الشهر: ديسمبر 2024

شفافية وطن يا شركة المياه!

في كل جوانب حياتنا نعيش شفافية عالية غير مسبوقة، وجدير بالشركات الخدمية أن تدرب موظفيها على هذا القدر من الشفافية والتعامل الراقي مع العملاء والمشتركين، وإلا فإن الشركة التي لا تفعل ذلك لا يمكنها مسايرة ركب الحضارة الذي يسير بنا اليوم أو أن إدارة تلك الشركة تعاني هي من القدرة على السير في الركب.

عادة لا أتفاعل مع الشكاوى بسرعة حتى أتأكد من صحتها وسلامة الوارد من كل الأطراف، وأعمد ككاتب رأي إلى التواصل مع الجهة المعنية للتأكد من شكوى عميل أو مشترك أو مستهلك ومحاولة تقريب وجهات النظر وحل الإشكال، خاصة في الحالات الخاصة الفريدة، أما إذا كان القصور مؤثراً على شريحة كبرى أو الجميع أو أصبح التقصير طبعاً سائداً وشاهدته بنفسي وتأكدت منه فإنه لا مناص من مناقشته على بساط أحمدي وإيصال تفاصيله إلى جميع أطرافه التي لا يرضيها وجوده.

أمر غريب لاحظته منذ عدة أشهر وفي أكثر من مناسبة وهو أن ردود موظفي الدعم والمساندة في أمر المياه (غير مساندة إطلاقاً) وتفتقر للشفافية والوضوح، عبر كل قنواتها خاصة في حساب العناية بالعملاء في منصة إكس (تويتر سابقاً) أو عبر الاتصال الهاتفي بالرقم 800 أو عبر التطبيق، فقد جربت مراراً سواء كمواطن متعاون أبلغ عن تسربات وهدر مياه، أو كمشترك يشتكي من انقطاع الضخ في أيام مجدولة كأيام ضخ، فوجدت ردوداً مكررة غريبة تفسر الماء بعد الجهد بالماء وتجيب عن السؤال بإجابة لا علاقة لها بالسؤال ولا تشفي غليل السائل بل تزيده استفزازاً، وإليكم أحدث مثالين لتجربتي مع موظفي الدعم والمساندة في منصة X، وفي الاتصال الهاتفي.

عدت من سفر خارجي فوجدت تسرباً مهولاً في الحي بسبب انكسار ماسورة تحت الأرض وجريان نهر من الماء الصافي المحلى بفضل وطن كريم، فسألت الجيران وأوضحوا أنهم بلغوا دون جدوى، فتواصلت مع أحد مسؤولي الشركة وأبلغته، وفعلاً حضر المقاول لكنه قفل المحبس الرئيس للحي وربما أصلح جزءاً من الكسر ودفن حفرته الصغيرة ووضع الإسفلت ونسي فتح المحبس الرئيس لماء الحي لمدة أسبوع، فتواصلت مع العناية بالعملاء عبر (X) بالرسائل الخاصة لإبلاغهم بانقطاع الماء عن كامل الحي لعدم فتح المقاول للمحبس بعد انتهاء الإصلاح فوجدت أنهم يطلبون بلاغ انقطاع عن مشترك وفعلت، وفي كل مرة يكون الرد (تم التحقق من الحساب ونفيدك بأنه يوجد أعمال صيانة في الحي وجارٍ العمل على حلها ما لم يحدث عائق، وفي حال لم تعد المياه بعد الساعة الثامنة نأمل إبلاغنا ليتم التحقق، ويمكنك طلب صهريج عبر القنوات الرقمية)، وعبثاً حاولت إفهامهم أن أعمال الصيانة انتهت والمشكلة عامة لكل الحي ولا يوجد أعمال صيانة والمتبقي فتح المحبس، وفي كل مرة يكون الرد (نفيدك أنه جارٍ العمل على حلها، نهارك سعيد)، واستمر توقف الضخ عن الحي عدة أيام، وفي كل مرة أراسلهم يكون الرد نفسه، حتى توقعت أنه رد آلي لكن مع ارتفاع نبرة الشكوى اتضح أنه رد إنسان ولكن شبه آلي! وعند فتح المحبس عاد التسرب، ما يدل أن المقاول غير كفء واستمر الحفر والدفن والتسريب، حتى غردت عن الوضع فوردني اتصال من مراقبة البنية التحتية (وفقهم الله) وتم معالجة الوضع بطريقة جد مهنية ورائعة.

وهذه الأيام عانيت كمشترك من انقطاع الضخ في أيام الضخ المجدول وهي 7 و8 ديسمبر دون معرفة السبب، وفي كل مرة يكون رد العناية بالعملاء هو (موعد الضخ القادم 11 ديسمبر)، وسؤالي هو (لماذا لم يتم الضخ يومي 7 و8 ديسمبر، وهل ثمة خلل في العداد)، فيأتي الرد نفسه رغم أنه ليس رد آلي! وهذا مستفز جداً، فمن حق المشترك أن يعرف سبب الانقطاع قبل حلول موعد الضخ القادم وفواته دون حل، لكن ثمة أمر غريب في توحد الردود وبطريقة جد غامضة، علماً أنه يستحيل رفع بلاغ انقطاع لا من المشترك ولا من الموظف إذا وجد ضخاً مجدولاً حتى لو كان الضخ المجدول غير صحيح! أي أن (الأتمتة) أصبحت في المياه (تمتمة) وعدم شفافية.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446هـ 11 ديسمبر 2024م

لنحاربها معاً كما حاربنا الفساد

هي صور موجودة وعايشناها وتكررت، وليس بالضرورة أنها وصلت حد الظاهرة، لكن كل من عمل لأكثر من عشر سنوات وفي قطاعات مختلفة لا بد أنه لاحظ واحدة منها على الأقل، وأتمنى أن نعمل على اجتثاثها أو الحد منها كما فعلنا بكل حزم وعزم مع الفساد فهي صور من جنس الفساد.

إحدى هذه الصور هو إصرار المدير الجديد للمؤسسة على طمس إنجازات سلفه والتنكر لمنجزات سابقه، والأدهى والأمر أن يسعى جاهداً لهدم ما بناه سلفه بدلاً من أن يكمل البنيان ويواصل الركض في طريق الإنجاز، تماماً كالمتسابق التالي في سباق التتابع بدلاً من أن يرمي العصا ويعود من جديد وفي ميدان آخر مختلف، ولمن يظن أن هذه الصورة نادرة أو أنني بالغت في سوادها، أقول إننا شاهدناها وعايشناها كثيراً وسببها مركب نقص لدى الجديد يشعره بأنه لا يمكن أن يبرز إلا في مساحة خالية أو أن لديه موقف من المدير السابق جعله يحقد عليه لدرجة لا يتحمل معها بقاء ما يذكره به (ما ذنب المؤسسة وذنبنا كموظفين فيما بينكما من تصفية حسابات؟!).

الصورة الثانية: تتجسد في اختزال جهود فريق العمل في شخص واحد (غالباً لأنه المدير)، وهذا أمر يتكرر وهو محبط للفريق، وغالبية الإنجازات إن لم يكن جميعها هي نتاج عمل فريق إما هندسي أو طبي أو صيدلاني أو علمي بحثي أو قانوني أو إداري، ويفترض أن يجير النجاح لجميع أعضاء الفريق بالتساوي، فهم كالجسد الواحد لو أخفق منه عضو لتداعى له سائر الجسد (المتمثل هنا بالعمل) وفشل ولم يتحقق الإنجاز، لذا علينا دوماً كوطن وإعلام وطن أن نحتفل بالإنجاز الوطني ونحتفي بجميع عناصر الفريق دون تمييز واحد عن آخر، ومن الغريب جداً أن لاعبي كرة القدم (رغم تدني تعليم أغلبهم) يجيرون إنجازاتهم لكل الفريق وكذا إخفاقاتهم، بينما يختزل متعلمون الإنجاز في رئيس الفريق (غالباً المدير) بينما يتحمل الفشل العنصر الأقل وظيفياً!

الصورة الثالثة: هي صورة الموظف (البيز)، و(البيز) لمن لا يعرفه هو قطعة من قماش سميك أو محشو بالقطن يستخدم لحمل الدلة من النار أو أي قدر ساخن ليحمي حامله من الحرق، ويقول السلف في الأمثال الشعبية (رد البيز هات البيز وأثر البيز خرقة)، وأشبه الموظف بـ(البيز) لأن المدير يستخدمه واقياً لتحمل الإخفاقات خاصة الإعلامية، فيطلب منه أن يكتب الردود الإعلامية على الانتقادات أو مقالات الثناء على المدير أو هجو غيره أو التغريدات سواء للقدح أو المدح فيكون الموظف عرضة للسعات نار ردود الفعل والمدير محمياً عنها، تماماً مثل اليد والبيز.

الصورة الرابعة: كتبت عنها قديماً وحديثاً وأسميتها الأنوف الشائكة، وهي مجموعة تحيط بالمدير وتشم رائحة كل من يقترب منه أو يتقرب إليه فتحاول منعه وعزل المدير عن رؤية وسماع أي شيء لا يخدم مصالحها، ومثل هؤلاء صورة الشللية والمناطقية التي يحيط بها بعض المسؤولين نفسه فيخسر هو والمؤسسة كفاءات مؤهلة لا ينقصها إلا كونها ليست من الشلة أو المنطقة.

أما الصورة الأخيرة، فتتمثل في سرقة إبداعات وإنجازات الموظف من قبل الرئيس المباشر؛ لأن عقدة التسلسل الوظيفي تفرض على الموظف أن لا يكتب للمدير إلا عبر رئيسه المباشر، فإن راقت الفكرة الإبداعية فسوف تسرق من الرئيس أو المدير وتسجل لهم، فهي أي الفكرة الإبداعية أصبحت مثل نعجة ضائعة فهي لك أو لأخيك أو للذئب، وما أكثر ذئاب سرقة الإنجازات

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 3 جمادى الآخرة 1446هـ 4 ديسمبر 2024م

كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه

كنت سوف أقصر هذا المقال على المطالبة بتوعية مستحقي الضمان الاجتماعي بمميزاتهم وحقوقهم التي يكفلها لهم النظام، وما أكثرها -ولله الحمد- في هذا العصر الذهبي، والذي لا ينكر ذهبيته إلا جاحد ولا يحسن قياس ما شهده من تطور سريع وعلاج ناجع ناجح للكثير من أوجه القصور فيما يخص مستحقي الضمان الاجتماعي إلا من عايش المعاناة السابقة لذوي الدخل المحدود مع التسجيل كمستحق ضمان ويرى ويقارن كيف كنا وكيف أصبحنا في هذا الصدد.

لقد عايشت أوضاع المحتاجين ككاتب صحفي مهتم بشؤون احتياجات المواطنين وخدماتهم ومحاولة إيصالها للمعنيين بخدمتهم خاصة منهم فئة المواطنين شديدي الحاجة مثل: المرضى ومستحقي الضمان والعجزة والمرضى النفسيين والهائمين والمستهلك وضحايا الأخطاء الطبية، ومن أكثر ما شد انتباهي (آنذاك) البيروقراطية الإعجازية والتعقيد الشديد في طرق تسجيل الأسر المستحقة للضمان والتي تشتمل على متطلبات ثبوتية ورقية عديدة ومتعددة صعبة جداً على أرملة أو معلقة أو مطلقة تعول عدداً من الصغار أو حتى أسرة لها عائل يحتاج من يعوله ويتولى أموره، ومن ضمن تلك المتطلبات ورقة من عمدة غير معروف ولا موجود وتدعيمها بشهادة من إمام مسجد وتقرير من جمعية خيرية لا تعتمد الزيارة بل الأوراق التي قد لا تتوفر أو يصعب الحصول عليها إلا بمراجعة دوائر هي أكثر بيروقراطية سلبية، وأذكر أنني قد تساءلت في أكثر من مقال وحوار متلفز قائلاً (كيف لمعلّقة حرمها زوجها ورقة طلاق أو مطلقة بكلمة وطليقها يريد تعقيدها أن تحصل أيًا منهما على دفتر العائلة أو عقد الإيجار أو شهادات الميلاد؟!).

أما كيف أصبحنا -ولله الحمد-، فإن كل ما تحتاجه الأسرة أو أي فرد منها هو أن يدخل إلكترونياً وعن بعد عبر منصة النفاذ الوطني ويسجل كمستحق لحساب المواطن أو استحقاق الضمان فيحصل عليه بمنتهى السهولة والستر ولست في حاجة للتفصيل، فالكل يعرفون الآن أننا أكثر وطن في العالم أجمع يدير مواطنه والمقيم فيه كل شؤونه عن بعد وبيسر وسهولة، ويبقى أن أُذَكِّر أن هذا التطور العظيم في آلية تحديد المستحقين كشف عن الفساد العظيم الذي ارتكب في تسجيل أغنياء كمستحقين وهو أمر منشور لكن التذكير به واجب.

أقول كنت سوف أقصر هذا المقال على المطالبة بتوعية مستحقي الضمان الاجتماعي بمميزاتهم وحقوقهم التي يكفلها لهم النظام، حتى تشرفت بالحديث هاتفياً ومطولاً مع المواطن الذي يحق لنا أن نفخر بأمثاله وهم كثر، المهندس خالد بن عبدالله الحقيل الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للنقل الجماعي ورئيس الاتحاد العالمي للنقل والمواصلات العامة ومناصب عالمية أخرى يصعب حصرها هنا، وكان سبب تواصلي مع سعادته الاستفسار عن وضع أرملة من مستحقي الضمان تحتاج لتردد هي وإحدى بناتها على والدتها المريضة في جازان بواسطة حافلة النقل وتحتاج لدفع نحو 280 ريالاً لتذكرة الذهاب فقط ومثلها لابنتها، فهل لمستحقي الضمان تخفيض لا تعرفه هذه المرأة فحصلت منه على بشائر وأخبار سعيدة كثيرة قد تعلن من الهيئة في حينها، ولكن الأهم في موضوع تلك المرأة وغيرها أن التذكرة التي تشتريها عند السفر مباشرة بمبلغ 170- 280 ريالاً يمكنها الحصول عليها عبر موقع الشركة إلكترونياً قبل موعد الرحلة بثلاثة أيام بمبلغ 29 ريالاً فقط، وهذا توفير كبير وخير من أي تخفيض ولم تكن تعلمه تلك الأرملة ولا ابنتها!.

تلك المعلومة الغائبة المعلنة في موقع الشركة وتطبيقها وحساباتها في مواقع التواصل جعلتني أعيد النظر في مطالبتي وأجعلها عامة بالمطالبة بتكثيف توعية المواطن والمقيم بالفرص والمميزات التي يوفرها هذا الوطن المعطاء ليس فقط عبر حسابات التواصل الاجتماعي التي قد لا يدخلها الجميع ولكن عبر برامج التلفزيون والإذاعة واللوحات الإرشادية في الطرق، وبالنسبة لمستحقي الضمان، الذين هم الأكثر حاجة فإن على الأخصائيات الاجتماعيات في الجمعيات الخيرية والمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية توعيتهم دورياً بحقوقهم، كما أن رسائل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يجب أن تشتمل على توعيتهم بكل ما يستجد من حقوقهم وتذكيرهم بالقديم منه دورياً.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 25 جمادى الأولى 1446هـ 27 نوفمبر 2024م