اليوم: 26 فبراير، 2007

ماذا يريد الأطباء؟

تعد مخالفة أطباء المستشفيات الحكومية لنظام الخدمة المدنية بالعمل في المراكز الطبية الخاصة أشهر، وأوضح، وأطول حالات الخروج على النظم والقوانين، وأكثرها إضرارا بالناس وأكثرها إمعانا في تحدي الأنظمة وقرارات مجلس الوزراء والإيضاحات والتحذيرات اللاحقة بل والفتاوى والملاحقة.
ما يميز تلك المخالفات ويجعلها الأكثر، هو أنها تحدث من فئة صرف على تعليمها الكثير، ومن مهنة يفترض أن لا يمتهنها إلا شخص راق في تعاملاته وإنسانيته وأمانته وتقديره لخطورة الانشغال عن مرضاه وطلبته والمتدربين على يده، خصوصا إذا كان الانشغال مخالفاً للنظم والقيم و أخلاق المهنة، والآن وبعد صدور فتوى مفتي البلاد بعدم جواز هذا العمل فقد أضيف إلى ما ذكر أنها مخالفة للشرع، وكانت الفتوى قد صدرت نتيجة لانتشار وشيوع هذه الممارسات الخاطئة وتضرر العباد منها، وشكوى الجهات الحكومية من نتائجها الخطيرة، وجاء نشر الفتوى في الصحف ليقطع الطريق أمام كل عذر ولكن لا حياة لمن لا ضمير له.

يكفي عن كل ما ذكر أعلاه أن انشغال أطباء المستشفيات الحكومية بالعمل في المراكز الخاصة جعل الأخطاء الطبية تصل أرقاما كبيرة وتصبح سمة واضحة بعد أن كنا الرواد في مجال الطب، و أن متدرب وطالب الطب أصبح يفتقد للمرشد والموجه ويضطر للعمل منفردا على حساب المريض، فيزيد الأخطاء الطبية أخطاء والضحية المريض البريء، الذي لا حول ولا قوة له فيما يحدث، فإن كان ضحايا الأسهم مثلا لهم دور في وقوعهم في براثن الاستغلال، فإن ضحايا الأخطاء الطبية والإهمال الطبي الحاصل من الأطباء هم ضحايا أبرياء، مجبرون على الثقة وتسليم أنفسهم وحياتهم لمن لم يقدر ما قدمه له الوطن من تعليم مكلف ورواتب عالية ومزايا وبدلات سخية منها بدل تفرغ، تميز به عن غيره، وخالفه دون غيره، وطمع في المزيد.

هذه القضية، التي تصنف كأشهر مثال للمراوغة بناء على الحيثيات المذكورة آنفا، تخرج كل يوم بجديد من الاستنكار ولكنها تستمر، وجديدها اليوم طرفة مفادها أن المستشفيات الخاصة الكبرى تناشد وزارة الصحة وقف هذه الظاهرة، لأن المراكز الطبية الخاصة والتي تعتبر مجرد عيادات أصبحت تشغل الأطباء الحكوميين الذين يظهرون إعلاميا فتجذب (الزبون) عن تلك المستشفيات الكبيرة التي صرفت مبالغ على التعاقد مع أطباء متفرغين!!.

أمر محزن جدا أن يصبح المريض مجرد (زبون) يتنافس عليه المستثمرون، ويصبح الطبيب مجرد (عامل مخالف)، يتخاطفه المشغلون، ونضطر الى صحافة وفتوى وخطابات سرية من اجل وقف مخالفة صريحة في وضح النهار.

إن الخوف من انتقال الأطباء الحكوميين للقطاع الخاص لن يحدث لأنهم لا يثقون إلا في الوظيفة الحكومية، ويعتبرونها مصدر امن حتى للمخالف!!، أما التهديد بالنزوح للخارج فمجرد مناورة لأن قسيمة الجزاءات في الخارج لا ترحم كما يفعل الوطن، كما أن الزبون عدديا لا يقارن بهذه البلاد.

الحل لا يخرج عن عبارة قالها الطبيب يعقوب المزروع وكيل وزارة الصحة للطب العلاجي وهو مسؤول مخضرم شغل أكثر من منصب في الوزارة قال: من يرد القطاع الخاص فعليه أن يتفرغ له، ومن يختر العمل الحكومي فعليه الالتزام بأنظمته، ثم أردف قائلا (ما يحدث خيانة للأمانة).