اليوم: 13 مارس، 2023

أمريكا التي يقتدون بها

أقصد قلة انخدعوا بالغرب عامة و بالولايات المتحدة الأمريكية خاصة، نتيجة لسطحية تفكيرهم الذي انبهر بكل ما هو غربي بمجرد أن رأى تميزا طفيفا ضخمه إعلامهم وسلط عليه ضوء قوي ساطع فأصبح ذلك الضعيف بصرا وبصيرة لا يرى العيوب الظاهرة لأن الأضواء المخادعة أبهرته فأغمض عينيه عن حقيقة أن الغرب عامة و أمريكا خاصة من حيث حقوق الإنسان و العدالة والحريات واحترام المواطن والمقيم والسلوكيات العامة تعاني ازدواجية مقيتة و شطحات غبية وتناقضات كشفها الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، بينما كانت تخفيها ترسانة الإعلام المنفرد بالمساحة وبتوجيه العقول القاصرة.

دعونا نبدأ بحقوق الإنسان وسنجد أن أمريكا أكثر دولة ارتكبت قتلا وتدميرا وتعذيبا، بدأ بقنبلة هيروشيما ومرورا بحروب فيتنام وأفغانستان والعراق وفضائع أبو غريب، فعن أي حقوق إنسان يتحدثون.

وإذا عرجنا على العدالة والمساوات فإن السود في أمريكا لازالوا يعانون من التفرقة العنصرية وإن كان سمح لهم بشرب الماء من نفس الصنبور الذي يشرب منه الأبيض إلا أنهم يقتلون بدم بارد من قبل الشرطة عند أدنى اشتباه وضحية الدعس على الرقبة جورج فلويد كان مثالا صارخا وسببا لتصدر شعار (لا استطيع التنفس) في مواقع التواصل الاجتماعي عالميا، لكنه ليس الوحيد، بل أن المعوق فاقد الساقين لم تشفع له إعاقته فقتل بتهمة الهرب وكيف لمبتور الساقين أن يهرب؟! إلا في تخيلات شرطي أمريكي مهووس بإطلاق النار يعاني من أمراض نفسية وضغوطات تنم عن مجتمع غير سوي وكفى.

وعندما نتحدث عن الحريات فإن ثمة تناقض عجيب ففي حين يمنع الغرب الحجاب والنقاب يطالب الدول الأخرى بتشجيع الشذوذ الجنسي وزواج الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى في تحد صارخ لطبيعة البشر، ومحاولة اجبار مجتمعات سوية محافظة على مخالفة قيمها وتعاليم دينها، ليس هذا فحسب بل أن الغباء الصارخ تجلى في السماح للشخص بتحديد جنسه شفهيا حتى قبل اجراء عملية التحول، مما جعل ذكرا يدخل دورات مياه النساء ومواقع استحمامهن بحجة أنه حدد جنسه بأنه أنثى، (يعني تبي تتفرج على عورات النساء ما عليك إلا أن تدعي أنك امرأة ثم تستمتع وتخرج) أي غباء وانحطاط هذا؟! وأين حقوق نساء اعترضن على ذلك؟!.

وعندما نتحدث عن تقدير واحترام المواطن فقد أثبتت جائحة كورونا أن الدول الغربية وأمريكا تخلت عن شعوبها، وقد تطرقنا في مقال سابق إلى الفارق الكبير بين تعامل المملكة العربية السعودية مع مواطنيها والمقيمين فيها بل والمخالفين خلال الجائحة وكيف سخرت كل إمكاناتها لحجرهم في الخارج والصرف عليهم ونقلهم وحجرهم في الداخل وتطعيمهم دون مقابل بينما تخلت دول الغرب وأمريكا عن شعوبهم فلا نقل ولا حجر ولا تطعيم.

أما السلوكيات العامة فغريبة ومزدوجة إذ تقوم مجموعات بإلصاق أيديهم في الاسفلت وسد الطرقات اعتراضا على أكل الدجاج بينما يمنعون سيارة اسعاف من المرور لإنقاذ امرأة ويتركونها تموت (يموت الإنسان ليحيا الدجاج).

وبعد هذا كله يأتيك من يتغنى بالغرب وأمريكا، قل الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام طريق الحياة السوية والعدل والمساواة والفطرة السليمة والآخرة السعيدة.

سميحة الحيدر.. التأسيس والإخلاص والصبر

رحم الله الزميلة سميحة بنت صالح الحيدر وأسكنها فسيح جناته وأثابها على ما قدمت لهذا الوطن ومواطنيه والمقيمين فيه من عمل مخلص وتفانٍ في أداء الواجب وبذل للمرضى ومرافقيهم وأقاربهم وكل من يعاني معهم ومواساة للمصابين والفاقدين والمكلومين.

درست سميحة في الولايات المتحدة الأميركية فعرفت أثناء دراستها بتمسكها بتعاليم دينها الحنيف وقيم المرأة السعودية المحافظة واعتزازها بوطنها وتشريفه والدفاع عنه، ثم عادت تحمل تخصصا كان نادرا في الخدمة الاجتماعية فأسست في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني قسما للخدمة الاجتماعية كان الأبرز في مستشفيات المملكة بدعم من الدكتور محمد الشريدة (تغمده الله بواسع رحمته) فقد تبناها ودعمها ومنحها الصلاحيات التي تستحقها فأصبح قسم الخدمات الاجتماعية في مستشفى الحرس حديث المجتمع الصحي، فكنت أسمع عن خدماته الإنسانية الرائعة وأنا محاضر بجامعة الملك سعود، وجعلت منه سميحة الحيدر مرجعا ومركزا للتدريب على الخدمات الاجتماعية الحديثة المتطورة وأفادت الأقسام المشابهة في مستشفيات وزارة الصحة والقطاعات الأخرى، وحثت في محاضراتها واجتماعاتها على سعودة وظائف الخدمة الاجتماعية في وقت مبكر.

كانت سميحة -رحمها الله- لا تكتفي بالعمل المكتبي أو ساعات الدوام المطلوبة بل كانت تسعى خلال وقتها الخاص لحل المشكلات المعقدة خاصة ما له علاقة بالعنف الأسري أو الاعتداء والتحرش وتتعاطى معه بستر تام وحفاظ على استقرار الأسرة وسمعتها حتى لو اضطرت للذهاب لإمارة الرياض أو غيرها من المناطق للوصول لحلول تحفظ حق جميع الأطراف بستر وهدوء، وكانت تلقى كل دعم واحترام لسعيها، من جميع الجهات الحكومية، وكان الدكتور محمد الشريدة -رحمه الله- ومساعده ونائبه آنذاك الدكتور سليمان الذكير خير داعمين ومشجعين لها.

وعندما شكل معالي الدكتور فهد العبدالجبار هيكلا للشؤون الصحية بالحرس الوطني وضعها على رأس الخدمة الاجتماعية ومرجعية لكافة مستشفيات الحرس الوطني وواصل تشجيعها على ممارسة صلاحياتها في تقديم خدمة اجتماعية متقدمة وشاملة على كل الأصعدة فبدأت بوضع أول نواة حقيقية للحماية الأسرية وكان تعاطيها مع هذا الشأن قائما على أسس تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي بكل ما فيه من رزانة وعقلانية وحكمة وقبل هذا وذاك أساس شرعي ومنطلقات تليق بمجتمع محافظ له قيم ومبادئ ولا تهور فيه أو تقليد لدول غربية تفتقد للقيم، وفي ذات الوقت تغليب لصالح العام ودرء للمفاسد وجلب للمصالح.

زاملت سميحة الحيدر -رحمها الله- وعملت معها وأنا في عدة مواقع مختلفة: صيدلي ومدير عام مركز الأمصال ومدير مناوب للشؤون الصحية بالحرس الوطني وصحافي، ولم أجد فيها ذرة من حب للذات أو بحث عن مصلحة شخصية أو طلب لشهرة أو حب للظهور، فقلما تحدثت لوسائل إعلام أو روجت لنفسها، بل حتى وإن واجهت مثل غيرها تقلبات إدارية تحكمها أهواء أو تحيز لمهنة فحرمت من حق أو سلبت صلاحية فإنها لا تكترث ولا تطالب لنفسها وإن شعرت بغبن، لكن إياك أن تحرم مريضا حقه أو تتساهل فيه.

كانت تقول: أحب عمل المستشفيات ففيها قد يحرمني مديري حقا أو يسلبني صلاحيات، لكنه لا يستطيع حرماني من خدمة محتاج ولا يسلبني فضل دعائه.. رحمها الله..

نشر بجريدة الرياض يوم الخميس 3 شعبان 1444هـ 23 فبراير 2023م