اختفت الشفافية وبقي “القرف”

رغم مرور ست سنوات على مقال كتبته في صحيفة عكاظ -آنذاك- وتحديداً يوم الاثنين 12 أكتوبر 2015م بعنوان (شفافية مقرفة لكنها رائعة)، إلا أن تقنية “الواتساب” أعادت ترويج المقال هذه الأيام وبكثرة، حتى أنه وصلني من عدة مجموعات “واتساب” لتوعيتي بما ورد في المقال، ووصل بعض أفراد أسرتي وأقاربي بالصدفة لغرض التوعية نفسه، ولا أعلم سر إعادة إحياء الموضوع، لكنه يبقى أمراً مهماً، ليس لأنني كاتبه، ولكن لأن الموضوع يمس سلامة وصحة الناس ولم يطرأ عليه تغيير منذ ذلك الحين.

المقال يحلل تقريراً صدر من وزارة الشؤون البلدية ونشرته صحيفة “مكة” يقول: إن 43 % من عمال المطاعم الذين تمت إحالتهم للفحص الطبي وجد أن لديهم أمراضاً خطيرة ومعدية تتراوح بين فطريات في الأصابع وسعال وزكام وجروح في اليدين والأصابع، وذهبت شفافية تقرير الوزارة إلى أبعد من ذلك “قرفاً”، فأوضح التقرير أن غالبية جروح وقروح الأصابع وفطريات الأصابع ظهرت فيمن يعدون الطعام والخبازين، وهذا معناه إمكانية انتقال فيروسات الكبد للمستهلك عبر طعام تلوث بدم العامل.

أنا كان دوري أن حللت التقرير كصيدلي، وتناولت أبعاد مثل هذا الإهمال الخطير، وأضفت أنني شخصياً لا يقرفني التقرير إطلاقاً؛ لأنني ومنذ مشاركتي كمراقب متطوع في أمانة مدينة الرياض منذ أيام الأمين عبدالله العلي النعيم، ورؤيتي ما رأيت في المطاعم لم أعد آكل ذرة طعام أو حلوى تعد في الخارج، وكنت أكتفي قبل زواجي بما تطبخ أمي، تغمدها الله بواسع رحمته، ثم حالياً ما تطبخه أم مهند أو إحدى بناتي -حفظهن الله-.

اليوم وبعد مضي ست سنوات أرى أن وضع المطاعم من الداخل لم يتغير، بل ربما ازداد أمر الغش والتلاعب بالتواريخ سوءاً، وكشفت بعض المداهمات القليلة -بناء على بلاغات مواطنين- صوراً من قذارة الداخل في مطاعم شهيرة وكبيرة، وما يقلق أكثر ويدعو للحذر من المأكولات التي تعد خارج المنزل هو عنصر التعمد في التلويث لأسباب حقد عامل أو لأسباب شاذة باطلة، لسنا ببعيد من حوادث تلويث الزيتون بالبول أو القهوة بالبصق والتي أعلن القبض على مرتكبيها بعد انتشار المقطع، ولكن ماذا عن الممارسات المتوقعة التي لم تنشر أو لم تصطدها الكاميرات؟!

الجديد أيضاً موضوع التوصيل، فلم تعد تنظر لمن يعد الطعام وتحمله بنفسك، بل أصبح ينقله وسيط لا تعلم كيف يتعامل مع طعامك، لذا أرى أن الشفافية في هذا الصدد قلّت، فملاك المطاعم مشغولون بالجشع، وعدد المطاعم زاد وتنوع و”القرف” قد يكون زاد، وكم نحن بحاجة لمزيد من الدراسات والتقارير الشبيهة بما صدر عن وزارة الشؤون البلدية آنذاك ثم تكثيف الرقابة داخل المطابخ المغلقة، وحتى ذلك الحين لن تقبل نفسي طعام المطاعم.. وأنتم أدرى و”أبخص”.

نشر في جريدة الرياض يوم الأحد 29 شعبان 1442هـ 11 إبريل 2021م

اترك رد