الشهر: مارس 2005

لا سقف للعقوبة

لطالما تساءلت ولم أجد إجابة وسأظل أتساءل عن أسباب «حنية» وهشاشة نظام الجزاءات لدينا عندما يتعلق الأمر بمقاول أو تاجر أو شركة موردة أو وكيل شركة.
مثالي اليون هو نظام الجزاءات الحكومية على المتأخرين في تنفيذ المشاريع أو المتأخرين في توريد الإمدادات أو المتأخرين في توريد الأجهزة الطبية.

حيث ينص النظام على خصم (1٪) عن كل أسبوع تأخير في التوريد على أن لا يزيد على (4٪) من قيمة العقد وخصم لا يزيد بأي حال من الأحوال على (10٪) من قيمة العقد فيما يخص مشاريع الانشاء والصيانة والتشغيل.

نسبة الخصم الضئيلة تلك لا تشكل شيئاً يذكر من قيمة العقد ولا من ربحية المستفيد من التأخير، بل إن كثيراً منهم إن لم يكن جميعهم يحسبون حساب هذه النسبة في عطاءاتهم أي أنها مأكولة سلفاً ومأخوذة في الحسبان بل إن هذه النسبة وبسبب ضآلتها يمكن أن تمنح كتخفيض لأي زبون عادي!!.

فما هو يا ترى سر هذا الرفق والحنية بالشركة أو المقاول المتعاقد رغم خطورتها الكبيرة على الوطن وأبنائه في شكل تأخير لأدوية أو إمدادات طبية أساسية للحياة أو عرقلة لمشاريع إنسانية وحيوية هامة جداً؟!.

ثم إن وضع حد أعلى للخصم لا يزيد على 4٪ في التوريد و10٪ في المشاريع مدعاة لمزيد من التأخير في الامدادات أو تنفيذ المشاريع حيث إن التأخير لعدة أسابيع لا يختلف عن التأخير لعدة أشهر عند بلوغ الحد الأعلى للخصم وهو سقف واطي جداً (4٪) أو (10٪)!!.

هذا الحد ليس منطقياً على الاطلاق وغير مبرر بمصلحة عامة بل يصور الحرص على مصلحة خاصة للتاجر وشركائه ويشكل أداة تشجيع على المماطلة بعد بلوغ الحد الأعلى تنعكس آثاره سلباً على المصالح الوطنية بل وسلباً على الدخل الحكومي من الجزاءات المستحقة.

ويشكل هذا الخصم المشروط المحدود عائقاً أمام تنفيذ مشاريع حيوية كثيرة وإمدادات هامة بعضها تعتمد عليه حياة بشر كثر، ويعتبر معضلة كبيرة تعاني منها الدوائر والمؤسسات والوزارات الحكومية في محاولتها دفع عجلة التنمية خصوصاً وأن جل عقود المشاريع أو الامدادات الحكومية (إن لم يكن كلها) يعتمد على المناقصة التي تسمح بدخول مقاولين وشركات ومؤسسات إمداد ضعيفة وغير مؤهلة وذات بنيان هش تتعمد المماطلة والاستفادة من ثغرات نظام الجزاءات والعقوبات مثل ثغرة السقف الواطي جداً للجزاءات فيكون المتضرر الوحيد هو نماء هذا الوطن وتطوره، فكم من المشاريع تأخرت وكم من الأدوية والإمدادات الأساسية للحياة انقطعت بسبب تكتيف يد المسؤول بمحدودية العقوبة التي لا يمكن إلا أن تتم (حسب النظام) والنظام قديم لا يواكب متطلبات التنمية وما جد على السوق من طالح الشركات وغثاء سيل المقاولين والوكلاء.

فمن أجل الوطن والمواطن الصالح الصادق المخلص ومن أجل المرضى والمعاقين ومن أجل دفع عجلة البناء وتسريعها لابد من إلغاء سقف العقوبة وجعله يتناسب طردياً مع التأخر بالوفاء بالالتزامات وعندها «أي عندما تمس العقوبة ربحية التاجر أو تهدده بالخسارة» فإنه سيكون أكثر جدية والعقد شريعة المتعاقدين.

تكسير المرايا

لو أن كل من نظر الى المرآة وشاهد بثور وجهه أو تورم عينيه كسر المرآة احتجاجاً على عكسها لعيوبه على حقيقتها لوجدنا شوارعنا وقد أصبحت مفروشة بأجزاء المرايا المكسورة، بل لما وجدنا في المنزل مرآة واحدة!!
بقايا المرايا المكسورة المنتشرة على الأرصفة ليست هي المشكلة والخسارة المتمثلة في تكسير ذلك الزجاج المصقول لا تمثل التفريط الوحيد.

مشكلتنا الحقيقية لو أن كل من شاهد عيوبه في المرآة كسرها هي أن العيوب ستبقى يراها الناس دون أن يشعر بها صاحبها!! ستبقى البثور كما هي، وتورم العينين سيبقى دون علاج .. وإذا صاحبه إفرازات عين لم ينتبه لها صاحب المرآة المكسورة فإن المنظر سيكون مقززاً ومثيراً للاشمئزاز دون أن يشعر صاحبنا.

تخيلت حالة هستيريا تكسير المرايا تلك وأنا أستحضر سلوك من يمارسون عادة الاحتجاج على النقد الصحفي والتذمر من ممارسة الصحفيين لدورهم في تنوير المسؤول ويهدون إليه عيوبه وعيوب ادارته على أساس أن الصحافة مرآة المجتمع!!.

صحيح أننا لم نعدم البعض الآخر من الوزراء وكبار المسؤولين الذين يقدرون للصحافة دورها الرقابي ويشدون على يدها ويعتبرونها عينهم الثالثة ان لم تكن الأولى الأقوى والأكثر حدة وحياداً.

لكننا ابتلينا ببعض آخر ربما أنه لم يستوعب بعد أهمية ما أوكل إليه من مسؤوليات الى درجة أنه يعتبرها مسؤوليات دون مسؤولية وحسابات لا يتبعها محاسبة.

لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الكبير الذي تلعبه صحافتنا في إبراز الجوانب الإيجابية والإشادة بها عبر صفحات المحليات التي كان لها دور كبير في تسليط الضوء على نشاطات بعض المديرين حتى وصلوا الى مراتب أعلى فليس من المنطق ولا من الإنصاف أن يستكثر ويستنكر تسليط الضوء على بعض عيوب وزارته بهدف المساعدة في معالجتها.

إن الاستمتاع بنشر أخبار النجاحات والزيارات المفاجئة يجب ألا ينسينا أن للصحافة دوراً أكثر أهمية وهو المحاسبة عند الإخفاق والتي يجب أن يتقبلها المسؤول ويسعد بها مثلما تقبل القارئ الإشادة به يوماً ما، فإذا لم يفعل فإن علينا ألا نقبل بشكواه من نقد الصحافة لأن الانتشاء بالمديح والاكتئاب من النقد ظاهرة غير صحية ولا مانع من إيضاح الحقيقة ومقارعة الحجة بالحجة وإزالة اللبس ولكن ليس بطريقة تكسير المرايا لأن الخاسر الأول هو الوطن الذي لا نريد له أن يخسر مرآة واحدة.

المدير «السوبرمان»

حدث لدينا الكثير من التحولات الإيجابية بالغة الأهمية والتي انعكست وسوف تنعكس في شكل نقلة نوعية في تعاملنا مع بعضنا وتعامل دوائرنا الحكومية مع المواطن وثقافة أفراد مجتمعنا في تفاعلهم مع الأشياء من حولهم.
حققنا تقدماً كبيراً في مجال الحوار وقبول الرأي الآخر وزيادة هامش الحرية الصحفية وتفعيل الانتخابات والتعامل مع بعضنا بشفافية.

ثمة جوانب أقل حساسية وأسهل للإصلاح مما ذكر لكنها لا تزال بعيدة عن رياح التغيير لأننا ما زلنا نتركها لسلوكيات أفراد وأهواء أفراد والفرد بطبيعته يصعب تغييره إذا كان أنانياً جداً ويصعب تأقلمه حتى مع تغير مجتمعه.

من تلك الجوانب ما كتبت عنه يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان (سجائر وطنية) والمتعلق بالمدير أو المسؤول الذي يستخدم الموظف المبدع والمخلص لخدمته شخصياً ثم يتنكر له ويرميه كما يرمي «قطف» أو عقب السيجارة التي أحرقها لتنعشه ثم داسها. ولست هنا لأعيد ما كتبت فيمكن العودة له لمن يرى أهميته، لكنني أتطرق له لأن الجانب الآخر الذي أنا بصدد ذكره مرتبط به من حيث كونه سلوكاً فردياً للوزير أو الوكيل أو المدير العام أو المدير التنفيذي ويفترض بنا ألا نتركه للرغبة الفردية والأهواء خاصة وأننا نعيش مرحلة تحول إيجابي في مجالات أكثر حساسية.

الجانب الآخر الذي أقصده هو عدم إبراز الموظف المبدع الحقيقي الذي يقف خلف إنجازات الدائرة وتعمد بعض المديرين التعتيم على المبدعين وتركهم دائماً يعملون خلف الكواليس وممارسة (شخصنة) الإنجازات وجعلها تبدو وكأنها إنجاز المدير مع أنه يستحيل تصديق ذلك لأن إمكانيات المدير معروفة لموظفيه ورؤسائه وللناس من حوله فالبارز في مجال ما لا يمكن أن يبرز في كل المجالات لأن شخصية (السوبرمان) شخصية كرتونية غير حقيقية وإن كانت أثرت في طفولة البعض وجعلته يعتقد أنه يمكن أن يبدع في كل المجالات.

لا بد لنا لكي ننهض أن نعتمد سياسة تكريم كل صاحب إبداع عن طريق تقصي الحقائق ومطالبة رئيس الدائرة بالكشف عن الموظفين المخلصين المبدعين وترشيحهم وليس قبول دفن وإخفاء كل مبدع لأن رئيسه يريد الإنجاز لنفسه.

انظر الى قاموس انجازات بعض مؤسساتنا وستجد أن أكثر مفرداته تكراراً هو (الجندي المجهول) أو (العاملون خلف الكواليس) والمضحك المبكي أن المدير وأمام جمع محدود من موظفيه لا يتردد في الاعتراف بالشاعر الحقيقي للقصيدة لكنه لا يريد لهذا الامتنان أن يخرج للعموم في شكل تكريم أو حتى شكر أو إعلان ينسب الحق لصاحبه!! لأنه وعلى ما يبدو يصعب عليه نفسيا قبول نسب الإنجازات إلى أصحابها وهذه حالة مرضية فردية لا يجب أن يقف المجتمع أمامها مكتوف الأيدي وإلا سنجد أنفسنا يوماً ما بلا مبدعين ولا مخلصين!!

انه يريد أن تكون مؤسسته مملكة نحل يختفي فيها الذكر بمجرد قيامه بدوره المميز ولكن ثمة فرقا كبيرا فنحن في هذا الوطن لا ننشد طعم عسل في حفر من الشمع نحن نريد بناء دائماً وصلباً وهذا يتطلب رعاية وتشجيع المهندس الحقيقي للبناء بل وتفريخاً للمبدعين في كل المجالات ليكون لدينا مدير واحد وآلاف المبدعين.

سجائر وطنية

البعض يتعامل مع الموظف المنتج أو المبدع بمنتهى الجحود والتنكر، تماماً مثل ذلك الذي يحتضن سيجارة بين أصابعه ويشعل رأسها لتحترق ثم يقبل مؤخرتها بين الفنية والأخرى ويمتص من السيجارة بشراهة ما يعتقد أنه يدخل إلى رأسه النشوة ويستمتع باحتراق السيجارة وبنفثه لدخانها وفجأة وبعد أن يقضي منها وطراً يطرحها أرضاً وينظر إليها نظرة كبرياء ثم يدوسها بقدمه ويمعن في فركها على الأرض.
كان ذلك تشبيه استعارة فقط أعتقد أنه القريب جداً لتمثيل ما يحدث مع الفارق الكبير بين الموظف المنتج والسيجارة من حيث النفع والكرامة ومردود الاحتراق.

أعتقد جازماً أن تعامل بعض المسؤولين من وزراء ووكلاء وزارة ومديرين عامين ومديرين تنفيذيين مع الموظف المبدع المنتج ذي الخصائص الفريدة بهذه الصورة هو أحد أهم أسباب تدني الإنتاجية وشح الابداع في دوائرنا الحكومية.

الأخطر من ذلك أن البعض يستغل جهد الموظف المتميز لخدمته شخصيا وعندما يتحقق مأربه ويصل إلى هدفه يرمي به بأسلوب رمي عقب السيجارة فتحدث الصدمة وتخسر موظفا متميزا مبدعا مخلصا ومنتجا دون أن تتحقق الاستفادة منه للمؤسسة الحكومية ويؤثر ما آل اليه من مصير جاحد على بقية زملائه فيصابون بالاحباط والعزوف عن الاخلاص للعمل وبذل مزيد من الجهد وهذا خطير.

تنقصنا ثقافة إعطاء كل ذي حق حقه والامتنان والتقدير للموظف المبدع المتميز ويصعب على أنفسنا للأسف أن نقول بثقة إن هذا المنتج من جهد ذلك الموظف.

كتبت عدة مرات عن المديرين الذين يسرقون إنتاج موظفيهم وينسبونه إلى أنفسهم دون حياء لا من الموظف ولا من جميع زملائه الذين يعرفون الشاعر الحقيقي للقصيدة.. وقد حظي ذلك المقال بتجاوب كبير عبر البريد الالكتروني والاتصال الهاتفي مما يدل على أن ثمة معاناة كبيرة من هذا السلوك.

وموضوع تنكر المدير لجهود وتفاني الموظف والتعامل معه بطريقة عقب السيجارة «القطف» أعتقد أنه لا يقل في شكل وحجم وانتشار المعاناة لدى الكثيرين.

وأجزم أننا لا يمكن أن نحقق طموحاتنا الكبيرة في الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في مجالات عدة اذا استمر هذا الشعور الذي ينم عن تخلف والمتمثل في أن الرئيس يعتقد أن اعترافه وتسميته لمن هو خلف انجاز حققته ادارته هو انتقاص له أو تقليل من قيمة المدير.

وسيكون الأمر أكثر خطورة إذا مارس المدير سياسة «دوس السيجارة» مع موظفيه لأنه بذلك نسي بسذاجة أن وجود عشرين موظفا في علبة ادارته يختلف عن العشرين سيجارة في علبة الدخان فالإنسان يتعلم من تجارب غيره واذا كان سحب سيجارة لإحراقها يتم بسلاسة حتى آخر واحدة لانعدام المشاعر وعدم توفر صفة الاستفادة من تجارب من سبق فإن الوضع في التعامل مع الموظفين يختلف فالانطباع ينتشر والتعلم يتم بسرعة والنتائج السلبية لكل ذلك يعاني منه المجتمع والوطن.

لو لم تسلم الجرة

أعتقد أن معاناتنا الحقيقية تكمن في سوء التقدير، ليس فقط في أمر توقع وقوع الخطر وتلك معضلة قديمة طالت، ولكن أيضاً في سوء تقدير نتائج وقوعه والانفعالات التي يمكن أن تصاحب حدوث وفيات جماعية في حافلة أو تجمع أو سوق أو مدرسة وخلافه.
مثلاً، عندما تحققت معجزة ونجت عشرات من الطالبات من الغرق في داخل حافلة النقل بنفق السويدي وتم إنقاذهن جميعاً على أيدي مجموعة شباب جازفوا بأرواحهم فإننا احتفلنا بنجاح عملية الإنقاذ وانشغل إعلامنا بتمجيد أولئك الشبان وإجراء الحوارات معهم وهو أمر مستحق بل علينا أن نكرمهم رسمياً فقد أنقذوا عشرات المسؤولين والأطراف عندما أنقذوا الطالبات.

ولكن دعونا وبشيء من المصارحة نتخيل صورة كان من الممكن أن تحدث بنسبة كبيرة جداً بل وأكثر احتمالاً من أمر النجاة، ماذا لو كان السيل أسرع وطمرت المياه الحافلة وغرقت الطالبات في مقاعدهن داخل الحافلة ولم يكن أمامنا إلا سحب الحافلة تحمل جثثاً بريئة غارقة داخل عباءات الستر وعدد من الجثث تحيط بالحافلة لشبان من ذوي النخوة ممن حاولوا إنقاذ الطالبات لكن الماء والطين وسقف النفق كان أقوى من إمكاناتهم فسلب أرواحهم وزاد من عدد الضحايا؟!.

تلك الصورة المأساوية كانت واردة الحدوث بنسبة كبيرة جداً لكننا لم نتطرق لها بشيء من المحاسبة لأنها وبكل بساطة لم تحدث!!.

من سنحاسب لو وقعت الكارثة بصورتها المحتملة جداً التي حاولت تخيلها أو بصورة أكثر بشاعة وهو أمر ممكن أيضاً؟!.

هل سنحاسب من ردم قنوات صرف مياه السيول بمخلفات البناء وتسبب في تراكم المياه في النفق؟ أم سنحاسب من أهمل الرقابة على سلامة القنوات قبل سقوط المطر؟!

هل سنحبس صاحب مؤسسة النقل الذي وظف سائقاً غبياً أنانياً جازف بأرواح الطالبات ثم هرب بجلده ومرافقته أم سنعزل من تعاقد مع مؤسسة غير مؤهلة؟!.

ما عسانا قلنا عن الدفاع المدني الذي حضر غير جاهز وتفرج أفراده؟!.

بل هل كنا سنتحدث إعلامياً عن الكارثة ونكتب حولها مقالات لوم مطولة ونقداً لاذعاً ومطالبات عزل وفصل وإعفاء مثلما تعاملنا مع حريق مدرسة مكة؟! وهل كنا سنكتفي بسرد القصص الطريفة مثلما فعلنا الأسبوع الماضي ونحن نتحدث عن عملية الإنقاذ والمسن الذي حاول المشاركة في الإنقاذ لكنه شاركهن في الغرق وتم إنقاذه بأعجوبة هو الآخر؟!.

لو أن الحادثة انتهت نهاية مأساوية هل كان ثمة فرصة للقائمات على الكلية والقائمين على التعليم لأن يحولوا الاهتمام واللوم على من صور بالجوال فقط لصرف النظر عن أسباب القصور الأهم وهي عدم الاكتراث في أمر نقل الطالبات وإيكاله لمؤسسة تستخدم أجهل فئات العمالة وأقلهم اكتراثاً؟!.

مشكلتنا الكبرى أيها السادة والسيدات أننا لا نعتبر بما يحدث ولا نتقي ما كان يمكن أن يحدث ولا نتعلم من السلامة ما ندرأ به الخطر ولذلك فإننا لا زلنا لا نفرض مخارج طوارئ وخطط إخلاء لمراكزنا التجارية، ولا نعاقب سائق حافلة النقل الجماعي شخصياً إذا ساق بسرعة جنونية معرضاً أرواح الركاب للخطر وهو ما يحدث تكراراً ومراراً دون رادع لا من المرور ولا الشركة في انتظار وقوع كارثة، ومع أن ركاب الحافلة لا يقلون كثيراً عن عدد ركاب طائرة إلا أن الشركة لا تمارس فحص الصحة العقلية للسائقين وكأن خطرهم يقتصر عليهم هم فقط!!. بل اننا لا نتعامل جدياً مع ما وقع من إنذارات حوادث القطارات وسوء صيانة سكة الحديد الوحيدة!!.

علينا أن نكون أكثر جدية وحذراً في إجراءات الوقاية من الحوادث الجماعية فإذا وقعت ولم ينجم عنها وفيات لأن الله ستر فإن علينا أن نتعامل معها وكأنها لم تستر!! كان علينا أن نتعامل مع حادثة نفق السويدي وغيره وكأن الموت حدث والحزن عم وإلا فإننا لن نحتاط للقادم من الأحزان ونتلافاها.

لتكن حكمتنا في معاقبة المقصرين أن الجرة لا تسلم كل مرة!!.

السجون تكشف تخاذل الجامعات

في محاضرته التي القاها في كلية الآداب بجامعة الملك سعود تحت عنوان «دور الجامعات في توعية المجتمع تجاه المساجين» وضح على مدير عام السجون في المملكة اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي أنه يعاني كمسؤول عن السجن والسجناء من عدم تجاوب الجامعات ممثلة في أعضاء هيئة التدريس فيها نحو القيام بدورهم في إلقاء المحاضرات على السجناء أو توعية المجتمع لقبول المفرج عنهم وحمايتهم من العودة لطريق الضياع.
اللواء قالها صريحة وبألم وقال إنه خاطب التعليم العالي بهذا الخصوص بل إن بعضهم يقطع على نفسه وعداً بالقاء المحاضرة ويرسلها مكتوبة في خمس ورقات ثم لا يحضر لإلقائها وهذا أدهى وأمر إذ يعكس انعدام الالتزام الأدبي لدى من يفترض أنهم القدوة أو النخبة واستهتارهم بدورهم نحو السجناء!!، وللأسف الشديد أن حجة الجامعات أو أعضاء هيئة التدريس جاءت مخجلة على لسان أحدهم «عضو هيئة تدريس» فهم يريدون مكافآت وحوافز نظير تلك المحاضرات.

نفس هؤلاء عندما يدعوهم التلفزيون أو إحدى الصحف لندوة أو حوار فإنهم لا يترددون مطلقاً وعلى استعداد أن يدفعوا للمشاركة بل إنهم يدفعون فعلاً ثمناً باهظاً لمشلح مميز وغترة أنيقة ويحضرون قبل الموعد بساعة وتزيد!! أي أن الوقت ليس المشكلة إنما المشكلة في الإخلاص النقي من كل مصلحة ذاتية والذي يفترض أن يكون جزءاً من شخصيتنا ولنا في الدعاة قدوة حسنة حيث يجندون وقتهم جله أو كله لإعطاء محاضرات للسجناء والطلاب ونزلاء دور الرعاية وغيرهم.

إن من صور التناقض الغريبة في مجتمعنا وجامعاتنا أن أساتذتنا يحاضرون خارجياً في أي بلاد من المعمورة دون مقابل غير ذلك الذي تدفعه لهم الدولة في شكل انتداب مجز وتذاكر درجة أولى وسكن وخلافه بينما لا تتكلف الدولة المضيفة دولاراً واحداً بل إنهم يدفعون رسوم التسجيل في المناسبة العلمية. وفي الوقت ذاته فإننا حينما نعقد مؤتمراً أو ندوة في جامعاتنا أو مؤسساتنا العلمية والطبية ندفع للمتحدث ونتكفل بتكاليف إقامته في أغلى الفنادق وبتذاكره وتنقلاته ولعلنا البلد الوحيد المتقدم علمياً وطبياً الذي يفعل ذلك.

هذه الازدواجية الغريبة على ثلاثة محاور متناقضة (مطالبة أستاذ الجامعة بمكافأة عندما يحاضر في أبناء مجتمعه ومنهم السجناء، وتكفل الدولة بانتدابه وتكاليفه كي يتعلم أو يحاضر في مجتمع آخر، ثم دفعنا تكاليف من يحاضر لدينا ببذخ زائد) أقول إن هذه الازدواجية تحتاج إلى وقفة معالجة على مستوى وطني فمع احترامي لأساتذتنا في جامعاتنا فإن جشعهم في غير محله وأصبحوا يريدون الكسب على حساب المجتمع بل على حساب أضعف فئاته إما في شكل بيع مذكرات الزامية على الطلاب أو استغلال حتى المساجين لاشباع رغبات كسب غير مشروع.

الذي كنا نعرفه ونحن طلاب ثم معيدون ثم محاضرون أن الجامعة تتدرج تصاعدياً في انفتاحها على المجتمع وأن هذا الانفتاح أحد أهم أهداف مديريها ورؤساء مجالسها في ذلك الزمن القديم الجميل، أما اليوم فلعل القائمون على الجامعات من الضعف بحيث فقدوا السيطرة حتى على سياسة الجامعة ونبل أهدافها وإلا فإن مدير كل جامعة خاصة جامعة الملك سعود يعرف ترف أعضاء التدريس فيها من حيث قلة النصاب التدريسي مقارنة بالمتعاقدين سابقاً وحالياً و«بحبوحة» الوقت الذي يمضونه في متابعة انشطتهم الشخصية وتجارتهم وأسهمهم مقارنة بغيرهم من الموظفين الذين يوقعون دخولاً صباحياً مبكراً ومغادرة محددة بالثانية والنصف بعد الظهر بصفة يومية دون فراغ لأعمال خاصة. وحري بمدير الجامعة أن يفرض رد بعض الدين للمجتمع في شكل مثل تلك المحاضرات.

لقد لاحظنا منذ عدة سنوات أن المطالبات المادية لاعضاء هيئة التدريس في الجامعات هي السائدة وأن عطاءهم للمجتمع هو النادر باستثناء ما يحقق لبعضهم الشهرة وعرض نفسه على قطار المناصب إما بالكتابة في الصحف والإحجام عن المجلات العلمية (على عكس ما هو مفترض وسائد في العالم!!) أو الظهور في برامج تلفزيونية في أي مناسبة مما يدل على سعة في الوقت مع أنانية في التوزيع.

إن اشتراط أساتذة الجامعات فرض مكافآت على إدارة السجون أو غيرها مقابل نقلهم جزءاً مما تعلموه إلى شريحة يهم المجتمع إصلاحها هو قمة الانغلاق على المجتمع وهو سلوك تتحمله وزارة التعليم العالي ومديرو الجامعات وليس أدل على هذا التقهقر مما لمح إليه اللواء الحارثي عند قوله إن السجين مواطن له حقوقه كاملة من كافة قطاعات الدولة واشادته بالتعاون الدائم من وزارة التربية والتعليم والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ووزارة الثقافة والإعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة.

هذا التعداد المفصل للجهات المتعاونة فيه إشارة واضحة لحجم العتب والإحباط وخيبة الأمل في الجامعات التي يفترض أنها السابقة للتعاون الدائم.

بين الأمانة والنقل

بمهنيته المعتادة حاول الزميل خالد الزيدان أن يكشف لنا أسباب الأزمة المزمنة المتكررة والمتمثلة في فشل تصريف مياه السيول في العاصمة الرياض رغم أنها سيول متوقعة وليست كارثة كونية كالتي أحدثها تسونامي.
الزيدان حاور المسؤولين عن المشكلة :أمين مدينة الرياض سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن ووكيل وزارة النقل للطرق المهندس عبدالله المقبل. أما أمين مدينة الرياض فرمى بالمسؤولية على الاعتمادات المالية لمشاريع تصريف السيول التي اعتبرها قليلة جداً مقارنة بالتصريف الصحي وأما وكيل وزارة النقل فرمى كرة المسؤولية في حادثة نفق السويدي على الأمانة.

المشكلة وطنية ولا بد أن لها حلاً فنحن جزء من هذا العالم الذي يمر عليه السحاب ويمطر وتبتل الأرض ولا تغرق ولا نحبذ أن يضيع دم كل مشكلة بين قبائل المسؤوليات المؤسساتية مثلما حدث مع أزمة حمى الوادي المتصدع. ففي كل بلاد العالم ثمة وزارة نقل وأمانات مدن ووزارة مالية ويجري التنسيق بينها بما يضمن تلافي غرق الشوارع والطرق الرئيسة رغم توزيع المسؤوليات.

لماذا لا نعترف أن المشكلة هي أننا لم نثر المشكلة إلا بعد حدوثها؟!

خذ الدليل من اتفاق الطرفين على أن أهم أسباب تراكم المياه في كل من نفق السويدي «وهو مسؤولية الأمانة» ومخرج 24 على شارع الترمذي «وهو تابع لوزارة النقل وتحت مسؤوليتها» هو انسداد قنوات التصريف «الموجودة» بسبب ردمها بمخلفات البناء التي يرميها «ضعاف النفوس» من أصحاب الشاحنات!!.

وقد حاول وكيل وزارة النقل بذكاء سد ثغرة عدم الرقابة والمتابعة على هؤلاء بقوله: إنه رغم الملاحقة ومعاقبتهم إلا أن ذلك لم يؤد إلى نتيجة!! ومع ذلك «يناشدهم» بإدراك المسؤولية!!

إذا كانت الملاحقة والمعاقبة لم تؤد إلى نتيجة فكيف للمناشدة أن يستجاب لها؟!.

هنا أيضاً جدير بنا أن نعترف أنه لا توجد رقابة فعلية على هؤلاء عندما ارتكبوا فعلتهم وأننا لم نستشعر خطورة مخالفاتهم إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس وكثيراً ما يقع!!

رددنا كثيراً «لتكن العقوبات والغرامات رادعة لكن ذلك لم يحدث بل إن الرقابة نفسها ضعيفة وقاصرة رغم أنها عنصر أساسي لدرء الأخطار إلا أنها توكل لمراقبين في وظائف دنيا غير مشجعة ويعين عليها بحكم تواضعها أناس لا يفوقون المخالف لا وعياً ولا تأهيلاً ولا وطنية ولا إحساساً بخطورة الإهمال.

أساس المشكلة أن القنوات التي انشئت باعتمادات مالية وتكاليف باهظة طمرت وسدت أثناء وقت الجفاف عندما كنا نستسقي ولم ندرك انها دفنت إلا عندما سقينا!!

علينا أن نعمل في وقت الرخاء وكأننا في شدة حتى لا تقع الكوارث والله المستعان.

ماركة غازي وحق المواطن

لن أضيف إلى غازي القصيبي الوزير شيئاً إذا امتدحته فلديه رصيد وافر من المواقف والمبادرات والصدق والنزاهة جعله يحظى بعدد كبير من المعجبين والمادحين في وقت شح فيه المديح لمستحق فعلياً، فلن يزداد رصيده إن امتدحته قيد أنملة.
ولن أنقص منه شيئاً إذا انتقدته لأن جانب النقد سيكون في المساحة المخصصة لعدم الكمال فلابد من جزء يسير عند أمثال الدكتور غازي القصيبي متاح لحدوث حالة الجزر دون حد الكمال لأنه بشر «أنا هنا أتكلم عن غازي الوزير أما غازي الإنسان فشيء مختلف لا أملك الإلمام بمكنوناته ومشاعره ولا أعتقد أن أقرب المقربين إليه يستطيع إصدار حكم قاطع فيه له أو عليه».

ما اتخذه وزير العمل الدكتور غازي القصيبي من خطوات سريعة محرجة بل و«مفحمة» في التعامل مع وضع البطالة وخاصة «حملة التوظيف» وما تبعها من إعلان أرقام مدروسة ومدققة من أرض واقع «لا توقع» هي خطوات مخلصة تحمل ماركة غازي المسجلة بسمته المعروفة «الوصول إلى الهدف من أقصر الطرق وأوفرها وأكثرها وضوحا في الرؤية». على أقل تقدير عرفنا منها النسبة الحقيقية للبطالة ونسب فئات العاطلين ومستوى تعليمهم.

اختلفت مع الدكتور غازي القصيبي عبر هذه الزاوية مرتين حول توجهه بعدم تحديد حد أدنى للأجور للسعوديين في القطاع الخاص فالدكتور القصيبي يرفض تماماً هذه الفكرة «تحديد حد أدنى لأجر العامل السعودي» وله أسبابه التي أعلنها مراراً وتتلخص في عدم إنسانية التفريق بين العامل المواطن والوافد في الحد الأدنى واستحالة تحديد حد أدنى للسعودي دون الوافد أو حد أدنى لكل منهما، ورفض معالي الدكتور غازي من حقه، لكن من حقنا عليه ألا يتجاهل حجتنا في عدم واقعية أسبابه، فأنا لا أفترض غروراً أن على الدكتور غازي قراءة ما أكتب أو بعض ما كتبت ولكنني أرى أن لديه جهازاً للعلاقات العامة يطلعه على الرأي الآخر وهو جهاز مشابه لذلك الذي أطلع معاليه عندما كان وزيراً للصحة على مقالة كتبتها عن التبرع بالدم فطلب مني خطياً أن أنضم إلى لجنة التبرع وفعلت، أفلا يحق لي أن أحظى بتجاوب على حجتي وأن أضم إلى لجنة معارضة قرار معاليه برفض الحد الأدنى للأجور.

قلت إن الواقع هو أن ثمة أجورا مختلفة جداً في الجامعات والمستشفيات تعتمد على ما يسمى بسوق العمل وتكلفة المعيشة في بلد العامل وبصرف النظر عن إنسانيتها من عدمه فإن راتب الطبيب من أمريكا الشمالية يفوق راتب الطبيب السعودي أما الطبيب الأوروبي فراتبه ضعف أو ثلاثة أضعاف العربي وأربعة أضعاف الآسيوي (النسب غير دقيقة تماما ولكنها تقريبية معبرة عن الواقع) علماً أن الميزة للجنسية وليس العرق أي أن الأمريكي من أصل آسيوي راتبه أضعاف الآسيوي من أصل آسيوي. وسؤالي هو ما الذي يمنع والحال هكذا أن يكون للسعودي حد أدنى كونه يختلف في متطلباته المعيشية عن الوافد؟! وهل يزمع د. غازي أن يرفع راتب الطبيب السعودي ليكون مساوياً لذلك الوافد من أمريكا الشمالية؟! وأن يطالب بجعل بدلات وأساس راتب الصيدلي السعودي مساوية لتلك التي يتقاضاها زميله الأمريكي أو الكندي؟!

إن التفاوت في الأجور بين العمالة حسب الجنسية موجود سواء في الدوائر الحكومية أو القطاع الخاص بل حتى في فئة العمالة المنزلية التي بذل الدكتور غازي جهداً كبيراً في توزيع حصص التأشيرات لها حسب عدد أفراد الأسرة، يوجد تفاوت في الرواتب مبني على جهة القدوم رغم انعدام فوارق التعليم والتأهيل لأنها غير مطلوبة أصلاً.

أنا لا أريد من معاليه أن يقبل بحججي أو وجهة نظري، كل ما أريده هو دحضها بحجج واقعية مقنعة لا تكيل بمكيالين وإن كنت على قناعة تامة ان من حق المواطن أن يتميز في وطنه لاعتبارات متطلبات الإعاشة لأسرته ومن يعول في نفس الوطن ولأنه وطنه الذي لا خيار له غيره أما الوافد فلو وجد إغراء عند غيرنا ما جاء إلينا ولا بقي لدينا. وغني عن القول إننا مركز تدريب عالمي يدفع للمتدرب بسخاء «راجع إن شئت المؤتمر الصحفي لمعالي وزير الصحة حول الممرضات والإيدز»!!.