مساجد الفقراء

المساجد بقع طاهرة يتوجه منها العبد إلى ربه بالصلاة والدعاء. ويفترض أن تكون المساجد على درجة واحدة “درجة عظيمة” من النظافة والطهارة وتهيئة الأجواء المناسبة من تكييف وإضاءة وحسن تنسيق وتنظيم في المداخل إلى جانب تصميم معماري منسق يعكس أهمية هذا المكان بصرف النظر عن الحي الذي أقيم فيه.

الملاحظ أننا نبدع في تصميم وبناء وتأثيث المساجد في الأحياء الجديدة أو بصورة أكثر شفافية في الأحياء الغنية فتجد المسجد روعة في الجمال والسعة والإضاءة الطبيعية والكهربائية، تتوسطه ثريا تشغل ثلث مساحة سقفه وأخريات يتقاسمن الثلثين الباقيين بنظم جميل ومتناسق. وللمسجد مداخل تضمن حمايته من الأتربة والأوساخ. أي اننا نقوم بالواجب أو جزء منه نحو إضفاء لمسات الابداع والجمال في مساجد تلك الأحياء وهي في الغالب مساجد تكفل ببنائها فاعل خير موسر يبحث عن الأجر والثواب أو عدد من الموسرين.

في الأحياء القديمة أو الشعبية، أو ما يسمى بعد الاعتراف بالفقر أحياء الفقراء، يفترض أن يكون المسجد بنفس القدر من النظافة والجمال وحسن التصميم وجودة البناء لأنه يبقى مكاناً يتوجه منه العبد إلى ربه ويفترض أن تنطبق عليه معايير ثابتة ومواصفات لا تقل مطلقاً عن المسجد في الأحياء الأخرى، خاصة وأن المساجد كلها تتبع لوزارة واحدة هي وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وتهتم بها لجنة عليا واحدة هي اللجنة العليا لبرنامج العناية بالمساجد وبالتالي فإن الاختلاف في شكل وهيئة المنازل أو تنظيم وتنسيق الأحياء بين الأحياء الشعبية وتلك الحديثة لا يمنع على الاطلاق أن تكون المساجد على درجة واحدة في الشكل والهيئة والتنظيم والتنسيق والنظافة والجمال ويجب أن لا ينعكس هذا الاختلاف بين حي وآخر في صورة اختلاف مساجد الأحياء لأن العباد سواسية ويجب أن يكونوا سواسية في تهيئة مكان العبادة حتى ولو اختلفوا في الدخل والرصيد الدنيوي فإن أكرمهم عند الله اتقاهم.

وأعتقد جازماً ان وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد يفترض أن توظف حرص كثير من الموسرين في هذا البلد وتسابقهم إلى بناء مساجد غاية في الروعة والجمال توظفه في شكل عناية بمساجد الأحياء الشعبية بل إعادة لبنائها بشكل لا يقل جمالاً وروعة ونظافة عن مسجد الأحياء الحديثة في شمال الرياض مثلاً وإن كان يقل مساحة. بل يجب أن تستغل الوزارة الوفر الذي تحقق جراء إسهام فاعلي الخير في بناء المساجد نيابة عنها وتحوله إلى إعادة إعمار المساجد القديمة والعناية بها.

إنك حينما تدخل حياً فقيراً ويدخل وقت الصلاة وأنت فيه وتدخل المسجد تلمس قصوراً واضحاً في جوانب كثيرة فالغبار يتراكم بين طبقات السجاد (الوزارة كريمة في السجاد حتى أصبح طبقات) وهذا فيه خطورة شديدة على مرضى الحساسية. ومداخل المسجد غير محكمة الغلق فلا تمنع الأتربة والغبار وأجهزة التكييف قديمة ومزعجة والجدران أرهق الزمن شكلها ولونها وبعض مساجد أسواق الخضار أو المناطق الصناعية حيث الورش تلحظ عدم نظافتها ونظراً لقرب مخالع الأحذية من السجاد وغياب التنظيف الدوري للسجاد فإن بقع الطين والزيت والسواد تغطي مواضع السجود.

كل تلك منغصات لأجواء العبادة وغير مشجعة على البقاء في المسجد وأداء النوافل ناهيك عن الأهم وهو أنها توحي بأن ثمة فرقاً شاسعاً لا يفترض وجوده في هذا الجانب فحتى فروع البنوك (أعز الله المسجد) لا تختلف في ديكورها وجمالها بين حي شعبي وآخر حديث.

لا نحلم بمساجد نظيفة في الأحياء الشعبية وحسب بل مساجد مطابقة لتلك في الأحياء الأخرى ولكن بمساحة تتناسب مع عدد المصلين. نريد للمسجد أن يكون لؤلؤة تشع جمالاً حتى لو كان يقع بين منازل رثة في حي متواضع.

اترك رد