اليوم: فيفري 13, 2024

التأمين غير الأمين

لا أدري لماذا لا يريد البعض أن يواكب التطور المطرد الذي نعيشه في جميع المجالات فيحاول جاهدا تضييق الواسع والالتفاف على الأنظمة الواضحة بما يضر بمن ضمن لهم النظام الاستفادة والحصول على حقوقهم كاملة، وهو يعلم أن شر الناس من ظلم الناس للناس، وهو يظلم مستفيدا لصالح شركة ويظلم موظفا لصالح مؤسسة أو يظلم مستحقا لما يعتقد أنه لصالح دائرة حكومية أو خاصة.

التأمين أحد الأمثلة الصارخة التي تشهد تعقيدات لا تليق بما نشهده من تسهيلات، وهي تعقيدات يقوم بها مديرون أو موظفون جبلوا على تضييق الواسع ويحاولون إرضاء الشركة على حساب المستفيد أو العميل، وينسى الواحد منهم أنه موظف لهذه الشركة وهو في ذات الوقت عميل أو مستهلك في شركة أخرى ولا يقبل أن يهضم له حق فيها.

لا أقول إن التأمين لدينا يعاني من ضبابية؛ فالأمور واضحة جدا، لكن التسويف والتضييق يحدثان والرقيب غافل أو (وسيع صدر)، فكل أشكال التأمين تعاني أحيانا من سلوك التأمين غير الأمين أو المستغل المعطل المسوف، علما أن صناعة التأمين تجارة جد رابحة فهي تقوم على تقاضي رسوم أو اشتراكات سنوية عالية جدا في الأحوال الطبيعية ليس لها حد، وإذا حدث الحدث الطارئ -وهو الأندر- ستدفع تكاليف لها حد أعلى، أي أنها رابحة بلا حدود في الرخاء وهو الغالب، وتصرف جزءا يسيرا في الشدة وهي الاستثناء.

والسلوك التأميني غير الأمين والمستغل والمسوف برز في التأمين الصحي في صورة تضييق الواسع في أمر التغطية واستبعاد بعض الأمراض أو الحالات من الغطاء التأميني، ثم في شكل اشتراط موافقة شركة التأمين على قبول حالات إسعافية، مما تسبب في تعرض المستفيد للأذى إما جسديا أو نفسيا وتأخير علاج يفترض الإسراع فيه، وهذه سلوكيات حدثت ولعلها حلت أو في طريقها للزوال.

وفي مجال التأمين على حوادث السيارات كتبت سابقا عن الأمر الغريب في عدم تعويض الطرف المتضرر عن كامل ما تم تقديره لإصلاح سيارته، وقصر التعويض على المبلغ المقدر مخصوما منه ضريبة القيمة المضافة!، وكتبت قبله عن الأمر الأغرب وهو عدم اطلاع العميل على حقه في خصم عدم ارتكاب حوادث أو خصم الولاء المعلن عنه، وتعقيد الخصم لمشترك لديه أكثر من مركبة باشتراط غريب وهو أن يؤمن عليها جميعا في نفس البوليصة رغم اختلاف التواريخ، وفي كلٍ لم نجد تجاوبا ولا إجابة من أي طرف ذي علاقة بالتأمين.

إن صاحب المركبة المتضررة من حادث لا مسؤولية عليه في حدوثه هو طرف ثالث وخصمه دفع ثمن التأمين كاملا بضريبته المضافة وهو أيضا دفع رسم التأمين على مركبته كاملا بقيمته المضافة، فلماذا يحرم من كامل المبلغ المقدر للإصلاح؟! بل يفترض أن يعوض عن المركبة البديلة التي سيستخدمها أثناء فترة الإصلاح ويعوض عن المبلغ الذي سينقص من قيمة سيارته بعد الصدمة وعن أي مبالغ سيدفعها غالبا لتعديل الهيكل (الشاصي) أو وزن الأذرع، وهي أضرار لا يتم تقديرها ولا اكتشافها إلا لاحقا.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 26 رجب 1445هـ 7 فبراير 2024م

لنعامل محلات الخياطة كالحلاقة والفنادق

أحد محلات الخياطة الرجالية بدأ منذ سنوات قليلة بسعر 70 ريالا، ثم أصبح يزيد سعره سنويا حتى وصل إلى أكثر من خمسة أضعاف، هذا لسعر الخياطة فقط (شغل اليد) دون سعر القماش ولا زال مستمرا في رفع السعر مع اقتراب كل عيد فطر، والخياطة عمل يدوي لم يحدث في التكلفة ما يستدعي رفع سعره بهذا القدر، ناهيك عن أنه لم يشجع السعودة أو يلتزم بها كما ينبغي، وبناء على أسعاره المرتفعة جدا فإن بقية محلات الخياطة ترفع أسعارها وبالتالي فإن المستهلك يتضرر حتى لو أراد أن يصنع ثيابه عند محلات أرخص وأقرب لدخله المحدود، فإن التكلفة عليه ارتفعت منطلقة من ارتفاع المحل الشهير وإن كان بدرجة أقل، إلا أن تكلفة اللباس الوطني زادت عن قدرته، بل حتى الثياب الجاهزة تضاعفت أسعارها بسبب ذلك الرفع الجشع من محل أو أكثر يظنون أنهم من خياطي النخبة.

الثوب الوطني السعودي لباس وطني نفخر به وهو مطلوب بفخر في جميع مواقع العمل والمراجعات الحكومية والمناسبات الاجتماعية والوطنية، وبالتالي فإنه ليس خيارا ترفيهيا، بل أحد الاحتياجات الأساسية التي إذا طالها الجشع والاستغلال وجب حمايتها، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الزي الوطني مطلب في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية وكثير من القطاع الخاص، ولذا فإن علينا دائما أن نفكر في ذي الدخل المحدود والطالب واليتيم والموظف ميسور الحال.

لذا فكرت في هذا الأمر كثيرا، خصوصا أنني من مؤسسي جمعية حماية المستهلك ضمن 35 شخصا من الكتاب والإعلاميين والمهتمين بالمستهلك، وذلك حرصا على تيسير الأمور على ذوي الدخل المحدود، وقد خرجت بأن علينا أن نضع حدا لهذا الاستغلال بنفس الطريقة التي أوقفنا بها استغلال صالونات الحلاقة، فمثلما تم تحديد تكلفة الحلاقة ووضع لوحات بذلك مفروض على كل صالون حلاقة وضعها في مكان بارز والالتزام بها، فلماذا لا يتم تحديد تكلفة خياطة الثوب بدون قماش ووضع التكلفة في مكان بارز وفرض الالتزام بها تماما كما في الحلاقة وكليهما عمل يدوي؟!.

قد يقول قائل إن محلات الخياطة تتفاوت في الجودة والمميزات والإضافات وسرعة الإنجاز، وأنك إذا أردت ثوبا رخيصا فابحث عنه لدى الأرخص، وهنا أذكر أن الأرخص رفع سعره اقتداء بالأغلى فأصبح صاحب الدخل المحدود عاجزا عن تحمل التكلفة المرتفعة حتى للجاهز، ثم حسنا لنفترض ضرورة تمييز الأجود في المنتج والإضافات والمميزات وسرعة الإنجاز، كل ما علينا هو تصنيف محلات الخياطة حسب تقييم دقيق وعناصر محددة تماما مثل ما نفعل مع الفنادق ونضع أساس لسعر معقول لا جشع فيه يعتمد على التصنيف الدقيق، ثم نترك الخيار للمستهلك.

المهم أن يكون الثوب السعودي المفخرة في متناول الجميع وبتكلفة لا ترهق ذوي الدخل العادي والمحدود ولا تسمح بالاستغلال المبني على جشع يستغل سلعة وطنية أساسية نفخر بها وبوطن ألبسنا إياها وألبسنا معها ثوب السعادة واليسر والرفاه بفضل الله.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31 يناير 2024م