الشهر: أفريل 2012

إلغاء «س» من العربية

تلقيت دعوة كريمة من معالي مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لحضور فعاليات المؤتمر الدولي الأول بعنوان (اللغة العربية ومواكبة العصر) الذي يفتتح مساء الاثنين القادم 17 جمادى الأولى 1433هـ وتبدأ فعالياته الثلاثاء، ولست هنا لأثني على هذه الجامعة الفاعلة النشطة التي تستحق ما تجده من ثناء لا تنتظره، ولا أن أستغل المساحة لشكر معالي مديرها على الدعوة، فهذه المساحة لكم أنتم ولهمومكم وهموم الوطن، لكن أول ما تبادر لذهني كصحفي يعيش ألم الوطن والمواطن وأنا أقرأ العنوان، ومن وجهة نظر صحفية نقدية بحتة لا علاقة لها بالمؤتمر واختيار عنوانه الجميل جدا، أول ما تبادر لذهني هو: ماذا لو اقترحنا على المؤتمر ومن منطلق مواكبة اللغة العربية للعصر ووعوده العرقوبية أن نلغي حرف السين (س) من اللغة العربية الجميلة المحببة لقلوبنا ولو مؤقتا.
هذا الحرف (س) يستخدم دون ذنب في جعلنا نعيش حالة انتظار طويلة لوعود لا تتحقق فلو حسبت وعود بعض المسؤولين في القطاعات الخدمية المنشورة في الصحف والمذكورة في تصريحات إذاعية وتلفازية لوجدت أن 99.99 % منها هي: سنعمل ، سننجز، سنحل، سنفي، سنحقق، سنوجد.. إلى آخر عبارات الوعود التي تبدأ بحرف (السين) ولا تنتهي إلى (شين)، وال (شين) باللهجة الجميلة لأحبابنا في حائل تعني (شيء)، يقول الشمالي النقي (فلان ما سوى شين) أي لم يعمل شيئا.
في ظني أن من مواكبة العصر أن نقترح تعليق العمل بهذا الحرف إلى أن نجد من يعمل بحرفية ويعد بما يتحقق، وللأسف فإنني لن أتمكن من إيصال هذا الاقتراح، لسبب ليس بسيطا، وهو أنني لم أجد حجزا على خطوطنا الحبيبة من الرياض إلى المدينة المنورة حتى الساعة لأن مدير عام الخطوط السعودية سبق أن صرح أن مشكلة النقل الداخلي وقلة الرحلات الداخلية (س) تحل!!.

حتى مشتل الخرج (بربسوه)!!

انشغلت زمنا طويلا أقرأ تارة وأكتب أخرى عن انكماش شواطئ جدة واختفاء الكورنيش، لا أقصد كورنيش الصخور والجرذان، إنما شاطئا رمليا يستمتع به عامة الناس، أقصده أنا وأولادي عندما أزور جدة التي أحبها نلهو ونلعب ونلمس ماء البحر الأحمر و(نبربس) فيه قليلا أو نغسل فيه هموما بعد (بربسة) بعض الوزارات الخدمية في مصالحنا وشؤون حياتنا، ولمن لا يعرف (البربسة) فهي احداث دوامة أو (حوسة) أو عبث، يقال (بربس) الشيء أي خلطه وعكر صفوه، فوجدت أن التجار قد (بربسوا) شواطئ عروس البحر الأحمر وحولوها إلى مطلات خاصة، وحسب وعود أمين جدة فإن إطلالة سكان جدة على البحر ستعود خلال سنة ونصف بمتنفس رائع لم يحدد إن كان بالنظر أو اللمس و(البربسة) في الماء.
وانشغلت وقتا أطول أكتب وأتحدث وأقرأ عن انكماش بر الرياض وكثرة (العقوم) والشبوك والمخيمات المستأجرة التي حرمت عامة الناس من الاستمتاع بالبر والعشب ونبت الخزامى والأقحوان والحوذان، عندما تهطل أمطار الوسمي النادرة وتهتز الأرض وتربو وتنبت مما طاب ريحه وحسن منظره وارتاحت النفس برؤيته وعز الوصول إليه بسبب التعديات.
لم أنس قط أياما جميلة قضيناها في متنفس أهل الرياض الوحيد منذ حوالي ثلاثين سنة أو تزيد، مشتل الخرج ذلك المتنفس الرائع الذي كنا نقصده كل جمعة أو عطلة ونرى فيه جنة دنيا تجمع بين شجر وارف الظل وخرير جداول الماء واجتماع أقارب وعائلات وأصدقاء وملتقى للقلوب النقية، عزاب وعائلات شيوخ وأطفال، عرف كل منهم مشربه، في جانب منه يعلو صوت جد يروي حكاية وفي الجانب الآخر يغني سلامة العبدالله لجلاسه مرددا (أنا تل قلبي تل يوم جيت للمشتل أبو مبسم يقتل وعيون قتالة).
بالأمس زرت الخرج بعد غياب دام 30 سنة، بحثت عن المشتل ووجدته وليتني لم أجده!!، سألت شيخا كان يحرسه قلت (هذا المشتل إلي حنا خابرين ما غيره) قال نعم بلحمه وشحمه، قلت ولم هو مغلق؟! قال خذوه التجار وصار مشروعا تجاريا دخوله للنساء فقط، به ألعاب وبضائع ومأكولات وعليه رسم دخول 3 ريالات، قلت لم يعد مشتلا فأين لحمه وشحمه؟!، فرد: قلت لك خذوه التجار لحم وأجروه عظم!!، قلت يعني (بربسوه)!!.

أكبر دليل

أكبر دليل على أن القرار في بعض الإدارات لدينا يتعرض كثيرا لتجاذب الأهواء هو صعوبة اتخاذ قرار في شأن طبقته دول سبقتنا ونجح فيها وعالج مشاكلها وأسعدها ونحن نصر على الأخذ والرد فيه وتمحيصه، وعرضه على لجنة تلو لجنة وكأننا نعيد اختراع العجلة التي طورها غيرنا وحفظوا نسختها الأصلية في متاحف الآثار القديمة!!.
قد نقبل عدم اتفاق الآراء على فكرة جديدة أو شأن مستحدث لم يجرب ويخشى عليه من فشل ذريع أو نتائج غير محسوبة وهنا يجب أن نتريث وندرس ونتشاور ونستشير، أما أن يدور أمر مجرب ومدروس ومطبق في دول متقدمة بين لجاننا المتعددة وتبدى حوله الملاحظات التي لا تتعلق لا بخصوصية مجتمع أو إباحة دين أو تناسب إمكانات، فإن السبب الوحيد هو تدخل الأهواء وتعارض المصالح ووجود من لا يسعده ولا يخدم مصلحته الخاصة تطبيق نظام أو إجراء مجرب.
مؤسساتنا الحكومية تعاني كثيرا في اتخاذ قرارات التطوير، على العكس من المؤسسات الخاصة التي تشهد قفزات نوعية في مجال أعمالها وأساليب أدائها لتحقيق المزيد من الأرباح والتوسع في الأعمال والاستثمار، وهذا دليل آخر كبير على أنه لا ينقصنا الاطلاع على تجارب الآخرين ولا الجرأة في التطبيق ولا إمكانات مسايرة التطور، ما ينقصنا هو تغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية وتغليب الصالح العام على الخاص، وتحقق كسب الطرفين الوطن والفرد، إلا أن البعض يريد كسب المزيد على حساب الوطن!!.
الشواهد كثيرة، إلا أننا للأسف نركز الحديث عن صورة وهي الصورة التقليدية المتمثلة في اختلاس مال أو أرض أو استغلال سلطة، وحتى هذه الصورة مازلنا نتحدث عنها فقط ونهددها ونتوعدها أما الصور الأخرى المتمثلة في تعارض المصالح وإعاقة الصالح وتغليب مصلحة الذات على الوطن فإنها بدون شك تؤدي إلى المراوحة في مكان غادره غيرنا ونجح ومحاولة إعادة اختراع العجلة وعدم العجلة!!.