الشهر: جويلية 2025

النظرة الشرعية أصبحت شارعية

حتى اليوم لم يقم أساتذة علم الاجتماع وأقسام علم الاجتماع في جامعاتنا بدورهم في بحث أسباب عزوف الشبان والشابات عن الزواج، ذلك أن الأبحاث والدراسات في جامعاتنا مازالت أهدافها أنانية تهدف للترقية الأكاديمية فقط، لذا فهي سطحية جداً وغير متعمقة، ولا تتناول مشكلاتنا الاجتماعية ولا الصحية ولا الاقتصادية بشمولية وأمانة وعمق، رغم أن الدولة -أعزها الله- شجعت هذا الجانب وتدعمه بجوائز الأبحاث، وحتى معوقات الزواج ذللتها، كما سوف أورد في هذا المقال، ولكن ثمة أسباب للعزوف لم نعرفها بعد، وتحتاج لدراسة وبحث عميقين.

الوطن بكافة مؤسساته الحكومية والخيرية والخاصة يشجع على الزواج بتذليل صعوبات تملك السكن، وتنظيم مسارات وإجراءات الإيجار، والدعم المالي والعيني لراغبي الزواج، عبر برامج إعانة الزواج من الجمعية الخيرية للمساعدة على الزواج (تيسير الزواج)، وعبر صندوق الزواج التابع للضمان الاجتماعي أو عبر الجمعيات الأهلية تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وقرض الزواج من بنك التنمية الاجتماعية، وقروض ميسرة من بعض البنوك، إلى جانب الجمعيات الخيرية المتخصصة في الزواج، أي أن التوجه العام وطنياً يشجع على الزواج أكثر من أي وقت مضى، وأكثر بكثير مما مر على جيلنا مثلاً، وأعني جيل الثمانينات الميلادية، فلا عذر لجيل اليوم إلا ما قد تكشفه الدراسات والأبحاث التي أطالب بها.

في جيلنا (أواسط الثمانينات الميلادية) أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أمراً بصرف مبلغ خمسين ألف ريال لكل خريج جامعي إعانة على ظروف حياته بعد التخرج، ولا شك أن الزواج هو أهم ظروف حياة الشاب، وتم صرف المبلغ لكل خريج بعد عام 1400هـ، إلا أن اجتهاد أو تعنت مدير شؤون الموظفين في إحدى الجامعات آنذاك، جعله يقرر من نفسه أن من عيّن معيداً في الجامعة وحصل على بدل سكن لا يصرف له ذلك المبلغ أو يخصم منا ما استلمناه كبدل سكن، وفعلاً طبّق هو اجتهاده الذي لا أساس له، وحَرَمنا كمعيدين تخرَّجْنا بتفوق ومعدلات عالية مما حصل عليه زملاؤنا الذين تخرجوا بتقدير مقبول وتعينوا في جهات أخرى، (لم نسامح ذلك المدير أبداً فقد ظلمنا بتعنته)، أما جيل اليوم فإن القرارات والإعانات يصاحبها لوائح تنفيذ واضحة حاسمة لا تقبل أي اجتهادات حاسدة ولا خاطئة، فلا عذر أيضاً لجيل اليوم.

أيضاً في جيلنا (جيل أواسط الثمانينات) ومن قبلنا كانت النظرة الشرعية للمخطوبة شبه مستحيلة، بل كان الواحد منا لو تجرأ وذكر لوالد البنت على استحياء وخوف أمر النظرة الشرعية (كنا نسميها الشوفة الشرعية) -أقول لو ذكرها للأب- فإنه يقولها ويداه على خديه خوفاًَ من صفعة خاطفة، أما جيل اليوم فأمرهم سهل يسير، فقد تحولت النظرة الشرعية إلى نظرة شارعيّة، فبعضهن أو قلة منهن يمكنه أن يراها في السوق أو المقهى أو وهي تسير في الشارع، والغالبية العظمى ترحّب بالنظرة الشرعية في المنزل، بل تؤيدها، وتقيم له وليمة، فلا خوف عند طلبها ولا حاجة لوضع اليد على الخد، فلا عذر لهذا الجيل.

لا عذر أيضاً لجامعاتنا في عدم بحث الأسباب الحقيقية لعزوف الشبان والشابات عن الزواج، وأقترح أن نحدد الأبحاث التي يجب على الأستاذ الجامعي عملها بناء على احتياجات المجتمع، ونشدد الرقابة على مسار البحث لنضمن صدق النتائج، وأن تكون الأبحاث وطنية خالصة لا دور فيها لمساعدة باحث أجنبي، فما حك جلدك مثل ظفرك، وما شخّص مشكلاتك مثل بحثك، فتولّ أنت كل أمرك.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 28 محرم 1447هـ 23 يوليو 2025م

لا تكسر مجاديف المستهلك فأنت مستهلك آخر

النصيحة التي أحرص دوماً على توجيهها لبعض الشباب والشابات من ملاك أو موظفي المتاجر أو الشركات الخدمية أو وكالات السيارات بل وحتى البنوك هي أن لا يبالغ في الدفاع المستميت عن المتجر أو الشركة أو الوكالة أمام المستهلك أو أمام جهات حماية المستهلك، فيحرمه من حقه الواضح الصريح في ضمان أو استرجاع أو صيانة جهاز؛ بهدف أن يثبت ولاءه لمكان عمله أو حتى متجره، لأنك وببساطة أنت في هذا الموقف موظف أو حكم أو صاحب قرار، لكنك في موقف آخر ستكون المستهلك وصاحب القرار غيرك أو خصمك وستطالب بحقك وتستنجد بحماية المستهلك، فالمالك أو الموظف المسؤول في قطاع هو مستهلك في قطاع آخر.

غني عن القول إن أداء الأمانة والتعامل بعدل وإنصاف هو مطلب ديني وأخلاقي قبل كل شيئ، وبعيدًا عن أي اعتبار ومقدم على كل ظرف أو حال، لكن ما أحرص دومًا على التذكير به كناشط في مجال حماية المستهلك وأحد مؤسسي جمعية حماية المستهلك الأهلية هو أن لا يغضب منا صاحب المتجر أو الشركة الخدمية أو الوكالة عندما نقف في صف المستهلك أو العميل، ذلك أنك كموظف شركة أو مالك محل يجب أن تتذكر أنك في مناسبة أخرى عميل أو مستهلك وستحتاج لتلك الحماية أو الموقف من قبل الجمعية أو أقسام وزارة التجارة، لذا يجب عليك أن تقف في صف حقوق المستهلك أو العميل الذي يشتكيك مثلما أنك تريد أن تحصل على حقوقك كعميل أو مستهلك لسلعة ظلمك تاجرها أو خدمة حرمتك الشركة الأخرى منها.

أقول لهم دومًا: يا موظف وكالة السيارات المنحاز للوكالة التي وظفتك ضد مالك السيارة، أنت عميل أمام وكالة الثلاجة أو التلفاز أو الغسالة! ويا موظف وكالة الجهاز الكهربي أنت عميل أمام موظف وكالة السيارات! وهكذا يكون موظف الشركة الخدمية أمام موظف شركة التأمين الذي حرمه من حقه أو خفض تعويضه، وعلى هذا الأساس فإن اتخاذ موقف إيجابي مع الناشط في مجال حماية المستهلك أو موظف حماية المستهلك وتشجيع الحماية مطلب عام يجب أن نسعى جميعًا إلى تشجيعه وترسيخ مبادئه والوقوف إلى جانب كل ما يحقق إنصاف المستحق وبيسر وسرعة وسهولة، ويكون ذلك لسببين: أحدهما لأن الموظف اليوم مستهلك غدًا (وإن كان في ذلك ضرب من ضروب الأنا وحب الذات ولكن على الحق)، والثاني أن تعاليم الدين الحنيف والقيم والأخلاق تأمر بإنصاف صاحب الحق ولو على حساب نفسك، (اللهم إنا نعوذ بك من أن نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا أو أن نجور أو يجار علينا)، والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 21 محرم 1447هـ 16 يوليو 2025م

شهادة رونالدو في مملكة الإنسانية لا تشوهوها بتعصبكم

شهادة أشهر رمز رياضي عالميا والأكثر متابعة على جميع مواقع التواصل الاجتماعي كرستيانو رونالدو في السعودية العظمى، هي شهادة كريم (نسأل الله أن ينطقه الشهادة مسلما)، وهو يشهد لوطن يستاهل (نسأل الله أن يخرس أعداءه)، وشهادته قوة ناعمة علينا جميعا استغلالها إعلاميا كما يجب وبعيدا عن التعصب الكروي وبما يخدم الأهداف الوطنية المرسومة لمشروعنا الترويجي الترويحي الذي من أجله استقطب هذا المحبوب عالميا في مجاله، وهذا بطبيعة الحال إضافة لتميزنا عالميا في خدمة ضيوف الرحمن وخدمة الإسلام والسلام والخدمات الإنسانية سياسيا وصحيا واقتصاديا وإغاثيا وبيئيا والذي بناء عليه أطلقت على وطني وبفخر عبارة (السعودية مملكة الإنسانية).

قال كرستيانو رونالدو إنني وجميع أفراد أسرتي في السعودية نشعر بأمان ليس له مثيل وأنني برتغالي لكنني أنتمي للسعودية، وقال أنتم تملكون بلدا رائعا وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أهم شخصية مؤثرة وهو خلف التطوير والتغيير في السعودية، وبلدكم بلد الأمان والسلام، ولذلك أنا وعائلتي سعيدون بالعيش على أرضها، وتنبأ واثقا بأن كأس العالم في السعودية سيكون الأجمل على الإطلاق، وأن السعودية تطورت بشكل سريع، وتحدث عن المشروع السعودي الطموح والرؤية التي يقودها ولي العهد بحكمة وشغف، وردا على من استغربوا قدومه للسعودية وسعادته فيها قال: عليهم أن يأتوا ويروا بأنفسهم ما رأيت ثم يحكموا، فلو لم أجد الراحة والأمان أنا وأسرتي لما قضيت الصيف في البحر الأحمر حيث أنا الآن.

كل ما ذكره عنا هذا الأسطورة الكروية واسع الشهرة والمتابعة صحيح ويمكن القول إننا لا نحتاج لمزيد ثناء وامتنان بعد شهادات متتالية من ضيوف الرحمن أولا ثم قيادات سياسية واقتصادية وصحية وبيئية وحقوقية، وفي مواقف وأزمات عالمية أبرزها موقف هذا الوطن مع مواطنيه والمقيمين فيه وحتى المخالفين خلال كارثة (كورونا) وغيرها من مواقف يصعب حصرها في مقال محدود الكلمات.

قد يقول قائل (لأي سبب في نفسه) إننا لسنا في حاجة لتلك الشهادة، لكنه ينسى أو يتناسى أننا في حاجة لانتشارها، فالرجل أرقام متابعيه ومحبيه في المعمورة مليارية الأرقام ونحن في حاجة للوصول إلى تلك الشريحة من الناس الذين صعب علينا الوصول لهم، خاصة في زمن مضى كان فيه إعلامنا الخارجي يفتقد لآلية الوصول لشرائح متعددة من البشر، ومن الذكاء بل من حق الوطن علينا أن نفخر بإنجازاته، ونشهد له ونستشهد الناس له ونعمل على نشر تلك الشهادات، ليس فقط لأن بعض الحساد والحاقدين يحاولون جاهدين رمي أشجارنا المثمرة بحجارة طينية تتفتت قبل أن تلامس ثمارنا، ولكن لأن على قافلتنا الإعلامية أن تسير بسرعة وفي الاتجاه الصحيح لتصحيح الكثير من مفاهيم خاطئة قد تكون تسربت لبعض الأذهان التي لم تجد من يصوبها، لذلك فإننا عندما نجحنا في فصل التوءم البولندي وتحمل كافة تكاليف العملية المرهقة تقنيا وفنيا وماليا في زمن ليس ببعيد من أحداث 11 سبتمبر التي حاول الإعلام المعادي استغلال (جنسيات) بعض من نفذوها، رأيت وأنا المسؤول عن العملية إعلاميا أن شعار العملية يجب أن يشير إلى إنسانية المملكة العربية السعودية التي شملت المسلم وغير المسلم والعربي وغير العربي فاستبدلت الشعار التقليدي لطبيب يحمل التوائم الثمانية الذين سبقوا التوءم البولندي داريا وأولغا بلوحة تحمل عبارة (السعودية مملكة الإنسانية) (Saudi Arabia Kingdom Of Humanity)، وطلبت من المصمم تكبير العبارة الإنجليزية في اللوحة؛ لأننا نخاطب العالم ورجوت الزملاء مصوري الحرس الوطني (وهم شباب عسكريون أفذاذ ولديهم شغف ووطنية عالية) رجوتهم أثناء تصوير المؤتمرات الصحفية وأي لقطات للعملية أن يركزوا على ذلك الشعار وفعلوا ووصلت الرسالة ولا تزال تصل عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وجميع إسهامات المملكة الإغاثية.

وبنفس الطريقة والحرص فإن مقطع الفيديو القصير الذي تحدث فيه كرستيانو رونالدو عن المملكة وأنتجته شركة نادي النصر السعودي يجب التعامل معه ومع كريستيانو بطريقة وطنية مخلصة خالية من التعصب وضيق النظر بل فقدان البصيرة قبل البصر الذي يتلفه الميول فيتم تفويت الفرصة الوطنية بسبب عقول متحجرة تستهدف قميصه كلاعب وتفوت علينا صيته كمؤثر، وهنا نحن لا نطالب بمعاملة خاصة له كلاعب ولا تدليل فريقه من أجله، ولكن لا تعامله معاملة خاصة ظالمة لأنه خصم لفريق تحبه فتستفز محبيه وتشوه الصورة التي نقلها مخلصا، وبالمناسبة فإن غيره من اللاعبين الذين استقطبناهم لم يتحدثوا بنفس الامتنان والولاء والحب للبلد وأهله كما تحدث هو، بل إن بعضهم تعمد السخرية والجحود والإساءة سواء منهم من ما زال موجودا ينعم بخير هذا الوطن أو من تنكر بعد أن رحل، وهنا فرق كبير لا يتجاهله إلا متعصب غافل أو مغفل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 14 محرم 1447هـ 9 يوليو 2025م

الضمان أصبح خدعة ترويجية يجب وقفها

ضمان الأجهزة والأدوات وحتى مواد السباكة وعمليات الترميم والبناء أصبح خدعة ترويجية يتم بواسطتها إغراء المستهلك للشراء بسعر عالٍ، يراهن على أن العميل لن يستطيع الاستفادة من عبارة الضمان، ولن يمكنه حتى تذكر تاريخ بداية أو نهاية ضمان طويل لقطعة استهلاكية طويلة الأمد وعرضة للتلف الذي يسهل الالتفاف عليه إما بضياع الفاتورة أو تلفها لأنها حرارية الطباعة أو اختراع مبرر لتلف الجهاز أو الأداة أو العملية المنفذة، وهذا الإغراء للمستهلك يجب التشدد في توثيقه أو وقفه لأنه تجاوز الحدود المعقولة وتنوعت صوره التي سوف أتطرق في هذا المقال لأكثرها عجباً وغرابة وتحايلاً.

بدأت ملاحظتي لهذا السلوك التجاري الغريب عندما وجدت أن بعض محلات الأدوات الكهربية تغريك بأن بعض فوانيس الضوء مضمونة مدى الحياة، بمعنى أن بإمكانك استبدال التالف منها عندما تحترق ويقصدون الفانوس أو ما يسمى بالعامية ذات الأصل الإنجليزي (اللمبة)، وعندما تسأل عن مستند الضمان أو الاستبدال لتلك (اللمبة) المضمونة مدى الحياة، يقول لك أحضر التالف للمحل ونستبدله، ولكن المحل نفسه من الصغر بحيث لا يمكن (ضمان) استمراره لأكثر من ثلاث سنوات ثم ينتقل أو يغلق أو يباع ويتغير اسمه وصاحبه، وعموماً كانت تلك خدعة يمكن أن يتخادع لها من لا يهمه الأمر كثيراً.

وشبيه لهذه الخدعة ما تمارسه محلات أدوات السباكة حينما يقول لك البائع: هذا الخلاط صيني الصنع ضمانه سنتين، أما هذا النوع الثاني فهو ألماني صنع في الصين وضمانه خمس سنوات، وجميعها ضمان المحل وليس شركة معروفة لها وكيل معروف!، وهنا فإن الزبون سيعمد لشراء الثاني بضعف السعر متأثراً بذلك الإغراء، في حين أن الحقيقة هي أنك دفعت ضعف السعر لخلاط صيني الصنع مشابه تماماً للأول وتعرضت للإغراء بخدعة سمعية ليس لها ما يوثقها.

أما الأكثر غرابة فهو ما قاله عامل بلاط يعرض ثمناً لتكلفة عمله يفوق غيره بأكثر من الضعف، قائلاً: إن عمله مضمون من التغير أو الهبوط لعشرين سنة!، حسناً، وأين أجدك يا الحبيب بعد خمس سنوات إذا فسد العمل؟! وكيف أطالب بحقي؟! علماً أن تأشيرة إقامته لا تزيد على سنتين وليس له لا عنوان ثابت وحتى هاتفه المحمول لا يمكن ضمان عدم تغييره، لكنها (موضة) الإغراء بالضمان أصبح كل يطبقها فيما يخصه.

محلات العود ودهن العود والعسل أعجبها نجاح تلك الخدعة التي تعتمد على انشغال الزبون أو قصر نفسه، فأصبحت تعلن عن أن منتجاتها إذا لم تعجبك فيمكنك إرجاعها بعد تجربتها، وهنا لا بد من ذكر أن أحد الأسواق المركزية يقول اشترِ من قسم الخضروات الحبحب (الجح) وإذا لم يعجبك طعمه أو لونه يمكنك إرجاعه! وهنا ثمة تباين في حاسة الذوق أو تحديد درجة اللون قد تسبب خلافاً في طعمه ولونه لا تحمد عقباه.

وإن كانت تلك الصور سالفة الذكر تصدر من محلات أو متاجر صغيرة غير موثوقة ولا موثقة الشروط والأحكام، ويمكن أن يلام فيها العميل أو المستهلك الذي يصدقها، فإن المتاجر والأسواق الشهيرة ذات الأسماء التجارية الأكثر ثباتاً تمارس إغراءً من نوع آخر لا يخلو من التفاف وتحايل، فهي تغري المستهلك بالحصول على ما يسمونه (ضمان المحل) بدفع مبلغ إضافي كبير على الفاتورة مقابل ترقية الضمان إلى ضمان المحل الذي يتميز فقط بتولي المتجر استلام السلعة في المحل بدلاً من الوكيل، وهنا يستغل المتجر معاناة المستهلك مع الوكلاء الذين ليس لهم مكاتب معروفة أو مكاتبهم بعيدة أو في مدن أخرى أو يماطلون في قبول الجهاز أو في مدة الإصلاح والاستلام، أما خلاف ذلك فإنه لا تميز يذكر، أي لا يعني (ضمان المحل) استبدال الجهاز فوراً أو رد القيمة للجهاز المضمون.

كل تلك الصور يمكن وقفها بقرار صارم حازم يعاقب من يستخدم ذلك الإغراء والتحايل تماماً مثل ما يطبق من عقوبات على من يغري بالإعلان عن تخفيضات وهمية أو غير حقيقية.

نشر بجريدة الرياض يوم الجمعة والسبت 10/9 محرم 1447هـ 5/4 يوليو 2025م

(مجسات) يا قلب العناء وتأمين يرفضني أنا

لم أقتنع قط بانتظار المستشفيات الخاصة للحصول على موافقة شركة التأمين الطبي على عمل إجراء طبي لمريض، ففي ذلك تأخير لتدخلات طبية ضرورية قد يجعل حالة المريض تسوء، خصوصا أن الموافقة تأتي من طبيب شركة التأمين المناوب وهو بالتأكيد لا يرقى لمستوى الطبيب الاستشاري في المستشفى الذي ينتظر موافقته، لكن يبدو أن بعض شركات التأمين أعجبها السكوت عن أمر هذه الموافقات وتمادت واستمرأت الأمر فأصبحت ترفض أكثر مما توافق، والأخطر أنهم يرفضون صرف (مجسات) إلكترونية تقنية ضرورية لمرضى القلب والسكر وهي جزء من العلاج!!

ليس ذنب المريض ولا الطبيب ولا المستشفى الخاص أن الطبيب غير الخبير ولا الممارس (الموظف لدى شركة التأمين) يجهل أهمية الجهاز الإلكتروني عالي التقنية (المجس) أو الحساس الذي يلصق بصدر المريض أو ساعده أو أي جزء من جسمه ليقيس مؤشرات حيوية مهمة ويحولها إلى المستشفى عبر جوال المريض أو يسجلها في الجوال ليطلع عليها الطبيب خلال فترة زمنية محددة أو يقيس معدلاتها كل ثلاثة أشهر، وبناء عليه يحدد خطة علاج المريض وأدويته ويطلع على مدى تجاوبه مع العلاج من عدمه، أي أن تلك المجسات والحساسات جزء أساس من العملية العلاجية فبعضها يقيس نبضات القلب وضغط الدم أو مستوى السكر في الدم ومعدل السكر التراكمي وبعضها يذهب إلى أبعد من ذلك فيسجل تخطيطا للقلب (ECG) وينبه لحالات الخفقان، أي أن هذا الجهاز الصغير يستطيع إعطاء الطبيب فكرة كاملة عن العلامات الحيوية للمريض (vital signs)، وأكثر من ذلك والمريض في بيته ويمارس حياته الطبيعية، ثم يأتيك موظف شركة التأمين ليرفض صرف الجهاز لجهل تام بأهميته، والإنسان عدو ما يجهل.

وعندما نقول (بعض شركات التأمين وليس كلها) فإن ذلك أوضح دليل على أن رفض شركة التأمين لصرف تلك الحساسات أو المجسات أو أجهزة القياس الإلكترونية نابع عن جهل الطبيب الذي باشر طلب موافقة الشركة على صرف المجس، فقام برفضه لأنه يجهل أن الجهاز الحساس أو المجس هو من أهم عناصر العملية العلاجية والتشخيصية، بل ربما أن طبيب الشركة جاء من مدرسة لم يصلها بعد التطور الطبي الذي وصلنا إليه في السعودية العظمى، لذا فإنني أؤكد دوما على أن انتظار موافقة شركة التأمين على الإجراء الطبي خطوة غير منطقية، خصوصا أن عقد التأمين يحدد الأمور المستثناة من مسؤولية شركة التأمين الطبي مثل عمليات التجميل لغير تشوهات الحوادث أو عمليات الأسنان غير العلاجية كالتبييض وخلافه، أما ما هو عنصر علاجي أساس في العملية العلاجية بقرار طبيب المستشفى المؤتمن على حياة المريض فلا يحق لأحد تأخيره ناهيك عن رفضه، وللمعلومية فإن بعض تلك المجسات (Sensors) تحتاج إلى استبدالها كل أسبوعين ويعاني مرضى القلب والضغط والسكر من رفض بعض شركات التأمين الطبي شمولها في التأمين، مع أنها غير مستثناة في بوليصة التأمين ولا يجب قبول أي استثناء لها فهي جزء من العلاج وأحيانا كل العلاج.. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 29 ذو الحجة 1446هـ 25 يونيو 2025م