زادت وتكررت الممارسات الخاطئة والتحايل على النظم والاجراءات الميسرة كلما أدى ذلك اجبارياً إلى وضع المزيد من القيود والتعقيدات وهذا ما مني به وطننا الغالي في مجال الاستثمار.

كانت معظم السبل ميسرة إلى ان جاء من يستغل اليسر وطبيعي أن تجابه الاستغلال بالعسر.

الذين يعيرون هذه البلاد بدول مجاورة بين الفينة والأخرى فيما يختص بيسر الاجراءات يتجاهلون انهم لو نقلوا أموالهم واستثماراتهم فإنهم سينقلون معها ممارساتهم وعندها سوف يصدمون بعقوبات وجزاءات لا ترحم.

صحيح أن الوطن يفترض فيه ان يشكل وعي المواطن ويرتقي به إلى أعلى الدرجات لا أن يتأثر به في نظمه واجراءاته لكن زمن الطفرة كان أسرع من كل رياح التغيير والتوعية فقلب كثيراً من الموازين ومنها أن المواطن الجشع الانتهازي أساء إلى غيره وأرغم بحيله وتحايله وممارساته الأنانية النظم والاجراءات على أن تكون أكثر تعقيداً ثم ها هو اليوم يقارن بين ما آل إليه أمر وطنه بسببه وبين دول مجاورة لم تشهد من مواطنيها ذات الممارسات الخاطئة.

يعيرونك بالخليج قل انقلوا أموالكم وأعمالكم ولن يفعلوا لأن البيئة لن تمكنهم من العيش بطريقتهم فلكل سمك ماؤه.

من طرائف حماية المستهلك

قد تكون المواقف التي سوف أوردها طريفة وقد يكون بعضها محزناً، لكن الأكثر طرافة والأشد حزناً منها أنه لا يوجد لدينا حتى الآن (حماية مستهلك) وذلك منذ أن تم حل حماية المستهلك وتحويل مسؤولياتها إلى مكافحة الغش التجاري.
مشكلتنا أننا نعرف المستهلك على أنه مستهلك المواد الغذائية وأن حمايته تكون بمراقبة أسعار الأغذية، عفواً، هي ليست مراقبة ولكن تحذير من عدم التلاعب بالأسعار.

استضاف برنامج الوجه الآخر في قناة الإخبارية سعادة الأستاذ عبدالعالي العبدالعالي مدير عام مكافحة الغش التجاري وأنا وكان بيننا الدكتور عبدالله الطاير مقدم البرنامج.

المقدمة التي أعدها وقرأها الدكتور عبدالله الطاير كانت بحق ودون مجاملة تغني عن قول كل خطيب لكننا خطبنا ومحصلة الحوار على مدى ساعة التي خرجت بها شخصياً على أقل تقدير أن الاتفاقيات والعقود بين المشترك والشركة المقدمة للخدمة سواء كانت شركة كهرباء أو اتصالات أو ماء أوتأمين أو بنوك أو مكاتب استقدام أو مستشفيات خاصة أو وكالة سيارات والتي تملي الشروط على المستهلك ولا تضمن له أدنى الحقوق هي عقود أعدتها الشركة من طرف واحد وتعتبر جائزة واسميها عقود إذعان وهي ليست من اختصاص مكافحة الغش التجاري شأنها في ذلك شأن مشروبات الطاقة التي تنعم بالرواج لأن وزارة الصحة لم تعترف أنها أدوية والتجارة لا تراها غذاء.

واتضح أيضاً أن كل ما يرد للغش التجاري يبحث له عن جهة اختصاص يحال إليها وهناك متشابهات تضيع كضياع الدم بين القبائل.

أما المواقف للمستهلكين فأحدها أن مستهلكاً كشط كرت مسابقة فوجد أن ابنه قد فاز بجهاز الكتروني وعند مراجعته للمتجر الذي طرح المسابقة قوبل بنظرات استغراب شديدة، كيف فاز؟! ولا وجود للجائزة في المحل أصلاً أما وجه الاستغراب فلأن المتجر كان متأكداً من أن جميع الكروت التي تحوي جوائز لم تطرح في السباق أصلاً وهذا الكرت سقط سهواً.

الآخر مواطن من جدة اشترى لابنه لعبة من أحد متاجر الألعاب بالرياض (سيارة بجهاز تحكم) فعل ما عليه وجربها في المحل فلم تكن تسير إلى الأمام لكن العامل قال له إذا شحنت في المنزل سوف تعمل أخذها للطفل في جدة وشحنها ولم تعمل وعندما عاد إلى الرياض حاول يائساً استبدالها من البائع ودخلا في شجار وانتهت محاولاته بأن أكل الزبون علقة ساخنة من أحد عمال المحل لأنه طالب بحقه، بعدها أشفق عليه المالك واستبدل له اللعبة.

في مراحل النقاش بين الطرفين كاد الزبون يسقط من فرط ارتفاع الضغط وأصيب برعشة واضحة لكنه سقط أخيراً بالضربة القاضية!!

السؤال الذي يطرح نفسه كم من حالات الإحباط التي يتعرض لها زبون يومياً وما تأثيرها على أدائه في عمله وفي المجتمع وهل يستحق هذا الوضع النفسي المؤثر إنشاء هيئة تطوعية مستقلة لحماية المستهلك كتلك الموجودة في كل دول العالم المتحضرة؟!

هيئة الأسوار المغلقة

نزلاء ونزيلات دور رعاية القصر أو الأحداث والمقيمين والمقيمات في دور الرعاية الاجتماعية من العجزة والمقعدين بل والشابات اللاتي حكمت عليهن ظروف أسرية قاهرة أن تكون الدار مأواهم الآمن ونزلاء دور رعاية الأيتام واللقطاء والمرضى المنومين في مستشفيات العزل أو المستشفيات النفسية.
كل أولئك (وقد أكون أغفلت غيرهم) هم في واقع الأمر يعيشون داخل أسوار مغلقة ويقوم على رعايتهم بشر معرضون للخطأ والقسوة والظلم مثلما أن بعضهم أهل للتعامل بحسن نية وصلاح وضمير.

تساءلت في هذه الزاوية منذ سنوات وتحديداً في عدد «الرياض» رقم (12446) في 22 يونيو 2002م في مقال بعنوان (أسرى الحواجز لمن يشتكون؟!) ومازلت أتساءل: هؤلاء لو أُسيء إليهم أو جرى استغلالهم أو حرموا من حقوقهم أو ظلمهم عامل أو مشرف أو طبيب أو اخصائي اجتماعي، كيف يشتكون؟! ولمن يتظلمون وكيف لشكواهم أن تخرج من الأسوار المحكمة الغلق إلى الجهة الحكومية الرقابية التي لا يساورنا أدنى شك انها سوف تنصفهم وتدافع عنهم وترد حقوقهم إذا علمت، ولكن كيف لها أن تعلم وهم لا يقدرون على الشكوى؟!.

الإساءة والتحرش والاستغلال صور لمعاناة محتملة ولكنها قد تبدو للبعض بأنها الأبعد حدوثاً، ولكن حسناً ماذا عن قصور الخدمات وسوء الأحوال الصحية ونقص العناية اليومية، كلها أمور تتعلق بالإدارة المشرفة على المؤسسة وهي الخصم وهي الحكم.

إذا كان المواطن أو المقيم الذي يعيش خارج تلك الأسوار في منزله الذي يملك مفتاح الخروج منه قادراً على الشكوى والوصول عبر عدة قنوات، سواء بالمقابلة المباشرة لمسؤول أعلى أو الاتصال الهاتفي أو اللجوء للصحافة أو الشبكة العنكبوتية أو حتى إبلاغ قريب نافذ ومع ذلك فإنه يشتكي بألم وحرقة ويحتاج إلى تكرار الشكوى وسلوك أكثر من قناة حتى تصل شكواه، فكيف بمن ذكرت ممن لا سبيل لهم إلا الشكوى لإدارة المركز نفسه؟!.

الحل سبق أن اقترحته وهو ليس اختراعاً أو فكرة خارقة إنها مجرد إدخال طرف خارجي محايد يكون رقيباً حريصاً يقابل هؤلاء وفقاً لجدول زمني لا يعرف التخاذل.

اقترحت هيئة مستقلة تعنى بتقصي أحوال وظروف تلك الفئات ولا علاقة لها من قريب أو بعيد إدارياً ولا مالياً ولا تنفيذياً بالوزارة المعنية بشؤونهم.

هيئة لها صلاحيات نافذة تملك حق الرقابة والاستجواب والمساءلة وفرض العقوبة فإذا دخل موظفها أو موظفتها إلى الدار أو مستشفى العزل أو المؤسسة الاجتماعية وقابل نزلاءها ارتعد كل مستغل ومتحرش ومسيء ومقصر ومتواطئ وساكت عن الحق.

إنها مسؤولية فئة اجتاعية لها تأثيرها على المجتمع بالانجاب والتربية والخروج إلى العالم الفسيح مستقبلاً والتأثير فيه بمثل ما تأثرت به وقبل هذا وذاك هي شريحة من رعية وكل راع مسؤول عن رعيته وزيراً كان أو غيره.

فقط لنتذكر أن شكواهم لا تصل وأنهم لا يستطيعون الوصول وعلينا أن نصل إليهم في عقر دارهم المسورة.

مونيكا «سويقه»

حتى الممارسات شديدة السلبية إذا أرغمتنا بفعل بشاعتها على طرحها بشفافية في الإعلام فإنها تسجل لنفسها إيجابية ولو واحدة، فتدخل ضمن «رب ضارة نافعة».
لم نكن نتطرق لموضوع التحرش الجنسي قبل حادثة فتاة «الباندا» وفتاتي النهضة مع أن المفترض أن نفعل لأن التحرش الجنسي بتعريفه الشامل كان ومازال موجوداً وبأشكال متعددة.

الغريب أن الحادثتين اللتين علقتا الجرس تشتركان في صفة واحدة غريبة جداً وهي إعلان الفاعل أو الفاعلين عن التحرش بعد تصوير الإدانة ثم نشرها على الناس في الإنترنت أو عن طريق تكنولوجيا الهاتف الجوال، ولعل هذا ينبهنا إلى عامل هام جداً وهو الجهل بالعقوبة وعدم إدراك عواقب الأمور.

يذكرني هذا بتحقيق صحفي أجريته مع مدير عام مكافحة المخدرات اللواء جميل الميمان منذ حوالي عشرين سنة في جريدة «الجزيرة» نشر على ثلاث صفحات آنذاك.. قال لي إن أحد المروجين عندما أحضر لي حلف وهو يدخل صارخاً بأعلى صوته «أقسم لك بالله أني أبيعه لكنني لا أستعمله».. ولم يكن يدرك خطورة اعترافه فلم يكن يعلم أن عقوبة الترويج تصل حد القتل بينما الاستعمال سجن سنوات لاتزيد على خمس آنذاك.

الجهل بالنتائج درس يجب أن نتعمله ونعلمه لمن يجهلونه فعلى الناس أن يعرفوا مغبة كل فعلة عن طريق توعية مكثفة.

أما الدرس الثاني فهو ما يتعلق بأن التحرش كما ذكرت موجود بعدة صور ومنذ القدم، لكننا لم نوجد بعد قنوات «مستورة» للتبليغ عنه وانتظرنا من يبلغون عن أنفسهم من المجرمين بالصوت والصورة.

بائع الذهب والقماش والملابس والأواني والدواء يتحرش بزبونته جنسياً إما بالقول أو بالفعل لمساً وخلافه.

سجلت حالات وقضايا لأطباء تحرشوا جنسياً بمريضاتهم لكن روح النقابة لدى بعض زملائهم وهم رؤساؤهم تجعلهم يتسترون على كثير من المواقف لكن الفعل موجود.

أصحاب سيارات الأجرة يمارسون أشكالاً من التحرش الجنسي بالقول والعمل.

زملاء الأعمال المختلطة يخلطون كثيراً بين ما يختص بالعمل وما يصنف كسوء عمل !!.

في جميع الحالات والحوادث تفرض صفة الحياء وطلب الستر في مجتمعنا على المرأة أن تكتم ما تتعرض له من أذى وتحرش عن أقرب الناس إليها وحتى أقربهم لو أبلغته فإنه يريد الستر وقد ينهي الأمور بطريقته الخاصة.

كل هذا لأننا مجتمع شديد الحساسية والحرص على السمعة فلسنا مجتمع مونيكا التي ربما تفاخرت بالتحدث لوسائل الإعلام بالتفصيل الممل عن كيف تحرش بها رئيس أكبر قوة في العالم ولو تواجدت في سوق «سويقه» أو «السدرة» منذ ثلاثين سنة لما انتهت مسلسلات اعترافاتها حتى يومنا هذا طالما لا يعيقها الحياء وطبيعة المجتمع التي تعيق غيرها !!.

علينا إيجاد قنوات ستر تبلغ من خلالها كل ضحية عما تعرضت له من أذى ونضمن سرية المعلومات، وعلنا بتطبيق وإعلان عقوبة أو اثنتين «بعد التثبت» نكون قد جعلنا من تلك القنوات عوامل ردع للتحرش المستور.. وقد سبق أن اقترحت أقساماً في المستشفيات تعنى بشئون المرأة العاملة تكون نواة لهيئة تقوم فيها المرأة على شئون المرأة، لكن يبدو أن الاقتراح الذي يعنى بالمصلحة العامة فقط يطول انتظاره في زحمة مقترحات المصالح الذاتية.