اليوم: جويلية 15, 2023

كرسي المنصب وجلاس ثلاثة

عايشت وعاشرت أصحاب كراسي مناصب عديدة، كراسي عالية جداً وكراسي وسط وكراسي دون، فوجدت فيهم من ملأ كرسيه وأعطى الكرسي ولم يأخذ منه، وسعد به الكرسي، وشقي هو من الإخلاص له، وشرف الكرسي ولم يتشرف به.

ومنهم من جلس على الكرسي ولم يشعر الكرسي به، وبقي الكرسي وكأنه فارغاً لم يملأه بل ولم يكن بمقاسه ولم يحرك في الكرسي ساكناً، اللهم إلا أنه فرح به وفاخر به وأصبح يتحسس كرسيه بكلتا ذراعيه، ويتمنى أن يقوم من فوقه قليلاً لينعم ويزهو برؤيته، لكنه لا يفعل لأنه يخاف أن يقوم عنه فلا يقعد عليه مرة أخرى فتشبث به وبقي يتحسس كرسيه المخملي.

ومنهم من قعد على الكرسي فأثقله وزناً ولم يثقله عملاً، وشعر الكرسي بثقله لأنه رمى بنفسه عليه مستعجلاً (بطريقة الحطزه)، واستفاد هو من (حطزته) ولم يستفد الكرسي ولا المنصب، فأخذ من الكرسي كثيراً ولم يعطه شيئاً، واستفاد ولم يفد.

جميعهم غادروا الكرسي ولم يبقَ إلا أثر الأول الذي عمل صالحاً وأخلص وبذل، وأعطى ولم يأخذ إلا حقه، وأثر الثالث الذي استغل الكرسي لنفسه والذي بالتأكيد سيحاسب عليه في ظل نعمة عظيمة نعيشها في وطننا تتمثل في الحرب على الفساد ومنه استغلال المنصب والنفوذ، أما الثاني الذي لم يحرك ساكناً، فالتاريخ كفيل بتدوين مرحلته على أنها مرحلة الحفاظ على الكرسي والتشبث به دون أن يفعل ما يقابل راتبه ومميزاته، أي أن دخله لا يحل له وهو في ذلك والثالث سواء وينتظرهم حساب عسير في الدنيا والآخرة.

أجمل ما في هذه الحياة إضافة إلى أن تعمل صالحاً يرضي الله عنك ويثيبك عليه في الدنيا والآخرة فتكون ممن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، هو أن تورث علماً نافعاً وأثراً إيجابياً، وأن يذكرك شهود الله في أرضه بخير ويدعون لك حياً وميتاً، هذا في عملك الخاص الخالص لك، فكيف بعمل كلفت به وأخذت عليه أجراً.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 17 ذو الحجة 1444هـ 5 يوليو 2023م

ناصر السلوم وزير الرأي والرأي الآخر

تغمد الله معالي الدكتور ناصر السلوم وزير المواصلات الأسبق بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، تعاملت معه كمحقق صحفي عدة مرات وفي أكثر من مناسبة وفي أكثر من موضوع، جلها كان لا يخلو من لوم لوزارة المواصلات فوجدت منه ما لم أجده في بعض وزراء جيله ورجال مرحلته من قبول للنقد بصدر رحب والتحاور بلطف وتفهم وجدية في محاولة فهم وجهة النظر المخالفة لوجهة نظره، ليس من محقق صحفي وحسب، بل من أحد موظفيه، وهذا ما حدث فعلا حينما قررت وأنا أجري في هذه الصحيفة الغراء تحقيقات صحفية تمس الأهم من قضايا المجتمع، قررت أن أسلط الضوء على وضع رأيته خاطئا جدا وخطيرا أثناء الشروع في تنفيذ طريق الرياض – سدير – القصيم السريع حيث لاحظت أن العمل يبدو منه أن استراحات الطريق وضعت في الوسط بين الطريق الرائح والراجع، وهذا أمر طبيعي، لكن الغريب أن الدخول لتلك الاستراحات الوسطية يتم بالاتجاه يسارا مباشرة من الطريق السريع وليس عبر مخارج في الجانب الأيمن (غير السريع) من الطريق، وهذا معناه أن المركبة المسرعة في المسار الأيسر ستفاجئها مركبة قرر سائقها دخول الاستراحة الوسطية وانحرف إلى اليسار فتحدث كارثة.

جمعت أوراقي وصوري للمشروع وأراء بعض المواطنين من أهالي سدير والقصيم وأخذت موعدا مع معالي د. ناصر السلوم – رحمه الله – وكان وكيلا لوزارة المواصلات والمهندس عبدالكريم اللحيدان مدير إدارة هندسة المرور وسلامة الطرق بالوزارة، والأخير شاب جريء صريح أعجبتني جرأته وهو يتحدث عن الجزر الوسطية معارضا لرأي رئيسه ومؤيدا لوجهة نظري ورأي المواطنين القلقين، وكان المهندس اللحيدان في صف وجهة نظري كمحاور بأنها خطرة جدا وعارض بشدة دفاع د. السلوم الذي كان مؤيدا للفكرة على أساس أنها مجربة في أمريكا وأنها ستكون لمسة جمالية وسط الطريق، لكن اللحيدان عارضه بشدة قائلا إن الدم فيها سيصل للركب، وأن المطبقة في أمريكا مرتفعة عن الطريق، ويحسب للدكتور السلوم – رحمه الله – سعة صدره وقبوله للرأي الآخر ومن أحد موظفيه فلم يغضب واقتنع بالمعارضة، ويحسب لهذه الجريدة أنها كانت سببا في درء الخطر وتحويل الاستراحات إلى الوضع الحالي الآمن بإذن الله، أما أنا فيكفيني الأجر والثواب من الله ثم شرف الانتماء لهذه الجريدة الفاعلة إيجابا.

ذلك كان أحد المواقف أما الموقف الثاني فكان وهو وزير وذهبت إليه أحقق في إيجاد حل لكثرة حوادث الجمال على الطرق، فقال ضمن ما قال: (لقد عملنا كل ما نستطيع من شبوك ومعابر للإبل وأثناء دراستنا للحلول حاولنا في البداية وضع المعابر كأنفاق تحت الطريق لكننا أخذنا أراء أصحاب الجمال فأفادونا بأن الجمل يخاف أن يعبر تحت ما يعلو رأسه ويخاف الأصوات التي تصدرها المركبات فوقه، فقررنا إلغاء معابر الأنفاق وعملنا معابر الجسور العلوية (أنظر كيف عمل ألف حساب لرأي رعاة الجمال ولم يصادر آراءهم.

وفي موقف ثالث أثناء جلوسي في مكتبه في انتظار بدء الحوار جاءه أربعة من إحدى الهجر يطالبون بطريق وبإلحاح شديد وبلهجة قوية قابلها بابتسامة ووعد بدراسة أمر الطريق وخريطته ومعوقاته، وفي تلك الأثناء لاحظت من موقعي أن أربعة آخرين يترددون في الممر ويتبادلون الإشارات مع الموجودين بالداخل، ولم أرغب في إخباره بما أرى، كوني أعشق مطالبات أهل القرى وإلحاحهم، ثم خرج الأربعة ودخل الأربعة الآخرون وكانت لهم نفس المطالبة بنفس الطريق وكان ثمة أربعة آخرون مختلفون يبادلونهم الإشارات واستعجال الخروج، ثم خرج الفريق الثاني ودخل الفريق الثالث وكانت لهم نفس المطالبة بنفس الطريق مدعين أنهم لا يعرفون من سبقهم، ففهمت أنها خطة قروية للضغط.

وعندما حان دوري، قال لي – رحمه الله -: (على فكرة هذولا كلهم جايين مع بعض ويمثلون أنهم دفعات لا يعرفون بعضهم لكي يوحوا لنا أن المطالبة شديدة، بس والله يعجبوني) عندها أخبرته بالإشارات بينهم فضحك وقال: (متعودين على هكذا مطالبات ومعهم كل الحق).

رحم الله الوزير السلوم فقد كان وزير الرأي والرأي الآخر.. أكثر الله من أمثاله.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 10ذو الحجة 1444هـ 28 يونيو 2023م

وأشواك إتلاف الإطارات امنعوها

قرارات وعقوبات وغرامات رائعة وموفقة اتخذتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان تمنع المحلات التجارية من حجز مواقف السيارات لزبائن المحل التجاري، أو وضع لوحات تشير إلى أن الموقف محجوز لزبائن المحل، كما أن إلزام محطات الوقود بتوفير خدمة تعبئة إطارات السيارات بالهواء مجانا خطوة رائعة نتمنى أن تتبعها خطوات أهم، ومنها توفير دورات مياه مجانية نظيفة وصحية ولائقة تحترم هذه الحاجة الإنسانية الضرورية سواء على الطرق الطويلة أو حتى داخل المدينة.

منع المحلات التجارية من حجز مواقف السيارات بغلقها بسلاسل أو أقماع بلاستيكية أو حتى بلوحات، ذكرني بأمر أكثر أهمية بمراحل وسبق أن طالبت به كثيرا في مقالات عديدة أو (تغريدات) معادة، وهو ما تقوم به بعض المتاجر أو المراكز التجارية أو الشركات والمؤسسات بل وحتى بعض البنوك ويتمثل في وضع أشواك حديدية في المدخل تهدف لتمزيق إطارات من تهم مركبته بالدخول حتى لو لم ينتبه للوحة صغيرة رسمت عليها الأشواك أو كان شيخا كبيرا أو كان تركيزه على موقف خالٍ وليس بالضرورة على لوحة جانبية صغيرة مما يتسبب في تلف إطارات سيارته دون سبب مقنع أو خطر يوازي تلك الخسارة.

إن وضع مصدات شوكية حق (لا جدال فيه) للجهات الأمنية أو الجهات الحكومية الحساسة التي يخشى من الدخول إليها عنوة، وبالتالي فإن إتلاف الإطارات، لو حدث لخطأ أو سهو، أمر يستحق الخسارة خصوصا وأن تحذير تلك الجهات يكون واضحا جليا وله مراحل، بينما تستخف المحلات التجارية والمؤسسات بأمر تلك الأشواك الحديدية الحادة وتضعها دون اكتراث بأمر السهو أو ضعف الملاحظة ودون وضع أدنى حساب للفرق بين سبب المنع وحجم الضرر ونتيجة الدخول الخاطئ.

قلت ذات تغريدة مزودة بفيديو كتبتها منذ ثلاث سنوات: “كثير من مجمعات تجارية ومطاعم ومقاهٍ وشركات تستخدم هذه المصدات المتلفة للإطارات، فبأي حق؟ فهذه يفترض أنها للجهات الأمنية والحكومية الحساسة لحمايتها، أما التاجر فلا يحق له منع الدخول بما يتلف الممتلكات، فالعقوبة حق للدولة فقط، وهذا ينطبق على سحب المركبات بالونش كما في المستشفيات وغيرها” (انتهى)، لأن معاقبة المواطن أو المقيم بإتلاف ممتلكاته ليس من صلاحيات المؤسسات ولا الشركات، بل لا يتم في هذا البلد العادل إلا عبر أنظمة وقوانين وبعد أحكام قضائية عادلة ولله الحمد.

حتى سحب السيارات من أمام بعض المستشفيات أمر لا يليق، فثمة بدائل بتسجيل مخالفات وتطبيق غرامات بعد معرفة الظروف، فالمريض أو قريبه يحضر للمستشفى وهو في حال يرثى لها ويستحق المساعدة لا التضييق، فإذا ارتكب مخالفة يغرم ثم تتاح له فرصة الإيضاح والاعتراض وهو ما تحققه أنظمة هذا البلد الأمين بعدل وحلم وروية، فكيف يترك أمر التضييق عليه لإدارة مستشفى ولشركة مستفيدة من السحب وهو ما كتبت عنه سابقا.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 3 ذو الحجة 1444هـ 21 يونيو 2023م