المجرم الحقيقي طليق

ماذا نتوقع من إهمال المرضى النفسيين في مجتمعنا، وحرمانهم من الرعاية الصحية الحقيقية المتخصصة (ليس مجرد احتجاز المحظوظ منهم في مصحات غير مهيأة لعلاجهم)؟! هل نتوقع أن نصبح على حادث لمريض نفسي يطعن والده ونمسي على حادثة مريض نفسي يقطع رأس ابن أخيه، كما نشر في هذه الجريدة يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع قبل الماضي (حادثتين دمويتين في يومين!!).
وقبل ذلك نشر عن حادث مريض نفسي يقتل أخاه ذا التسع سنوات بدم بارد في حريملاء، وآخر يحرق سيارته في أحد شوارع أبها، أو ذلك الذي خلع ملابسه وتعرى عند اشارة مرور مقابل مبنى مجلس الشورى، وقد كتبت حينها أنه ربما أراد بعث رسالة للمجلس الموقر علّه يلتفت للمرضى النفسيين.

مسكين هذا المريض النفسي، لا يقدر على الشكوى بلسان فصيح ولو اشتكى بلسانه فحجته ضعيفة فهو مجرد مختل عقلياً أهمله مختل إدارياً.

لاحظ أنني لم اسمِّ أياً من الحوادث التي استشهدت بها “جريمة” بل “حادثة” لأن ما يرتكبه المريض النفسي حادثة مجرمها الحقيقي طليق.

أتساءل دائماً: لماذا يقتصر التقرير في شأن وطني حساس، لشرائح كبرى من المجتمع، هم المرضى، على مديرين لا يملكون غير تأهيل طبي نحترمه ونقدره لكنه لا يعطي صاحبه خاصية “الجوكر” العالم بكل شيء، فالطبيب الناجح، مثل المهندس الناجح والمحاسب الناجح، لا يفترض بالضرورة أن يكون مدركاً لخطورة قراره الإداري بإهمال شريحة من المجتمع حتى لو كانوا مرضى!! فما يربطه بهم هو قدرته على تشخيص مرضهم وعلاجهم فقط، إذا كان ضمن مجال تخصصه.

إذاً وما دام التخصص بهذه الدقة والانتقائية فإن من الظلم أن يتولى الطبيب منصباً إدارياً يخوله لتقرير مصير شريحة كبرى من المجتمع في شأن خدمي يتعلق باستراتيجية الدولة في رعاية مواطنيها وشمولية الرعاية والتخطيط لها وتنفيذها، فالطبيب يتعامل مع المرضى لكنه قد لا يدرك خطورة عدم انشاء مستشفيات تستوعب كل المرضى النفسيين لأن رسم الاستراتيجيات لاستيعاب شرائح كبيرة من المجتمع ليس من تخصص الأطباء، ولأن استشعار المخاطر الاجتماعية والنفسية والأمنية لإهمال شريحة كبرى ليس ضمن قدراتهم.

عجباً يا وطني كيف نتقيد بالتخصص الدقيق جداً في علم الطب الذي درس الدارس عمومه وتخصص في فروعه وننسى بأن الإدارة والتخطيط والاقتصاد تخصصات لا يجيدها الطبيب ولم يدرس مقرراً واحداً منها؟!!

اترك رد