الشهر: فيفري 2003

بكتيريا الضمير يامعالي الوزير

تضمن شروط وأنظمة المناقصات الحكومية حق القطاعات الصحية الحكومية في الحصول على الدواء الأرخص سعراً مع ضمان الجودة، حتى إن أسعار بعض الأدوية في المناقصات تنخفض الى أقل من 50% من سعر الدواء في السوق الذي يدفعه المريض للشركة المصنعة أو الوكيل.

في الوقت ذاته فإنه ليس ثمة ما يضمن حق المريض المسكين في الحصول على الدواء الأرخص وإن وجدت بعض الأنظمة على ورق فإن تفعيلها معدوم تماماً.

خذ على سبيل المثال المضاد الحيوي “أموكساسلين” والذي يوصف بكثرة خاصة لالتهابات الجزء العلوي من قناة التنفس، هذا المضاد يباع المنتج الوطني منه بحوالي 53ريالاً في حين ان المستورد من نفس الاسم العلمي لا يتعدى سعره عشرة ريالات ومن شركة مشهود لها بالجودة العالية واتباعها لأعلى المواصفات العالمية ولا تقل مطلقا عن جودة الشركة الوطنية.

المريض المسكين لا يعلم بتواجد هذا الخيار الميسر الذي يوفر له 43ريالاً على الأقل، بل لا يعلم ان من حقه ومن حق الصيدلي إعطاءه اي اسم تجاري لنفس الاسم العلمي بل على العكس فان المعلومة الوحيدة التي يشحنها في المرضى بعض عديمي الذمة من الأطباء بمباركة من صمت وزارة الصحة هي أن الصيدلي حينما يستبدل الاسم الذي كتبه الطبيب فإنه قد يقتلك!!

إن المريض مواطناً كان أم مقيماً في هذا الوقت بالذات أحوج ما يكون لاطلاعه على السبل الأيسر لرعايته صحيا واقول في هذا الوقت لأن هذا الوقت شهد إغلاق أبواب العلاج في وجه كثير من منسوبي القطاعات التي لا توفر لمنسوبيها خدمات صحية بحجة أن المستشفى لمنسوبي القطاع!

دعونا ولو لمرة واحدة نسير على هوى بعض أو قلة من منسوبي الوزارة ومستشاريها ممن تغضبهم أسئلة وجيهة وحساسة مثل لماذا تمت الموافقة على تسعير هذا المضاد بسعر مرتفع رغم أن السعر الفعلي لنفس المضاد هو الخُمس بدليل تواجده في سوقنا بسعر زهيد من شركات كبيرة؟!

أقول دعونا نسأل أسئلة اقل وقعا ونقول لماذا لا يصاحب الفروق الشاسعة في اسعار الدواء إلزام للأطباء بكتابة الاسم العلمي للمادة الفعالة “الاسم العلمي فقط” ويلزم الصيادلة بعرض الخيارات امام المريض بدداً بالدواء الأرخص؟!

بل لماذا لا تتم توعية المريض بأن من حقه مطالبة الصيدلي باعطائه البديل الأرخص لنفس المادة العلمية؟

لماذا تصمت الوزارة أمام حملات بعض الأطباء الإعلامية على الصيادلة بحجة انهم يصرفون دواء غير ذلك الذي حدده الطبيب لشيء في نفسه؟

لا أبرئ الصيادلة فقد يعمد الصيدلي الى استبدال الاسم التجاري المكتوب بآخر أعلى سعراً لأن حملات الرشوة التي تمارسها شركات الدواء لا تقتصر على الأطباء بل يتعرض صيادلة السوق إلى إغراءات لا تقل عن تلك التي يتعرض لها الأطباء لكتابة اسم تجاري بعينه لكننا يجب أن نكون واقعيين ونؤكد على أن الطبيب، في ظل صمت الوزارة، هو الأقوى فهو كاتب الصك وهو الأقدر على التأثير النفسي على مريض يجهل خفايا اللعبة الى درجة تخويفه من أي استبدال!

يامعالي وزير الصحة الذي لا نختلف على دفء مشاعره الانسانية: ثمة خدمات انسانية كبيرة تستطيع تقديمها دون الحاجة الى مخصصات! ولا ينطبق عليها عذر الجود من الموجود، ولا تحتاج الا لقطرات من الحبر وجرة قلم لتفعيل انظمة واجراءات تعتبر أبجديات عند من سبقونا وبعض “جماعتنا” يعرفونها جيدا لكنهم يتجاهلونها!!

من أهمها في نظري إطلاع المريض على حقوقه وايضاح سبيله للحصول عليها أو شكوى من لم يلتزم بها، ومن ثم التعامل مع الشكوى بجدية وصرامة.

من هذه الحقوق: حقه في الحصول على الدواء الأرخص وحقه في الحصول على الكمية اللازمة من الدواء فقط وليس “عبوات عائلية” وحقه في المطالبة بتاريخ انتهاء طويل “تماما مثل الدولة عندما تطلب ثلثي المدة” وحقه في معرفة ما يتخذ نحوه من اجراءات طبية وجراحية ونسبة نجاحها وما يترتب عليها.

كل تلك إنجازات يسجلها كاتب اليمين قبل غيره ويقدرها الناس وتبقى للأجيال القادمة فحماية المريض من الطبيب والصيدلي والتاجر لا تقل أهمية عن حمايته من الأمراض، فالتجارب أثبتت أن بكتيريا الضمير أخطر بكثير.

صرعة معاليه

شهد وسط الأسبوع الماضي وسيشهد الأسبوع القادم فوضى عارمة على الطرق السريعة والبرية المؤدية الى الرياض، حيث شوهدت مئات السيارات وهي تعود معاكسة لاتجاه السير، عائدة من الرياض الى المدن والقرى الاخرى التي جاءت منها مسرعة.

سيارات تعود من فوق المخارج واخرى لم تنتظر بل عطف قائدها مقود سيارته وعاد أدراجه معاكساً الاتجاه النظامي للسير وآخر عاد أدراجه مستخدماً وضع القيادة الخلفية “ريوس”.

منظر العودة العاجلة من الرياض ليس سببه قرار عاجل بتمديد اجازة الموظفين الى يوم السبت (موعد بدء الدراسة) او إشاعة قوية بهذا القرار.

سبب العودة المفاجئة من الرياض كان تجاوباً مع دعوة معالي نائب وزير المعارف لتعليم البنات د. خضر القرشي التي اطلقها مدوية في تصريح صحفي يرجو فيه “جمهور” الناس الكف عن الوساطة والشفاعة حتى تتمكن العملية التعليمية من السير دون عوائق!!.

ولأن الناس يحبون وزارة المعارف ويدركون جيداً انه لا ينقص هذه الوزارة بشقيها الا تجاوب الناس بالكف عن الوساطة ويعلمون ان الوزارة تعمل بصمت!! ودون ضجة!! وبدون تأثير للواسطة والشفاعة في تعيينات الموظفين ولا الموظفات ونقل المعلمين والمعلمات وانه لايكدر صفو اعمال الوزارة بشقيها الا ازعاج المواطنين لها بطلب امر مكروه للوزارة ممقوت من القائمين عليها الا وهو الواسطة والشفاعة!!.

ولان الناس يعلمون ان القضاء على المحسوبية والواسطة يكون بالتوقف عن ممارسة التوسط والكف عن الشفاعة فقد كان التجاوب كبيراً و”مذهلاً” بل وخطيرة في صورة عودة سريعة من رحلة الواسطة المتجهة الى الرياض. فما ان طالع الراكب الصحيفة وقرأ تصريح نائب الوزير ودعوته بالكف حتى بادر السائق الى سحب “جلنط” سيارته المسرعة ليدور في وسط الخط السريع “مفحطاً” كما يفعل الطلاب الذين عجزت وزارة المعارف عن حثهم على “الكف” عن التفحيط ويعود ادراجه معاكساً “الاتجاه النظامي تماماً” كما يفعل طلاب الوزارة!! يعود الى حيث اتى دون ان يشرع مجرد شروع في محاولة التوسط. مما احدث حالة الفوضى تلك في كل الطرق السريعة والبرية وربما الجوية!!.

يا معالي النائب من أين اتيت بكل هذا الامل والطموح بل والمنطقية المفرطة؟! اليس منع مسببات الواسطة اجدى من الدعوة للكف عنها؟! هل تبدأ محاربة الظاهرة واقصد تلك التي تتسم بالانتفاع، والاستفادة، والمصلحة، هل تبدأ محاربتها بالدعوة لكف المنتفع او المستفيد او صاحب المصلحة ام تبدأ بقفل الابواب من الداخل امام كل مستفيد.

ثم دعونا نغالط المنطق ونخالف الاولويات وندعي ان الحرب على الواسطة تبدأ بدعوة المواطنين هل نسينا ان الدفاع المدني يدعو الناس الى الكف عن السباحة في المستنقعات والاقتراب من السدود بل ويدعو الى الكف عن التجمهر حول حوادث الحرائق ولم ينجح رغم ان المصلحة تقتضي الكف ونريد من نفس الناس الكف عن امر لايمكن ان تتحقق مصالحهم بدونه الا وهو الشفاعة.

مثل تلك الدعوة اسميها استفزازاً للمشاعر او صرعة جديدة من صرعات وزارة المعارف في حب الظهور!!

عقدة الرئيس المباشر

لا بد أن نحرر الموظف من التبعية التامة لرئيسه المباشر لكي نستطيع أن نكتشف جيلاً جديداً من المبدعين في المجالات الإدارية والقانونية والهندسية والسياسية وكافة المجالات الأساسية التي لا يمكن لوطن أو أمة أن تتطور ثم تحيا دون أن تضمن قاعدة صلبة من المبدعين فيها.

الربط بالرئيس المباشر يفترض أن يكون محدداً ببعض الاجراءات الإدارية والرقابية دون تقييد لحرية الموظف وحقه في الإبداع ضمن أطر النظم والاجراءات، لو كان هناك نظم واجراءات!!

الواقع الحالي يحبط كل محاولات وفرص بروز جيل جديد مبدع ووصوله إلى عين المسؤول الأعلى أو أذنه ليتبناه كصاحب أفكار أو أفعال إبداعية متميزة لأن أي موظف في أي قطاع لا يمكن أن يبرز إلى السطح لأن علاقته بالمجتمع من حوله مرتبطة بشدة برئيسه المباشر وأي اتصال بهذا المجتمع سواء كان إدارات أخرى أو أفراداً أو إعلاماً لا بد أن يتم عن طريق هذا الرئيس الذي من حقه (بحكم عادات وتقاليد وظيفية سيئة) أن يشارك موظفه في كل ما يقدمه من أفكار أو ما يحصل عليه من تقدير هذا إذا كان كريماً ولم ينسب الفكرة لنفسه ويحجب الموظف تماماً أو يطلب نقله.

لا أبالغ إذا قلت إن العادات والتقاليد الوظيفية، التي لا يعرف لها أصل أو سلطان إلا التقليد السيء المتوارث، تكاد أن تشرك الرئيس المباشر في إرث الموظف!! وهذا الربط المبالغ فيه يقتل الطموح ويغتال الإبداع وإذا وجد النبوغ رغم ذلك فإنه ينسب إلى غير صاحبه ويسرقه المدير عنوة، ولذا فإنه يستحيل أن يحدث في مجتمعنا تفريخ للمواهب في نواحي الحياة الإدارية أو الاقتصادية أو السياسية أو الهندسية والقانونية.

حتى أمانه الموظف لا يمكن أن يمارسها دون أن يكون ذلك من خلال رئيسه المباشر، فماذا لو كان هذا الرئيس لا يتمتع بنفس الدرجة من الأمانة؟!.

تقولون بالغت أقول لكم إن موظفاً صغيراً في إحدى المؤسسات الحكومية ذات الطابع الاجتماعي حاول التبليغ عن محاولة رشوة تعرض لها من أشخاص أجانب لغرض تسهيل حصولهم على تأمين يخص متوفى من جنسية أخرى يفوق المليون ريال، لكنه أي الموظف الصغير صدم بواقع أليم مفاده ضرورة أن يأتي التبليغ من رئيسه المباشر!! وهو يدرك أن رئيسه عصبي أخرق قد يفسد بتصرف أهوج غير مقصود خطة الإيقاع بالمجرمين وكاد أن يصل إلى مرحلة يأس لولا أن هداه الله إلى اللجوء لرئيسه الأعلى دون رئيسه المباشر وبالرغم من نجاح الخطة والقبض على المجرمين بجهود المباحث الإدارية وذكاء وحكمة ذلك الموظف الصغير إلا أنه عانى ولا يزال يعاني من ضغينة رئيسه المباشر الذي يعتقد أنه ارتكب جرماً بتخطيه.

هذا مجرد استشهاد، لكن الأهم منه أن عقدة الرئيس المباشر قاتلة للطموح؟ لا تخدم إلا أصحاب المناصب الحالية فماذا عن المستقدم؟!.

‘جنك عقود!!’

يتباهى بعض المسؤولين بما يسمونه إنجازاً وهو أبعد ما يكون عن الإنجاز، وذلك لخلوه من أهم مقومات الإنجاز وهو البنية التحتية وافتقاده لأهم عناصر الاستمرارية في العطاء ألا وهو تبعية الخدمة أو المشروع المنجز للقطاع وليس لمقدم الخدمة الذي هو في الغالب شركة أو مؤسسة منتفعة.

ثمة فرق كبير بين مسؤول ينشئ مشروعا من العدم ويؤسس له تأسيساً صحيحاً ويوفر له بنية تحتية صلبة ويؤمن احتياجاته من المؤسسة ذاتياً ولسنوات عديدة بتخطيط مدروس وجهد ملموس ويقدمه للوطن كمشروع متكامل له صفة الاستقلالية والبقاء والديمومة ويستفيد منه الوطن في شكل خدمة وفرص وظيفية للمواطنين، وبين مسؤول يتباهى بانجاز قلمه في توقيع اتفاقية مع شركة لتقديم خدمة أساسية مقابل ملايين الريالات لمدة محدودة دون أن يبذل ادنى جهد غير حبر التوقيع وتحمل عيناه لبريق فلاشات الاعلام عند توقيع اتفاقية لا تحقق بنية تحتية ولا جهداً ملموساً ولا إنجازاً محسوساً!! ولا توفر اهم مسببات الفخر وهو استمرارية الخدمة رغم انها أساسية وهامة.

المسؤول غير القادر على التخطيط والتنفيذ والبناء والمتابعة وفي الوقت ذاته يريد أن يبقى أطول وقت ممكن يعمد إلى المشاريع الفورية، المشاريع مسبقة الصنع المتمثلة في توقيع عقود تقديم الخدمات مع شركات ومؤسسات مشاريع الوجبات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يتحقق معها سوى تنفيع أصحابها وملاكها ومنهم الصهر والخال والولد!!

مشاريع التوقيع تلك تذكرني بوجبات المطاعم السريعة (جنك فوود)لأنها أي تلك المشاريع تحمل نفس خصائص الوجبات السريعة من حيث إنها سريعة التحضير معدومة القيمة الغذائية عديمة الفائدة، باهظة التكلفة، لا يعتمد عليها غير ربة بيت كسولة لا تجيد إعداد الطعام.

الفرق الوحيد بين الشبيهين هو فرق موجود إنما أوجده عنوة طبع التبجح لدى بعض المسؤولين، ففي الوقت الذي تكون فيه ربة المنزل واقعية ومنطقية فتعترف بأن اللجوء إلى المطاعم ينم عن عجزها وقصورها وكسلها فإن بعض المسؤولين، يتفاخر بتوقيع عقود من نوع”جنك عقود” ويملأ وسائل الإعلام بالضجة كأنه حقق إنجازاً مذهلاً لم يسبق اليه ولن يتكرر.

المشكلة أن فلاشات آلات التصوير لا تفرق بين مسؤول يبذل عرقا وآخر يبذل حبرا!!! لا تفرق بين من يبني بفكره ومن يوقع بقلمه لكن القارئ يدرك الفرق تماماً مثلما يفرق الأزواج بين مذاق طبخ البيت وسماجة الهمبرجر، حتى الأطفال يدركون الفرق الشاسع والزوجة الساذجة هي من تصدق حينما يفرغ الزوج من أكل طعام أعده المطعم ويقول لها “تسلم يديك”!!

بقي شبه واحد بين وجبات “الجنك” ومشاريع “الجنك” وهو أن الأولى تكثر في العطلات والثانية تتزايد في مواسم التشكيلات والله أعلم وله الحكمة والحمد.

‘مستر جعجعة’

يفترض أن يكون تقدير المسؤول عن وزارة أو قطاع أو خدمة أو إدارة بناء على ما بذله من جهد في تأسيس بنية تحتية صلبة للجهة التي تولى مسؤوليتها، لا أن يكون التقدير بناء على ما قاله أو ادعاه في وسائل الإعلام، من إنجازات وهمية وأحلام وردية وأمنيات عراض وخطط بعيدة الأمد يقرنها دوما بعبارة: أتمنى ألا أترك الوزارة الا وقد رأيتها، -يقصد تلك الأحلام-، وقد تحققت وأصبحت واقعا ملموسا، وهي مجرد أضغاث أحلام، لم يؤسس لها بنية تحتية ولا مقومات.

تلك العبارة ليست مثالاً مبالغاً فيه بل استشهاد بما قاله مسؤول في لقاء صحفي نشر منذ مدة، جعلني أتساءل بألم: هل نحن نخطط لتبقى خدمة أم لنبقى نحن؟!

في هذا الموضوع برمته لا أقصد مسؤولا بعينه، واحسب اني لم ألمح يوما وانا اقصد شخصا، لأنني اؤمن بانك عندما تنوي انتقاد شخص أو مسؤول بعينه فعليك ان تحدده بوضوح حتى لا يضيع القارئ في تخمينات قد تسيء الى عدد من الأبرياء، وإن كان للتلميح ميزة أن كثيراً من الأيادي تلمس الرؤوس بحثا عن ريشة! الا انني اعتقد أن عيوب التلميح أكثر من مميزاته.

لدينا أمثلة كثيرة لمسؤولين استغلوا الإعلام للرقي على أكتاف أحلام، مثلما أن لدينا أمثلة أكثر لمسؤولين أسسوا بنى تحتية صلبة وحققوا إنجازات مشرفة دون أن “يجعجعوا” بها بل جعلوا الناس يرون طِحناً دون إزعاج فنحن في عصر الالكترونيات التي تعمل بلمسة صامتة!

المهم في هذه الاشارة السريعة ليس تصنيف المسؤولين الى “مستر جعجعة” والسيد طحان فالواقع ينظر الأعمى اليه ويسمع من به صمم!! لكن الأهم هو أن لا ننجرف كمجتمع ومسؤولين الى تقدير صاحب الجعجعة وتصديق ادعاءاته البراقة والتأثر بقوة فلاشاته الى درجة عدم رؤية صاحب الطحن والانجازات التي يجسدها واقع لا زيف فيه.

البيوت الزجاجية

موضوع القصور في علاقات الدوائر الحكومية بعضها مع بعض ذكّرتنا به حادثة وفاة طفل عمره سنتان ونصف في امتداد لمجرى وادي حنيفة ترك دون أي ساتر حماية رغم قربه من بيوت مأهولة بالسكان، وكالعادة كانت نصيحة الدفاع المدني للأهالي بأن لا يتركوا أطفالهم يلعبون دون رقابة وكانت نصيحتي أن على الدفاع المدني أن يطالب الجهة المعنية بوضع وسيلة تمنع وصول الأطفال إلى ذلك الخطر قبل وقوع أي حادث وإذا لم تقم تلك الجهة، ولتكن بلدية الحي مثلاً بواجبها، فعلى الدفاع المدني الإلحاح في الطلب لأمانة المدينة حتى لو اضطر إلى شكوى الأمانة للجهات المختصة إلى أن تنفذ المطلوب.

ووعدت بالتطرق إلى قصور غريب في علاقات الدوائر الحكومية في هذا الصدد وهو قصور يتمثل في عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع الآخر في الأمور المشتركة وفي نفس الوقت التحفظ الشديد والحساسية المفرطة في تعامل تلك الجهات مع بعضها البعض، بمعنى أنه لا يمكن لجهة حكومية أن تشتكي تقصير جهة أخرى للجهاز المعني في الدولة ولا إلى الإعلام، مع أن هذا النوع من التفاعل يعتبر صحياً ومطلوباً للغاية خاصة فيما يتعلق بالحياة أو الموت.

كأننا نعيش حالة عامة من التحفظ الشديد غير محمود العواقب في تعاملات مؤسساتنا مع بعضها البعض ووضع ممقوت من المجاملة والتستر على قصور نكتشفه أو نعاني منه، ربما للمجاملة أو لأن كلاً بيته من زجاج ويخشى من الآخر.

تكتفي تلك الجهات بالتخاطب بينها لتسجيل موقف قانوني عند حدوث محاسبة بسبب حادثة، فتكون الحجة خاطبناهم برقم وتاريخ ولم يستجيبوا، أما أن تبادر جهة حكومية بشكوى أخرى خوفاً على المواطن فهذا واحد من المستحيلات.

أعتقد أن تبادل النقاش والحجج بل وحتى تبادل الاتهامات بين المؤسسات الحكومية لو حدث على مستوى إعلامي فإنه أمر محمود ومفيد و”صحي للغاية” ولا يجب أن يكون “سرياً للغاية” لأنه سيؤدي إلى إصلاح واهتمام وحيوية وحرص وخوف دائم من التقصير، لكن ذلك لا يحدث لأننا نعاني من جمود غريب تحت حجة التحفظ ووهم معالجة الأمور دون ضجة.

حتى مجلس الشورى لا يستخدم أعضاؤه ورقة الإعلام لمعالجة القصور وحث الهمم ربما لأن غالبيتهم العظمى كانوا موظفين حكوميين سابقين.

أكبر محك مر بنا ويثبت ما أقول هي تجربة حمى الوادي المتصدع، حيث كانت كل وزارة تستميت في الدفاع عن نفسها وتبرئة ساحتها من المسؤولية دون أي تصريح أو تلميح يشير إلى مسؤولية الوزارة الأخرى حتى تحولت صفحات الصحف إلى نصف محكمة فيها العشرات من محامي الدفاع دون ممثل ادعاء عام واحد مما اضطر الصحف لتولي مهمة توجيه التهم وتولى القارئ دور القاضي لذا فقد رفعت الجلسة دون إصدار حكم.

بالمناسبة، ما هي أخبار لجنة الحكم في مشكلة حمى الوادي المتصدع فلم نسمع عن عقوبات بل لم نلمس واحدة منها.

الدفاع المتدني.. الأسد والنعامة!!

الدفاع المدني ليس الجهة الوحيدة التي لا تفرض متطلباتها وشروطها ومواصفاتها إلا على من تقوى عليهم، ومن تقوى عليهم هم من تضطرهم ظروف منح الترخيص أو تجديده لمراجعة الدفاع المدني للحصول على ورقة!!.

ليس الدفاع المدني هو فقط من ينام حتى تضطر لمراجعته ثم يبدأ في مراجعة قائمة المتطلبات!!.

وليس الدفاع المدني وحده هو الجهة الرقابية التي لا تتحرك إلا عندما تحدث مصيبة!!.

معظم وربما كل إداراتنا الرقابية والتفتيشية ينطبق عليها كل ما ذكر وملخصه أنهم لا يتقصون الاحتياجات ويجتهدون في المطالبة بها إلا عندما تراجعهم لإنهاء إجراء بيروقراطي ولا يستشعرون وقوع الخطر قبل حدوثه.

الأغرب من هذه الصفة الملازمة لإداراتنا الحكومية هو أن دوائرنا تلك لا تمارس الرقابة والتفتيش على جهات حكومية أخرى باستثناء الرقابة المالية والتفتيش الإداري “وهذا أيضاً لا يخلو من استثناءات”!!.

ولأن الطفل الذي غرق في امتداد وادي حنيفة هو أحد ضحايا تساهل الدفاع المدني في المطالبة بأدنى شروط السلامة الأساسية فدعونا نأخذ هذا التساهل كمثال.

الدفاع المدني معروف مؤخراً بحرصه على تطبيق شروط واحتياجات السلامة، ولكن على من؟!.

إنه يطبقها على محطات الوقود والمحلات التجارية والورش والمستودعات وكل من يحتاج إلى مراجعته للحصول على ترخيص وهذا جيد!! ولكن أثبت الدفاع المدني عجزه عن فرض شروطه واحتياطاته على الدوائر الحكومية سواء كانت مدارس أو مستشفيات أو إدارات أو بلديات، “أسد على الخاص ونعامة على الحكومي!!”.

لا ننفي أن الدفاع المدني يحاول لكنه لا ينجح وهذا فشل وعجز أياً كان سببه، ومن يدفع ثمن هذا الفشل هم المدنيون الأبرياء أمثال ذلك الطفل ضحية وادي حنيفة.

وضع شبك أو حاجز على ذلك المجرى هو واجب بلدية الحي أو الأمانة بصفة عامة لكن المطالبة بوضع هذه الحماية هي مهمة الدفاع المدني والإلحاح في الطلب هو واجب هذا الدفاع حتى لو وصل الأمر إلى شكوى أمانة المدينة لكنه لم يفعل بدليل أن الحماية لم تتوفر وأن الروح قد أزهقت.

الدفاع المدني في مثل هذه الحوادث الناجمة عن عدم تطبيق دوائر حكومية لدورها الوقائي وعدم ممارسة الدفاع المدني لحقه في المطالبة بتوفير شروط السلامة هو الخاسر الثاني بعد أهل الضحية، فقد كاد أن يخسر أفراداً أرواحهم غالية علينا، وخسر وقتاً قوامه 12ساعة من البحث، وخسر جهداً قوامه غوص في الوحل وردم ودفن، كل هذا لأنه لم يبذل جهداً يسيراً في المطالبة قوامه رجل واحد يلح على أمانة المدينة أن تحتاط.في زاوية قادمة نتطرق إلى قصور غريب في علاقات الدوائر الحكومية ببعضها فيما يتعق بالمسؤوليات، إن كتب الله لنا عمراً ومساحة.