الشهر: أكتوبر 2023

علمتني الوظائف.. كذبة المنصب لا يُطلب

قد يكون من حسن حظي أنني عملت في عدة جهات، أو من سوئه، الله أعلم، ولكن المؤكد أنه (أي عملي في عدة جهات) يبعد هواة التأويلات ويحيرهم فلا يمكنهم من توظيف ما أسرده من عبر للاعتبار فيجعلونه إيماء لشخص بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر.

عملت معيدا في جامعة الملك سعود ثم محاضرا فيها وعملت في مجمع الملك سعود الطبي عملا جزئيا منتدبا من الجامعة وعملت محققا صحفيا هاويا في عدة صحف وعملت في الشؤون الصحية بالحرس الوطني صيدلانيا ثم مديرا عاما تنفيذيا للمركز الوطني لإنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب الذي أسسته فأسسني ومنحته علمي الذي تعلمته في الماجستير وعلمني أن سموم بعض البشر أخطر من سموم الثعابين كثيرا ولدغاتهم من تحت الطاولة أخبث من لدغة العقرب من تحت الطين، ونجحت في انتاج أمصال فعالة لسموم الثعابين والعقارب وفشلت فشلا ذريعا في سبر غور سموم البشر وكيف تتجنبها.

يقولون إن الثعبان يتسلل بخفية وخداع ويسميه الفرنجة (سنكي) أو متسلل بخفية ووجدت في بعض البشر من هم (أسنك) وأخبث تسللا.

دعك من المقدمات ودعوني أشارككم بعض ما اكتشفته من طباع لعل النشء والشباب يستفيدون منها في فهم ما سيواجهون في حياتهم العملية، وسوف أطرحها في سلسلة أسبوعية تحت المقدمة أعلاه إذا سمحت لي هذه الصحيفة الغراء التي هي من أقوى محطات حياتي المهنية إعلاميا:

العبرة الأولى: (ولا أقول الدرس الأول فأنا هنا أسرد عبرا مستفادة ولا أحاضر أو أعطي دروسا):

في حياتك الوظيفية أعمل بما يرضي الله ويخدم وطنك ويحلل راتبك وأخلص للوظيفة وستنجح وتبرز وتفرض نفسك على الجميع بما فيهم مديرك، لكن لا تستبعد أن تحسد أو تحارب من بعض زملائك أو حتى مديرك، إن كنت منافسا، وهذه العبرة معروفة ولا جديد فيها يستحق التكرار، حتى لو وجدت في بعض الإدارات أنك تعمل وتنتج والتقدير يذهب لغيرك فأمر التقدير تحكمه عدة اعتبارات أهمها عدالة المدير وانصافه بين الموظفين بعضهم مع بعض وإنصافهم جميعا مقابل نفسه، فالغالب أن الموظف يعمل ويبدع ويخطف المدير ابداعه ويحصل على التقدير (أرجو أن نكون بدأنا في تغيير هذا المفهوم ضمن كثير من التطوير المطرد) وعموما لا عليك فأنت حققت بإبداعك شيئا للوطن وهذا الأهم.

أما العبرة العجيبة الجديدة التي مررت بها كشاهد فهي فلسفة المدير بأشياء ومبادئ من اختراعه، لا أساس لها في علم وعالم الإدارة ولا السلوك الوظيفي السوي المجرب، والأعجب عندما يكرر المدير مثل هذه المبادئ المخترعة ولا يطبقها.

فرضت علي إحدى التكاليف الوظيفية المؤقتة أن أتواجد كثيرا في مكتب أحد المديرين ولاحظت أنه كلما طلب منه موظف مبدع مخلص ترقية أو منصبا شاغرا، ردد عبارة (المنصب يمنح ولا يطلب) وهذا وربي مبدأ من اختراعه، ليس له أساس إداري.

تكرر هذا الموقف، وتلك العبارة، مع أكثر من موظف مستحق، وذات يوم قالها في حضوري (المنصب يمنح ولا يطلب) فضحكت واعترف أن ابتسامتي كانت صفراء ساخرة فسألني: (صح يا محمد؟ المنصب يمنح ولا يطلب؟) قلت: (لا وربي مهوب صح.. سيدنا يوسف عليه السلام قال للملك “اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم” فجعله عليها) ولعل إجابتي لم تعجبه، لكن الأعجب أن ذلك المدير كان أكثر من طلب منصبا من قبل ومن بعد.

فلا تصدم ولا تحزن أخي الموظف سترى عجبا من بعض الموظفين، فقط اعمل بإخلاص وعينك على رد جميل هذا الوطن الجميل، فهم البعض والوطن الكل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 26 ربيع الأول 1445هـ 11 أكتوبر 2023م

حذار أن يصيبنا ما اصابهم

قد تلاحظون معي أن فحش القول بالسب والشتم واللعن قد بلغ حدا ومستوى طاغيا سائدا متكررا في حديث كثير من الأمريكيين و بعض الأوربيين، حتى أنه أصبح ضمن قاموس اللهجة المعتاد الدارج لديهم، خاصة اقذر هذه الالفاظ وهي الكلمة التي تبدأ بحرف الفاء (F ) وتنتهي بحرف الكاف (K) وطبيعي أن اترفع عن ذكرها، أعزكم الله، وقد اصبحت لديهم دارجة معتادة ويعتبرونها عادية، حتى انهم يرددونها قبل كل اسم او صفة او وصف أو اداة، وليس شرطا أن تسبق عبارة غضب أو احتقان بل درجت عليها السنتهم فأصبحت تسبق كل كلمة ينطقونها حتى في الأحوال الطبيعية، فلو تحدث عن سيارته قال:  (my F…car) ولو أراد قهوة قال (give me the F…. coffee) حتى أنها قد ترد في الخطب والكلمات الرسمية والحوارات الإعلامية وعلى لسان رؤساء وكبار مسؤولين لديهم وأصبح ورودها عادة.

في ظني وحسب متابعتي لهذا السلوك اللفظي باهتمام، فإن البداية كانت من افلام هوليود حيث بدأت عبارات الشتم تخرج من افواه الممثلين في نهاية الثمانينات الميلادية ثم ما لبثوا يرددونها حتى اصبحت هي الأساس.

الكلمة الثانية لا تقل قذارة او تزيد هي تلك التي تبدأ بحرف الاس والاتش (SH) ويستخدمونها كثيرا في حال الغضب او الانبهار والمفاجئة، وهي بالمناسبة تشبه في نطقها كلمة ( صفحة )  مع تغيير طفيف في طريقة النطق بالمد في الأخيرة والتسكين في الكلمة القذرة، لذا فإن بعض المعلقين على مباريات كرة القدم العرب ولدينا تحديدا وبعض مذيعي البرامج الرياضية عندنا خاصة ضعفاء التعليم وناقصي التأهيل عندما يريدون القول بأن هذا الحارس خرج بشباك نظيفة او صفحة نظيفة ينطقونها بطريقة جد خاطئة باللغة الانجليزية الركيكة فيقعون في المحظور !!. لذا فقد كان عليهم أن ينطقونها بلغتنا العربية الجميلة الغنية بالمفردات فبدل أن يقول باللغة الانجليزية ( كلين … ) يقول : هذا الحارس خرج من المباراة بصفحة بيضاء أو بصفحة نظيفة أو بشباك خالية من الأهداف فلغتنا العربية ثرية  غنية بالخيارات.

الأهم في هذا التنويه والتنبيه هو أن نحذر من أن نتهاون في أمر ترديد ابناءنا وبناتنا لبعض عبارات السب والشتم واللعن ، و أن نقف جميعا ضد هذا السلوك المشين حتى لا يصيبنا ما اصابهم من حالة استمراء اللعن والسباب وفحش القول، خصوصا و أن الملاحظ ورود بعض عبارات اللعن والطرد من رحمة الله خاصة اثناء متابعة المباريات مما يهدد بشيوع تكرارها، كما أن بعض مشاهير و مشهورات الفلس بدأوا في ايراد مثل هذه العبارات في لغوهم و كلامهم في حساباتهم سواء في (سناب) او ( X ) (تويتر سابقا) أو (تيك توك) وغيرها من وسائل التواصل التي ينتشر فيها سوء القول و سيئ العمل انتشار النار في الهشيم.

غني عن القول أن من الضروري أن تبادر القنوات الفضائية ودور عرض الأفلام لدينا بإخفاء تلك الألفاظ النابية عند ورودها في المشهد احتراما للمشاهد و منعا لانتشارها بين النشء وشيوعها كما شاعت لديهم.

إن ديننا و قيمنا كمسلمين أنقى و أرفع و أرقى و أطهر وأحسن قولا وأقيم قيلا فلا تقبل ما يخدش الحياء ويسب ويلعن، ويكفينا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ).

مدافع عندهم ومهاجم عند غيرهم

ذلك المدافع الصلب الشرس، الذي يصل في دفاعه حد إغراء المهاجم بما يجوز وما لا يجوز ويغضب مع كل هجمة ويحاول بما أوتي من قوة وصلابة رد الهجوم بالأمس، هو قبل الأمس وربما غدا مهاجم أشرس، يهاجم من كل جهة ويشتاط غضبا على من يدافع فيهاجم ذات اليمين وذات الشمال ومن الأمام ومن الخلف ومن فوق وإن استطاع من تحت.

هذه حالهم، عرفتها منذ بدأت الكتابة النقدية منذ أكثر من أربعين سنة، لذا أسميتهم كما سماهم بعض كتاب دول سبقتنا (الفم الكبير) وعرفتهم أكثر عندما شاركت مع 34 زميلا غيري من خيرة الكتاب والناشطين والمهتمين بالمستهلك في تأسيس أول جمعية لحماية المستهلك في المملكة منذ حوالي ثلاثين سنة.

إنهم موظفو العلاقات العامة أو الشؤون الإعلامية في الشركات الخدمية ووكلاء شركات السيارات والأجهزة والمعدات والمتاجر ومصانع الغذاء والدواء وبعض المؤسسات والجهات الحكومية، وهؤلاء الموظفون يستميتون في الدفاع عن الشركات والمؤسسات والجهات التي يعملون بها عند طرح أي موضوع يهديهم لعيب في خدماتهم أو يبين لهم قصورا في أدائهم لواجباتهم نحو المستهلك.

للأسف لدى كثيرين من القائمين على قسم العلاقات العامة والشؤون الإعلامية وبعض رؤسائهم مفهوم خاطئ عن مهام هذا القسم، فهم يرون أن مهمته الدفاع المستميت عند ورود شكوى لدرجة النفي، بينما المفروض أن من مهامه التقصي عما يرد من شكوى أو ينشر من نقد وتحويل النتائج للرئيس التنفيذي وهو بدوره يكلف من يحقق في القصور أو التقصير – إن ثبت – ويعترف به ويمنح التعويض أو الاعتذار للمشتكي والشكر للناقد ثم يبادر بعلاج أسباب القصور.

ومن الصور الأكثر سوءاً لدى بعض الجهات قيامهم بمنح تسهيلات للكاتب أو الناقد وحل مشاكله هو وترك المشكلة الأساسية قائمة يعاني منها الجميع، بل يصل بهم الأمر إلى منح مميزات للكاتب لكسب رضاه وإسكاته، وهذه أقبح صور الرشوة، فإن رضي وسكت فهو أقبح منها، فالكاتب الأمين النزيه حتى لو واجه مشكلة في خدمة فإنه لا يقبل بحلها له هو فقط بل يطالب بحل يصحح الخطأ الذي سيواجهه غيره ولا يقبل أي مميزات.

ونصيحة مخلصة لكل موظف يدافع عن أخطاء وقصور الجهة التي يعمل بها فأقول له: أنت تغضب وتدافع عن هذه الجهة ضد شكوى مستهلك لأنك موظف فيها، لكن تذكر أنك مستهلك لدى جهة أخرى، وسوف تشتكي يوما ما وتلح في المطالبة بحقك وهذه سنة الحياة، فلا تجور في الخصومة ضد مشتكي فيجار عليك، ثم تذكر أنك وأنت تعمل في الجهة المقصرة مطالب بالمساهمة في إصلاحها، وليس المساهمة في تماديها في ظلم المستهلك وتذكر أن “شر الناس من رضي ظلم الناس للناس”.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 21 صفر 1445هـ 6 سبتمبر 2023م

زوجة وطفل وليل وأمن الطرق

لا جدال في أن أمن سكان شبه الجزيرة العربية لم يستتب ويصبح المواطن والمقيم آمنا على عرضه وحياته وماله إلا بعد أن أنعم الله على هذه البلاد بالملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -تغمده الله بواسع رحمته- الذي أسسها على تطبيق شرع الله وجعل دستورها القرآن الكريم وضرب بيد قوية من حديد على كل من تسول له نفسه الاعتداء على عرض أو نفس أو مال أو ارتكاب أي عمل يخالف كتاب الله وسنة نبيه.

وقبل تأسيس المملكة على يد المؤسس -رحمه الله- كان أجدادنا والمتأخر من آبائنا يروون لنا قصصا مخيفة عن الخوف على العرض والنفس والمال في حلهم وترحالهم وتنقلهم، فلله الحمد قبل وبعد.

وغني عن القول إن تطبيق شرع الله في المجرمين يردع من تسول له نفسه الإجرام، لكنه لا يعني اختفاء الجرائم ولا يحول تماما دون الرضوخ لهوى النفس ووساوس الشيطان بارتكاب الجريمة ولا يضمن السلامة دوما، خصوصا لمن يجعل نفسه في موقف ضعيف يستهوي ضعيف النفس!، لذا فإن الحذر واجب والوقاية مطلوبة ولذلك فإن الجهات الأمنية تكثف التوعية بالحذر من كل خطر، ورجال الأمن البواسل هم أحرص من بعض المتهاونين من المواطنين والمقيمين على أمن المواطن والمقيم، وهذه وربي نعمة أخرى عظيمة ننعم بها في هذا الوطن، ونتميز بها عن كثير غيرنا من دول تدعي أنها سبقتنا تقدما تقنيا، وقد أثبت وطننا أنه تخطاها بمراحل في مجالات شتى، خاصة في هذا العهد الذي رسخ مبدأ الحزم والعزم والعقاب والثواب فأصبح كلٌ يقوم بمهامه بحرص وإخلاص وحذر من التقصير، وقد استشهدت في مقال سابق وعديد من التغريدات بموقف دولتنا -أعزها الله- مع المواطن والمقيم والمخالف في أزمة كورونا.

هنا سوف استشهد بموقف لمواطن أعرفه جيدا وتثبت من تفاصيل روايته، ولم أكن قط مداحا (إلا في حق وبعد تثبت) ولا متزلفا أو مداهنا أو مجاملا، لكن انتقد السلبي لإصلاحه وامتن للإيجابي وصلاحه.

يقول المواطن: قررت وزوجتي وطفلي السفر لقطر بالسيارة لأربعة أيام (هي إجازتي المتاحة) هربا من ضغط العمل في شركة لا تكف عن تكاليف العمل حتى في الإجازة ما دمت داخل المملكة، ولأن أرض الأسفلت حارة جدا (وخوفا من تكليف صباحي مفاجئ) سافرت في ساعة متأخرة من الليل.

وعند منتصف الليل وقبل الوصول لمنفذ سلوى بنحو ساعة (80 كيلومتر) انفجر إطار السيارة في منطقة شبه مقطوعة وأصاب زوجتي وطفلي الفزع من الظلام والسكون وأسقط في يدي، ولعلمي أنه لا يوجد لدي إطار احتياطي، قلقت، ومن لا يخاف لا يسلم، ففكرت في الاتصال بأحد تطبيقات المساعدة، لكن زوجتي أخبرتني أن أحدا لن يحضر لنا في هذه الساعة المتأخرة وفي هذه المنطقة المعزولة إلا رجال سلمان بن عبدالعزيز وأن علي أن اتصل بأمن الطرق، ففي ذلك لنا (بعد الدعاء والأذكار) أمن وأمان واطمئنان وحل بحول الله.

يقول: اتصلت بأمن الطرق، وما أن علموا بأننا عائلة وأن ليس لدينا إطار احتياطي كان توجيههم بأن أبقى في السيارة وأن فرقة منهم ستحضر عاجلا وأنهم سيتواصلون مع (سطحة) للحضور ونقلنا لأقرب محطة تستبدل الإطار، ليس هذا وحسب، بل إنهم وزيادة في لطفهم وحسن تعاملهم خيروني بين الاستمرار في الطريق باتجاه منفذ سلوى أو العودة للأحساء، وبقوا معي على اتصال مستمر يطمئنون، وعندما سمع المتصل صوت الطفل سألني إن كان الطفل يحتاج لما يشرب أو يأكل ولم تمض بضع دقائق إلا والدورية تصل لنا، ثم يصلنا اتصال من أمن الطرق يشعرنا بأن صاحب (السطحة) طلب 400 ريال فهل السعر مناسب أم لا؟! وهذا وربي قمة التلطف وحسن التعامل الذي لا يمكن أن يحلم به مواطن في أي بقعة من هذا العالم، يقول: شعرت بغصة في حلقي، ليس سببها الحزن بل الفخر والسعادة والامتنان والخجل وأنا أقول نعم السعر مناسب.

يقول بقيت الدورية معنا تؤنسنا وأفادني قائدها أن تعليمات عمليات أمن الطرق أن تنطلق لكم دورية من مركز سلوى أو من الأحساء أيهما تصل أسرع (يا له من اهتمام يعكس قيمة مواطن السعودية العظمى والمقيم فيها) وبقي معنا يطمئننا أكثر من ساعة حتى وصلت (السطحة) وضمن نقلنا بطريقة صحيحة.

قلت: إن السؤال الأهم الجوهري، سؤال التريليون الذي يساوي وزن (السطحة) ومن تحمل ذهبا، هو ليس كم سعر (السطحة) بل كم قيمة المواطن السعودي لدى قيادته؟! إنه غالٍ جدا فلا يقدر بثمن.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 14 صفر 1445هـ 30 أغسطس 2023م

تأمين السيارات.. حتى أنت يا نجم!

لا بد من القول إننا خطونا خطوة واسعة ومتقنة في شأن التأمين عموما وتأمين السيارات على وجه الخصوص، ومن ينكر ذلك ظالم لنا ولنفسه، فكيف كنا نمكث في انتظار إنهاء تقرير المسؤولية عن حادث وتقدير تكلفة الإصلاح ثم انتظار التعويض مع إيقاف المخطئ ريثما يدبر المبلغ، وكيف أصبحنا الآن حيث لا يستغرق إنهاء إجراءات الحادث دقائق معدودة؟ (لا يدرك الفرق إلا من عاش الوضع السابق ويعيش الوضع الحالي).

هذا لا يمنع من القول إن طموحنا الذي يعانق عنان السماء يجعلنا نطمح للأفضل والإشارة إلى بعض بواطن القصور التي سببها كالعادة الشركات والتجار عموما، فهم دائما لهم ممارسات تضيق الواسع وتنكد الفرح بالإنجاز.

بعض شركات التأمين على السيارات حاليا تغري المشترك بما تسميه خصم الولاء ولا تفي به فعند عرض السعر فإنه لا يقل بل قد يزيد كثيرا عن عرض نفس الشركة في مواقع وتطبيقات التنافس بالتسعيرات، مما يدل أن خصم الولاء مجرد وعد وإغراء وتدليس لا يتم الوفاء به، رغم ارتفاع أسعار التأمين بشكل جنوني.

أيضا بعض شركات التأمين على السيارات تطلب منك تجديد التأمين لديها للحصول على خصم عدم وجود مطالبات، أي خصم نجاحك لمدة عام كامل دون ارتكاب حادث ودون أن تكلفها تعويضات، لكن تلك الشركات لا تمنح سعرا يقل عن عرضها في مواقع وتطبيقات تنافس الأسعار، أي أن تجديد التأمين لا يختلف إطلاقا عن التأمين الجديد لنفس المركبة، وفي ذلك خداع للمشترك وإغراء غير مشروع.

ذلك التدليس وهذا الإغراء المخادع يجب أن تقف ضده الجهات المعنية بحزم وعلى جمعية حماية المستهلك أن تقوم بدورها في هذا الخصوص.

أما الأمر الأكثر غرابة فهو ما يحدث في تطبيق (نجم) حيث ثمة ميزة رائعة وهي إمكانية الحصول على خصم مستحق لخدمة أحقية يتراوح بين 30 ٪ إلى 40 ٪ وهذه الخدمة تمكنك من معرفة استحقاق نسبة الخصم على وثيقة تأمين السيارة، لكن المؤسف أن تطبيق (نجم) ما إن تختار أيقونة البحث عن أحقية الخصم تخرج لك علامة 0 % وتحتها عبارة (يوجد فترة انقطاع عن التأمين تزيد على 180 يوما) رغم عدم وجود أي دقيقة انقطاع عن التأمين وقد أثبتت حدوث ذلك مع أكثر من ست مركبات جميعها لم تنقطع.

وإحقاقا للحق فإن التطبيق يتيح إمكانية رفع شكوى على هذا الأمر وأنه سيتم النظر في الشكوى خلال 48 ساعة، لكن الشكوى لا يرد عليها لأكثر من خمسة أيام وبذلك فإنه إذا انتظر المشترك فقد تحدث فترة انقطاع فعلا.

السؤال الذي يطرح نفسه لـ(نجم) وهو طرف محايد هو: لماذا يتم إحباط مالك المركبة بعلامة الصفر ابتداء رغم توفر المعلومات عن عدم وجود انقطاع؟، ثم لماذا يتأخر الرد لهذه المدة؟ ولماذا لا تكون خاصية هذا الخصم وغيره من الخصومات المستحقة مربوطة آليا مع مواقع وتطبيقات المنافسة ومواقع شركات التأمين لتحصل عليها المركبة آليا وبدون إحباط ولا مطالبات؟.

إن خصومات عدم ارتكاب حوادث وعدم الانقطاع عن التأمين هي من أهم الحوافز على التقيد بأنظمة المرور وعدم السرعة وعدم التهور وعنصر مشجع جدا على الانضباط، ومن مصلحة الوطن أجمع والمجتمع والدوائر وخاصة المرور والمستشفيات و(نجم) وشركات التأمين وكثير من الأطراف ذات التأثر بالحوادث أن يتم تفعيله بسهولة وردع من يتردد في دعمه.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 7 صفر 1445هـ 23 أغسطس 2023م