الشهر: سبتمبر 2007

العامل والمواطن وأقل الضررين

لا أعتقد أن أحداً يمانع أن يتم تعديل قرار أو إلغائه لأسباب إنسانية، مثل تلك القرارات التي تتعلق بالعمالة المستقدمة من الخارج سواءً المزارعين أم العمال أم السائقين أم العاملات في المنزل.
لكنني أجزم أيضاً أن لا أحد يختلف على أن الكفيل أو المواطن الذي استقدم العامل هو الآخر إنسان يستحق أن يراعي القرار المعدل إنسانيته وحقوقه.

وعندما تتعارض حقوق العامل مع حقوق كفيله (المواطن)، فأنا لا أقول بأن ننحاز مع المواطن فهذا ليس من الإنسانية في شيء، ولكن هناك ما هو أهم وأكثر عدلاً وهو اللجوء إلى نص شرعي “أقل الضررين” ولن تجد أكثر سماحة وعدلاً وإنسانية وإنصافاً من شرع الله المنزل الذي تتميز هذه البلاد بتحكيمه.

وأقل الضررين يتجسد في ماهية الأمر الأقل حدوثاً، فمثلاً عندما نلغي قرار اشتراط خطاب تصريح من الكفيل بتنقل العامل بين المدن (وهو بالمناسبة كان قراراً لا يمس إنسانية العامل، وإنما هو إجراء تنظيمي أمني بالدرجة الأولى ) ونسمح للعامل بالتنقل بين المدن دون تصريح من كفيله، ثم نجد أن هروب العمال وتسيبهم قد زاد بل تضاعف بشكل ملحوظ أضر بالمواطنين وهدد مصالح الوطن وربما أمنه (آلاف العمال يبتعدون مئات الأميال عن أعين كفلائهم والباحثين عنهم، ويتنقلون بحرية تامة دون حق الرقيب في المساءلة عن أسباب الابتعاد عن مقر العمل لإلغاء القرار).

هنا يجب أن نعيد النظر في السماح بالتنقل كون الضرر الناجم من بحث العامل عن كفيله ليوقع له خطاب السماح أقل بكثير من ضرر بحث الكفيل عن عامل هارب، دفع تكاليفه ولم يستفد من خدماته، وإذا قبض عليه فإنه مطالب بشراء تذكرة سفره وتكاليف ترحيله!!، كما أن معاقبة مواطن، يسيء استغلال العمالة أيسر كثيراً من البحث عن عامل يحمل إقامة سارية المفعول ويهيم بين المدن والقرى، فالمواطن يسهل تعقبه ببطاقة الأحوال والتي يستخدمها في منافع عديدة ومراجعات متعددة أما العامل فلا يبرز الإقامة إلا لموظف الجوازات كحجة لعدم مساءلته.

الذي نعرفه جيداً أن إلغاء شرط التنقل سهل من فرص هرب العمال ورفع أرقام الهروب وألغى ضابطاً مهماً في التحكم بتجول المجهولين وأضر بالمواطن الصالح الضعيف وفي نفس الوقت استفاد منه عدد من هوامير المواطنين المخالفين والذين أصبحوا يتحايلون على اشتراطات وزارة العمل بتوظيف العمالة الهاربة، خاصة في المزارع التي يصعب أو يستحيل وصول الرقيب إليها.

ما هكذا نكرم الوطن

الذي حدث مساء اليوم الوطني في شوارع الرياض، وتحديداً في مضمار المشي، وممر الزهور، وطريق الملك عبدالله، لا يعكس التعبير الصحيح عن حب الوطن، بل إن بعض الممارسات التي شاهدتها طوال تلك الليلة في تلك الشوارع يتنافى قولا وعملا مع حب الوطن، فقد شاهدت بعضاً من الشباب وصغار السن يستغلون خلو ممر الزهور من رجال الأمن ومن أي فرد له صلاحية الردع وحماية الممتلكات والأشخاص، ويقومون على مرآى من الجميع بالصعود على سيارة العمالة التي تتولى تركيب أضواء الاحتفال على النخيل ويستولون على عدد من (الكراتين) التي تحتوي مئات الأمتار من الأنابيب المضيئة (باهظة الثمن) ويفتحونها ويخرجون محتوياتها ويسحبونها على طول الطريق في عمل أقل مايقال عنه إنه تنكر للوطن في يومه المجيد.
في الوقت الذي كان فيه هؤلاء (المواطنون) يفرحون ويستمتعون بهذه الطريقة بعيدا عن أي رادع، كانت قلوب العمال (الأجانب) تعتصر ألماً وخوفاً وحسرة!!.

الألم لأن هذه الأدوات هي عهدة على عمالة فقيرة سوف يحاسبون على فقدانها، ولن يقبل لهم عذر ولا تبرير، اما الخوف فلأن بعضهم تعرض للاعتداء والسخرية من قبل عشرات المراهقين الذين لايمكن أن يقف امام فوضويتهم إلا فرق أمنية متخصصة(شاهدت احد العمال الذي جلب سحوراً لزملائه وقد استوقفوه واستولوا على مجموعة شطائر وعلب مشروب غازي فحرموه وبقية العمال من السحور وهو لا حول له ولا قوة )، اما الحسرة فلأن الممتلكات اتلفت في يوم الاحتفاء بالوطن وهي قد جلبت لتزين لهم يوم الوطن ويوم العيد القريب.

الجزء الآخر من الصورة تمثل في طرق رئيسة توقفت تماما لأن مجموعة من الشباب يعتقدون ان الوقوف في وسط الطريق والنزول من السيارة والرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة هو قمة الوطنية!!، وأن غلق الطريق العام وحرمان مئات العائلات والأفراد من قضاء حاجاتهم وزيارة أقاربهم وعيادة مرضاهم، هو حق يبيحه لهم ما يعتقدون أنه تعبير عن حب الوطن!!..

إن حب الوطن تنمية شعور وليس تلوين شعر!!، وحب الوطن يتجسد في الحفاظ على ممتلكاته وليس الاستمتاع بإتلافها، وأفضل النغمات للتغني بحب الوطن هي نغمة احترام شعور مواطنيه والمقيمين فيه وليس الرقص على مشاعرهم.

الوطن مجموعة مواطنين

صحيح أن الوطن أرض ، لكنها أرض تحمل فوق ترابها ملايين المواطنين وتحوي داخل ترابها رفات اضعاف هذا العدد ، وجميعهم ، من فوق التراب، ومن تحته بذلوا من اجل هذا الوطن إما دمهم أو مالهم أو عرقهم أو كل ذلك.
حب المواطن من حب الوطن ، واحترام المواطن من احترام وطنه ، والرفق بالمواطن من اساسيات الرفق بالوطن.

هذا ليس موضوعا انشائيا أصفه بمناسبة اليوم الوطني ، بل هو اساس لنشأة وطن والحفاظ عليه.

ما بال كثير من المسؤولين يدعون حب الوطن ، واحترام الوطن ، والرفق بالشأن الوطني وهم يقصرون في القيام بمسؤولياتهم نحو المواطن؟!!.

حب الوطن ليس مقابلة تلفزيونية عابرة بمناسبة ذكرى اليوم الوطني ، نعدل خلالها (مرزام) الغترة ونحسن لف (البشت) على الثوب الأنيق ونطلق للسان العنان للتحدث عن حب الوطن في دقائق معدودة، ثم نخلع بعدها ذلك الإحساس قبل خلع (البشت) و نجلس ننتظر مردود ما قلناه على مصالحنا وعلى ذواتنا في شكل ترقية أو منصب جديد أومكافأة أو حافز.

الوطن ليس خيالا غير محسوس نمجده ولا نتحسسه، ولا ذاتا غير مرئية نعظمها لكننا لا نراها ، وليس ترابا نقبله ، وهو وضيع ، أو مبانٍ اسمنتية نتمسح بها وهي جماد !!.

الوطن يتجسد في مجموعة مواطنين يفترض أن نتحسس مشاعرهم قبل اجسادهم، ونعظم احتياجاتهم ونحن نراهم ، ونقبل رؤوسهم اجلالا لما قدموه ويقدمونه للوطن ، ونحمل اجسادهم عل الأكف احتراما لإنسانيتهم ، فالوطن هو كل هؤلاء المواطنين الذين يقيمون على ترابه أو في ترابه ويسكنون المباني الجماد أو في الألحاد ، وحب الوطن الحقيقي هو أن تحبهم ، وتخدمهم ، وتحقق مصالحهم ، وتسعى لجمع شملهم وعدم تفريقهم أو التفريق بينهم!! ، وأن تحترم آراءهم وتتقبل نقدهم وتعدل في قضاياهم، وتسعى لعزهم ورفاهيتهم ، وتعتبر نفسك واحدا منهم ، لا واحدا عليهم.

إذا طبق كل واحد منا ما ذكر على نفسه ، واعتمده أساساً لأداء مسؤلياته استحق أن يصنف محباً لوطنه فحب الوطن من حب المواطن.

سيدفع عنا الغلاء

نبرة صوت المأمومين وهم يقولون “آمين” عندما يدعو الإمام قائلاً “اللهم ادفع عنا الغلاء” كانت في السابق نبرة عادية غير متميزة عن غيرها.
في هذا العام وتحديداً في هذا الرمضان اختلف الوضع كثيراً نظراً لوقوع مصيبة الغلاء، فقد اختلفت النبرة فأصبحت عالية يصحبها أنين وربما بكاء وإلحاح من المأمومين وهم يردون خلف الإمام، كما أن الإمام أصبح يكرر هذه الدعوة ويركز ويلح فيها.

لا شك أن هذا أحد مؤشرات حجم المعاناة والتأثير الذي أحدثه ارتفاع الأسعار في نفوس الناس على اختلاف مداخيلهم ووضعهم الاقتصادي، وهو ليس المؤشر الوحيد، لكنه مؤشر له دلالات يتميز بها هذا البلد الأمين الذي يتوجه أهله إلى ربهم ويلجأون للدعاء قبل أن تصيبهم المصيبة وبعدها (ومن الطبيعي أن تختلف النبرة والإلحاح بين وضع ما قبل حدوث المصيبة وما بعدها).

وسبق أن سجلت نفس الملاحظة على نبرة تأمين المأمومين عند الدعاء (اللهم آمنا في أوطاننا) بين فترة ما قبل وما بعد اعتداءات الفئة الضالة على أمن الوطن، وكتبتها في هذه الزاوية بعنوان (الأمن بالدعاء) في 2004/11/20م.

النبرة المرتفعة لصوت ملايين المصلين أثناء التأمين عندما يدعو الإمام “اللهم ادفع عنا الغلاء” سواء وهو يختم خطبة الجمعة أو أثناء صلاة التراويح، تلك النبرة، هي أقوى من أي استفتاء عن حجم تأثير ارتفاع الأسعار في الناس ومقدار الارتفاع الكبير في الأسعار ويفترض أن تؤثر في وزارة التجارة والجهات المعنية بالمستهلك (إن كانت قد بدأت أعمالها)، لأن تلك النبرة العالية من الملايين أقوى من مئات المقالات وعشرات الرسوم الكاريكاتورية في جريدة، على الأقل فهي ليست “كلام جرايد” كما يدّعون ليقللوا من أهميتها.

الذي نؤمن إيماناً قاطعاً ونجزم به أن الله سبحانه وتعالى سوف يستجيب لدعاء المؤمنين فهو مجيب الدعاء (ادعوني استجب لكم) وإن لم تأت استجابته سبحانه على أيدي هؤلاء فنرجو أن تأتي على يد غيرهم.

سعر صرف المدارس الخاصة

عبثاً حاولت أن أجد مبرراً لرفع رسوم الدراسة في المدارس الخاصة والأهلية بذلك الشكل الشامل، الموحد، المؤقت، المسكوت عنه.
سكوت وزارة التربية والتعليم عن الزيادة ليس (مبرراً) لها وإنما (ممرر) للزيادة التي لم تصاحبها زيادة في رواتب المعلمات والمعلمين السعوديين المجبرين على العمل في المدارس الخاصة، لتصبح على الأقل تبريراً و(تبريداً) على قلب الأسر السعودية التي لابد أنها تتساءل عن “السر الغريب” الذي يكتنف صمت هذه الوزارة عن ممارسات المدارس الخاصة في عدم توظيف السعوديات برواتب معقولة، ورفع رسوم الدراسة بنسب غير معقولة، وكأن الوزارة والمدارس وجهان لعملة واحدة، والعملة إذا سقطت على أرض هشة لا تسمع لها ذات الرنين!!.

حاولت أن أعرف سبباً لرفع رسوم الدراسة فلم أجد!! قلت هل لارتفاع “الرز” علاقة؟! فوجدت أن المدارس تغلق قبل الغداء وقبل ساعة إعداد (الرز) إلا إذا كان الآباء يدفعون فرق ارتفاع سعر أرز مالك المدرسة وشركائه؟! ثم تساءلت هل رفع الرسوم جاء تعويضاً لانخفاض دخل المقاصف المدرسية خلال شهر رمضان؟! فوجدت أنها مجرد (25) يوماً رمضانياً لا تتناسب خسائرها مع حجم الارتفاع!!.

حقيقة لم أجد مبرراً مقنعاً ولا غير مقنع وعندما لا تجد مبرراً لارتفاع الأسعار فعليك بعذر “اليورو” لأن “اليورو” دائماً “يورينا” الويل في الأدوية والسلع، لكنني سرعان ما أصبت بخيبة أمل في إيجاد مبرر غير “الممرر” فالمدارس الخاصة لا تدفع تكاليف للكتب ولا للأدوات المدرسية ولا لعلاج الطلاب وأدويتهم بما فيها مطهرات الجروح والشاش الطبي لإسعاف الطالب المضروب ضرباً مبرحاً أو المعلمة المنهكة من ساعات الدوام الطويلة وقهر الأجر، لا تدفع المدرسة الخاصة لا بالريال ولا الدولار ولا اليورو فكيف أجعل “اليورو” مبرراً؟!.

وجدتها، إنها أسعار مواد البناء عند إنشاء المدرسة فبعضها يمكن أن نقحم فيه “اليورو” لكن المشكلة أمام هذا المبرر أن المدارس المفتتحة سابقاً لم “تلحق” على ارتفاع سعر صرف اليورو، والمدارس التي افتتحت هذا العام لا بد أن “أساساتها” قديمة ومخططاتها كان “مخططاً” لها منذ عشر سنوات على أقل تقدير وبناؤها لابد وأنه بدأ منذ أربع سنوات وهي حتى وإن افتتحت هذا العام فقد كانت جاهزة قبل توزيع رقاع الدعوات وقبل ارتفاع سعر اليورو.

إذاً لا علاقة لسعر صرف العملة بالموضوع ولعل السر يتضح في الوجه الآخر للعملة.

إذاً أنا مجنون؟!

ثمة شعور، لا أدّعي أنه سائد، لكنه كثير، يجعل بعض القراء يعتقدون أن الكاتب عندما يتناول قضية أو مشكلة فإنها تعكس معاناته هو، أو معايشته هو، أو حرك شجونه للكتابة عن هذا الموضوع موقف عايشه.
هذا الشعور أو الاعتقاد يتناسى جانباً هاماً جداً وهو أن أعمدة الكُتّاب والصحف والإعلام بصفة عامة هي أسرع وأنجح وسيلة حالية للتعامل مع معاناة صاحب القضية “مع حفظ حقوق البرنامج الرائع في الإخبارية (صاحب القضية) الذي يبدع في إدارة حواره الزميل عادل أبو حيمد”.

من يعتقد أن ما يكتبه الكاتب هو نتاج معاناته لو علم الحجم والكم الهائل الذي يصل الزملاء الكُتّاب ومحرري الصفحات في الصحف ومعدي البرامج في التلفزيون من شكاوى الشيوخ والنساء والرجال والشباب وحتى الأطفال لما تبادر لذهنه ولو للحظة واحدة أن كل كاتب يكتب نتاج تجربة شخصية، لكن المؤكد أنهم – باستثناء قلة قليلة – لا يكتبون إلا بعد التثبت والاقتناع بواقعية ومنطقية وأحقية المطالبة التي تردهم.

أنا لا أدري ما هو الأساس لشعور البعض أن الكاتب يتناول همومه هو، وهل هو تعميم لحالات قلة أو ترسبات ماضية أو أن لأصحاب هذا الرأي مبرراتهم وأمثلتهم، أم أنه ليس له أساس ومجرد استنتاجات فردية تجمعت، لا أدري.

الذي أعرفه جيدا، أنه قابلني أحدهم ذات مرة وأنا أهم بالخروج من أحد المستشفيات الحكومية فبادرني قائلاً “ما شاء الله لقيت سيارتك؟!” وأول ما تبادر لذهني هو أن سيارتي قد سحبت، لأن الشركات المتعاقدة مع المستشفيات لسحب سيارات “المرضى” هذه الأيام تسحب السيارة بصرف النظر عن طريقة الوقوف!! ومكان الوقوف!!، تسحبها من أجل 40ريالاً!!، تسحبها قبل أن تسحب الممرضة عينة الدم من المراجع ربما ليخرج الدم وهو يفور!!.

قلت له: ما بال سيارتي؟! قال ألم تكن مسروقة؟! لقد قرأت لك بالأمس مقالاً عن سرقة السيارات!!.

سألته مازحاً، قلت: وكثيراً كتبت عن المرضى النفسيين كونهم لا يحضون بالرعاية لأنهم لا يمدحون وإذا مدحوا فإن مدحهم كالقدح، أحدها بعنوان “مجانين يا أولي الألباب” وغيره كثير، فهل تتوقع أنني الآن سوف افتح فمي وأخرج لساني وتجحظ عيناي وأرفع ثوبي وأطاردك في ساحة المواقف، قلت ذلك وأنا أتجه نحوه فتراجع خطوات إلى الوراء ثم ولى مودعا، ولا أستطيع أن أجزم أنه لم يكن خائفاً أنني قد أفعل.

حماية الشهود

المواطن الصالح هو الأداة الحقيقية والفعالة لتفعيل الإصلاح، والمواطن الصالح هو ضالة الوطن الباحث عن الصلاح في كل شؤونه وأهدافه، ومن مقومات وصفات المواطن الصالح تبليغه عن ما يشاهد من فساد أو ممارسات خاطئة سواء شاهدها في حيه أو مكان عمله.
ما بال الرهاب الوظيفي يقف حائلاً بين قيام الموظف بواجبه نحو وطنه بالتبليغ عن ما يشاهده ويتأكد منه من ممارسات خاطئة أو فساد إداري ؟! ما بال الموظف يقف عاجزاً عن تغيير المنكر لا بيده ولا بلسانه ولا حتى يجرؤ على ذلك بقلبه وهو أضعف الإيمان؟

في التفكير في الأسباب فإنه علينا أن لا نظلم وطننا ومجتمعنا، فنحن نتميز عن كثير من المجتمعات المشابهة والقريبة منا بأننا نوفر قنوات عدة تحول دون استفراد المدير بموظفيه وجوره عليهم، وتخويفهم مثلما يحدث في دول أخرى يستطيع فيها المدير أن ينهي الموظف الذي يخالف هواه بأن (يقعد له كل مقعد).

نحن لدينا ديوان المظالم، والأبواب المفتوحة التي تشكل ملجأ لمن يُضَيق عليه ورادعاً لمن ينوي التضييق، لكن مشكلتنا تكمن في بطء سير معاملات الشكوى والتظلم وحاجتها إلى نفس طويل، قد يشجع المدير الظالم، ويوهن من عزم الموظف على إنكار المنكر وتعريض نفسه “لاستقعاد” المدير وتدمير حياته الوظيفية.

لهذا السبب نجد أن الموظف عندنا لا يبوح بأخطاء وفضائح الإدارة التي يعمل بها إلا بعد أن يستقيل أو ينتقل ويصبح في مأمن من جور وانتقام المدير.

إذا ما اقتنعنا بأهمية دور المواطن المخلص في الرقابة وأن يكون عيناً للرقيب وبالتالي الوطن، وأداة للإصلاح فإن علينا أن نوفر كل ما من شأنه ضمان سلامته وأن لا يكون مستقبله، ورغيف أبنائه، ثمناً لإخلاصه فليس الكل قادراً أو مستعداً لدفع هذا الثمن الباهظ.

وما دام الشيء بالشيء يذكر فإن علينا أن نعمل جاهدين وبسرعة لتوفير برنامج حماية الشهود في كافة المجالات، فبعض القضايا يحتاج من يشهد عليها إلى حماية جسدية ومعنوية ووظيفية .!!

خدعة سينمائية!!

شهدت الساحة قبل عدة سنوات مضت انبهاراً شديداً بالقوانين والأنظمة الأمريكية، فيما يخص العدالة والحرية الشخصية وحقوق الإنسان، وبلغ هذا الانبهار ذروته لدى بعض الشباب العربي في الثمانينيات الميلادية؛ بحكم ارتفاع عدد المبتعثين للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية والعائدين منها، فقد أصبح حديث كل عائد لا يخلو من ثناء وإعجاب ومقارنات بين ما يحدث في أمريكا من عدالة ودقة في الشؤون الحقوقية وحرية الفرد، وما يحدث في بعض الدول النامية والدكتاتورية مما كانوا يعدونه نقيضاً لما يحدث في أمريكا.
في الوقت نفسه كانت (ماكينة) الإعلام الأمريكي تعمل بكامل طاقتها وتروسها لتصور العدالة الأمريكية، والإنسانية الأمريكية، والأخلاقيات الأمريكية، في شخصيات الخير السينمائية التي تقابلها شخصية الشر (السوفياتيه) قبل تفكك الاتحاد السوفياتي في أوج الحرب الباردة،

بلغ بكثير من العقلاء – في كل أنحاء المعمورة – القلق مبلغه من أن ينخدع شبابهم بالدعاية الأمريكية، وتقمص دور بلد الحرية والعدالة التي لم تختبر اختباراً حقيقياً يفضح هشاشتها وزيفها وسطحية أمثلتها!!.

يخطئ من يعتقد أن 11سبتمبر هو الاختبار الحقيقي، أو أن فضائح جوانتانامو وسجن أبو غريب هي أفظع الأمثلة على زيف العدالة الأمريكية.

ما حدث ويحدث في معتقلي جوانتنامو وأبوغريب – مع فظاعته غير المسبوقة – لا يمكن مقارنته بما حدث ويحدث تجاه أناس لم يشتبه بوجودهم في أرض معركة؛ (لا أقول لم يثبت، بل لم يشتبه أصلاً بهم لكي تكون ثمة حجة، ولو ضعيفة، لتسويغ اعتقالهم) وكل ذنبهم أنهم عرب أو مسلمون.

ولعل الأسرة العربية التي حرمت من حضانة أبنائها الثلاثة أكثر من عشرين سنة لمجرد موت طفل في حادث منزلي، ومحاولات تزييف الشهادات ضدها في المحاكم، وحرمان أسرة امريكية حاضنة لواحدة من بنات تلك الأسرة العربية؛ لأن الأسرة الحاضنة رفضت الانصياع للإدلاء بشهادة كاذبة، ثم نقل حضانة الأطفال إلى أسرة مسيحية متعصبة غيرت أسماءهم الإسلامية إلى مسيحية، وهي قصة أغرب من الخيال ولا يمكن أن تحدث في أعتى دكتاتوريات العالم (نشرت تقريرها المأساوي قناة الإخبارية هذا الأسبوع مدعماً بدهشة عدد من المحامين الأمريكيين ودعاة حقوق الإنسان واستغرابهم).

تلك القصة الغريبة تعد واحدة من شواهد زيف العدالة الأمريكية؛ لأنها حدثت قبل 11سبتمبر، بل قبل أكثر من عشرين سنة!!.

أما بعد اعتداءات سبتمبر فإن المحاولات لإغراء الشهود للإدلاء بشهادات كاذبة ضد حميدان التركي وعبدالله الطوالة والمئات غيرهم، شواهد ساقها الله سبحانه وتعالى؛ لتقنع (المتأمركين) والمنخدعين بالقوانين الوضعية بأن عدالة الخالق، المتمثلة في الشريعة الإسلامية، هي الباقية في كل زمان ومكان، وتحت أي ظرف، وأن ما عداها غثاء ولو أعجبهم.

أشعر بحزن شديد وأنا ارى البريء تلو الآخر يقع ضحية استبداد الدولة العظمى الوحيدة وعنصريتها، لكنني أصل قمة السعادة وأنا أرى الفضيحة تلو الأخرى تشكل الصورة الحقيقية التي لابد وأنها ستقنع من خدعتهم صور الماكينة الإعلامية الأمريكية؛ ليدركوا ولو متأخرين أن العالم كان يعيش خدعة (سينمائية).

الانبهار بالمنصب

الخلط الذي يعاني منه بعض المسئولين في فهم أدوارهم والمطلوب منهم، هو خلط لا ذنب للدولة فيه بل هو شعور نفسي صرف يتولد من الشعور بالعظمة الإدارية والانبهار بها خاصة لمن يفاجأ بالمسئولية ويعتبرها تشريفاً لا تكليفا.
مثلا لم تتضمن مهام وزارة التجارة والصناعة ، التي حددتها الدولة حفظها الله، وجعلتها تتركز على حماية مصالح المستهلك والمحافظة على الأسعار ومنع الاحتكار، وهي بالمناسبة مذكورة في الموقع الالكتروني للوزارة، لم تتضمن مهمة جديدة تتمثل في الوصاية على المستهلك واعتباره الجدار القصير لمحاولة تغطية القصور!! ، فبدلا من أن تمارس وزارة التجارة دورها المفترض في إيجاد حلٍ سريعٍ وفعالٍ للارتفاع الفاحش في أسعار السلع، ومنها الغذاء الرئيس الأرز، أرادت الوزارة من المواطن السعودي أن يكون هو الحل لقصورها بأن يغير نمطه الغذائي ويترك الأسعار كما هي !!.

لم يكن من ضمن مهام أي مسئول أو موظف كبر منصبه أو صغر، التي يتقاضى عنها راتبه وبدلاته، أن يمارس الوصاية على المواطن أو المقيم لا في مأكل ولا مشرب ولا تعليم ولا علاج ولا مواصلات، بل على العكس فقد وفرت الدولة للمسئول المراتب العليا والمزايا السخية و كل أسباب السعادة والهناء بما فيها إمكانية أكل ما يشتهي ويلذ ويطيب من أجل أن يبذل الجهد ويصرف الطاقة ويسخر الذهن لإيجاد الحلول لمشاكل المواطن والمقيم وحمايته من الاستغلال ورفع الأسعار وتدني الخدمات التعليمية والصحية وخلافها من أساسيات الحياة، لا لكي يجعل من تطويع المواطن حلا لمشاكل وزارته ومسئولياته.

وللأمانة فإن مسلك استعمال المواطن كوسيلة حل للمشاكل بدلا من إيجاد الوسائل لحل مشاكله أصبحت سمة عامة لكثير من الوزارات والمؤسسات والإدارات، فالاتصالات سبق أن حلت مشاكلها برفع التعرفة على المشترك وكذلك فعلت شركة الكهرباء،وهكذا تحاول الخطوط السعودية جاهدة في تمرير رفع أسعار التذاكر، وما سكوت وزارة التربية والتعليم على الارتفاع السنوي في رسوم المدارس الأهلية والخاصة إلا ضرب من ضروب تحميل المواطن تبعات القصور، وكذلك المستشفيات الحكومية التي أطلقت العنان لأطبائها للعمل في القطاع الخاص نهارا جهارا رغم المخالفة للنظم والتشريعات ثم اتخذت هذه المخالفات ذريعة لإجبار المواطن (المستحق للعلاج نظاما) على دفع رسوم باهظة للعلاج في مراكز الأعمال أو اللجوء للمستشفيات الخاصة الصديقة والشريكة!!.

سبق أن كتبت في هذه الزاوية أن مشكلتنا الحقيقية تكمن في أن بعض المسئولين يتعامل مع المسئولية وكأنها قطعة من أثاث منزله يحركها كيف يشاء ، ولعل جملة المواقف هذه تحتم أن أضيف بأن الأثاث قد شمل المواطن واحتياجاته واستحقاقاته ورغباته !! والمؤكد أن كل ما يحدث ليس له مظلة نظامية ولم تقره أنظمة الدولة وتشريعاتها بل جله مخالف لأنظمة صريحة وواضحة، لكنها نتائج لشعور نفسي بعظمة المنصب لابد من ردعه قبل أن يستفحل!!.