الكاتب: محمد سليمان الأحيدب

المرأة في العزاء أجمل منها في الحفل!

تولد الأنثى بجمال طبيعي وتكبر وتصبح فتاة بجمال ساحر يراه الرجل وقد لا تراه هي في المرآة لقلة ثقتها بنفسها أو لرغبة في الكمال أو لشعور بالنقص، (لست محللا نفسيا ولا أصلح أن أكون محللا)، لكن المؤكد أنها تبدأ في محاولات التغيير بوضع الألوان والأصباغ والعدسات الملونة ثم تحل الكارثة بنفخ الشفاه وحقن (الفلر) والتدخلات الجراحية الخطيرة التي تحدث التشويه وربما المضاعفات الصحية، فهم يخدعونها بالمغريات وإخفاء الأضرار والمضاعفات.

جربي وخذي (وردة) وصوريها ثم حاولي تجميلها بتغيير ألوانها وتموجاتها وطبيعة أجزائها وستجدين أنها أصبحت (ورطة)، فالجمال الطبيعي هو الأكثر قبولا وجاذبية وهذا نراه في كل المخلوقات: نباتات وطيور وفراشات وأسماك وحيوانات وحتى في الجماد والتضاريس الطبيعية فإن بقاءها على طبيعتها هو الأجمل، وفي الإنسان يستثنى من ذلك فقط إصلاح التشوهات الخلقية الغريبة النادرة.

ما أقوله هنا ليس تدخلا في الرغبات الشخصية لامرأة أو لرجل بل هي، وبحكم التخصص، محاولة لموازنة زخم التوجه التجاري الربحي الصرف الذي يخفي خطورة وأضرار ومضاعفات عمليات التجميل بكافة أشكالها، ومن أشدها مجازفة وخطرا عمليات التكميم والقص وشفط الدهون وحقن مواد التكبير (الفلر) ونفخ الشفاه والخدود ويليها تصغير الأنف وحفر الغمازات ودهن المساحيق والألوان، وجميعها يصورها تجارها على أنها غير ضارة؛ بينما رأينا نحن آثارها في المستشفيات، وقد أدى أغلبها لبتر أعضاء (كتبتها مفصلة سابقا) وحالات فقد للبصر وفقد لوظائف بعض الأعضاء وفقد للحياة، هذا خلاف فقدان الإحساس وفقدان الجمال بحثا عن وهم زيادة الجمال.

السيل الجارف للتوجه الطبي التجاري غير المهني الذي يقوده انتهازيون و(متمصلحون) ماديا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن يواجه بتوعية مكثفة للجانب السلبي لعمليات التجميل وموادها الضارة وخطورة مضاعفاتها التي يخفيها أصحاب المصالح والجشع المتنكر بقناع الطب المختفي داخل معطف طبي أبيض وهو في الحقيقة أسود، فليس أخطر على المجتمع من الدعاية للتدخلات الطبية أو الأدوية أو المواد والمساحيق وإخفاء أضرارها وخطورتها وأعراضها الجانبية، وذلك من التدليس الطبي، وبالمناسبة فإن وطننا الغالي هو من يتحمل عبء وتكلفة علاج نتائج ذلك التدليس الذي أتمنى أن يعاقب عليه المدلس لأنه فساد مهني وأخلاقي.

إحدى سبل تقليل التأثر بدعايات ومغريات عمليات ما يسمونه التجميل (وهو في الحقيقة تشويه) هو زرع الثقة في الفتاة والمراهقة منذ طفولتها أن طبيعتها هي الأجمل، ثم مواجهة حملات الدعاية لتلك التدخلات الخاطئة وترسيخ الثقة أن العيون والشفاه والأنوف والخدود والألوان الطبيعية هي الأكثر صحة وسلامة ووقاية وهي الأجمل، ونحن الرجال نرى ذلك جليا في النساء خصوصا بعد أن أصبحنا نراهن أكثر سواء في التلفاز أو المسلسلات أو جماهير الحفلات وكرة القدم، ونكتشف أن المصطنع أقرب للقبح منه للجمال خصوصا في الشفاه المنفوخة الجامدة اليابسة (السمكية) والأنوف المصغرة والعدسات الملونة بألوان عيون القطط (القطوية).

ليس أدل على زيف المساحيق والألوان والتلوين من أن المرأة في العزاء أجمل منها في حفلات الزواج والأعياد وحفلات الغناء، كونها في العزاء خالية من كل مصطنع، ولعلهن هن يلاحظن ذلك فيقتنعن، مثلما اقتنع الشاعر نزار قباني فقال:

بَعْضُ النِّسَاءِ وُجُوهُهُنَّ جَمِيلَةٌ

وَتَصِيرُ أَجْمَلَ عِنْدَمَا يَبْكِينَ

نسأل الله ألا تبكي ولا تحزني ولا تضعفي فتخدعي.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 16 ذو القعدة 1446هـ 14 مايو 2025م

حذارِ من عين الطبع وثعابين البشر

الأمثال، سواء العربية الفصحى أو العامية، هي عصارة تجربة ثرية خاضها السابقون ثم وضعوا نتاجها في عبارة بليغة مختصرة أشبه بكبسولة تحتوي على أكسير حياة، فجدير بنا أن نتناوله بحرص وعناية وثقة في فاعليته، فلا غنى لنا عن تجارب من سبقنا ممن دوّن خبراته في شكل حكمة أو مثل خالد.

علمتني هذه الحياة أن الشهم الكريم الشريف الصادق لا يرى سلوك غيره إلا بعين طبعه فلا يتوقع خذلانا ولا بخلا ولا نذالة ولا كذبا، لذا فقد يتعرض لخذلان وخديعة من نذل أو كاذب، وهذا لا يعيبه فقدره أنه ولد وتربى على طبع سليم فأصبح يرى الناس بعين طبعه السوي، وإن فرح النذل الجبان بالنجاح في خداعه ونعته بالغباء فقد كان يتغابى ترفعا ويتغافل ولم يكن مغفلا ويتجاهل وليس بجاهل (لست بالخب ولا الخب يخدعني).

في المقابل، فإن النذل المخادع إذا تلطفت معه ظن أنك تنوي على نذالة وخداع لأن هذا طبعه وهو يراك بعين طبعه، لذا فهو دائم التوجس والشك والحذر ويصعب عليه التصديق أن أحدا يعمل المعروف دون مقابل أو يتلطف دون سبب، وهذا بلا أدنى شك ومرض خطير، ولسنا هنا بصدد علاجه ولكن بصدد التحذير منه ومن خطورته وقد لا أكون متشائما إذا قلت إن علاجه أمر ميؤوس منه فليس أبلغ من المثل أو الحكمة التي تقول: (كل يرى الناس بعين طبعه) إلا المثل أو الحكمة التي تقول: (الطبع يغلب التطبع).

كل ما علينا هو أن ندرس جيدا الشخص الذي نتعامل معه ونعرف هل هو شهم نبيل كريم أم نذل خسيس بخيل في أخلاقه، ثم نحتاط ونغير في أنفسنا فنحذر ونأخذ بقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لست بالخب ولا الخب يخدعني)، والخب هو الخداع المخادع الغادر وعلينا أن نحذر منه ونحتاط وإن تغافلنا لا نغفل.

وعلمتنا حكم من سبقونا أن نتقي شر من أحسنا إليه، وليس كل من أحسنت إليه سيصيبك منه شر، ولكن من إذا أحسنت إليه رد الإحسان بالنكران والسوء، فعليك أن تتقي شره وتحذره ألف مرة لأنه (مقارنة بشر من لم تحسن إليه) أخطر ألف مرة فقد جمع بين خسة نكران الجميل وخصلة الشر.

إن كانت حكم وأمثال الأولين تركت لنا موروثا يجب أن نستفيد منه ونستشهد به فيما يخص ما ذكرته عمّن يرى الناس بعين طبعه وتغلب الطبع على التطبع واتقاء شر من أحسنت إليه، فإن هذا لا يعني أبدا أن نتشاءم وننظر لمن حولنا بنظارة سوداء، فالغالبية هم الطبيعيون أهل الشهامة والكرم والوفاء، خاصة في المجتمعات المسلمة المؤمنة التي تخاف الله وتتقي غضبه، لكن وفي الوقت ذاته علينا أن نحذر من القلة التي تقصدهم الحكم والأمثال، فعلى أبنائنا وبناتنا من هذا الجيل أن يستفيدوا مما واجهنا وواجه من سبقونا، فأنا ألمس في أبناء وبنات هذا الجيل طيبة وثقة ووداعة تعرضهم للخداع المالي والوظيفي والاجتماعي بل وحتى الصحي فيقعون ضحايا لأصحاب النفوس الضعيفة من مخادع وغادر ونذل جبان وكأنهم لا يعلمون بوجود مثل هذه المخلوقات.

يا بني، الغالبية بخير ولكن ستجد حولك وقريبا منك من يحسدك ويستغل طيبتك وشهامتك وكرمك، ويشك فيك (لأنه يراك بعين طبعه)، وستجد في مكان عملك من يسرق إنجازك وإبداعك وينسبه لنفسه ويحاول الإيقاع بك وإن سبق أن حاولت أنت انتشاله ووقفت معه وعاضدته، لأنه غادر ويراك بعين طبعه وستسمع من يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا تتوقع، لأن طبعه يغلب تطبعه، وستجد من يسيء لك بعد أن أحسنت إليه، لأنه أناني يبحث عن مصلحته على حساب مصلحتك، وأنت شهم كريم رأيته بعين طبعك، والشهم الكريم الصادق يرى الناس بعين طبعه، لذا يخدعه الأنذال لأنه ظنهم شرفاء مثله، والأمر المطمئن أن عدالة خالق الأنفس سبحانه وتعالى تتحقق في النهاية (وعلى نياتكم ترزقون)، فقد عشنا ورأينا العجب العجاب من هذه المخلوقات وقلتها سابقا: لقد عشت (بحكم عملي وتخصصي) مع الثعابين الخطيرة السامة فلم أجد أخطر من ثعابين وسموم البشر، ولم أجد أسرع ولا أعدل من عدالة الخالق سبحانه.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 9 ذو القعدة 1446هـ 7 مايو 2025م

بلّغ عن الفساد واستعن بالصالحين

نحمد الله أن أنعم علينا بنعم عظيمة، وإحدى هذه النعم هذا الوطن الصالح أهله، الحكيمة قيادته ولا يمكن لأحد أن ينكر أننا في هذا العصر نشهد أقوى حرب على الفساد في العالم قياسا بعدالتها وجديتها وشموليتها، وما على المواطن الصالح إلا البلاغ السهل السري المأمون، كما أن تقنيات هذا العصر ووسائل تواصله (إذا سخرت لعمل الخير) تتيح قنوات أيسر للتواصل والتبليغ عن كل أشكال القصور.

في السبعينات والثمانينات والتسعينات الميلادية لم تكن تلك التقنيات ووسائل الاتصال السهلة متوفرة ومع ذلك لا يخلو من يحمل حسا إنسانيا ووطنيا من قدرة على إيصال بلاغه ومقترحاته فالأبواب مفتوحة وقبلها القلوب لكل مواطن صالح، لذا لم نكن نجد جهدا في إيصال ما نريد سواء ككتاب رأي عبر المقالات أو عبر الخطابات والبرقيات وعبر من يوصل المعلومة من القريبين من المسؤول أو صاحب القرار وزيرا كان أو وكيلا أو رئيس هيئة، فوطننا يتميز -ولله الحمد- بكثرة الغيورين المتحمسين لفعل الخير والصالحين الموثوقين.

أذكر في أواسط الثمانينات الميلادية وكنت محاضرا بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود أن بعض أعضاء هيئة التدريس وأنا لاحظنا أن عمال النظافة في الكلية يعانون ضيق ذات اليد ولا يجدون ما يأكلون حتى أنهم يأكلون ما يجدون من شطائر فوق مكاتبنا، وعندما تقصيت عن أمرهم (وكنت صحافيا في جريدة الجزيرة) علمت أنهم أعداد كبيرة في كل الجامعة يتبعون لمقاول غير سعودي لم يصرف رواتبهم لثمانية أشهر فألمحت للأمر في مقالة بالجريدة دون تصريح باسم المقاول أو مؤسسته ثم ذهبت لوكيل الجامعة آنذاك الدكتور حمود البدر وأبلغته بالأمر وكان، أمد الله في عمره، لطيفا متفهما وحليما في كل أحواله وكنت شابا متقدا ولا أقول عجولا ولكن صحافيا لا أتحمل التأجيل فاستعنت بفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سعد الشويعر مستشار سماحة الشيخ ابن باز -تغمدهما الله بواسع رحمته-، وكانت جريدة الجزيرة تستعين بعلمه الغزير، وطلبت منه موعدا مع الشيخ ابن باز وحدد لي موعدا، وعندما حضر الشيخ ابن باز رأيت ما لم أره من قبل فما أن سلم الشيخ وقبل أن يستوي جالسا على كرسيه رفع (شماغه) عن أذنه ليستمع لكاتبه يتلو ما في المعاملة تلو الأخرى (غالبيتنا حين ندخل المكتب نسترخي ونتناول القهوة ونطالع الصحف قبل أن نفتح أول معاملة، أما سماحته فلم يضع ثانية واحدة)، ولما وصل دوري قرأ كاتبه خطابي فأخذ سماحته يردد (لا حول ولا قوة إلا بالله)، ثم تثبت مني عن الموقف كاملا وسألني عدة أسئلة ليتأكد ثم غادرت ولم يمض إلا يوم واحد ورأيت أثر تدخله فيبدو أنه نبه إلى وجود توجيه كريم من الملك فهد -رحمه الله- بأن أي مقاول أو شركة متعاقدة مع جهة حكومية تتأخر في صرف مستحقات موظفيها تقوم الجهة باقتطاع حقوق الموظفين من مستحقات الشركة وتصرف للموظفين عن طريق الشركة، وفعلا تم صرف مستحقات العمال خلال أقل من أسبوع.

أما الموقف الثاني فكان حوالي عام 2005م وكان دوائيا حيث لاحظت أن إحدى شركات الأدوية تعلن في قنوات فضائية غير حكومية عن مقوٍّ جنسي بطريقة غير لائقة بل وقحة ويكون إعلانها في أوقات يشاهد فيها الأطفال التلفاز بل وبين أشواط المباريات، فكتبت عن ذلك في هذه الصحيفة الغراء ونبهت له في حوارات متلفزة معترضا على هذا الإعلان ومنطلقا من ثلاث حجج، تكفي منها واحدة، وهي: أولا أن الإعلان عن الأدوية والترويج لاستخدامها ممنوع نظاما وعرفا أخلاقيا عالميا وثانيا أن الأولوية في تحقيق الأمن الدوائي وطنيا هو أن نصنع الأدوية الأساسية المنقذة للحياة مثل أدوية القلب والضغط والسكر والكبد والغدد والأورام وليس مقويات الباه، والثالثة أن أسلوب الإعلان ومشاهده وإيحاءاته غير لائقة، وكتبت مباشرة للجهات ذات العلاقة آنذاك بتراخيص الأدوية والاعلانات والرقابة عليها، ولكن دون استجابة تذكر أو وقف للإعلان، فكتبت لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد وكان رئيسا لمجلس الشورى وشرفت بمقابلته وشرحت له أبعاد الأمر وخطورته فتجاوب مشكورا وبسرعة فتم وقف الإعلان.

مجمل القول: إن أي فترة من الزمن وأي ظروف تصاحبها لا يعدم فيها المواطن الحيلة والقدرة على المساهمة في الإصلاح ومحاربة الفساد في وطن قيادته تفتح القلب قبل الباب لكل مواطن صالح أو حتى مقيم محب، وفي هذا العصر الزاهر فإن وسائل التواصل أصبحت أسهل وأسرع والأنظمة أكثر تحديثا ودقة وشمولية وبقي أن يقوم كل مواطن بدوره في دفع عجلة مكافحة الفساد والمخدرات وكل ما هو ضار.

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 2 ذو القعدة 1446هـ 30 إبريل 2025م

حذارِ من الثعابين ومن أبحاث وهمية

وعدت في المقال السابق أن أنشر عصارة ما خرجت به من معلومات وقائية على مدى أربعين عاما قضيتها في مباشرة حالات اللدغ في غرف الطوارئ في مستشفيات المملكة والخليج إما حضوريا أو هاتفيا، وأعدكم أن يكون في السرد تحذير لا مبالغة فيه، مستشهدا بوقائع حدثت في مستشفياتنا والكويت وفي بيوت المزارع، وتحذيراتي أعد أن يستفيد منها المواطن والمقيم والطبيب وكل من يعمل في غرف الطوارئ.

من الكويت وردتني مكالمة عن إصابة شاب بلدغة ثعبان وحالته حرجة جدا، وبالتواصل بالصور اتضح أن الثعبان هو أحد أنواع الكوبرا الخطيرة التي تعيش في تايلند، فاقترحت عليهم إعطاءه المصل المنتج في الحرس الوطني السعودي بجرعات كبيرة عله يعادل سم ذلك الثعبان ولو عن طريق الطيف الواسع للارتباط المناعي ريثما نجد المصل المتخصص الذي يعادل سم تلك الكوبرا التايلندية، وفعلا تم العثور على المنتج وطلبه المستشفى بالكويت وحقن في الملدوغ وتم إنقاذه ولله الحمد.. وهنا وقفة وهي ضرورة منع إدخال ثعابين تعيش في بيئات خارجية إلى الوطن، ليس فقط لحماية الحياة الفطرية الطبيعية للوطن ولكن لصعوبة التعامل معها في حالات اللدغ، فقد كان الشاب من هواة تربية الثعابين واستوردها من الخارج.

الثعبان الأسود الخبيث وهو ثعبان خطير دقيق نابه متحرك باشرت منه ثلاث حالات وفاة؛ الأولى كانت لفتاة في الدرعية كانت نائمة ودخل الثعبان وحاول والدها ضربه فمر على قدمها مرورا سريعا ولدغها فكانت نهايتها قبل أن تصل مستشفى الملك خالد الجامعي (أقل من ربع ساعة)، ثم قتل شيخا كبيرا في الرياض ثم أهداه جاهل لحديقة الحيوان بالرياض وتعامل معه عامل جديد وصل للتو من إحدى دول البلقان فظنه صغيرا غير سام فلدغه في إبهام اليد وباشرنا حالته سريعا في مستشفى الملز الوطني قادمين من مستشفى الحرس بسيارة إسعاف نحمل مصل الصل (حسب وصف الطبيب بأنه صل)، وعلى أي حال فقد وجدناه متوفى بعد اللدغ بدقائق (حسب مرافقه)..

ومن هذه المواقف الثلاثة يؤلمني أن الأبحاث السطحية التي تهدف فقط للترقية في السلم الأكاديمي كانت تدعي أن الثعبان الأسود الخبيث لا يعيش في المنطقة الوسطى وأن موطنه جنوب المملكة، لكننا وجدناه في الوسطى بأعداد أكثر بكثير من الجنوبية، كما يستفاد من حالة فتاة الدرعية ضرورة إخراج كل من في الغرفة بهدوء تام قبل أي محاولة لقتل الثعبان، وأن علينا غلق كل الفتحات المؤدية لغرف النوم والجلوس بإحكام، كما أوضحت في فيديو منشور في حسابي في اليوتيوب وفي منصة X، كما يجب تعريف العاملين في حديقة الحيوان بالأنواع السامة لدينا.

يعتقد بعض الأطباء (خاصة من مدارس خارجية) أن العقرب غير سام وقد باشرت حالة وفاة مواطن جاء بنفسه للمستشفى يشكو لدغة عقرب أسود في يده وهو ينقض خيمته، لكن غرفة الطوارئ لم تمنحه الأولوية كحالة عاجلة وكان يصرخ من الألم حتى سقط فتم التعامل معه كحالة جلطة قلبية واشتركت في التحقيق واتضح أنه مات نتيجة الاعتقاد أن العقرب لا يقتل، وهذا شائع لدى بعض الأطباء نتيجة أن بعض العقارب تكون إبرتها مسدودة فلا تحقن السم، وهذا ما يجعل البعض يظن أنه أنقذ الملدوغ بكلوركس أو تمرة وقد أوضحت ذلك أيضا في منشور مرئي في اليوتيوب.

وفي إحدى غرف الطوارئ أحضر أقارب الملدوغ حية أم جنيب التي لدغته مقتولة في كيس بلاستك وبينما نحن نباشر حالة الملدوغ حدث صراخ شديد وفوضى بين الممرضات، واتضح أن الأفعى تحركت في الكيس بحركة عضلية تلقائية وهذا أمر طبيعي في ذوات الدم البارد مثلما يتحرك الضب في القدر، لكن ما يجب التنبيه إليه أن فك الأفعى إذا كانت أنيابها لم تهشم فيجب عدم العبث به حتى بعد قتله فقد يحقن السم ولو بكمية قليلة وما قتل كثيره فقليله خطير، وأخير فإن هذا الصيف وبعد موسم أمطار يستوجب الحذر كثيرا من الثعابين السامة، وفي شبه الجزيرة العربية كل ثعبان أسود (سوادا واضحا) فهو سام جدا، وكل ذي رأس مثلث متميز عن الجسد وذيل قصير فهو أفعى سامة مهما كان لونها، وثعبان الكوبرا يتميز بقلنسوة عريضة ينفخها ويقف مرتفعا ويكثر قرب المياه وبطون الأودية في جنوب المملكة.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 25 شوال 1446هـ 23 إبريل 2025م

مواقف في بيت ثعابين

ثمة خيط رفيع بين التحذير والترويع، خصوصاً في ذكر الثعابين، فكثير من الرجال والنساء لا يحبون ذكرها ناهيك عن رؤيتها على الطبيعة أو حتى رؤية صورها ومقاطع الفيديو التي أنشرها في حسابي في منصة x، ولا أنسى موقف زميل رغب في أن يزور بيت الثعابين في مركز إنتاج الأمصال في الحرس الوطني، فاستقبلته هناك وأطلعته على كل أنواعها السامة، وندمت أيما ندم لأنه في اليوم التالي اتصل بي متوهماً أن ثعباناً في غرفة نومه في منزله بالرياض حسب ما ذكرت طفلته أنها رأت حشرة تتحرك بحركة دودية وعبثاً حاولت إقناعه أن الثعبان لا يصعد الدرج للدور الثاني ولعلها شاهدت شيئاً آخر، لكنه أصر على البحث عن الثعبان المزعوم مما اضطرني لإرسال فريق البحث عن الثعابين لمنزله ولم يجدوا شيئاً وعجزوا عن إقناعه بعدم وجود أثر لثعبان وأن الوضع سليم جداً، لكن صاحبي واصل توهمه ولم يعد يقتنع بتطميناتي ولجأ لتنفيذ مشورة شخص قال له: (أحرق قرون ثور في الغرفة وسيخرج الثعبان)، وفعل ذلك، وكاد أن يحرق منزله ثم أخلى الغرفة من كل الأثاث ولا أدري إن كان اطمأن أم باع المنزل!

أما زميل آخر فقد أحضره أخوه لرؤية الثعابين وبينما هو ينظر للثعابين في أقفاصها بهلع وتوجس قام شقيقه -هداه الله- بلمس ساقه من الخلف فقفز لترتطم ركبته بخشب الرف ويصاب بكسر في ركبته، وشخصياً أنا أستمتع برؤية الثعابين ومسكها وإخراج السم منها، وأمضيت معها سنوات جميلة كان مكتبي بين أقفاصها في بدايات تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني، وكنت أقوم بتغذيتها بفئران التجارب البيضاء، وأصور ذلك، ولديّ كم من أشرطة الفيديو القديمة (بيتاماكس) لثعابين تأكل وأخرى تتزاوج وثعابين تبيض، وتمكنت خلال معايشتها أن أصحح مفاهيم كثيرة خاطئة نشرها بعض أساتذة علم الحيوان منها؛ أن الثعبان لا يشرب الماء وأن وضع الماء في صناديقها هو لترطيب البيئة، لكنني رأيت وصورت الصل الأسود وهو يشرب شرب الهيم (الإبل العطاش)، وخرجت من ذلك إلى التحذير من أن الصل الأسود قد يوجد قرب مصادر الماء وقرب سواقي الماء في المزارع ورأيت ذلك عياناً بياناً، فقد وجدت الصل عدة مرات تحت زير ماء ينضح في مزرعة، ورأيت أم جنيب وهي تبيض 30 بيضة وأنثى الصل تبيض 35 بيضة خلال دقائق وتفقس بسرعة، وهذا يجعلنا حينما نجد فرخ ثعبان نتوقع أكثر من عشرة غير بعيد.

وعموماً فإن هذا الهلع لدى البعض يجعلني أتردد أحياناً في أمر التحذير لكن المصلحة تقتضي التحذير، لذا فإن مقالي المقبل سيكون عن سبل الوقاية من الثعابين والعقارب والظروف التي تحتم كثرة ظهورها هذا الصيف.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 18 شوال 1446هـ 16 إبريل 2025م

تمير من سدير يا جمهور الهلال!

مؤسف أن لا يكون بعض مراسلي القنوات الفضائية وكثير من المعلقين الرياضيين على اطلاع تام وواسع بمحافظات المملكة ومناطقها وأقاليمها ومدنها وقراها وهجرها، فيقعون في المحظور الذي يدل على قصور معرفي وشح ثقافي لا يضرهم وحدهم بل يؤثر في جيل كامل من المتلقين ممن يسمعون معلقاً على مباراة كرة قدم أو مراسلاً لقناة فضائية ينقل خبر رؤية هلال العيد بمسميات خاطئة.

هذا ما حدث في مناسبة ترائي هلال العيد هذا العام والذي سبقه، فقد خرج علينا مراسلون ثقافتهم الوطنية ضحلة جداً يقولون (تمير فاز على سدير)، ومنهم من قال (تمير فاز على سدير ذهاباً وإياباً)، يقصد في رؤية هلال رمضان وهلال العيد، مخاطباً جمهور رؤية الهلال بطريقة كروية لا تخلو من الطرافة ولا تخلو من الجهل بأن تمير هي إحدى مدن منطقة سدير أو إقليم سدير شأنه في ذلك شأن حوطة سدير وهي الطرف الثاني في التسابق على رؤية الهلال، (إذا صح لنا أن نسميها منافسة، وهي في واقع الأمر مهمة وطنية تتمثل في تحري رؤية الهلال).

أولاً، نحمد الله أننا في بلد أمين يقيم حدود الله ويطبق شرعه ودستوره القرآن الكريم ويتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الصوم لرؤية الهلال والفطر لرؤيته، وتدعو محكمته العليا إلى تحري رؤية الهلال من الجميع، لكن منطقة سدير سخرت الإمكانات اللازمة لترائي الهلال، وبدأ ذلك في حوطة سدير إحدى مدن منطقة سدير، ثم قامت مدينة أخرى من مدن سدير هي تمير بتخصيص منطقة للترائي والهدف هو التأكد والاستجابة لدعوة المحكمة العليا وليس التسابق أو التنافس والفوز أو الهزيمة، وحتى لو تم توظيف هذا الاجتهاد إعلامياً كتسابق وتنافس، فإن من الجهل (الذي يحتاج إلى توعية وتأهيل) أن يقول مراسل إن تمير فاز على سدير (اثنين صفر)، ويقول آخر إن سدير فاز في المجموع على تمير (ستة اثنين)، فهنا إيهام بجهل أن تمير غير سدير وهذا يؤثر على قطاع كبير من النشء من جمهور المتابعين.

سدير اسم قديم جداً لإقليم من أقاليم منطقة نجد يقع إلى الشمال من مدينة الرياض في شبه الجزيرة العربية، ويبعد عن مدينة الرياض بنحو 180 كم، وتتبع لإقليم أو منطقة سدير عدة مدن وقرى وهجر، نذكر منها حسب الحروف كل من: التويم والمجمعة ورويضة سدير والغاط وحوطة سدير وروضة سدير وحرمة وجلاجل وعشيرة سدير والخطامة ومقبلة وعودة سدير والعطار وجنوبية سدير والجنيفي والشارخية والداخلة وحائر سدير والمعشبة والحصون وتمير وجوي، وتضاف عبارة (سدير) لبعض مدنها التي لأسمائها تشابه مثل: الحوطة والروضة والحائر.

ولقد مررنا بمواقف مخجلة خاصة من قبل معلقين رياضيين ومقدمي برامج رياضية، فأذكر أنه عندما صعد نادي الفيصلي لدوري الأضواء كان بعض المعلقين ينطق اسم حَرْمه بكسر الحاء وبعضهم بضم الحاء (حِرمه) و(حُرمه)، وكأنها (امرأة) وكنت أتواصل مع أصدقائي من حرمة خاصة الدكتور عبدالله بن زامل الدريس عضو الشورى -رحمه الله-، والزميل إدريس الدريس لتصحيح الاسم للمعلق ومقدم البرنامج، وأذكر أن إدريس قال لي إن مراسل الجزيرة بجانب المعلق وسوف أبلغه ليصحح الاسم لكن المعلق لم يفعل، والأمر نفسه حدث لنادي المجزل من تمير سدير فكانوا ينطقونه بألفاظ خاطئة، ومجمل القول إن المعلق والمراسل ومقدم البرنامج في حاجة ماسة لإعادة التأهيل وتعريفهم بالمناطق والمدن والقرى والهجر وتوزيعها جغرافياً وتنظيمياً ونطقاً للأسماء الصحيحة، وختاماً أؤكد على أن تمير من سدير يا جماهير الهلال!.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 11 شوال 1446هـ 9 إبريل 2025م

مقدمو البرامج و(تاكسي) المطار القديم

قديما كنا نطالب بتنظيم عمل سيارات الأجرة التي تستقبل القادم لمطاراتنا لأن سيارة الأجرة وسلوك سائقها يعكسان صورة أولية للقادم إلى وطننا الغالي ونسميها الانطباع الأول، وقد تم علاج هذه الصورة ولله الحمد، والآن أرى أن مقدمي البرامج في المحطات الفضائية التي تمثلنا يجب أن يعاد تقييمهم وفحص تأهيلهم لأنهم يمثلوننا (شئنا أم أبينا) وتعكس إجادتهم أو زلتهم صورة عنا للمشاهد في أنحاء العالم وهي صورة أوسع وأسرع انتشارا من صورة سائق (تاكسي) المطار.

لن أبدأ بمقدمي البرامج الرياضية فهؤلاء بعضهم تعدت سقطاته و(تهريجه) مرحلة التشويه إلى مرحلة عدم (التشريه) أي لم يعد المشاهد (يشره) عليه وعرف أنه حالة خاصة لا يمكن أن يقاس عليها فلا يعتمدها المشاهد كحالة تشوهنا بل لا تشوه إلا نفسها، وبعضهم أصبحوا تجار (مايك) يتبعون من يدفع أكثر شأنهم شأن (مشاهير الفلس) في إعلاناتهم ومن يبيع المهنية بالمال يسهل كشفه ولو حاول الاختفاء، إذا فهذا البعض من مقدمي البرامج الرياضية تأثيرهم في الصورة العامة أقل من تأثير سائق سيارة (تاكسي) غير سوي أو سيارته (خردة) قديمة متسخة تلوث البيئة، وإن كنا نتمنى أن يشملهم الإصلاح ومراجعة الأهلية المهنية.

الأهم هم مقدمو البرامج الحوارية والبرامج التي تتناول الشأن العام أو الشأن الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الصحي أو السياسي أو حتى التاريخي فهؤلاء إن أبدوا مهنية وسعة إطلاع وسرعة بديهة فإنهم فخر لنا، وإن بدا منهم سؤال ساذج أو عدم مهنية أو ضحالة فكر أو جهل بالضيف أو بموضوع الحوار فإنهم يسيئون لنا، ولذا يجب عدم ترك أمر تقديم البرامج لقنوات محسوبة علينا دون إعادة تقييم للمقدم وسن عناصر دقيقة لترخيص محاور أو مقدم برنامج شأن عام أو سياسي أو اقتصادي أو صحي واجتماعي وخلافه، وأضعف الإيمان أن نبدأ بإعادة تأهيل مقدمي البرامج.

لست هنا لأضع مواصفات للمقدم المهني، لكن من السهل القول إنه ليس من المهنية أن يبدي المحاور رأيه الشخصي (وهو غير متخصص) في موضوع خلاف بين متخصصين وما عليه إلا السؤال فقط ونقل وجهة النظر المتخصصة وانتظار الرد دون أن يؤيده برأيه هو أو يعارضه برأيه هو، فالموضوع علمي دقيق تخصصي، وليس من المهنية أن يسمع المحاور إفادة مسؤول عن حقيقة علمية ثابته ومثبتة من الجهة المختصة ثم يبالغ في مجادلته بطرح رأي غير مثبت لصاحب مصلحة، مما يربك المشاهد فيشك في حقائق علمية أو صحية ثابتة.

خاتمة القول (في رأيي الشخصي) أننا عانينا كثيرا من دعوة وتواجد مراسلين غير مؤهلين في بعض المؤتمرات الصحفية وطرحهم لأسئلة بعضها ينم عن جهل أو سطحية مما يعكس صورة مشوهة وعلينا أن نتلافى تكرار ذلك في البرامج الحوارية حتى تكتمل الصورة للأحسن.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 26 رمضان 1446هـ 26 مارس 2025م

طفيلي يهدد بتهمة التحرش

ضمن إجراءات الحزم التي نعمنا بها مؤخراً يأتي إجراء مكافحة التحرش كواحدة من خطوات الردع الفاعلة التي آتت أكلها، فأصبح كل قليل أدب أو قليلة أدب لم يحسن أهلهم تربيتهم يحسب ألف حساب قبل أن يقدم أو تقدم على أي فعل يعتدي على كرامة وعرض الآخر لا باللمس ولا بالهمس ولا بالقول ولا حتى بالتلميح برسالة أو التلويح بإشارة، بل أصبح المستهتر أو المستهترة مهما قل حياؤه لا يجرؤ على فعل يخدش الحياء أو يتعارض مع الآداب العامة والقيم والتعاليم الدينية والسلوك القويم.

وفي ظني أن مكافحة التحرش تأتي مع مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في أعلى سلم الإجراءات ذات المردود الكبير على المجتمع والوطن في شكل إصلاح فعال شامل غير مسبوق، نتائجه واضحة وتأثيره جلي، وجميع إجراءات المكافحة الرادعة تتوخى التثبت والدقة والعدل، لذا فمن غير اللائق ولا المنطقي أن يأتي من يبالغ في الحذر والتحذير والتخويف أو التهديد بتهمة التحرش اتقاء لشر لم يكن ليحدث، فقد لاحظت في أكثر من حادثة اختلافاً أو خلافاً بين رجل وامرأة تجارياً أو في حادثة تصادم أو تنازع على موقف سيارة من يتطفل ناصحاً ومحذراً بالقول (اتركها فقد تتهمك بالتحرش!!) وهذا فهم عقيم جاهل وتدخل أقل ما يقال عنه إنه سخيف وينشر مفهوماً خاطئاً، فلا المرأة بهذا الظلم والفجور في الخصومة لتتهم كل من نازعها حقه بالتحرش ولا النظام يسمح لها بهذا الظلم دون تثبت وعقوبة رد اعتبار وبلاغ كاذب تندم عليه، وهذا ما يجب التوعية به إعلامياً عبر كل الوسائل، وعلينا ككتاب رأي وعلى المتخصصين في القانون التركيز على التوعية بهذه الأمور.

كنت في أحد أسواق الديرة وشهدت خلافاً بين كهل أقرب للمشيب مع امرأة حول موقف سيارة تنازعا عليه، وكان الشايب قد سبقها إليه وانتظر طويلاً خروج من كان فيه (حسب إفادة حارس الأمن) وكانت هي تريد الدخول بسيارتها قبله، لكنه سبقها إليه فثار النزاع ليتدخل (ملقوف) بأعلى صوته ناصحاً أمام الجميع يردد (يا رجال طلع سيارتك لا تتهمك بالتحرش وتروح فيها) فلا المرأة كانت تفكر في هذا الأمر ولا النظام سيمكنها من ظلمه، لكن صاحبنا أراد أن يروج لأمر خاطئ.

وشهدت حادثاً مرورياً طفيفاً بين سائق مركبة وسائقة مركبة مقيمة من بلد شقيق، وكان من الصعب تحديد نسبة الخطأ والمسؤولية وقبل أن يحضر مندوب (نجم) أراد متطفل أن يكون نجماً فأخذ يحذر الرجل بأن يميل إلى الصلح وأن لا يدخل معها في خلاف خوفاً من أن تتهمه بالتحرش، وما كانت المرأة لتفعل ذلك وما كان النظام ليقبل تهمة بلا دليل.

كان الشاب يبتز مراهقة بصورة لها يهددها بنشرها، وأصبح اليوم لا يجرؤ على فعل ذلك وكل ما على الفتاة إلا أن تبلغ عنه وسيعاقب على التهديد والابتزاز ولو نشر فسيعاقب عقوبة أشد ردعاً، وقد تبتز فتاة رجلاً بالتهديد بتهمة التحرش ولن يعاقب إلا من أخطأ وثبت عليه الاتهام، لذا علينا أن نقضي تماماً على المفاهيم الخاطئة ومنها إيهام الرجل بأنه قد يبتز بتهمة التحرش وتخويفه بذلك فلا خوف على من لم يرتكب مخالفة ولا جدوى لتهديد من لا يحمل الدليل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 19 رمضان 1446هـ 19 مارس 2025م

الملك سلمان هل كان يدون أحلامنا؟

مما رأيته من تطور سريع وإصلاحات عظيمة في جميع الاتجاهات في وطني، أحمد الله أن عشت لأراها تتحقق وقد كانت أحلامنا وأمنياتنا، أقول مما رأيت شعرت أن الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وهو القارئ المتابع المهتم الذي لا يفوته شيء مما يكتب أو يقال، كان يدون كل أمنيات وملاحظات ومقترحات أبناء هذا الوطن الغالي ونقدهم الهادف البناء ليتولى بحزم وعزم إجراء الإصلاحات بدءًا بالأهم، فبدأ بمربط الفرس وهو محاربة الفساد والذي إذا حورب بجد وعدم مجاملة ولا تهاون مع كائن من كان صلح الأمر كله.

ومن حسن حظ هذا البلد الأمين وعلامات توفيق الله له أن جعل الساعد الأيمن شاب ملهم قوي الهمة واسع الرؤية بعيد النظر هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فاجتمع العزم مع الحزم والهمة في التنفيذ مع إزالة لحجر العثرة أمام كل نجاح وهو الفساد.

الشواهد كثيرة والمشاهد يراها الأعمى ويسمعها من به صمم، فقد صلح كثير جدا من مواقع الخلل وبسرعة مذهلة، بل إن أمثلة القصور التي كنا نظنها عصية على التحسين أصبحت مثالا يستشهد به في تحقيق القفزات النوعية عالميا فلم تكن مجرد تحسن تدريجي أو بطيء بل تحول تام إلى القمة عالمياً وفي وقت وجيز، ولا تطلبْ مني أمثلة فالتطوير شامل وسريع وفي أحسن صورة، وشخصيًا أعزو كل إنجاز وطني عملاق وسريع إلى الجدية في محاربة الفساد وتعزيز النزاهة، كيف لا ومحاربة الفساد وتعزيز النزاهة هي من جعلت المقاول يعمل وهو لا يحسب حسابًا لطالب رشوة، والمنفذ ينفذ وهو يخشى تقصيرًا يتحمل عليه عقوبة لا يحجبها مرتشٍ، والمراقب يدون ملاحظاته بدقة وأمانة وحرص وإصرار خوفًا من تقصير يتبعه اتهام وتشهير.

كنت ومازلت شغوفًا جدًا بالأولويات؛ وكنت أرى أن من أولويات حقوق المرأة أن تستطيع المعلقة أن تقاضي من علقها وتجبره على الحضور لإنهاء معاناتها وإجراءات أولادها بعدل فتحقق ذلك بسرعة وكأحد أهم الأولويات وحصلت المعلقات على حقوقهن في وقت قياسي وبأقل جهد وأنهيت جل القضايا بالتقاضي عن بعد، وكنت أرى أن من أولويات حقوق المرأة أن تحصل المطلقة على ورقة الطلاق ونفقة الأطفال وتسجيلهم في المراكز الصحية والمدارس، وتحقق ذلك بضغطة زر جوال أو حاسوب وأنهيت معاناة طالت سنوات، وحصلت المعلقة والمطلقة والأرملة على حقوق ومميزات ما كن يحلمن بها، ثم عولجت البطالة بطرق جد حازمة حتى وصلت أرقام توظيف النساء والرجال وخفض البطالة خلال سنتين إلى أرقام لم نكن نحلم بها خلال عشر سنوات.

تمت معالجة جوانب الخلل الشديد في أمر الضمان الاجتماعي الذي كان يعاني من ذهاب جله لغير المستحقين وبيروقراطية تحرم المستحق الحقيقي فأصبح الضمان الاجتماعي يذهب للمستحق بيسر وسهولة وتثبت إلكتروني يسانده (حساب المواطن) و(حافز) و(تمهير) و(ريفي) و(نما) وغيرها من برامج وقنوات دعم محدودي الدخل ورواد الأعمال والمستثمرين.

تلك أمثلة لا ينكرها إلا جاحد، وليس فينا جاحد بحول الله، وليست قيادتنا -حفظها الله- في حاجة لمجاملة أو تزلف، لكن الرغد الذي نعيشه بفضل الله ثم بفضل قيادة حكيمة رحيمة منذ عهد المؤسس، طيب الله ثراه، وحتى هذه الأيام التي نحتفي فيها بالتأسيس يوجب علينا شكر الله أولاً ثم الامتنان لكل من ساهم في استمرار رغد العيش هذا والأمن والأمان وتحقيق أحلامنا.. وأكرر القول إن ما أراه يتحقق اليوم من إصلاحات شاملة يشعرني بأن الملك سلمان -أمد الله في عمره- كان يدون رغباتنا وملاحظاتنا وأمانينا ويحققها بسرعة مذهلة وأعمال بلا أقوال، ربنا لك الحمد.

نشر بجريدة الرياض  الأربعاء 5 رمضان 1446هـ 5 مارس 2025م

أعيدوا أطفالكم لأمهاتهم بقيمة الهياط

الواقع المرير أن كثيرا من الأمهات تخلين عن رعاية أطفالهن للعاملات المنزليات، ليس بسبب انشغال بوظيفة أو تجارة، فالعمل لم يكن قط سببا للتخلي عن تربية الطفل، بل إن أمر تخلي الأم عن العناية بطفلها وإرضاعه وإطعامه واحتضانه رائج لدى غير الموظفات ولا العاملات، وكأن الأمر برمته تكاسل وتخلٍ عن دور أساس ومهم وله نتائجه وآثاره السلبية التي سنأتي على ضرورة بحثها ودراستها علميا في الجامعات ومراكز الأبحاث حتى لا نتفاجأ بآثارها على المجتمع.

الحقيقة التي لا تحتاج لا لدراسة ولا لبحث هو أن الأم بما لديها من مشاعر وأحاسيس وتنبؤات صادقة وحنان ودفء أحضان هي الشخص الأنسب لتربية طفلها ومراقبته وتغذيته وتطبيعه ومخاطبته واستشعار حاجاته وفهم مشاعره، وقبل هذا وذاك الاستمتاع بكل لحظات معايشته وحركاته وتصرفاته ونظراته وضحكاته وحتى بكائه ومحاولته للنطق والمشي ثم الارتماء في الحضن، ويشاركها الأب في كثير مما سبق باستثناء ما خصها الله به فسيولوجيا من وظائف كالرضاعة أو دقة في المشاعر والإحساس بما يريد، بل تصل حد الإحساس بما يحيط به من خطر قبل وقوعه وعند حدوثه حتى لو لم تره، وهذا أمر وضعه الخالق الحكيم العليم في الأم، ليس في البشر فحسب بل في كثير من الحيوانات الثديية، فقد أشارت كثير من دراسات قياس المشاعر أن أنثى الأرنب تنتفض وتتحرك مؤشرات قياس تفاعلها العاطفي عندما يذبح صغيرها في مختبر بعيدا عنها، ولم أجرؤ شخصيا على إجراء التجربة في مختبري بكلية الصيدلة رغم توفر الإمكانات، لكن أستاذي البرفيسور الشهير محمد إسماعيل حامد أكد ذلك، كما أن أهل الخبرة في رعاية الإبل أكدوا أن الناقة تشعر بما يحدث لحوارها (ولدها) ولهم في ذلك قصص عجيبة.

الأمر الذي يحتاج لدراسة اجتماعية شاملة وعميقة ودقيقة من قبل جامعاتنا ومراكز البحث لدينا وهي كثيرة، هو هل لتخلي بعض الأمهات عن رعاية أطفالهن وإيكالها للعاملة دور في سهولة تخلي المرأة عن أطفالها عند الخلع أو الطلاق وهو ما يحدث في كثير من الحالات هذه الأيام، فقد كانت الأم في السابق تتنازل عن الكثير من حقوقها عند الانفصال مقابل أن تحتضن الأطفال ولا تحرم منهم، بينما شهدنا كثيرا من أمثلة تخلي أم شابة عن طفل أو طفلة أو أكثر لزوجها بعد الطلاق وهو ما سيدفع ثمنه الطفل المحروم.

كما تجب دراسة وبحث آثار ترك رعاية الأطفال للعاملة المنزلية على مشاعر الأطفال نحو أمهاتهم لاحقا وبرهم بها بعد أن يشبوا، وهل لعدم الالتصاق العاطفي للطفل بوالدته دور في مشاعره المستقبلية؟ وقياس آثار إيكال رعاية الطفل للعاملة على سلوكياته ونطقه ولغته ونموه وصحته ومواقفه بعد الكبر.

الغريب أن كثيرا من أطفال الجيل الحالي استخدموا كوسيلة للهياط والمظاهر قبل أن يخلقوا، فحفلات الزواج فيها الكثير من البذخ ثم احتفال بالحمل واحتفال بالولادة وتحديد يوم استقبال للتهنئة بالولادة في أجنحة فندقية بطريقة مبالغ فيها في حجم الكعكة والزهور المكلفة والتصوير والزينات، وكل تكاليف ذلك الهياط لا يصرف عشرها على التفرغ لرعاية الأمومة الحقة للمولود الذي يقبع في ركن الجناح الفخم في حضن عاملة وينتهي به الأمر في حضنها وتربيتها واهتمامها، بالرغم من انتشار الكثير من مقاطع تعنيف العاملات لرضع وأطفال كل ذنبهم أن أمهم تقلد صديقتها في التخلي عن أمومتها.

نشر بجريدة الرياض يوم الخميس 21 شعبان 1446هـ 20 فبراير 2025م