اليوم: ماي 1, 2006

خصوم المريض يقررون مصيره

    لم نختلف قط على أن المسؤول بشر، والنفس البشرية لا يؤمن عليها من التحيز للذات إلا ما ندر.لم يعد سراً في زمن الشفافية أن معظم القائمين على الشؤون الصحية هم شركاء في مؤسسات صحية خاصة ليس في وزارة الصحة وحسب بل إن القائمين على المسؤولية الصحية في كافة القطاعات أرادوا ضمان مستقبلهم واستثمار أموالهم في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة بمشاركة ملاكها. 

معروف أيضاً أن الطبيب كمهني معني مباشرة بالأخطاء الطبية وما يترتب عليها من مطالبات وشكاوى وأن أبغض ما على الطبيب المدير هو الاعتراف بأن الطبيب يخطئ أو يهمل لأنهم يرون أو هكذا يدرسون أن على الطبيب أن لا يخطئ زميله حفاظاً على سمعة المهنة، أي أن الطبيب هنا حتى وإن كان إدارياً فهو خصم بالنسبة لصاحب الحق «ضحية الخطأ الطبي».

للسببين أعلاه ولأسباب أخرى كثيرة قد نأتي على ذكرها لاحقاً فإن الطبيب لا يفترض أن يوكل إليه أمر إصدار الأنظمة والقوانين التي باتت تصب في مصلحة القطاع الصحي الخاص على حساب المريض مواطناً ومقيماً.

ترك الأطباء الحكوميين ولعدة سنوات يعملون في القطاع الطبي الخاص أثناء وقت دوامهم الرسمي وهو عمل مخالف أصلاً للأنظمة سواء كان بعد الدوام الرسمي أو أثناءه وليس له أي مسوغ نظامي هو تغاض تم على حساب المريض في المستشفى الحكومي استمر لسنوات طويلة ويحاول البعض الآن إيجاد مسوغات نظامية ستتيح الفرصة لكل قليل ذمة من الأطباء أن يترك مرضاه في المستشفى الحكومي وتحت مظلة قانونية (هذا استشهاد لما ذكرناه من تحيز يمارسه الأطباء الإداريون في الوزارة وغيرها من القطاعات ويهدف لخدمة القطاع الخاص على حساب المرضى).

تضييق القائمين على المستشفيات الحكومية على المرضى المستحقين للعلاج وتعسير ما سهلته الدولة لهم من فرص العلاج المجاني يهدف بوضوح إلى تحويل أعداد هائلة من المستحقين للعلاج إلى المستشفيات الخاصة هومثال آخر على التحيز لهذا القطاع الشريك في الخدمة وفي كل شيء.

ترك المستشفيات والمستوصفات الخاصة تفرض السعر الذي تريده وتشفط جيوب المريض والتغاضي عن استغلالها ورفضها الحالات الإسعافية المفروضة على المستشفى الخاص في كل أنحاء العالم شكل آخر من أشكال التحيز الذي له أسبابه المتعلقة بكون الإداري طبيباً مستثمراً.

ما حدث مؤخراً من فرض مشاركة طبيب لكل مستثمر في مجال المستشفيات والمستوصفات مثال صارخ جديد أكتفي بتعداده ضمن الأمثلة ومن أراد أن يستزيد فما عليه إلا أن يقرأ زاوية الزميل المبدع خالد السليمان (الجهات الخمس) في عكاظ على مدى أربع زوايا متتالية (وقفات مع نظام المؤسسات الطبية الخاصة).

المحصلة المعروفة سلفاً ومنذ تجربة الدكتور غازي القصيبي في وزارة الصحة أن الطبيب خصم في الأمثلة المذكورة وغيرها ولا يجب أن يترك له العنان في وضع الأنظمة والخطط والإدارة ومن الأفضل للوطن والمواطن ومهنة الطب أن يتفرغ الطبيب لطبه وجراحته ويتولى الإدارة أحد خريجي علم الإدارة الذي لا يقل مهنية ولا تخصصاً ولا تشعباً ولا أهمية عن مهنة الطب.