أجهزة الاستخبارات في بعض الدول العربية وتحديدا في تونس ومصر وليبيا وسورية، هي في نظري أكثر من انكشف وبانت عورته في الأحداث الأخيرة المتمثلة في ثورات شعوب تلك الدول العربية على رؤسائها وحكوماتها، وهذا الانكشاف والتعري التام لا أقصد به الفشل في العمل الاستخباراتي لإجهاض قيام الثورة أو الكشف عن قرب حدوثها وشم رائحتها ثم اغتيالها في مهدها، فهذا أمر مستبعد بل (مستعصٍ) فالشعوب إذا أرادت شيئا حققته ولو بعد حين، لكن الفشل الأكبر في ظني يكمن في تغييب مشاعر الشعب نحو الرئيس عن الرئيس!! وجعل الرئيس ينتقل فجأة من حالة الحب المزعوم في شكل هتافات مصطنعة (بالروح بالدم نفديك يا رئيس) وصور حائطية ضخمة تعلو البنايات وتملأ الشوارع، إلى حالة بغض شديد صادق في شكل هتافات حقيقية (ارحل والشعب يريد إسقاط النظام) وصور ولوحات كبيرة وصغيرة تعلو السواعد وتملأ ذات الشوارع.
الرئيس العربي سواء كان ظالما مستبدا أو دون ذلك هو في الحقيقة (مظلوم) لأنه معزول تماما عن مشاعر شعبه نحوه، فالمشاعر الحقيقية مغيبة عنه، بل إن عكسها تماما صور له وجعل يعيش حالة وهم بأنه محبوب الشعب حتى وصل مرحلة عدم قبول أي إشارة إلى عكس ذلك (استمع إلى القذافي وهو يردد: أنا معاي الملايين، الشعب كله يحب القذافي، الشعب كله يريدني) بالرغم من هروبه من الثوار واختبائه في مبنى أمطره رصاص الكراهية ومشاهدته عيانا بيانا للملايين تهتف ضده، لكن أربعين دقيقة من الكره والبغضاء الحقيقية لا يمكن أن تمسح أربعين عاما من وهم الحب.
إنها صدمة اكتشاف الكراهية فجأة هي التي كلما زادت زاد التشبث بالحكم، وهي من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها وترتكبها أجهزة الاستخبارات العربية في تلك الدول، حيث لا استفتاءات تقيس درجة تغير مستوى الشعبية سواء بالزيادة أو النقصان، فلا الزيادة مقبولة كنتيجة لأنها تعني التغير من رقم أقل إلى أعلى ومجرد الشعور بوجود أقل من 99.9 % أمر لا يجرؤ أحد على ذكره حتى لو كانت النتيجة النهائية زيادة شعبية الرئيس، أما المصارحة بنقص في الشعبية فهي ضرب من ضروب الانتحار ولعل هذا هو العذر الذي يشفع للاستخبارات لتجنب العقوبة عن ذنبها في إخفاء الحقيقة لأن الرئيس لا يريد سماع الحقيقة، لكنه سمعها مباشرة (من الرأس لا من القرطاس) ومع ذلك لم يصدق لأن للكراهية بعد وهم الحب صدمة لا تحمد عقباها.
اليوم: ماي 15, 2011
