الشهر: جوان 2007

حقيبة الخطوط السعودية

أكثر من 22سنة تفصلني عن آخر زيارة إلى مصر، وقد أقنعني صديق عزيز أن أزور القاهرة مجددا، خصوصا وأنني لا بد أن أنجز مهمة عمل إن عاجلا أو أجلا، وبينما نحن نهم بالعودة إلى الرياض، سألني صاحبي: كم استغرقت رحلة الذهاب من الرياض إلى القاهرة؟!، فأجبته متعجبا بأنها استغرقت قرابة ساعتين، وقد كنت معي وتعلم ذلك!!، فرد بسؤال أكثر غرابة، قال: هل تعلم كم تستغرق رحلة العودة من القاهرة إلى الرياض، فرفضت الإجابة احتجاجا على غرابة السؤال، وكانت الدهشة أكبر حينما قال لي تستغرق العودة أربع ساعات!!.
في البداية ظننته يسخر مني خصوصا وأنه غير راض عن غيابي عن مصر كل هذه المدة، لكنه أكد لي جديته وجزمه خصوصا وأنه ممن تحتم ظروف عمله التردد على القاهرة، فأعاد التأكيد جادا بأن الرحلة من الرياض إلى القاهرة لا تستغرق أكثر من ساعتين وربع بينما رحلة العودة من القاهرة إلى الرياض تستغرق أربع ساعات وقال سترى ذلك بأم عينك.

بدأت أشعر أن الأمر أقرب إلى الجد منه إلى الهزل فطلبت من صاحبي أن يكون أكثر وضوحا فقال: يعلم كل من يتردد على القاهرة أن رحلة العودة إلى الرياض تستغرق ساعتين في الجو وساعتين في انتظار الحقائب يمضي معظمها دون أن يتحرك السير ثم تبدأ (الشنط) في الخروج على دفعات بطيئة جدا تصيب المسافرين بالضجر والملل، ويتمنون لو أن الأربع ساعات مضت في الجو بدلا من حر المطار ودخان السجائر والانتظار.

وفعلا شاهدت ما ذكر بأم عيني، وعايشت مشاعر الضجر والملل بوجداني، وسمعت شكوى الناس وتأففهم بطبلة أذني وخرجت بعد ساعة ونصف من وصول الطائرة وكان أكثر من 80% من ركاب الدرجة السياحية ينتظرون حقائبهم.

المؤكد عندي أن تأخر الحقائب لا يمكن أن يكون حكرا على رحلات القاهرة، ولابد أن الرحلات الأخرى يطالها نفس التقصير إلا أن ركاب القاهرة يلاحظونه أكثر من غيرهم بحكم التردد على نفس الخط.

عجباً لماذا يصر بعض المسئولين على أن يحمل معه (حقيبة) إهمال العميل العادي أينما ذهب؟!!، ولا يلتفت لمشاعر العميل إلا بعد أن يدخل السوق طرف منافس.

نايف والهيئة وسمو العقل

عندما تهيمن العاطفة على العقل وتسيطر المواقف الشخصية وتصدر الأحكام المسبقة، وعندما يعتقد البعض أن الجمل قد وقع وتكثر السكاكين، يأبى نايف بن عبد العزيز بكل ما يحمله اسمه وفعله من معاني السمو إلا أن يعطي درسه المعتاد في الحكمة والروية والتحقق ويصدح بصوت العقل، الذي يعد من نعم الله على هذا الوطن ممثلا في حكمة قيادته.
موقف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز مما كثر اللغط حوله عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يكن الموقف الأول ولن يكون الأخير، ولم يقتصر إنصافه على رجال الهيئة فقط بل نعم بعدله كل مواطن صالح بمثل ما ضرب حزمه بيد من حديد على هامة كل مرجف.

لا أنسى موقف سموه المنصف للصحفيين ولحرية الرأي والنقد الهادف أثناء مؤتمر صحفي منذ عدة سنوات عندما تذمر وزير الهاتف آنذاك من مواقف الصحافة.

تتجلى الحكمة وبعد النظر في هذه العبارة التي ذكرها سموه في حواره مع الزميل خالد الزيدان المنشور بهذه الجريدة يوم السبت 1428/5/23ه حيث قال (الهيئة جهاز حكومي والدولة تتابع أجهزتها وفيها رجال يقدرون المسؤولية ومؤمنون بالله ويعرفون واجبهم فلا يمكن أن يقبلوا هذا الأمر، وإن حدث شيء فيجب أن نحصره على خطأ أفراد، وليس على جهاز بأكمله، وفي إجابة لسؤال آخر ذكر يحفظه الله أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز قائم منذ أسست الدولة وركن من أركان الإسلام يجب أن يبقى ويجب أن يعزز ويطور) انتهى.

نعم الهيئة جهاز حكومي تتابعه الدولة وترعاه وينطبق عليه ما ينطبق على كل جهاز يعمل به آلاف الأفراد ولا يمكن أن يحكم عليه بناء على خطأ فرد أو أكثر، فعندما ضرب معلم طالبا بسلك كهرباء على عينيه لم تؤخذ وزارة التربية والتعليم بجريرته، ولا جريرة عشرات المعلمين ومنهم من ضرب ومنهم من درّس أفكارا إباحية وآخر أفكارا تضليلية بل وتكفيرية، ونفس الشيء يقال عن كافة القطاعات التي تقدم خدمات صحية فعندما قتل عشرات المرضى بأخطاء طبية سببها الإهمال وليس المضاعفات المعروفة تم التعامل مع الأطباء ولم تحاكم الجهات التي يعملون بها!!.

نفس المبدأ يطبق مع الأخطاء الفردية إذا حدثت من رجال الهيئة فأين المشكلة؟!، بل إن ثمة فارقاً كبيراً يصب في صف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أردنا أن نقتدي بحكمة وعدل قيادتنا فالمعلم يتعامل مع مجال وحيد هو التعليم لأطفال وشباب أسوياء، والطبيب يتعاطى مع شأن واحد هو الصحة ومع مرضى أبرياء، أما رجل الحسبة فيتعامل مع خارجين عن الشرع والنظام، مع مصنعي خمور أو مروجي مخدرات أو لاعبي قمار أو سكارى ومنحرفين يؤذون الناس في أعراضهم ومخالفين لشرع الله الذي هو دستور هذا البلد الأمين.

رحم الله المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن فقد أسس على التقوى وورث أتقياء.

تنافس يدعو للتدخين !!

تصريح الطبيب قاسم القصبي المشرف العام التنفيذي على مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث والذي نقله لنا الزميل محمد الحيدر في عدد الخميس 1428/5/14ه ونسب له قوله أنه لا علم له برفع المستشفى التخصصي دعوى ضد شركات التبغ ولم يجد مستندات تثبت ذلك ثم رأيه بأن رفع مثل هذه الدعوى يفترض أن لا تكون أولوية وتساؤله الغريب بأن السكريات تسبب السمنة فهل ستقاضى محلات بيع السكريات؟! (انتهى).
رغم إعجابي بهدوئه ورزانته في تعامله مع الإعلام ليسمح لي الطبيب القصبي أن استنكر أن يغيب عنه البعد السلبي لمثل هذه المقارنة على المدخنين، بل على كل متلق وعلى وطن يحارب التدخين حتى ولو إعلاميا!!.، فهل فات على طبيب مثل القصبي أن مجرد إثارة موضوع مقاضاة شركات التبغ، حتى لو لم يتم أو لم ينجح، يؤكد للمدخن ارتباط التدخين بالسرطان وأمراض القلب والشرايين، وهو أمر يتجاهله المدخن ويبحث عن أية قشة تؤيد إنكاره النفسي له، وتصريح القصبي ليس قشة بل غابة تأييد خصوصا أنها تقارن التبغ بالسكريات والسرطان بالسمنة!!.

كيف؟!ولماذا؟! فات على طبيب في حكمة وعقلانية قاسم القصبي أن السكريات لا تسبب تعودا ولا إدمانا، بل ولا تسبب سمنة مؤكدة ولا ضررا مؤكدا لو تمت الموازنة بين تعاطيها واستهلاك طاقتها بالرياضة أو الحركة فهي مادة الأصل فيها الفائدة !!.

وكيف؟! ولماذا؟! فات عليه أن السكر مادة غذائية أحادية التركيب لا يتعمد صانعها غشا ولا إضافات تجذب الأحداث والكهول وتسبب إدمانهم، بينما تحتوي السيجارة على أكثر من 5000مادة كيميائية معروفة الخطورة وغيرها من المواد المجهولة ومسببات الإدمان، وان دخان السيجارة وضررها يطال غير المدخن، بينما لا دخان للسكريات.

كيف؟! ولماذا؟! فات عليه أن شركات صناعة السجائر تبث الدعاية، وتصرف الأموال، وتمارس الضغوط بهدف إسقاط الآلاف من شباب العالم الثالث في براثن السيجارة، بينما يعرض بائع الحلويات والسكر بضاعته لمن يحتاجها ولا حتى يصوت مناديا للجذب لها.

كيف؟!ولماذا؟! بدا لناقل الخبر وللقارئ أن القصبي كان يدافع عن شركات السجائر وينتقد خطوة وزارة الصحة في مقاضاة الشركات والتي ستبدأ مداولاتها في سبتمبر؟!

أما الإجابة لكيف فواضح أن الكيفية كانت بأن هوى النفس أغمض العين عن النفيس وبصر بالتنافس، أما إجابة لماذا فهي نفس الإجابة لأسئلة وجهتها في هذه الزاوية تحت عنوان (يا سعد خبر مريض الكبد) هذا الشهر.

إنها الغيرة المهنية (professional jealousy) وشيوع روح التنافس بين الأطباء على منصب واحد مما أنسى كل منهم مسئولياته وإدارته، أقول ذلك مع أنني أؤكد أن إبعاد الأطباء عن الإدارة وإيكالها للإداري بالتخصص سيجعل كل منهم يتفرغ لعلمه بمهنية وبدون نسيان لمعلوماته الأساسية.