الفتنة المستيقظة

التفرقة بين الناس بكل صورها وأشكالها هي أساس الداء الاجتماعي وأسرع الطرق إلى حشو الصدور بالكراهية وجعلها مستعدة لاحتضان معاداة المجتمع والنقمة عليه.
كل أنواع التفرقة خطير يجعل القلب وقوداً سريع الاشتعال بما يحرق الرطب واليابس، حتى التفرقة في التعامل بين الأولاد في محيط البيت الصغير تتسبب في مشاعر تهدد الأسرة وتنذر باستشراء المرض الأسري الخطير الذي يفرق بين أفرادها، فما بالك إذا جاءت التفرقة في مجتمع بأكمله.

إن التهاون في أمر تصنيف الناس على غير ما أمر به الحق سبحانه وتعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} يؤدي دون أدنى شك إلى نتائج لا تحمد عقباها، تبدأ بانعزال واكتئاب فئة من المجتمع وشعورها بالدونية وتنتهي بكارثة اجتماعية، وقد راعت دول كثيرة هذا الجانب الخطير وأولته جل اهتمامها بعد ان عانت من ويلاته واكتوت بناره لسنوات عديدة، فهذه الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما بها من عنصرية متخفية تعتبر داخلياً أن وصف الشخص بلون بشرته تمييز عنصري يعاقب عليه القانون حتى وصل المجتمع إلى مستوى من الوعي الاجباري جعله يستعيض عن ذكر لون البشرة بذكر أصول الشخص الأمريكي فيقال أمريكي أفريقي بدلاً من ذكر اللون وهو أمر لا غضاضة فيه في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت الذي تهتم فيه الدول المتحضرة بقفل هذا الباب الخطير، شاهدت في ليالي رمضان وضمن الكم الهائل من المسلسلات العربية المليئة بالغث، أو السيل من الإنتاج الفني الذي ثلاثة أرباعه زبد. شاهدت إحدى حلقات عمل فني اسمه “قرقيعان” يتكرر في عدد من الفضائيات العربية وقد ركزت الحلقة على السخرية من أحد طلاب الفصل كونه أسود البشرة بأن يتناوب بقية الطلاب على نعته بعدد من الصفات ذات علاقة مباشرة بلونه وشكل شعره بهدف إضحاك الناس بطريقة جد سمجة وخطيرة، لم تحسب أدنى حساب لمشاعر أبناء جلدته، وبسبب ضحالة وعي المعد والمخرج والممثلين فإن أحداً منهم لم يحسب البعد الخطر لهذا العبث!!

وشخصياً أعتقد ان الفنان الخليجي بصفة خاصة كونه يستعجل الشهرة ويفتقر للمخزون الثقافي والرصيد المعرفي والوعي بخطورة الرسالة الإعلامية لا يمكن ان يترك ليعبث بالمجتمع ويحدث فيه الفرقة والتمييز ويوغر صدور إحدى شرائحه.

ونظراً لحداثة التجربة خليجياً ومحدودية عدد المنتمين إلى التمثيل بسبب النظرة الاجتماعية تجاه الفنان بصفة عامة فإن ميدان التمثيل يشهد تنافساً بين نفس الوجوه ونفس العدد المحدود الذي يخلو من فئات المجتمع المتعلمة والمثقفة وحتى ذات الحكمة والفطنة ولذا فإن من الخطورة ان تتاح الفرصة لهم بالعبث بما يثير الفرقة ويوغر الصدور دون التحكم في إطار وسياسة وأبعاد ما يطرحون والتنبؤ بتأثيراته ليس عن طريق مقص الرقيب ولكن المطالبة باشتراك من يدرك ابعاد الأمور أو إجازة النص لضمان عدم إحداثه للفرقة التي تمس المجتمع ولا مانع بعد ذلك من الاستفادة من موهبتهم مع التشديد على ان يكون النص مكتوباً من شخص يدرك خطورة العمل وان لا يسمح بالخروج عن النص بصورة تسيء للثوابت والمسلّمات أو توغر الصدور وتسبب الفتنة، فالفتنة ملعون من أيقظها وهي نائمة فكيف بمن يزيدها نشاطاً وهي مستيقظة.

الغريب ان كل الأعمال الإعلامية في الخليج يحكمها إطار عقلاني ولها سياسة وخط ثابت إلاّ التمثيل والغناء ففيهما تجاوزات غريبة ليست جديدة.

اترك رد