الجانب الأخطر في جرائم ترويج مئات الأطنان من اللحوم الفاسدة، والذي لم يُثر على مستوى وطني بكل أسف، هو أننا نواجه عمليات غسيل لحوم أو “تبييض لحوم” وهذه لا تختلف عن عمليات غسيل الأموال، بل هي أخطر قياساً بأنها تتفوق إجراماً على تبييض الأموال كونها تهدد الصحة!!
953طناً لحوماً فاسدة تم ضبطها في الرياض خلال أقل من ثلاثة أيام و 100طن كبدة فاسدة ضبطت في جدة في ثلاجة واحدة، إضافة إلى عشرات الأطنان من اللحوم الفاسدة الأخرى التي تكتشف يومياً على الطرقات وفي المستودعات سواء من لحوم الأضاحي والهدي أو “فطيس البعارين” أو الأسماك الفاسدة..
مئات الأطنان تلك لو لم تضبط إلى أين ستذهب؟!، بل ما لم يكتشف منها إلى أين ذهب؟!..
الأمر لا يحتاج إلى ذكاء ولا حتى تفكير فهي بلا أدنى شك يتم “تبييضها” في شكل وجبات نتناولها إما معلبة في سوبرماركت أو هايبرماركت أو بقالات صغيرة أو مطبوخة في مطاعم نجمة أو خمس نجوم لا فرق مطلقاً إذا تساوت الذمم!!
ولأن جرائم غسيل الأموال عالمية فإن عقوباتها رادعة، أما جرائم غسيل اللحوم كونها محلية فإن عقوباتها مشجعة جداً فقد نشرت الصحف “وما لم يصحح فهو صحيح” أن غرامة ثلاجة كبدة جدة الشهيرة كانت 32ألف ريال مع إعادة فتح الثلاجة ولم يذكر شيء عن محاولة رشوة المراقبين الأمينين!! وقد قمت بحسبة سريعة ذكرتها في برنامج “دوائر” في “الإخبارية” خرجت منها بأن المائة ألف كيلوغرام من الكبدة الفاسدة المذكورة لو باعها بالكيلو فستحقق مليونين ونصف المليون من الريالات، ولو بيعت على هيئة (سندويش كبدة) فسوف تعمل 2مليون سندويشة قيمتها ستة ملايين ريال (سندويش الكبدة الغنم بثلاثة ريالات).
الربح في كل الأحوال يزيد عن مائة ضعف العقوبة، أي أن العقوبة التافهة مشجعة جداً على المجازفة وهذا خطير في قاموس الاقتصاد وقاموس تبييض الأموال.
أما في قاموس الصحة فإن تلك الكبدة كان من المتوقع لو بيعت أن تسمم 2مليون شخص يشكل من يموت منهم خسارة وطنية واجتماعية وإنسانية مؤلمة، أما من يعالج فسيكلف الوطن رقماً فلكياً يصعب حسابه!!.
عصابات تبييض اللحوم يجب أن تعامل بطريقة أقسى وعقوبات أغلظ من عصابات غسيل الأموال فالجريمة هنا مضاعفة والخطورة أكبر من قدرة وزارة التجارة على تخيلها ناهيك عن تحديد عقوبتها!!.