الشهر: أكتوبر 2024

شر الناس

مة من ينتصر لنفسه على حساب حق شخص آخر ويظلم ذلك الشخص في ماله أو وظيفته أو ما يملك أو ما يشتري أو ما يبيع أو ما يقول أو ما يفعل، وهذا بلا أدنى شك ارتكب محظورا وأجرم في حق غيره ويصنف شريرا؛ لأنه ظلم غيره لصالح نفسه وأضر بالناس من أجل مصلحته، فقد ظلم الناس من أجل ذاته.. وصور هؤلاء كثيرة، وتحدث كثيرا ويصنفون من الأشرار بلا أدنى شك وهي صورة قبيحة في أي مجتمع.

لكن الصورة الأكثر قبحا تتمثل فيمن يظلم الناس من أجل الناس، وهذا النوع أو الصنف من البشر يتمثل في مواقف كثيرة، خاصة مواقف بعض موظفي الشركات والمؤسسات سواء التجارية أو الخدمية، عندما يقف الموظف حائلا دون حصول المستهلك أو العميل على حق من حقوقه مستخدما حججا واهية أو تزييف حقائق أو مستغلا ثغرات الشروط والأحكام طلبا لرضا رؤسائه في المتجر أو الشركة أو المؤسسة على حساب حق المستهلك أو العميل.

ويدخل ضمن هؤلاء بعض موظفي شركات خدمية عندما يحصل خطأ في فاتورة الخدمة سواء كهربية أو اتصالات أو صيانة أجهزة أو مياهًا أو حسابات أو تحصيلا، فتجدهم يقفون في صف المتجر أو الشركة أو المؤسسة ضد حق المستهلك أو العميل رغم معرفتهم بسلامة مطالبته أملا في كسب رضا رب العمل عنهم، ومثل هؤلاء ظلموا الناس من أجل الناس، ولكن لمصلحة شخصية تتمثل في مكافأة أو نسبة أو رضا وترقية، وهذا بلا أدنى شك شر وقبح.

لكن الصورة الأقبح هو ذلك الموظف الذي يظلم زميله أو المستهلك أو العميل بحرمانه من حق من حقوقه حسدا أو عنادا أو ما يظنه تنفيعا للمؤسسة أو الشركة، دون أن يكون له مصلحة من ذلك غير إرضاء رغبته في ظلم الناس والقسوة عليهم وحرمانهم حقوقهم لأتفه الأسباب، حتى وإن كان عدم ارتياحه للشخص أو لأسلوبه في المطالبة بحقه، وشعوره أن مصير تلك المطالبة بيده ويريد أن يحرمه منها لشيء في نفسه أو تحيزا لجهة عمله حتى دون استفادته من هذا الظلم، وهذا الأخير شر مثل سابقيه لكنه الأكثر شرا أي (شر الناس).

وعندما قيل في الأثر إن (شر الناس من ظلم الناس للناس) لم يكن المقصود أن من ظلم الناس لمصلحته هو ليس شريرا، ولكن للتأكيد على أن الأكثر شرا من هذا هو من ظلم الناس لمصلحة غيره، فحذارِ أخي الموظف أن تكون من شر الناس، بل كن دوما كما هم الغالبية، كن من خير الناس، لا تحرم جهة عملك من حقها ولا تعينها على ظلم مستهلك أو عميل.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 29 ربيع الأول 1446هـ 2 أكتوبر 2024م

شركات التأمين تجهل وتخيفنا.. علموهم

دعوني أبدأ بشركات التأمين على السيارات ثم أعرج على شركات التأمين الطبي، وإن كانت الغالبية تقدم الخدمتين مع باقة من عروض التأمين الأخرى، لكن حظنا مع شركات التأمين أنها تقبل بالربح من الحصول على مبلغ التأمين مع عدم حدوث حادث ومطالبات وهو ربح عظيم، ولا تتقبل أو تقتنع بأنه قد يأتي يوم وتدفع مبلع التعويض حتى لو وصل الحد الأعلى للتحمل، وهذا يجعلها تعقد أمور التعويض وتضيق الواسع على جميع الأطراف وتوسع ما يخصها ولو كان ضيقا.

الجديد على ما ذكرناه سابقا أن شركات تأمين السيارات تجهل أو تتجاهل أن العميل السابق أمن على سيارته لدى شركة أخرى كانت أقل سعرا في تطبيقات العروض رغم ادعاء الشركة المؤمن عندها سابقا أنها تقدم تخفيضات الولاء وعدم وجود مطالبات وتخفيضات أخرى مزعومة، فالعبرة بالقيمة الإجمالية للعرض الأقل في قائمة الأسعار، والعميل يبحث عن العرض الأفضل والأقل تكلفة وليس العرض الأكثر وعودا والأقل جذبا، وغريب جدا أن شركة التأمين لا تعلم أن عميلها أمن على سيارته لدى شركة أخرى، لكن الغرابة ليست الأمر الأهم في هذا الصدد فالأمر الأكثر خطورة وازعاجا وتخويفا هو أن الشركة السلف ترسل إلى جوالك رسائل متواصلة تحذرك بأنك تقود مركبة غير مؤمن عليها وأنك عرضة للعقوبة وأنك تخاطر، وحماية لك يجب أن تجدد تأمينك لديها (مع أنك أمنت على سيارتك ودفعت المبلغ ووصلتك رسائل المرور بأنه تم تسجيل تأمين على المركبة) ومع ذلك فإن رسائل الشركة السابقة تستمر لعدة أيام أو أسابيع، بالرغم من أن جميع شركات التأمين مربوطة مع (نجم) ومع أنظمة المرور كافة، فهل هم يعلمون ويتجاهلون أم يجهلون فعلا أو لا يتابعون ويرسلون رسائل روتينية مزعجة لكل عميل فقدوه؟! وفي كل الأحوال فتلك الرسائل تشكك العميل وتدخل في نفسه الخوف أنه كان في تأمينه الجديد عرضة لخدعة أو (تهكير) حسابات وجميعها مزعجة خلاف إزعاج ورود رسالة جوال دعائية.

أما التأمين الطبي فهو يسير إلى الأفضل، لكن يشوبه أحيانا تلك الخطوة المشوهة المتمثلة في موافقة شركة التأمين على أمور مفروغ من الموافقة عليها مثل صرف أدوية السكر أو قياسه والمجسات التي تلصق بالمريض أو أدوية الضغط وأمراض القلب ومجساته، فهذه الأمراض المزمنة يفترض ألا تتطلب موافقة أو أن تأتي موافقتها سريعة روتينية، لكن بعض شركات التأمين رغم شهرتها وقدمها وخبرتها تماطل في الموافقات فيدفع المريض قيمة دواء أو جهاز ليستريح من صداع (لم تصل الموافقة بعد).

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 24 صفر 1446هـ 28 أغسطس 2024م

ستيني لا تكلمني يا (شين وقوي عين)

وقفت أمام بوابة الفحص الدوري للسيارات أطلب الدخول فقال لي الموظف: (ليس معك موعد فلا يمكنك الدخول)، قلت: (معي ما هو أهم من الموعد)، فأرسل إلي عينه بنظرة حادة ظناً منه أنني أقصد أن معي واسطة، والواسطة هذه الأيام (في عهد الحزم والعزم) تعرضني وإياه لعقوبة صارمة، فأردت أن أريحه فقلت (معي هذه الشيبات) فتنفس بعمق، وقال: تفضل.

منحت الدولة -أدام الله عزها- كبار السن وكذا المتقاعدين مميزات كثيرة وامتيازات وحقوق لم تكن موجودة ولا تقتصر على دخول بعض مواقع الخدمات دون موعد أو دون رسوم، كما هو الحال في محطات الفحص الدوري أو المعارض والفعاليات ووسائل النقل الحالية والمستقبلية القادمة، بل ثمة حقوق أهم صحية واجتماعية حددها نظام حقوق كبير السن ورعايته الصادر من مجلس الوزراء برقم 292 في 1 /6 /1443هـ.

وينص النظام الجديد على منح كبير السن امتيازات خاصة ويحفظ حقوقه الاجتماعية والمالية والقانونية. وكذلك ينص على عقوبات صارمة بغرامات مالية أو السجن تجاه من يسيء لكبير السن ويستغل أمواله سواء كان من الأفراد أو الجهات الاعتبارية. كما يهدف النظام إلى ضمان إجراء الدراسات والبحوث وتوفير البيانات اللازمة لتطوير الخدمات الخاصة بكبار السن، ودعم الأنشطة التطوعية، وتأهيل المرافق العامة والتجارية والأحياء السكنية والبيئة المحيطة والمساجد لتكون مناسبة لكبار السن. وأكد النظام على أن من حق كبير السن العيش مع أسرته وعليها إيواءه ورعايته وفق تسلسل الرعاية، ولا يجوز لدور الرعاية إيواء كبير السن إلا بعد موافقته أو صدور حكم قضائي بذلك، كما يمنح النظام كبير السن بطاقة امتياز من الوزارة تمكنه الحصول على الخدمات والامتيازات.

وهذه الفقرة الأخيرة قرأتها واقفاً ووقف معها شعر رأسي (لم يصبني الصلع بعد لأنني صيدلاني أعرف أضرار مركبات الشامبو المدعوم دعائياً واستخدم الخالي من الإضافات الكاذبة)، أقول وقف معها شعر رأسي لأنها ذكرتني بتحقيق صحفي أجريته عن دار العجزة بالرياض منذ حوالي أربعين سنة وتحديداً في يوم الثلاثاء 23 محرم 1403هـ الموافق 9 نوفمبر 1982م العدد (3703)، عندما كنت أعمل محققاً صحافياً لجريدة (الجزيرة)، ونشر في ثلاث صفحات وخرجت منه بمواقف مبكية وقصص حزينة لكبار سن تم إدخالهم من قبل ذويهم دون علمهم رغم وعيهم، فأحدهم كفيف فقد بصره بسبب الطب الشعبي وأدخله أبناؤه الدار وقد أوهموه أنه مستشفى العيون وتركوه ورحلوا، والثاني في كامل صحته وحالته الذهنية أدخله شقيقه الدار بتحريض من زوجة الشقيق التي لا تريده أن يزورهم لتناول طعام الغداء عندهم، رغم إمكانية بقائه في بيت والدته العجوز ووجود خال له كريم لو علم بحاله، ولا أنسى بعد نشر التحقيق بأيام أنني زرتهم فذكر لي أن شقيقه حضر ووبخه على ما ذكر في الجريدة وهنا ينطبق المثل (شين وقوي عين)، لكن عهد الحزم والعزم جاء بنظام يضع أصبع المسن في عين كل ظالم يظن أنه قوي عين.

نشر بجريدة الرياض يومالأربعاء 17 صفر 1446هـ 21 أغسطس 2024م

البطحاء وأخواتها.. تحتاج قرصة أذن

حي البطحاء وسط الرياض يعاني من سلوكيات مسيئة تمارسها بعض العمالة الأجنبية التي شئنا أم أبينا فهي تشكل السواد الأعظم من مرتادي هذا الجزء المهم من العاصمة الرياض، وأجزم أن وسط كل مدينة رئيسة في وطننا الغالي ترتادها مثل هذه الفئات من العمالة متدنية التعليم والتي ربما جاءت من مناطق لا تعير نظافة المدن أدنى أهمية، ستعاني نفس المعاناة وتواجه نفس الممارسات التي تستدعي رقابة ميدانية وغرامات رادعة.

أذهب إلى حي البطحاء الذي تخرجنا من أطرافه وتعودنا ارتياده يومياً (آنذاك) لقضاء احتياجاتنا وشراء ما نحتاج من أدوات مدرسية وملابس رياضية ومواد غذائية وخضروات وفواكه من تجار محليين أغلبهم من كبار السن (الشياب) تغمدهم الله بواسع رحمته، وكانوا جميعاً من الحريصين على نظافة الحي والأسواق وقبل ذلك نظافة الضمائر وطهارة التعاملات التجارية، أقول أذهب الآن لحي البطحاء فأرى صوراً من الممارسات تجعلك لا تأمن على ثيابك من الاتساخ، فهذا يرمي كأس القهوة تحت قدميك وذاك يقذف المناديل خلفه غير مكترث أين تقع ولا على وجه من تلتصق، وعلب المشروبات الغازية تفترش بها الأرصفة وغيرها من النفايات التي تشوه جمال وسط البلد.

الأمر يحتاج إلى رقابة ميدانية سرية وغرامات رادعة تسبقها غرامات توعوية (قرصة أذن) لفترة محددة، فمشكلة المرتادين هي مشكلة وعي وجهل بالأنظمة وجهل بأهمية نظافة الطريق والحي والأرصفة حتى من أصحاب المحلات، وبلدية البطحاء بمراقبيها الحاليين وأوقات دوامهم وساعات عملهم لا يمكن أن تغطي وتسيطر على كل تلك الممارسات، فالمنطقة تحتاج لرقابة ميدانية سرية مكثفة ليل نهار وغرامات صارمة ورادعة.

وإحقاقاً للحق فإن أواسط المدن ليست المتأثرة وحدها بالسلوكيات غير المنضبطة وأهمها رمي النفايات سواء من المشاة أو من نوافذ السيارات، فقلة الوعي ليست حكراً على فئة من السكان أو حي بعينه، ويجب تطبيق غرامات شديدة ومؤثرة على رمي النفايات سواء من المشاة أو من المركبات في كل مدينة وكل حي وكل طريق، لكن مناطق تجمع العمالة في وسط المدن تعاني أكثر وازدحامها أشد والحنين لها أكبر.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 3 صفر 1446هـ 7 أغسطس 2024م

بطاقة شراء خيرية موحدة لكل الأسواق

تقوم قلة من الأسواق المركزية بإصدار بطاقة مسبقة الدفع مزودة بشفرة ماسح ضوئي (باركود) تبيعها على من يرغب فعل الخير من الموسرين ليعطيها للأسر المحتاجة لشراء احتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية وغيرها من المستلزمات، وهذا أمر تشكر عليه، لكنني أقترح أن تكون بطاقة موحدة تنفع في كل مركز تجاري أو (هايبرماركت) وذلك تسهيلاً على الأسر المحتاجة ومنعاً لاحتكار عملية الاستفادة من الشراء بالبطاقة التي هي أصلاً تبرع خيري.

تقوم فكرة البطاقة الخيرية الحالية على أساس أن المتبرع يشتري بطاقات قيمة الواحدة منها مائة ريال من متجر محدد والبطاقة تحمل ترميزاً بشفرة شريطية مخفية يقرؤها الماسح الضوئي لذلك المحل (تحديداً) أي (باركود) مخفي وبعد شراء البطاقات يوزعها على المحتاجين حسب حاجة الأسرة ولنقل (مثلاً لا حصراً) أنها بمعدل أربع بطاقات لأسرة تتكون من ستة أفراد ثم تتوجه الأسرة لذلك المتجر (تحديداً) وتختار احتياجاتها ثم تقدم البطاقة للمحاسب ليزيل غطاء (الباركود) ويمسحه ضوئياً ويستوفي من البطاقات قيمة المشتريات وما يزيد على قيمة المشتريات يبقى في آخر بطاقة فتحت، وما زاد من المشتريات عن مجموع قيمة البطاقات يجب على الأسرة دفعه أو إرجاع الزائد من البضاعة، ومن مميزات هذه البطاقات أن المتبرع يمكنه شراؤها وإزالة غطاء (الباركود) وتصوير البطاقات وإرسال صورها للمحتاج بالجوال أياً كان موقعه (داخل المملكة)، وبالمناسبة فإن عملية الشراء موثقة برقم هوية المشتري وجواله ويتم الدفع عبر أجهزة نقاط البيع من البطاقة البنكية للمشتري، وكل هذا جميل جداً، لكن الأسواق المركزية التي تطبقه قليلة جداً لا تصل لأصابع اليد الواحدة وكل منها له بطاقته التي لا تنفع إلا في ذلك السوق تحديداً.

ما أقترحه هو أن يتم توحيد هذه البطاقات وإصدارها من خلال قناة رسمية واحدة لتصبح فعالة وصالحة للشراء من أي سوق مركزية ترغبها الأسرة المحتاجة وأن يكون قبولها شرطاً لتصنيف المحل كسوق مركزية أو (سوبرماركت) أو (هايبرماركت) وإجبارياً كونها بطاقة مسبقة الدفع شأنها شأن أي بطاقة ائتمان مسبقة الدفع.

إن في توحيد مصدر هذه البطاقات الخيرية منع للاحتكار ومنع لرفع الأسعار فتلك الأسر المحتاجة في أمس الحاجة لكل هللة توفرها، وفي تعميم قبولها في كل سوق مركزية تسهيل للأسر المحتاجة في الشراء من أقرب مركز تجاري وعدم الحاجة لاستئجار سيارة أجرة والانتقال لسوق معين بعيد عنها وتخفيف للزحام وإعطاء مزيد من الخيارات والاستفادة من عروض كل المتاجر وليس متجر واحد، فنحن ولله الحمد نعيش في عهد التسهيلات والمرونة والرفاه، أدامه الله.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 25 محرم 1446هـ 31 يوليو 2024م

الإعلام يظلم عسير للمرة الثانية

هذا المقال نشرته في هذه الصحيفة الغراء منذ 22 سنة وتحديداً في عدد “الرياض” رقم 640 السنة الثانية يوم الاثنين 20 ربيع الآخر 1423هـ الموافق 1 يوليو 2002م، وهو الذي لقي امتنان صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير عسير آنذاك، فأعاد نشره كإعلان في الصفحة الأخيرة من صحيفة الوطن مذيلاً بعبارة (شكراً لمن صدق) وتوقيع سموه، ويشرفني إعادة نشره بعد هذه السنوات لسببين الأول أننا في موسم السياحة في عسير، والثاني أن البعض مازال يردد أسطوانة غلاء السياحة في عسير متناسياً أنها الأرخص عالمياً والأكثر أمناً وسلامة، والأيسر للوصول والأوفر بكل المقاييس، وفيما يلي نص المقال كما نشر في حينه:

أكاد أجزم أن من كتبوا أو رسموا الكاريكاتير ملمحين إلى غلاء السكن أو عدم توفر المساكن في مصايفنا وبالذات في أبها، هم ممن لم يزوروا المصايف الداخلية وإذا غلبنا حسن الظن فهم ممن اعتمدوا على السماع دون الممارسة وقد سمعوا من مُبالغ أو من غير مؤيد للسياحة الداخلية.

أمضيت صيف العام الماضي متنقلاً بين عدة مصايف داخلية ومستقراً في أبها، وتعمدت تنويع السكن دون سابق حجز فوجدت عكس ما كنت أقرأ من مقالات توحي بغلاء السكن أو رسومات تسخر من عدم توفر المساكن وغلاء الإيجارات مما يهبط همة من ينوي قضاء الإجازة في مصايفنا.

حصلت على إجازتي العام الماضي فجأة دون سابق تخطيط لظروف عملي وحجزت على الخطوط السعودية لثمانية أفراد إلى أبها فلم أجد أدنى عناء، ووصلت أبها دون أن أحجز مسكناً فلم أجد أدنى مشقة في العثور على سكن رائع في فلل قرية سياحية في السودة، “أجمل بقاع الدنيا مناخاً صيفياً” بأسعار يومية تتراوح بين 250 و400 ريال حسب عدد الغرف وهذا المبلغ يعتبر معقولاً للغاية مقارنة بسعر سكن فيلا أو حتى غرفة مفردة في فندق في أية منطقة جذب في العالم فأين الغلاء؟! وأين شح المساكن؟! “البعض صور شح السكن إلى درجة اضطرته للسكن في مستشفى!!

بعد الاستقرار لعدة أيام والاستمتاع بخدمات ومرافق القرية السياحية، غلبت عليّ ميولي القروية فقررت الاستمتاع بالريف في مسكن منفرد في نفس المنطقة شاهقة الارتفاع فكانت الخيارات متعددة من المنازل الجميلة المفروشة والمؤثثة بكل الاحتياجات الأسرية ولم يتجاوز إيجار أي منها مائتي ريال يومياً مع أن العقد يحدد أن الماء والكهرباء على المالك، واخترت منزلاً جميلاً يقع منفرداً في قمة جبل تلامسه السحب من كل جانب ويصل إليه الطريق المعبد حتى عتبة الباب بإيجار يومي قدره مائة وخمسون ريالاً، علما أن قيمة صهريج الماء الذي يتكفل به المالك متى شئت هي مائة ريال! فما عساه يوفر؟! وأي غلاء يتحدثون عنه؟

في ذلك المنزل أمضت الأسرة أسعد 30 يوماً صيفياً لم تجدها في أي مصيف آخر من قبل، (لا أحب الحديث عن تجارب الذات ولا أقولها تباهياً ولكن توثيقاً وأداء لشهادة حق وحتى لا يقول قائل: “هذا ما شاف عيشه”، فقد قضيت إجازات صيف في أورلاندو وباريس وماليزيا ولندن ولم أجد أمتع ولا أجمل ولا أرخص ولا آمن من عسير.

كان السحاب يحتضن المنزل الصغير من كل جانب حتى لا تكاد ترى من حولك، تنام على صوت زخات المطر وخرير الجداول وتصحو على نغمات حبات البرد تطرق الباب الحديدي الآمن فأي سعادة أكبر ينشدها السائح!

ما الذي يريده الهارب من حر الصيف أكثر من نسمات باردة وظواهر طبيعية فريدة وتحليق فوق السحاب وتجوال في متنزهات طبيعية بكر “بأمان تام لا غريب ولا مستغرب” وبين مواطنين قمة في الكرم وحسن التعامل..

أين يجد رب الأسرة نظماً وإجراءات تصون حرمة العائلة وتمنحها الميزات والأولوية (العائلة في مصايفنا هي بطاقة التسهيلات الذهبية)، هذه الميزة لا تشعر بأهميتها إلا عندما تفتقدها في الخارج باستثناء من لا يهمهم تقديم التنازلات من بند العادات والتقاليد والأخلاق والقيم..

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 18 محرم 1446هـ 24 يوليو 2024م

مشاهير فلس وصلوا حد التشوه البصري

في زمن طفولتنا كان هناك قلة قليلة ممن يلفت الأنظار في كل حي أو حارة وكنا كأطفال نلاحقهم ونحاول استفزازهم بمناداتهم بألقاب نخترعها فنقول لمن نكث شعره (يا بو شاعورة) ولمن لم يستحم منذ أشهر (يا عايد جتك الصابونة) ونستمتع بردود أفعالهم وتصرفاتهم الغريبة، ولم نكن كصغار ندرك أنه لا ذنب لهم وأنهم مجرد مرضى نفسيين، أو كما كنا نسميهم مجانين، وكان أباؤنا وأمهاتنا ينهوننا عن استفزازهم أو إيذاء مشاعرهم مرددين (احمدوا ربكم على العقل والعافية).

طبيعي جدا أن يلفت الأنظار كل من قام بفعل غريب شاذ وإن خلع ملابسه أو تجرد من بعضها لفت الأنظار أكثر ولاحقه الناس، وأن يمر مرور الكرام كل كريم عاقل فلا ينتبه له أحد، ولكن ما بال أناس استخفت عقولهم فأصبحوا يتصرفون بلا رزانة وكنا نظنهم (تكانة) ويتحركون بلا وقار وكنا نقيم لهم اعتبارا، ومن يصور نفسه وهو مخمور وكان قبل ذلك مستورا، ومن تصور جسدها وتتوهم أنه فاتن مثير وهو في أعين العقلاء تافه حقير؟! كل هذه التصرفات تحدث في محاولة للفت الأنظار والشهرة والانشهار متجاهلين أن مريضا نفسيا آخرا كان يشتهر بلا جوال ولا مواقع تواصل اجتماعي، وكانت أسرته تدعو له ليل نهار بالشفاء العاجل والعودة لسلوك العقل والمراجل.

إن ما يحدث في بعض المجتمعات العربية (على غير العادة) يمثل متلازمة مرضية اجتماعية تستحق الدراسة المستفيضة من قبل علماء النفس والاجتماع المتخصصين وليس أطباء نفسيين لأن المشكلة ليست ذات مصدر مرضي عضوي أو ذهني يحتاج لعلاج دوائي، بل أساسها سلوك نفسي طارئ يقف خلفه عدة عوامل نفسية واجتماعية معقدة جدا، منها حب المال بأي طريقة، ولو على حساب الأخلاق والاحترام، وحب الشهرة وحب التقليد وإشباع رغبة تعويض شعور بالنقص وحب لفت الأنظار، وهذه المتلازمة النفسية الاجتماعية يفترض أن يهب لدراستها أساتذة علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات وليس الأطباء النفسيين، بدليل أن بعض أطباء النفس أصيبوا بذات المتلازمة فأصبحوا ينهجون منهج (خالف تعرف) للفت الأنظار.

تصل هذه المتلازمة المرضية النفسية الاجتماعية أوج شدتها وخطورتها، عندما يحقق المريض الشهرة ويكسب منها المال عبر الإعلانات ثم يحقق الثراء فيرى أنه يجب أن يسير وأمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله حراسة (بودي قارد) بمواصفات خاصة فيدرالية (أسمر طويل متين عريض المنكبين أصلع وبنظارة سوداء) وهنا وصل مرحلة تستوجب تدخلا رسميا رادعا فعلاجه هو آخر العلاج (الكي) لأنه دخل في حكم التشوه البصري!!.

نشر بجريدة الرياض يوم الخميس 12 محرم 1446هـ 18 يوليو 2024م

سفاراتنا.. اليوم لا يشبه البارحة والشاهد خليجي

الخيط الرفيع بين الإشادة والتطبيل يبرز ويتضح عندما تقارن بين ما يكتبه الكاتب منتقداً وضعاً سلبياً بكل صراحة وجرأة ووضوح ثم ما يكتبه مشيداً بعد أن تستقيم الأمور وتتحسن الأحوال بل ويتحول الوضع السلبي إلى وضع إيجابي يفوق الخيال ويتعدى ما كنا نحلم به أو نتخيل حدوثه.

الأمثلة على ذلك كثيرة جداً، فنحن في عهد الحزم والعزم نشهد تحسناً كبيراً في كثير من الخدمات بل والمواقف، لا ينكره إلا جاحد أو مغالط بقصد أو حاسد بحقد.

فمن أمثلة تحسن الخدمات ما نشهده وشهد به العالم المتقدم من تسخير الإلكترون لتسهيل الخدمات والتوجه لحكومة إلكترونية، وجعلك تنفذ جل بل كل خدماتك وأنت في منزلك وبضغطة زر واستقبال رسالة تحمل شفرة تصل في ثوانٍ، وهذا وربي لم يتحقق في كثير من دول كنا نحسبها متقدمة علينا، أو هكذا هي كانت فسبقناها وجعلناها خلفنا بمراحل.

ومن أمثلة تحسن الخدمات ما تشهده الخدمات الصحية من تسهيلات للحصول على العلاج سواء في المستشفى الحكومي أو في المستشفى الخاص عند الضرورة بتكاليف تدفعها الدولة دون عناء أو تعقيدات، وكذا التوجه السريع لتأمين شامل للمواطنين سيكون حلاً لمعاناة سابقة طالت ولم تحل إلا بإيكال الإدارة إلى أهلها والمتخصصين فيها، بدأ بالموفق توفيق الربيعة ومن ثم فهد الجلاجل (مع حفظ الألقاب التي لم تعد مهمة مقارنة بلقب مواطن).

ومن أمثلة المواقف، ذلك الموقف الفريد للمملكة العربية السعودية تجاه مواطنيها والمقيمين فيها وحتى مخالفي الإقامة إبان أزمة كورونا، عندما تركت دول غربية مواطنيها في مهب ريح الفيروس بلا علاج ولا لقاح بينما تكفلت السعودية العظمى بكل من يقف على أرضها مواطناً أو مقيماً أو مخالفاً للإقامة، وتكفلت بعزل وإعاشة ونقل مواطنيها في الخارج، وهو الموقف الإنساني الذي رسخ حقيقة أن (السعودية مملكة الإنسانية) وأثبت صدقية تلك العبارة التي أفخر بإطلاقها عند فصل التوءم السيامي البولندي، لكنها أصبحت أكثر شمولية فعمت كل عمل انساني.

ومن المواقف التي يحق لنا الفخر بها اليوم، ما نشهده من تحسن بل قفزة نوعية في مواقف السفارات السعودية كافة مع مواطنيها وهو ما أشاد به عدد من المواطنين الذين تعرضوا لمواقف إما صحية أو اعتداء أو سرقة من تحرك سريع ورعاية وتفاعل ليس منبعه همة سفير بعينه ولكن همة وطن وتوجيه قيادة تهتم بسلامة وكرامة مواطنيها.

وإن كنا يوماً ما ومنذ عقود خلت انتقدنا مواقف شخصية لسفير أو موظف سفارة تجاه مواطن أو انفراد سفارة بالتقصير أو السلبية في حادثة، فإننا لا نتردد اليوم في القول إن الإيجابية أصبحت شاملة، وهذا يدل على أن التغيير أصبح إيجابياً شاملاً في عهد حزم وعزم وثواب وعقاب انعكس على كل شيء، ويكفينا فخراً أن سفارات السعودية العظمى أصبحت سنداً حتى لأشقائنا مواطني دول الخليج، ما جعل أحدهم يقول (لا تسافر إلا لبلد فيه سفارة سعودية).

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 4 محرم 1446هـ 10 يوليو 2024م