اليوم: 14 يناير، 2008

على حساب الفقراء

لم أكن قط مؤيداً لاستخدام البديل التقني أو “التكنولوجي” لإنجاز الواجبات الشرعية والاجتماعية أياً كان السبب، وأقصد مثلاً الاكتفاء بشراء بطاقة أضحية بدلاً من شراء الأضحية وذبحها أو حضور ذبحها على أقل تقدير، ونفس الشيء ينطبق على الصدقة أو إطعام المساكين أو كفالة اليتيم فيجب أن تمارس بتثبت ومباشرة وإشراف ذاتي من المتصدق.
وطبيعي لمن لديه مثل هذا الشعور أن لا يؤيد تحويل مصارف وقنوات الصدقات إلى الخارج عبر حسابات بنكية، لأن الأقربين أولى بالمعروف خصوصا أن لدينا من المحتاجين أعداداً أكثرمما يتخيله من يصدر الصدقة للخارج، هذا سبب، والسبب الثاني غياب عنصر التثبت والوقوف على وصول الصدقات للمستحقين فعليا ومثل هذا الضمان لا يتحقق إلا بالوقوف على التسليم والتثبت منه!!، وأذكر غير مفاخر ولا شامت أنني سبق أن كتبت ناهيا عن تحويل قنوات الصدقة من الداخل إلى الخارج للأسباب نفسها قبل عدة سنوات وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر والإرهاب، وغضب علي أحد منسوبي جمعية خيرية تصدر الصدقات للخارج، وعقب بما يعكس انفعاله وعندما تكشفت الأمور اتضح أن بعض الصدقات لبعض الجمعيات لم تذهب لفقراء مال إنما لفقراء عقل!!.

بطبيعة الحال فإن رأيي هذا ينطلق من رؤية اجتماعية بحتة وليس بناءً على علم شرعي فالشرع له علماؤه وللفتوى أهلها، لكن من وجهة نظر اجتماعية اعتقد أننا نتكاسل كثيراً وندّعي الانشغال غير المبرر إذا أردنا أن نوفر الجهد على حساب الدقة والفاعلية وأن نرفع رصيد ساعات الراحة بالتحويل من حساب أعمال الخير والقيام بالواجبات الشرعية، فثمة أعمال أخرى كثيرة يمكننا إيكالها للغير والاستفادة من وقتها في راحة لا تؤثر على الأساسيات ومن أهم الأساسيات في نظري التأكد من وصول الصدقة للمستحقين وأداء الشعائر بالطريقة الصحيحة المضمونة وبإشراف مباشر من الشخص نفسه لأن في ذلك لذة وراحة نفسية تفوق كل راحة.

أنا لست ضد التسهيل في الإجراءات والتيسير على الناس فقد أعدّ ضمن أكثر المطالبين بالحكومة الإلكترونية واستخدام التقنية والحاسوب في التسهيل على الناس ولكن هذا ينطبق على المعاملات والإجراءات النظامية، أما ما يتعلق بأعمال الخير، كالصدقة وكفالة اليتيم وإعتاق الرقاب ومعالجة المرضى والتسديد عن السجناء والصرف على الأسر المحتاجة فإنني أرجو أن لا نعتمد فيها على الغير وعلى عروض الإجراءات الميسرة وشراء البطاقات مسبقة الدفع لأن من سيعاني هم الفقراء الحقيقيون محليا.