اليوم: 24 يونيو، 2002

المستشار المنشار

وعدت في مقال السبت الماضي أن أتطرق لبعض الصور السلبية لعمل المستشار غير المتفرغ في الجهة التي طلبته “للاستشارة” وذلك بعد أن عرجت على بعض الممارسات في الجهة الأصلية حيث أهمل بعض أساتذة الجامعات وظائفهم الأساسية وتفرغوا لجهة الاستشارة وظاهرة تعدد الاستشارات لشخص واحد.

في بعض الوزارات التي تستعين بمستشارين من الجامعة تحدث ممارسات غريبة أستغرب السكوت عليها كل هذه المدة بل من المضحك المبكي انها تحدث أصلاً رغم وضوح الهدف والوصف الوظيفي للمستشار!!

في بعض الوزارات يقوم المستشار غير المتفرغ بمهام تنفيذية ويتمتع بصلاحيات اتخاذ قرار تنفيذي، كان من المفترض ان يتخذه الوزير أو وكيل الوزارة أو المديرون التنفيذيون في الادارات المختصة، مما جعل بعض المستشارين غير المتفرغين في وزارة ما أهم بكثير من وكلائها وأكثر انشغالاً منهم وأعم صلاحيات، وهو أمر له خطورة بالغة لأن المستشار في هذه الحالة يتمتع بصلاحيات ليست من حقه ولا ضمن صميم عمله كمستشار ومعفى تماماً من مسئولية القرارات التي يبت فيها تنفيذياً لأنه لا يتبع لتلك الوزارة. فهو داخل في الأهمية والصلاحيات خارج من المسئولية والمحاسبة.

المستشار من المفترض أن يقدم استشارته وآراءه بحكم تخصصه للجهة المعنية في الوزارة لكنه لا يدخل في النواحي التنفيذية ولا يحتك بالمراجعين وأصحاب المصالح ولا يصرح للصحف ويقرر ما يعتمد وما يرفض في معاملات المراجعين.

ما يحدث في بعض الوزارات ان مستشارين غير متفرغين من أساتذة الجامعات مثلاً هم أهل القرار فيما يخص مصالح شريحة عريضة من الشركات والمؤسسات والوكلاء وملاك منشآت خاصة ذات علاقة مباشرة بالناس، وهؤلاء الملاك يهمهم من يملك القرار في شأن منشآتهم، ولذا أصبح بعض المستشارين أهم من وكلاء الوزارة أنفسهم!! والأهمية كشخص ليست العنصر الوحيد الحساس هنا ولكن تحديد المسئولية فيما قد يحدث من سلبيات في أمور حيوية!!

الأدهى والأمرّ أن بعض المستشارين غير المتفرغين هم أعضاء فاعلون في لجان تنفيذية في الوزارة تتعلق بمصير ومصالح شركات أو مؤسسات وفي الوقت ذاته هم مستشارون في بعض هذه الشركات أو أعضاء مجلس ادارة في شركة مصيرها مرهون بقرار تلك اللجنة فكيف يسمح بذلك؟!

أليس لدينا في هذا البلد إلا هذا الولد لنسمح له بأن يكون عضواً في لجنة تنفيذية ونحن نعلم أنه مجرد مستشار؟!، ثم إذا علمنا أنه عضو في مجلس ادارة أو مستشار في شركة تدخل ضمن تخصص الوزارة وأعمالها مرهونة بهذه اللجنة فلماذا يستمر عضواً في قرار تنفيذي يتعلق بنفس المجال؟!

الكثيرون من أساتذة الجامعة المثاليون أو الملتزمون بالحد المقبول من الابتعاد عن المحاذير يرفضون وضع أنفسهم في مثل هذا الحرج!! فإذا وجد من لا يهمه التقيد بمثل هذه الأخلاقيات فلماذا نسمح له أصلاً؟!

خلاصة القول في مقال السبت الماضي وهذا اليوم أن موضوع المستشار غير المتفرغ يحتاج إلى إعادة نظر ومحاسبة وتدقيق بما يخدم الصالح العام ويدرأ الشبهات حتى لا يصبح المستشار كالمنشار!!