اليوم: سبتمبر 21, 2025

التوعية بحقي في أن أنسدح

والتوعية التي أقصدها وأظن أننا أهملناها كثيرًا، ككتاب رأي ومؤسسات توعية وتنوير والإعلام بصفة عامة، هي التوعية بحق الآخر في كافة المجالات التي تمنحه حقًا لا يجوز لغيره أن يحرمه إياه، بدءًا من أشياء تبدو بسيطة وهي مهمة، مثل: حق الراكب أمامك في الطائرة أن يحني كرسيه للخلف بالمساحة المتاحة له، أي بالعامية (يسدح) ظهر مقعده لينام أو يستريح، فليس من حقك أن تمنعه وتدفع كرسيه أو تطرق على ظهره ليعدل وضعه إلا تكرمًا منه وقت تناول الطعام.

للوهلة الأولى يبدو هذا المثال ضعيف لكنه ليس كذلك، فحسب إفادة ملاحي الطائرات فإن الشجار في الطائرات يبدأ في كثير من الحالات بهذا السبب بين راكب قليل وعي يرى أن المساحة أمامه ملك له، وآخر أكثر وعياً يعلم أن مصمم الطائرة لم يتح له هذا الامتداد للخلف إلا لأنه حق من حقوقه ليستريح أثناء الرحلة، وأن هذا (السدح) للمقعد يتوالى إلى الخلف تماماً مثل تساقط حبوب (الضومنة) بمعنى أنني أنحني للخلف نحوك وأنت تنحني للخلف نحو من هو خلفك، وهكذا دواليك.

هذا المثال، الذي يبدو ضعيفاً، والواقع أنه سبب أم المعارك في الجو، يبقى بالنسبة لموضوعنا هنا مثالاً توضيحياً فقط لشكل من أشكال تجاهل حقوق الآخر بسبب ضعف التوعية، أما الأمثلة الأكثر تكراراً فتبدو في الطرقات وبين الجيران وفي مواقع العمل وفي صفوف المراجعات وانتظار الدور.

في الطريق وأثناء قيادة السيارة فإن من يغير المسارات دون إشارة ودون ترك مسافة كافية أكثر أشكال الاعتداء على حق الآخر في قيادة آمنة ويحتاج لرقابة صارمة وعقوبات شديدة لأن الفاعل ينجو بجلده بعد أن جلد كل من خلفه وتركهم في حالة من التصادم لا تحمد عقباها، أما الشكل الآخر فهو لقائد المركبة التي خلفك وأنت تنوي الانعطاف يمينًا لسلوك مخرج وتشعره بالإشارة على مسافة كافية لكنه لا يسمح لك ويزيد من سرعته ليمنعك من حقك في تغيير المسار رغم الإشارة الكافية، ومثل هذا فعلها معي ذات مرة ومنعني فعلاً من سلوك المخرج وعندما توقفنا في الزحام سألته مازحاً قلت (اعطيتك إشارة قبل مسافة كافية وأشعرتك أنني أريد الانعطاف ولم تفهم، فهل تريد مني أن أنزل لأقول لك لو سمحت أبغى ألف؟!!) فضحكت من كانت معه، ولعلي تسببت في مشكلة عائلية، فهو لا يريد منحها حقها في الضحك.

ومن الحقوق التي يجب التوعية بها حق الجار في الوقوف أمام باب منزله وعدم مضايقة الجار بوضع سلة المهملات أمام منزله وعدم إزعاج الجيران بالصوت ولا بالتشويه البصري، وفي مواقع العمل رأيت كثيراً ممن يسرق إنجازات غيره مستغلاً إما النفوذ أو الموقع الوظيفي الأعلى تاركاً صاحب الإنجاز والمبادرة في حالة إحباط، وهنا أهيب بالإعلام والمراسلين والكتاب التثبت من حقيقة صاحب الإنجاز وتوعية من يسرق أن كونه المدير لا يعني أن تسجل الجهود والإنجازات باسمه، أما في مواقع المراجعات وانتظار الدور فنحتاج إلى عمل كبير لتوعية المواطن والمقيم وليس التوعية فقط بل فرض وضع نظام وأرقام تمنع الإحراج، ولعل جيلاً سبقنا كان أكثر وعياً أو حقوقية، كانوا عند الخباز يضعون الفوطة أو الكيس أو الكرتون متتاليات كعلامة للدور ويبتعدون عن النساء والأطفال، وكل فوطته رقمه.

مجمل القول إن علينا أن نكثف التوعية بحقوق الآخر، فمن شأن ذلك أن تقل الخلافات والضغوط ويعم الهدوء ويسود الرقي في التعامل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 25 ربيع الأول 1447هـ 17 سبتمبر 2025م

الفوضى والإزعاج بالإنجليزي مباح

في قرية خيثرون في هولندا، تلك القرية السياحية الهادئة جدا والمشهورة بجداولها وقنواتها وقواربها الصغيرة، قام مجموعة من الشباب الناطقين بالإنجليزية بإحداث فوضى عارمة وإزعاج شديد، وأظن أنهم من تلك الدولة التي اشتهر جماهير كرة القدم فيها بإحداث الفوضى الموجبة للحيطة في مناسبات كرة القدم، لكن المناسبة ليست مباراة كرة قدم، بل سياحة هادئة جدا لا يسمع فيها غير حركة الماء وهمس السياح القادمين من كل مكان.

قام أولئك الفتية بأصناف المخالفات والإزعاج اللافت للنظر، بدأ بالتجاوز بقواربهم والاصطدام بالقوارب الأخرى وإخافة راكبيها ثم القفز من القوارب بصدور عارية في الماء ثم بتوسيخ الطريق أمام الناس في مشهد مقرف وممنوع.

بسماع الهمس الواضح منه التذمر والاستغراب تحدثت مع سيدة هولندية تملك منزلا تؤجره، وسبق أن سكناه فقالت إن هؤلاء قاموا البارحة بتوسيخ حديقة جارتي وترك بقايا طعام ونفايات في الحديقة ومازالت المسكينة تستأجر شركة نظافة لتنظيف ساحة وحديقة منزلها.

عجبا! كيف أن كل مشاهد ونتائج هذه الفوضى والإزعاج لا تلفت نظر الإعلام مثلما يحدث مع ما يسببه السياح العرب من لفت نظر، ولا يثير الرأي العام ومشاعر السكان مثلما يحدث ضد كل ما هو عربي، علما أن لفت النظر من السياح العرب (خاصة أهل الخليج العربي) يقتصر على استعراض السيارات ومظاهر الترف ولا يمس المشاعر ولا يشتمل على تشويه بصري أو إتلاف ممتلكات عامة ولا خاصة أو سلوكيات خادشة للآداب العامة، إلا ما ندر، ومع ذلك نجد تركيزا إعلاميا وتضخيما لكل ما هو عربي (عامة) وخليجي (خاصة) بما يثير الكراهية ضد العرب والخليجيين.

وكأن الفوضى والإزعاج بالإنجليزي أصبحت مباحة ومسموحة أو يغض عنها الطرف، بل أعتقد أن لنا دورا نحن في بعض إعلامنا العربي ومواقع التواصل، فنحن نجيد جلد الذات بسياط غير منصفة ولا عادلة وأحيانا ظالمة بقصد.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 18 ربيع الأول 1447هـ 10 سبتمبر 2025م

هدى الأحيدب أثبتت أمرًا ورحلت

ليس لأنها ابنة عمي ويحق لي أن أنعاها وأذكر مناقبها، ولكن لأنها أثبتت أمرا اختلف عليه كثيرون؛ وهو أن المرأة السعودية يصعب أن تجمع بين دورها كزوجة وأم ومربية أجيال وموظفة في نفس الوقت، أو أن تجمع بين العلوم الحديثة والعلم الشرعي، أو أن تصل لأعلى مراتب العطاء والإنتاج كموظفة وأعلى درجات الانضباط والمحافظة والالتزام كإنسانة محافظة، فقد جمعت -رحمها الله- كل ذلك فأصبحت مجموعة إنسان مسلم مخلص لعمله متمسك بتعاليم دينه وأخلاقه وقيمه، جمعت بين تأليف كتب الرياضيات لجميع مراحل التعليم من الابتدائية إلى الثانوية وبين تحفيظ القرآن لطالباتها وأبنائها وبناتها، بل وإنشاء مدارس خيرية لتحفيظ القرآن الكريم في دول خارجية فقيرة على حسابها الخاص، فأمضت زهرة شبابها بين تعليم الرياضيات وترويض النفوس لاتباع أوامر الله واجتناب نواهيه والالتزام وصلة الأرحام والبر بالوالدين وحسن تربية الأبناء والبنات ليكونوا لبنة صالحة في بناء مجتمع صالح، فلم يشغلها أياً من هذه المهام عن الأخرى فأثبتت للجميع أن الجمع بين المهام الأسرية والمهام العملية ممكن إذا وجدت الهمة.

تقول عنها شقيقتي هدى بنت سليمان بن محمد الأحيدب في إجابة عن سؤال عما تعرفه عنها بحكم القرابة والصداقة والرفقة في أنشطة الأسرة الكبيرة، تقول: إن سألتني عن الغالية هدى سليمان حسن الأحيدب -رحمها الله- فمن الوفاء أن أخبرك عن أمها أولا حصة العواد -رحمها الله- هي البذرة الصالحة التي اتقت الله في تربيتها لذريتها وأحسنت التربية وأدت الرسالة على أتم وجه.

ومن ذريتها الطيبة الأستاذة هدى التي كانت -نحسبها والله حسيبها ولا نزكي على الله أحدا- كانت مثالا طيبا للصديقة والقريبة الداعيه للخير صاحبة الابتسامة والحفاوة عند اللقاء، وأسأل الله أن تتحفي بها ملائكته، هي قد حملت اسمي ولي الشرف بذلك، وأدعو الله أن أحظى بما حظيت به من حب الناس وطيب أثرها وحسن ذكرها، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، أسأل الله القدير أن يغفر لها ولنا، وأن يجبر كسر زوجها وذريتها وإخوانها وأخواتها وأحبابها ويعظم أجرنا في فقدها ويجمعنا بها في الفردوس الأعلى من الجنة ووالدينا وكل مسلم.

أما إحدى مدارس تحفيظ القرآن الكريم التي أسستها في الخارج، فقد أرسلوا مقطع فيديو مؤثرا ينعاها فيه المعلمون والطلاب ويدعون لها في مبادرة كريمة ملؤها الامتنان وبطريقة جد مؤثرة، وفي الوقت نفسه مريحة للنفس، فالناس شهود الله في أرضه، ودعاؤهم ودعاؤكم خير عظيم لها ولمن دعا لها.

رحم الله المعلمة الفاضلة هدى بنت سليمان بن حسن الأحيدب رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، ورزق زوجها وأبناءها وبناتها وإخوانها وأخواتها وطالباتها وزميلاتها والجميع الصبر والثبات.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 11 ربيع الأول 1447هـ 3 سبتمبر 2025م

أبو فلان ضيع الخلان

مؤخرا بلغ الحرص على استخدام الكنية (أبو فلان) مبلغا شائعا وصل حد نسيان الاسم الأول واسم العائلة للشخص سواء كان جارا أو زميل عمل أو شخصا تعرفنا عليه ودخلنا معه في تعاملات تجارية أو عقارية، ولقد حلت الكنية (أبو فلان) محل الأسماء بشكل غير مسبوق ومحرج جدا، وسوف أسرد هنا أمثلة من مواقف الإحراج الشديد بسبب رواج استخدام الكنية برغبة من الطرفين، فكثير من الناس يحب أن ينادى بكنيته التي هي في الغالب منسوبة لابنه الأكبر الذي سماه على والده أو ابنته الكبرى التي سماها على والدته.

لا بأس باستخدام الكنية للأشخاص الرموز في المجتمع الذين شاع اسمهم وعرفوا بأسمائهم وأصبحت الكنية بالنسبة لهم فرعا لا أصلا وإضافة لا أساسا، أما من إذا نودي بكنيته نسي الناس اسمه واشتهر بأبي فلان أكثر من اسمه الحقيقي فهذا هو المقصود ومن سنتناوله هنا.

شخصيا أواجه الكثير من الحرج من نسيان الأسماء ليس فقط بسبب قوة الكنية بل بسبب ضعف الذاكرة، ولست هنا لأثير الموضوع وأكتب عنه لمجرد انطباعي الشخصي أو تأثري شخصيا به، ولكنني أجريت استفتاء مصغرا عنه فوجدت أن كثيرين يعانون من نسيان أسماء جيرانهم ومعارفهم بسبب شيوع الكنية، فهم يرون مثلي أن الاستخدام الجائر للكنية خاصة في البرامج الحوارية المتلفزة وفي مسجد الحي ومواقع العمل والكثير من التعاملات جعلنا لا نعرف أسماء بعضنا، وذلك الاستخدام الجائر أمر جديد علينا لم نعهده من قبل، أو قل لم يكن مركزا عليه مثل ما هو اليوم، فقد كنا نسأل عن الاسم ويسألوننا عنه، أما اليوم فقد أصبح السؤال الأول هو (أبو من؟) أو (وش اسم الولد؟) استعدادا لمناداتك بكنيتك مستقبلا.

يقول أحد من سألتهم: وردتني رسالة جوال تفيد بوفاة فلان بن فلان الفلاني وأن الصلاة عليه يوم كذا في جامع المهيني بالرياض والدفن في مقبرة الشمال، فقلت رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، لكنني لا أعرفه ولعل الرسالة جاءت لي بالخطأ، يقول وفي اليوم التالي قال لي أحد الجيران مستغربا: لم نرك أمس في جنازة فلان الفلاني فقلت لا أعرفه، قال كيف لا تعرفه إنه جارنا أبو فلان فصعقت بالخبر ولم أكن أعرف أن هذا اسم جارنا لأننا كنا نعرفه بكنيته التي لم ترد في رسالة الوفاة، وأردف مؤيدا ما ذهبت إليه من أن كثرة استخدام الكنية (أبو فلان) لها سلبيات محرجة.

أما الثاني فيقول: سلمني والدي مظروفا فيه مبلغ من المال هو عبارة عن (عانية) زواج وطلب مني تسليمه لفلان بن فلان الفلاني بالاسم الثلاثي فقلت لوالدي: لا أعرفه، فغضب مني غضبا شديدا معتقدا أنني لا أريد أن أنفذ أمره، وبعد أخذ ورد ذكر لي أنه صديقه (أبو فلان) قلت الآن عرفته، ولم أكن قط أعرف اسمه الأول ولا الثلاثي فقد تعودنا على مناداته بكنيته وأيدني أيضا أن رواج استخدام الكنية (أبو فلان) ضيع تعارف الخلان والجيران فما رأيكم أنتم؟! والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأحد 1 ربيع الأول 1447هـ 24 أغسطس 2025م

الاتصالات و(النت) أهم من (تاكسي) المطار

كنا ومازلنا نقول إن سائق سيارة الأجرة عامل مهم في ترك الانطباع الأول لدى الزائر أو السائح عن البلد وأهله، خاصة (تاكسي) المطار أول المستقبلين، لكن ثمة أمر أصبح هو الأهم وهو مقدمي خدمة الاتصالات وخدمة الإنترنت (واي فاي) في البلد، فهذه الإمكانات أصبحت تعكس صورة مهمة لدى القادم، تعطي انطباعاً عن المصداقية والرقي والتقدم، وأي قصور أو خلل فيها يستفز السائح وينغص عليه، لذا وجب الاهتمام برفع كفاءة مقدمي هذه الخدمة ومحاسبتهم حساباً عسيراً عندما يقصرون.

ليس الزائر أو السائح فقط من يجب أن نحرص على كفاءة الخدمة من أجله، بل المواطن والمقيم وكل من يستخدم هذه الخدمة التي أصبحت عصب حياة شأنها شأن الماء والكهرباء بل والهواء، خصوصاً وأننا بلد تقدم بسرعة البرق وتطور تطوراً سريعاً جداً، ولله الحمد، فأصبحنا نقضي كل حاجاتنا عن بعد ونتمّ كل إجراءاتنا ونحن في غرفنا باستخدام هذه التقنية، فوجب أن تواكب هذه الخدمة والشركات التي تقدمها ركب التطور السريع ومن لا يستطع يتنحى ويترك المجال لغيره من مقدمي الخدمة.

عندما بدأت بالتركيز على الزائر والقادم للسياحة إنما أردت أن أنبه للانطباع الأول وهو ما نشعر به نحن في زياراتنا وسياحتنا لأي بلد في العالم، فسائق (التاكسي) جرى الاتفاق على أنه صاحب دور مهم جداً في زرع أول انطباع عن البلد يصعب اجتثاثه، وأعتقد جازماً أن خدمات الاتصال والإنترنت أصبحت أهم منه وتتصدر قوى التأثير والانطباع لدى الأجنبي، وليس لدي عقدة الاهتمام بالأجنبي قبل غيره، لكننا نحن نعرف درجة تقدم وتطور وطننا، وعندما نلمس قصوراً في الاتصالات ندرك أن هذا عيب مقدم الخدمة وحده ولا يعني عيباً فينا عامة، أما الأجنبي الجديد القادم للتو فستترك لديه انطباعاً سلبياً على الأقل في الوهلة الأولى.

المشترك سواء كان مواطناً أو مقيماً أو سائحاً سيختار الباقة أو مستوى الخدمة التي يحتاجها ويدفع مقابلها مالاً حسب احتياجه وقدرته، وعندما يخفق مقدم الخدمة في الوفاء بالتزاماته للمشترك سواء كان مواطناً أو مقيماً أو زائرًا عابرًا فإنه يعطل الجميع ويستفز الجميع ويسيء للجميع، وألمس أن بعض مقدمي خدمات الاتصالات لم يهتموا كثيرًا بهذا الجانب، ويحتاجون لقرصة أذن تذكرهم أننا في السعودية العظمى اليوم نعتمد أسلوب البقاء للأصلح.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 19 صفر 1447هـ 13 أغسطس 2025م