الشهر: أفريل 2024

الإخلاء عدم تخلي.. الله لا يخلينا من وطنا

الكاتب أو الناقد الصحافي الذي يرى القصور وينتقده ولا يرى الإنجاز ويشيد به هو في ظني كاتب صحافي أعور أو غير مهني ولا عادل، قد يقول قائل إن الأصل هو القيام بالعمل الصحيح وأن الإنسان ينتقد على الخطأ لأنه ما يلفت الانتباه أما الصواب فأمر طبيعي قد لا يلفت الانتباه، لكنني أقول إن إصلاح الخلل أو العدول عن إجراء خاطئ هو الأجدر بالذكر ولفت انتباه القارئ إليه فالأمر يختلف عن مجرد الإشادة بموظف أدى عمله إلى الإشادة بعمل كان قاصرا فتم إيصاله لقرب درجة الكمال.

من ضمن حزمة من قرارات الحزم والعزم وتسهيل الإجراءات التي كانت معقدة وبيروقراطية، قرار تسهيل أمر الإخلاء الطبي بواسطة طائرات الإخلاء وجعل أمره متروكا للحاجة الطبية والقرار الطبي دون انتظار الحصول على أمر إداري أو إذن كما كان سابقا، فكل ما يحتاجه المواطن هو تقرير طبي يشتمل على عنصرين مهمين هما: الحاجة إلى نقل المريض أو المصاب عاجلا بالطائرة وإمكانية سلامة نقله بالطائرة أي أن حالته تسمح بنقله دون خطورة عليه.

هذا التحول في أمر إجراءات الإخلاء الطبي أتاح الفرصة لإنقاذ العديد من أرواح المواطنين، فقد تم نقل العديد من المرضى ليس فقط من الداخل بين مستشفيات داخل المملكة، ولكن تم وبسرعة نقل مواطنين مرضى أو مصابين من عدة دول في العالم وبسرعة فائقة وكفاءة عالية، فقد تم النقل من تايلند والمغرب ومصر وأمريكا والأردن والكويت وكثير من دول العالم.

الإخلاء الطبي السريع بالطائرة ليس بالأمر السهل فهو جهد مشترك وتنسيق كبير بين عدة أطراف وعدة تخصصات، ليست صحية فقط بل الصحية جزء أساس منها، لكنها تشمل أطراف أخرى تقنية وهندسية وجدولة طيران وفنيو أجهزة طبية خاصة وغيرها من التخصصات، وما نجده في وطننا الغالي من تسخير هذه الخدمة لتكون إجراء ميسرا، وشبه روتيني، دلالة واضحة على أن هذا الوطن لا يتخلى عن مواطنيه مهما كان الثمن والتكلفة ويسخر لهم الخدمات الإنسانية بسخاء غير مسبوق دوليا (لم يقدمه وطن غيره لمواطنيه) وهي دلالة تضاف إلى ما شهدناه من مواقف فريدة قدمتها السعودية لمواطنيها والمقيمين فيها بل وحتى المخالفين في الإقامة إبان أزمة (كورونا) في وقت تخلت دول تدعي أنها عظمى ومتقدمة عن مواطنيها.

لذا قلت إن تسهيل الإخلاء الطبي هو عدم تخلي الوطن عن مواطنيه وأكرر دعاء أمهاتنا وجداتنا لمن يغلونه ويغليهم فيقولون (الله لا يخلينا منك)، الله لا يخلينا من وطن لم يتخل عنا، ويحفظ لنا قيادة اتخذتنا أخلاء فاتخذنا كل منهم خليلا.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 17 رمضان 1445هـ 27 مارس 2024م

عاقبوهم لكي لا نخسر صحياً واقتصادياً ونفسياً

العبث بأفكار ومشاعر الناس قديم جدا وبدأ منذ تعلم الإنسان القراءة والكتابة، وتطورت أساليبه وأشكاله مستغلة تطور وسائل الوصول للناس والذين يحق لنا تسميتهم بالضحايا، لأنهم في الغالب يقعون ضحايا ذلك الإيهام غير المستند لحقائق وإنما يهدف لربح مادي هو في الواقع خسارة للقيم والأخلاق والمبادئ، وبالتأكيد خسارة في الآخرة لأنه في الغالب تدليس وخداع.

ضحايا ذلك العبث بالفكر والصحة والمشاعر والاستقرار الاجتماعي هم في الغالب المراهقون والمرضى والزوجات والأزواج والشباب في سن الزواج، وبدأ عندنا، أو قل عرفته وتعرفت عليه منذ خمسة عقود تقل قليلا، وكان يمارسه بعض المؤلفين بكتيبات تداعب المشاعر وتراهن على نقص الوعي وتستغل الحاجة للمعلومة دون الجدية في التثبت من المصدر، ومن أمثلة تلك المؤلفات وأشهرها ما يحمل عنوان (حياتنا الجنسية) ويستغل الشغف للمعرفة في هذا الجانب الغامض، بل الماء العكر الذي يسهل الصيد فيه، وقد كان لحكمة وحرص القائمين على هذا البلد الأمين أن تم منع دخول مثل تلك المجلات أو الكتيبات، وكانت الجهات الرقابية تحارب هذا الاستغلال والوهم وتمنعه، لكنها مثل كل الممنوعات كانت تجد من يستغل منعها فيبيعها على الأرصفة وفي الزوايا المستترة، فكنا نشاهدها على أرصفة الحراج في بطحاء الرياض وربما وجدها أهل جدة والدمام ورفحاء وجازان في أماكن مشابهة.

اليوم الوضع تغير كثيرا فمواقع التواصل الاجتماعي تصعب رقابتها والتحكم فيما يرد فيها، لكن المحاسبة اللاحقة على من يستغلها للإساءة والضرر سهلة وممكنة وفق أنظمة واضحة، فالحبل ليس على الغارب لمن هب ودب كما يعتقد البعض، لكننا في أمس الحاجة لتعريف المعلومة المضللة والمحاسبة عليها، لذا فقد اقترحت كثيرا ومرارا وتكرارا أن نحتكم في أمر المعلومة المضللة أو التدليس أو الإفتاء بغير علم إلى طلب المرجع العلمي المحكم الذي يستند عليه من يورد المعلومة، وأن أي معلومة ترد غير مدعومة بالدليل العلمي المنشور في بحث علمي محكم ومنشور في مجلات علمية متخصصة، يحاسب من أوردها ويعاقب بالغرامة أولا ثم إيقاف الحساب، وهذا ينطبق على المعلومات الصحية والطبية والدوائية والنفسية والاجتماعية والعلاج بالأعشاب والخلطات والإفتاء في مجالات تربية الأطفال والزواج والطلاق والعلاقات الأسرية وكل معلومة تؤثر على العامة وتغريهم أو تنفرهم أو تدلس عليهم.

لقد ضاقت سحابة الإنترنت بالمفتين دون علم ولا دليل وبالباحثين عن الشهرة والمتابعين ولفت الانتباه والمدلسين والعابثين بمشاعر الناس وحاجتهم للشفاء واستعدادهم للتعلق بأي قشة أو معلومة وكثر المتربصون بهم في زوايا (إكس) و(واتساب) و(تيك توك) و(سناب شات) من كافة أنواع الحسابات المفترسة: ذئاب وضباع وثعابين وتماسيح، فلابد من حماية الضحايا مع رفع وعيهم تدريجيا وإلا خسرنا كثيرا صحيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 10 رمضان 1445هـ 20 مارس 2024م