اليوم: 26 ديسمبر، 2005

بدأت متسولاً

في أحد أيام الجمعة من رمضان شديد الحرارة اقترح علي احد اقاربي «يصغرني بسنتين يدعي دائماً أنها أربع» أن أفضل طريقة لتقطيع «بعد العصر» الطويل هو التجول في حراج ابن قاسم، على أن نصلي العصر في مسجد الحراج لنجد موطئ «كفر» للسيارة ثم نبدأ رحلة البحث عن جهاز بربع قيمته أو كتاب كان ممنوعاً أو قطعة أثرية.
انطلقنا مع أذان العصر من عمارتنا المسلح «الإسمنت سلاح غير ممنوع» وكان نادراً في حي ثليم حيث كنا نسكن مع مجموعة من الأسر النجدية الرائعة التي رحلت وتركت «ثليم» لعمالة وافدة غير أمينة حولته إلى وكر وهدف للمداهمات. كان حراج ابن قاسم «حذفة عصا» من ثليم فوصلنا وأدركنا الصلاة، وبعد الصلاة كان كل شيء يغري بأخذ قسط من النوم، حرارة الجو خارج المسجد، هدير مكيفات الفريون وبرودة الهواء المنساب ممزوجاً بهواء مكيف صحراوي.

قلت لقريبي «يازين النومه إلين يبرد الجو شوي» مط شفتيه إلى أسفل والحواجب إلى أعلى علامة الموافقة، أما أنا فتوسدت يدي اليمنى وغطيت وجهي بطرف الغترة ونمت، ومثل أي نائم لا أدري كم لبثت؟!، لكنني استيقظت على صوت المحرج يشدو «حراج وحده حراج ثنتين من يسوم الخربان؟! سكر في ماء لا تجروب ولا ضمان» باعة الحراج أمينون حتى في دعايتهم يذكرون السلبيات ويتركون لك الاستمتاع بالإيجابيات عكس كبار التجار.

صحوت وأقعدت ظهراً نحيلاً «آنذاك» ببطء شديد كمن يثني عمود «أم صتمه» والتفت أبحث عن الطاقية وأعدل الغترة فإذا بي أجد بجانبي مجموعة من النقود فئة ريال وخمسة وعشرة يتلاعب بها الهواء فوق صورة صك ومجموعة مفاتيح (مشهد متكامل لشحاذ مسجد حسن الهندام من فئة ارحموا عزيز قوم ذل). رفعت نظري فإذا بقريبي في الجانب البعيد يضع طرف غترته في فمه ليخفي ضحكة مدوية ونتوءات الشحم تنتفض داخل ثوبه الضيق فأدركت أنني كنت ضحية مقلب ذكي ومسلّ لشخص يريد أن يقطع الوقت وكان يحمل صك «وكالة» دائماً في جيبه!!، وضعه أمامي ووضع فوقه ريالاً كان كافياً لاجتذاب طيبة المتصدقين.

حمدت الله أنني نمت لأتسول ولم أتسول لأنام (!!) ولا زلت وقد عشت التجربة اربأ بقلمي أن يتسول أو أن يحارب متسولاً وأكاد إذا رأيت متسولاً نائماً في مسجد أن أوقظه سائلاً إياه «مقلب قريب أم مقلب رعاية اجتماعية؟».

حتى الآن لم أسال قريبي ماذا فعل بالنقود لكنني رأيته يجمعها ولعل الرد على مكره أن أترك مصير النقود معلقاً فمن يدري في أي سهم ذهبت سهم دنيا أم آخرة؟!.