الشهر: أفريل 2025

مواقف في بيت ثعابين

ثمة خيط رفيع بين التحذير والترويع، خصوصاً في ذكر الثعابين، فكثير من الرجال والنساء لا يحبون ذكرها ناهيك عن رؤيتها على الطبيعة أو حتى رؤية صورها ومقاطع الفيديو التي أنشرها في حسابي في منصة x، ولا أنسى موقف زميل رغب في أن يزور بيت الثعابين في مركز إنتاج الأمصال في الحرس الوطني، فاستقبلته هناك وأطلعته على كل أنواعها السامة، وندمت أيما ندم لأنه في اليوم التالي اتصل بي متوهماً أن ثعباناً في غرفة نومه في منزله بالرياض حسب ما ذكرت طفلته أنها رأت حشرة تتحرك بحركة دودية وعبثاً حاولت إقناعه أن الثعبان لا يصعد الدرج للدور الثاني ولعلها شاهدت شيئاً آخر، لكنه أصر على البحث عن الثعبان المزعوم مما اضطرني لإرسال فريق البحث عن الثعابين لمنزله ولم يجدوا شيئاً وعجزوا عن إقناعه بعدم وجود أثر لثعبان وأن الوضع سليم جداً، لكن صاحبي واصل توهمه ولم يعد يقتنع بتطميناتي ولجأ لتنفيذ مشورة شخص قال له: (أحرق قرون ثور في الغرفة وسيخرج الثعبان)، وفعل ذلك، وكاد أن يحرق منزله ثم أخلى الغرفة من كل الأثاث ولا أدري إن كان اطمأن أم باع المنزل!

أما زميل آخر فقد أحضره أخوه لرؤية الثعابين وبينما هو ينظر للثعابين في أقفاصها بهلع وتوجس قام شقيقه -هداه الله- بلمس ساقه من الخلف فقفز لترتطم ركبته بخشب الرف ويصاب بكسر في ركبته، وشخصياً أنا أستمتع برؤية الثعابين ومسكها وإخراج السم منها، وأمضيت معها سنوات جميلة كان مكتبي بين أقفاصها في بدايات تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني، وكنت أقوم بتغذيتها بفئران التجارب البيضاء، وأصور ذلك، ولديّ كم من أشرطة الفيديو القديمة (بيتاماكس) لثعابين تأكل وأخرى تتزاوج وثعابين تبيض، وتمكنت خلال معايشتها أن أصحح مفاهيم كثيرة خاطئة نشرها بعض أساتذة علم الحيوان منها؛ أن الثعبان لا يشرب الماء وأن وضع الماء في صناديقها هو لترطيب البيئة، لكنني رأيت وصورت الصل الأسود وهو يشرب شرب الهيم (الإبل العطاش)، وخرجت من ذلك إلى التحذير من أن الصل الأسود قد يوجد قرب مصادر الماء وقرب سواقي الماء في المزارع ورأيت ذلك عياناً بياناً، فقد وجدت الصل عدة مرات تحت زير ماء ينضح في مزرعة، ورأيت أم جنيب وهي تبيض 30 بيضة وأنثى الصل تبيض 35 بيضة خلال دقائق وتفقس بسرعة، وهذا يجعلنا حينما نجد فرخ ثعبان نتوقع أكثر من عشرة غير بعيد.

وعموماً فإن هذا الهلع لدى البعض يجعلني أتردد أحياناً في أمر التحذير لكن المصلحة تقتضي التحذير، لذا فإن مقالي المقبل سيكون عن سبل الوقاية من الثعابين والعقارب والظروف التي تحتم كثرة ظهورها هذا الصيف.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 18 شوال 1446هـ 16 إبريل 2025م

تمير من سدير يا جمهور الهلال!

مؤسف أن لا يكون بعض مراسلي القنوات الفضائية وكثير من المعلقين الرياضيين على اطلاع تام وواسع بمحافظات المملكة ومناطقها وأقاليمها ومدنها وقراها وهجرها، فيقعون في المحظور الذي يدل على قصور معرفي وشح ثقافي لا يضرهم وحدهم بل يؤثر في جيل كامل من المتلقين ممن يسمعون معلقاً على مباراة كرة قدم أو مراسلاً لقناة فضائية ينقل خبر رؤية هلال العيد بمسميات خاطئة.

هذا ما حدث في مناسبة ترائي هلال العيد هذا العام والذي سبقه، فقد خرج علينا مراسلون ثقافتهم الوطنية ضحلة جداً يقولون (تمير فاز على سدير)، ومنهم من قال (تمير فاز على سدير ذهاباً وإياباً)، يقصد في رؤية هلال رمضان وهلال العيد، مخاطباً جمهور رؤية الهلال بطريقة كروية لا تخلو من الطرافة ولا تخلو من الجهل بأن تمير هي إحدى مدن منطقة سدير أو إقليم سدير شأنه في ذلك شأن حوطة سدير وهي الطرف الثاني في التسابق على رؤية الهلال، (إذا صح لنا أن نسميها منافسة، وهي في واقع الأمر مهمة وطنية تتمثل في تحري رؤية الهلال).

أولاً، نحمد الله أننا في بلد أمين يقيم حدود الله ويطبق شرعه ودستوره القرآن الكريم ويتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الصوم لرؤية الهلال والفطر لرؤيته، وتدعو محكمته العليا إلى تحري رؤية الهلال من الجميع، لكن منطقة سدير سخرت الإمكانات اللازمة لترائي الهلال، وبدأ ذلك في حوطة سدير إحدى مدن منطقة سدير، ثم قامت مدينة أخرى من مدن سدير هي تمير بتخصيص منطقة للترائي والهدف هو التأكد والاستجابة لدعوة المحكمة العليا وليس التسابق أو التنافس والفوز أو الهزيمة، وحتى لو تم توظيف هذا الاجتهاد إعلامياً كتسابق وتنافس، فإن من الجهل (الذي يحتاج إلى توعية وتأهيل) أن يقول مراسل إن تمير فاز على سدير (اثنين صفر)، ويقول آخر إن سدير فاز في المجموع على تمير (ستة اثنين)، فهنا إيهام بجهل أن تمير غير سدير وهذا يؤثر على قطاع كبير من النشء من جمهور المتابعين.

سدير اسم قديم جداً لإقليم من أقاليم منطقة نجد يقع إلى الشمال من مدينة الرياض في شبه الجزيرة العربية، ويبعد عن مدينة الرياض بنحو 180 كم، وتتبع لإقليم أو منطقة سدير عدة مدن وقرى وهجر، نذكر منها حسب الحروف كل من: التويم والمجمعة ورويضة سدير والغاط وحوطة سدير وروضة سدير وحرمة وجلاجل وعشيرة سدير والخطامة ومقبلة وعودة سدير والعطار وجنوبية سدير والجنيفي والشارخية والداخلة وحائر سدير والمعشبة والحصون وتمير وجوي، وتضاف عبارة (سدير) لبعض مدنها التي لأسمائها تشابه مثل: الحوطة والروضة والحائر.

ولقد مررنا بمواقف مخجلة خاصة من قبل معلقين رياضيين ومقدمي برامج رياضية، فأذكر أنه عندما صعد نادي الفيصلي لدوري الأضواء كان بعض المعلقين ينطق اسم حَرْمه بكسر الحاء وبعضهم بضم الحاء (حِرمه) و(حُرمه)، وكأنها (امرأة) وكنت أتواصل مع أصدقائي من حرمة خاصة الدكتور عبدالله بن زامل الدريس عضو الشورى -رحمه الله-، والزميل إدريس الدريس لتصحيح الاسم للمعلق ومقدم البرنامج، وأذكر أن إدريس قال لي إن مراسل الجزيرة بجانب المعلق وسوف أبلغه ليصحح الاسم لكن المعلق لم يفعل، والأمر نفسه حدث لنادي المجزل من تمير سدير فكانوا ينطقونه بألفاظ خاطئة، ومجمل القول إن المعلق والمراسل ومقدم البرنامج في حاجة ماسة لإعادة التأهيل وتعريفهم بالمناطق والمدن والقرى والهجر وتوزيعها جغرافياً وتنظيمياً ونطقاً للأسماء الصحيحة، وختاماً أؤكد على أن تمير من سدير يا جماهير الهلال!.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 11 شوال 1446هـ 9 إبريل 2025م

مقدمو البرامج و(تاكسي) المطار القديم

قديما كنا نطالب بتنظيم عمل سيارات الأجرة التي تستقبل القادم لمطاراتنا لأن سيارة الأجرة وسلوك سائقها يعكسان صورة أولية للقادم إلى وطننا الغالي ونسميها الانطباع الأول، وقد تم علاج هذه الصورة ولله الحمد، والآن أرى أن مقدمي البرامج في المحطات الفضائية التي تمثلنا يجب أن يعاد تقييمهم وفحص تأهيلهم لأنهم يمثلوننا (شئنا أم أبينا) وتعكس إجادتهم أو زلتهم صورة عنا للمشاهد في أنحاء العالم وهي صورة أوسع وأسرع انتشارا من صورة سائق (تاكسي) المطار.

لن أبدأ بمقدمي البرامج الرياضية فهؤلاء بعضهم تعدت سقطاته و(تهريجه) مرحلة التشويه إلى مرحلة عدم (التشريه) أي لم يعد المشاهد (يشره) عليه وعرف أنه حالة خاصة لا يمكن أن يقاس عليها فلا يعتمدها المشاهد كحالة تشوهنا بل لا تشوه إلا نفسها، وبعضهم أصبحوا تجار (مايك) يتبعون من يدفع أكثر شأنهم شأن (مشاهير الفلس) في إعلاناتهم ومن يبيع المهنية بالمال يسهل كشفه ولو حاول الاختفاء، إذا فهذا البعض من مقدمي البرامج الرياضية تأثيرهم في الصورة العامة أقل من تأثير سائق سيارة (تاكسي) غير سوي أو سيارته (خردة) قديمة متسخة تلوث البيئة، وإن كنا نتمنى أن يشملهم الإصلاح ومراجعة الأهلية المهنية.

الأهم هم مقدمو البرامج الحوارية والبرامج التي تتناول الشأن العام أو الشأن الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الصحي أو السياسي أو حتى التاريخي فهؤلاء إن أبدوا مهنية وسعة إطلاع وسرعة بديهة فإنهم فخر لنا، وإن بدا منهم سؤال ساذج أو عدم مهنية أو ضحالة فكر أو جهل بالضيف أو بموضوع الحوار فإنهم يسيئون لنا، ولذا يجب عدم ترك أمر تقديم البرامج لقنوات محسوبة علينا دون إعادة تقييم للمقدم وسن عناصر دقيقة لترخيص محاور أو مقدم برنامج شأن عام أو سياسي أو اقتصادي أو صحي واجتماعي وخلافه، وأضعف الإيمان أن نبدأ بإعادة تأهيل مقدمي البرامج.

لست هنا لأضع مواصفات للمقدم المهني، لكن من السهل القول إنه ليس من المهنية أن يبدي المحاور رأيه الشخصي (وهو غير متخصص) في موضوع خلاف بين متخصصين وما عليه إلا السؤال فقط ونقل وجهة النظر المتخصصة وانتظار الرد دون أن يؤيده برأيه هو أو يعارضه برأيه هو، فالموضوع علمي دقيق تخصصي، وليس من المهنية أن يسمع المحاور إفادة مسؤول عن حقيقة علمية ثابته ومثبتة من الجهة المختصة ثم يبالغ في مجادلته بطرح رأي غير مثبت لصاحب مصلحة، مما يربك المشاهد فيشك في حقائق علمية أو صحية ثابتة.

خاتمة القول (في رأيي الشخصي) أننا عانينا كثيرا من دعوة وتواجد مراسلين غير مؤهلين في بعض المؤتمرات الصحفية وطرحهم لأسئلة بعضها ينم عن جهل أو سطحية مما يعكس صورة مشوهة وعلينا أن نتلافى تكرار ذلك في البرامج الحوارية حتى تكتمل الصورة للأحسن.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 26 رمضان 1446هـ 26 مارس 2025م

طفيلي يهدد بتهمة التحرش

ضمن إجراءات الحزم التي نعمنا بها مؤخراً يأتي إجراء مكافحة التحرش كواحدة من خطوات الردع الفاعلة التي آتت أكلها، فأصبح كل قليل أدب أو قليلة أدب لم يحسن أهلهم تربيتهم يحسب ألف حساب قبل أن يقدم أو تقدم على أي فعل يعتدي على كرامة وعرض الآخر لا باللمس ولا بالهمس ولا بالقول ولا حتى بالتلميح برسالة أو التلويح بإشارة، بل أصبح المستهتر أو المستهترة مهما قل حياؤه لا يجرؤ على فعل يخدش الحياء أو يتعارض مع الآداب العامة والقيم والتعاليم الدينية والسلوك القويم.

وفي ظني أن مكافحة التحرش تأتي مع مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في أعلى سلم الإجراءات ذات المردود الكبير على المجتمع والوطن في شكل إصلاح فعال شامل غير مسبوق، نتائجه واضحة وتأثيره جلي، وجميع إجراءات المكافحة الرادعة تتوخى التثبت والدقة والعدل، لذا فمن غير اللائق ولا المنطقي أن يأتي من يبالغ في الحذر والتحذير والتخويف أو التهديد بتهمة التحرش اتقاء لشر لم يكن ليحدث، فقد لاحظت في أكثر من حادثة اختلافاً أو خلافاً بين رجل وامرأة تجارياً أو في حادثة تصادم أو تنازع على موقف سيارة من يتطفل ناصحاً ومحذراً بالقول (اتركها فقد تتهمك بالتحرش!!) وهذا فهم عقيم جاهل وتدخل أقل ما يقال عنه إنه سخيف وينشر مفهوماً خاطئاً، فلا المرأة بهذا الظلم والفجور في الخصومة لتتهم كل من نازعها حقه بالتحرش ولا النظام يسمح لها بهذا الظلم دون تثبت وعقوبة رد اعتبار وبلاغ كاذب تندم عليه، وهذا ما يجب التوعية به إعلامياً عبر كل الوسائل، وعلينا ككتاب رأي وعلى المتخصصين في القانون التركيز على التوعية بهذه الأمور.

كنت في أحد أسواق الديرة وشهدت خلافاً بين كهل أقرب للمشيب مع امرأة حول موقف سيارة تنازعا عليه، وكان الشايب قد سبقها إليه وانتظر طويلاً خروج من كان فيه (حسب إفادة حارس الأمن) وكانت هي تريد الدخول بسيارتها قبله، لكنه سبقها إليه فثار النزاع ليتدخل (ملقوف) بأعلى صوته ناصحاً أمام الجميع يردد (يا رجال طلع سيارتك لا تتهمك بالتحرش وتروح فيها) فلا المرأة كانت تفكر في هذا الأمر ولا النظام سيمكنها من ظلمه، لكن صاحبنا أراد أن يروج لأمر خاطئ.

وشهدت حادثاً مرورياً طفيفاً بين سائق مركبة وسائقة مركبة مقيمة من بلد شقيق، وكان من الصعب تحديد نسبة الخطأ والمسؤولية وقبل أن يحضر مندوب (نجم) أراد متطفل أن يكون نجماً فأخذ يحذر الرجل بأن يميل إلى الصلح وأن لا يدخل معها في خلاف خوفاً من أن تتهمه بالتحرش، وما كانت المرأة لتفعل ذلك وما كان النظام ليقبل تهمة بلا دليل.

كان الشاب يبتز مراهقة بصورة لها يهددها بنشرها، وأصبح اليوم لا يجرؤ على فعل ذلك وكل ما على الفتاة إلا أن تبلغ عنه وسيعاقب على التهديد والابتزاز ولو نشر فسيعاقب عقوبة أشد ردعاً، وقد تبتز فتاة رجلاً بالتهديد بتهمة التحرش ولن يعاقب إلا من أخطأ وثبت عليه الاتهام، لذا علينا أن نقضي تماماً على المفاهيم الخاطئة ومنها إيهام الرجل بأنه قد يبتز بتهمة التحرش وتخويفه بذلك فلا خوف على من لم يرتكب مخالفة ولا جدوى لتهديد من لا يحمل الدليل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 19 رمضان 1446هـ 19 مارس 2025م

الملك سلمان هل كان يدون أحلامنا؟

مما رأيته من تطور سريع وإصلاحات عظيمة في جميع الاتجاهات في وطني، أحمد الله أن عشت لأراها تتحقق وقد كانت أحلامنا وأمنياتنا، أقول مما رأيت شعرت أن الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وهو القارئ المتابع المهتم الذي لا يفوته شيء مما يكتب أو يقال، كان يدون كل أمنيات وملاحظات ومقترحات أبناء هذا الوطن الغالي ونقدهم الهادف البناء ليتولى بحزم وعزم إجراء الإصلاحات بدءًا بالأهم، فبدأ بمربط الفرس وهو محاربة الفساد والذي إذا حورب بجد وعدم مجاملة ولا تهاون مع كائن من كان صلح الأمر كله.

ومن حسن حظ هذا البلد الأمين وعلامات توفيق الله له أن جعل الساعد الأيمن شاب ملهم قوي الهمة واسع الرؤية بعيد النظر هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فاجتمع العزم مع الحزم والهمة في التنفيذ مع إزالة لحجر العثرة أمام كل نجاح وهو الفساد.

الشواهد كثيرة والمشاهد يراها الأعمى ويسمعها من به صمم، فقد صلح كثير جدا من مواقع الخلل وبسرعة مذهلة، بل إن أمثلة القصور التي كنا نظنها عصية على التحسين أصبحت مثالا يستشهد به في تحقيق القفزات النوعية عالميا فلم تكن مجرد تحسن تدريجي أو بطيء بل تحول تام إلى القمة عالمياً وفي وقت وجيز، ولا تطلبْ مني أمثلة فالتطوير شامل وسريع وفي أحسن صورة، وشخصيًا أعزو كل إنجاز وطني عملاق وسريع إلى الجدية في محاربة الفساد وتعزيز النزاهة، كيف لا ومحاربة الفساد وتعزيز النزاهة هي من جعلت المقاول يعمل وهو لا يحسب حسابًا لطالب رشوة، والمنفذ ينفذ وهو يخشى تقصيرًا يتحمل عليه عقوبة لا يحجبها مرتشٍ، والمراقب يدون ملاحظاته بدقة وأمانة وحرص وإصرار خوفًا من تقصير يتبعه اتهام وتشهير.

كنت ومازلت شغوفًا جدًا بالأولويات؛ وكنت أرى أن من أولويات حقوق المرأة أن تستطيع المعلقة أن تقاضي من علقها وتجبره على الحضور لإنهاء معاناتها وإجراءات أولادها بعدل فتحقق ذلك بسرعة وكأحد أهم الأولويات وحصلت المعلقات على حقوقهن في وقت قياسي وبأقل جهد وأنهيت جل القضايا بالتقاضي عن بعد، وكنت أرى أن من أولويات حقوق المرأة أن تحصل المطلقة على ورقة الطلاق ونفقة الأطفال وتسجيلهم في المراكز الصحية والمدارس، وتحقق ذلك بضغطة زر جوال أو حاسوب وأنهيت معاناة طالت سنوات، وحصلت المعلقة والمطلقة والأرملة على حقوق ومميزات ما كن يحلمن بها، ثم عولجت البطالة بطرق جد حازمة حتى وصلت أرقام توظيف النساء والرجال وخفض البطالة خلال سنتين إلى أرقام لم نكن نحلم بها خلال عشر سنوات.

تمت معالجة جوانب الخلل الشديد في أمر الضمان الاجتماعي الذي كان يعاني من ذهاب جله لغير المستحقين وبيروقراطية تحرم المستحق الحقيقي فأصبح الضمان الاجتماعي يذهب للمستحق بيسر وسهولة وتثبت إلكتروني يسانده (حساب المواطن) و(حافز) و(تمهير) و(ريفي) و(نما) وغيرها من برامج وقنوات دعم محدودي الدخل ورواد الأعمال والمستثمرين.

تلك أمثلة لا ينكرها إلا جاحد، وليس فينا جاحد بحول الله، وليست قيادتنا -حفظها الله- في حاجة لمجاملة أو تزلف، لكن الرغد الذي نعيشه بفضل الله ثم بفضل قيادة حكيمة رحيمة منذ عهد المؤسس، طيب الله ثراه، وحتى هذه الأيام التي نحتفي فيها بالتأسيس يوجب علينا شكر الله أولاً ثم الامتنان لكل من ساهم في استمرار رغد العيش هذا والأمن والأمان وتحقيق أحلامنا.. وأكرر القول إن ما أراه يتحقق اليوم من إصلاحات شاملة يشعرني بأن الملك سلمان -أمد الله في عمره- كان يدون رغباتنا وملاحظاتنا وأمانينا ويحققها بسرعة مذهلة وأعمال بلا أقوال، ربنا لك الحمد.

نشر بجريدة الرياض  الأربعاء 5 رمضان 1446هـ 5 مارس 2025م

أعيدوا أطفالكم لأمهاتهم بقيمة الهياط

الواقع المرير أن كثيرا من الأمهات تخلين عن رعاية أطفالهن للعاملات المنزليات، ليس بسبب انشغال بوظيفة أو تجارة، فالعمل لم يكن قط سببا للتخلي عن تربية الطفل، بل إن أمر تخلي الأم عن العناية بطفلها وإرضاعه وإطعامه واحتضانه رائج لدى غير الموظفات ولا العاملات، وكأن الأمر برمته تكاسل وتخلٍ عن دور أساس ومهم وله نتائجه وآثاره السلبية التي سنأتي على ضرورة بحثها ودراستها علميا في الجامعات ومراكز الأبحاث حتى لا نتفاجأ بآثارها على المجتمع.

الحقيقة التي لا تحتاج لا لدراسة ولا لبحث هو أن الأم بما لديها من مشاعر وأحاسيس وتنبؤات صادقة وحنان ودفء أحضان هي الشخص الأنسب لتربية طفلها ومراقبته وتغذيته وتطبيعه ومخاطبته واستشعار حاجاته وفهم مشاعره، وقبل هذا وذاك الاستمتاع بكل لحظات معايشته وحركاته وتصرفاته ونظراته وضحكاته وحتى بكائه ومحاولته للنطق والمشي ثم الارتماء في الحضن، ويشاركها الأب في كثير مما سبق باستثناء ما خصها الله به فسيولوجيا من وظائف كالرضاعة أو دقة في المشاعر والإحساس بما يريد، بل تصل حد الإحساس بما يحيط به من خطر قبل وقوعه وعند حدوثه حتى لو لم تره، وهذا أمر وضعه الخالق الحكيم العليم في الأم، ليس في البشر فحسب بل في كثير من الحيوانات الثديية، فقد أشارت كثير من دراسات قياس المشاعر أن أنثى الأرنب تنتفض وتتحرك مؤشرات قياس تفاعلها العاطفي عندما يذبح صغيرها في مختبر بعيدا عنها، ولم أجرؤ شخصيا على إجراء التجربة في مختبري بكلية الصيدلة رغم توفر الإمكانات، لكن أستاذي البرفيسور الشهير محمد إسماعيل حامد أكد ذلك، كما أن أهل الخبرة في رعاية الإبل أكدوا أن الناقة تشعر بما يحدث لحوارها (ولدها) ولهم في ذلك قصص عجيبة.

الأمر الذي يحتاج لدراسة اجتماعية شاملة وعميقة ودقيقة من قبل جامعاتنا ومراكز البحث لدينا وهي كثيرة، هو هل لتخلي بعض الأمهات عن رعاية أطفالهن وإيكالها للعاملة دور في سهولة تخلي المرأة عن أطفالها عند الخلع أو الطلاق وهو ما يحدث في كثير من الحالات هذه الأيام، فقد كانت الأم في السابق تتنازل عن الكثير من حقوقها عند الانفصال مقابل أن تحتضن الأطفال ولا تحرم منهم، بينما شهدنا كثيرا من أمثلة تخلي أم شابة عن طفل أو طفلة أو أكثر لزوجها بعد الطلاق وهو ما سيدفع ثمنه الطفل المحروم.

كما تجب دراسة وبحث آثار ترك رعاية الأطفال للعاملة المنزلية على مشاعر الأطفال نحو أمهاتهم لاحقا وبرهم بها بعد أن يشبوا، وهل لعدم الالتصاق العاطفي للطفل بوالدته دور في مشاعره المستقبلية؟ وقياس آثار إيكال رعاية الطفل للعاملة على سلوكياته ونطقه ولغته ونموه وصحته ومواقفه بعد الكبر.

الغريب أن كثيرا من أطفال الجيل الحالي استخدموا كوسيلة للهياط والمظاهر قبل أن يخلقوا، فحفلات الزواج فيها الكثير من البذخ ثم احتفال بالحمل واحتفال بالولادة وتحديد يوم استقبال للتهنئة بالولادة في أجنحة فندقية بطريقة مبالغ فيها في حجم الكعكة والزهور المكلفة والتصوير والزينات، وكل تكاليف ذلك الهياط لا يصرف عشرها على التفرغ لرعاية الأمومة الحقة للمولود الذي يقبع في ركن الجناح الفخم في حضن عاملة وينتهي به الأمر في حضنها وتربيتها واهتمامها، بالرغم من انتشار الكثير من مقاطع تعنيف العاملات لرضع وأطفال كل ذنبهم أن أمهم تقلد صديقتها في التخلي عن أمومتها.

نشر بجريدة الرياض يوم الخميس 21 شعبان 1446هـ 20 فبراير 2025م

عبدالرحمن العياضي.. قلبه توقف ونبضه مستمر

دعوني أبدأ بتعزية وتذكير والدته وزوجته منيرة بنت عبدالعزيز الربيعة وأبنائه عبدالله وسعود وعبدالعزيز ومحمد وابنته الوحيدة نورة وشقيقه الأستاذ صالح وإخوانه إبراهيم وسعود أبناء عبدالله البابطين وأخواته وجميع أقربائه، فأقول صحيح أن الفقد بالموت المفاجئ بتوقف القلب لحبيب نام صحيحا أمر صادم محزن، لكن تذكروا أن هذه الميتة السهلة رحمة من أرحم الراحمين أنزلها على عبده لتخرج روحه دون معاناة، وهذه دعوة ندعو بها جميعا فنقول بلهجة أهل سدير: (اللهم من حيلي إلى قبري، اللهم لا تبحلني ولا تبحل بي)، أي اللهم لا تنزل بي مشقة ترهقني قبل الموت ولا تجعلني أرهق أحدا أو أشق عليه وسهل موتي، وهذه نعمة عظيمة وكلنا سنموت ويبقى الذكر الحسن والصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو، وكل هذه الأشياء مستمرة لفقيدنا اللواء عبدالرحمن بن عبدالله العياضي فلا تحزنوا.

اللواء المتقاعد عبدالرحمن بن عبدالله العياضي قائد سلاح الإشارة بالحرس الوطني سابقا، توقف قلبه فجأة وهو في نزهة برية قرب حائل، توقف قلبه عن الحركة لكن نبضه الوطني مازال يدق في أرجاء الوطن بقوة، كيف لا وهو من سخر إبداعه التقني وتخصصه الهندسي وعلمه في شكل تطوير سريع ومذهل لسلاح الإشارة بالحرس الوطني شمل أهم عناصر التطوير ومنها تسخير أحدث ما وصلت إليه التقنية وأكثرها أمنا من الاختراق، وتدريب الإنسان لاستغلالها أدق استغلال يخدم وطنا لا نوفيه جميعا حقه مهما عملنا لكننا نحاول.

عرفت اللواء عبدالرحمن العياضي زميلا في الحرس الوطني ذاع صيته فأصبحنا نتشرف برؤيته وهو يزور الشؤون الصحية بالحرس الوطني، هذا قبل أن أعرفه واحدا من رجالات مدينتي جلاجل وأحد أقربائي بالمصاهرة، فقد كانت شهرته كمهندس وعسكري تسبق معرفته كقريب أو ابن ديرة وذلك لما ذاع من صيته في اتقان عمله وإبداعه في مجاله وانجازاته كقائد عسكري.

تشرفت بلقائه كثيرا، لكن أمتع لقاء جمعني به عندما شرفت بصحبته في سيارتي عائدين من مزرعة شقيق زوجته معالي الدكتور عبدالله الربيعة في ملهم، فقد كنا في دعوة عشاء من معاليه فيها أبناء الشيخ عبدالعزيز الربيعة (رحمه الله) وأبناء الشيخ فوزان الربيعة، ومجلس أسرة الربيعة لا يمل، وعندما طال بنا الليل وقررت أن أعود قال لي (رحمه الله): “أجل بخاويك لأن بيتي قريب من بيتك”، فكانت أسعد بشرى، وانطلقنا وأنا اتعمد البطء في القيادة لاستمتع بحديث شيق عن الصرح المبارك الذي جمعنا، عرين الأسود، معقل الإنجازات والمبادرات، الحرس الوطني، هو يحدثني عن سلاح الإشارة وأنا أحدثه عن مركز إنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب الذي كنت رئيسه التنفيذي.

يقول الدكتور عبدالله الربيعة عن زوج أخته اللواء العياضي: إنه كان مثالا للشاب العصامي فقد شب يتيما بعد وفاة والده وهو صغير فواصل دراسته حتى حصل على الشهادة الثانوية وكان شغوفا بالأعمال التقنية خاصة الهندسية وتحديدا شبكات الاتصال والتلفزة، ثم التحق بالحرس الوطني كضابط صف وعمل فنيا خاصا في سلاح الإشارة وحصل على العديد من الدورات وشهادات الدبلوم في مجال الاتصالات خاصة اللاسلكية، وبرع في هذا المجال، ثم ابتعثه الحرس الوطني لدراسة البكالوريوس في الولايات المتحدة الأمريكية وركز في هذه التخصصات مع حرص على اكتساب اللغة، وعاد ليتدرج في الرتب العسكرية وقائدا لسلاح الإشارة فأدخل تطويرا ملحوظا في التقنية والتدريب والتطوير حتى وصل لرتبة لواء ثم تقاعد.

وقال عنه الدكتور سعد بن إبراهيم الخلف في مقال رائع نشره في صحيفة الجزيرة في 1 شعبان 1446 بعنوان (عبدالرحمن العياضي عاش هادئا ورحل هانئا) قال: الذي أذهلني، وبقي مضيئاً في ذاكرتي، مسلكه الإداري المتميز داخل مكتبه، ومع فريق عمله، حيث وجدت قائدًا فذاً، يجمع الحزم والصرامة والجدية واللطافة والأدب والهدوء، ويواصل د. سعد في مقاله فيقول: حدثني ابن العم العميد ماجد بن محمد القديري، الذي عمل معه في سلاح الإشارة، بأن الشغل الشاغل لأبي عبدالله -رحمه الله- كان في بناء قدرات زملائه، وتدريبهم وتعليمهم؛ ليمتلكوا المهارات العملية لأداء مهماتهم الفنية، باقتدار وكفاءة عالية؛ لنفع بلدنا العظيم، ولم يكن يحابي أو يجامل أحدًا على حساب أحد.

تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته..

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 13 شعبان 1446هـ 12 فبراير 2025م