الكاتب: محمد سليمان الأحيدب

عبدالرحمن العياضي.. قلبه توقف ونبضه مستمر

دعوني أبدأ بتعزية وتذكير والدته وزوجته منيرة بنت عبدالعزيز الربيعة وأبنائه عبدالله وسعود وعبدالعزيز ومحمد وابنته الوحيدة نورة وشقيقه الأستاذ صالح وإخوانه إبراهيم وسعود أبناء عبدالله البابطين وأخواته وجميع أقربائه، فأقول صحيح أن الفقد بالموت المفاجئ بتوقف القلب لحبيب نام صحيحا أمر صادم محزن، لكن تذكروا أن هذه الميتة السهلة رحمة من أرحم الراحمين أنزلها على عبده لتخرج روحه دون معاناة، وهذه دعوة ندعو بها جميعا فنقول بلهجة أهل سدير: (اللهم من حيلي إلى قبري، اللهم لا تبحلني ولا تبحل بي)، أي اللهم لا تنزل بي مشقة ترهقني قبل الموت ولا تجعلني أرهق أحدا أو أشق عليه وسهل موتي، وهذه نعمة عظيمة وكلنا سنموت ويبقى الذكر الحسن والصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو، وكل هذه الأشياء مستمرة لفقيدنا اللواء عبدالرحمن بن عبدالله العياضي فلا تحزنوا.

اللواء المتقاعد عبدالرحمن بن عبدالله العياضي قائد سلاح الإشارة بالحرس الوطني سابقا، توقف قلبه فجأة وهو في نزهة برية قرب حائل، توقف قلبه عن الحركة لكن نبضه الوطني مازال يدق في أرجاء الوطن بقوة، كيف لا وهو من سخر إبداعه التقني وتخصصه الهندسي وعلمه في شكل تطوير سريع ومذهل لسلاح الإشارة بالحرس الوطني شمل أهم عناصر التطوير ومنها تسخير أحدث ما وصلت إليه التقنية وأكثرها أمنا من الاختراق، وتدريب الإنسان لاستغلالها أدق استغلال يخدم وطنا لا نوفيه جميعا حقه مهما عملنا لكننا نحاول.

عرفت اللواء عبدالرحمن العياضي زميلا في الحرس الوطني ذاع صيته فأصبحنا نتشرف برؤيته وهو يزور الشؤون الصحية بالحرس الوطني، هذا قبل أن أعرفه واحدا من رجالات مدينتي جلاجل وأحد أقربائي بالمصاهرة، فقد كانت شهرته كمهندس وعسكري تسبق معرفته كقريب أو ابن ديرة وذلك لما ذاع من صيته في اتقان عمله وإبداعه في مجاله وانجازاته كقائد عسكري.

تشرفت بلقائه كثيرا، لكن أمتع لقاء جمعني به عندما شرفت بصحبته في سيارتي عائدين من مزرعة شقيق زوجته معالي الدكتور عبدالله الربيعة في ملهم، فقد كنا في دعوة عشاء من معاليه فيها أبناء الشيخ عبدالعزيز الربيعة (رحمه الله) وأبناء الشيخ فوزان الربيعة، ومجلس أسرة الربيعة لا يمل، وعندما طال بنا الليل وقررت أن أعود قال لي (رحمه الله): “أجل بخاويك لأن بيتي قريب من بيتك”، فكانت أسعد بشرى، وانطلقنا وأنا اتعمد البطء في القيادة لاستمتع بحديث شيق عن الصرح المبارك الذي جمعنا، عرين الأسود، معقل الإنجازات والمبادرات، الحرس الوطني، هو يحدثني عن سلاح الإشارة وأنا أحدثه عن مركز إنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب الذي كنت رئيسه التنفيذي.

يقول الدكتور عبدالله الربيعة عن زوج أخته اللواء العياضي: إنه كان مثالا للشاب العصامي فقد شب يتيما بعد وفاة والده وهو صغير فواصل دراسته حتى حصل على الشهادة الثانوية وكان شغوفا بالأعمال التقنية خاصة الهندسية وتحديدا شبكات الاتصال والتلفزة، ثم التحق بالحرس الوطني كضابط صف وعمل فنيا خاصا في سلاح الإشارة وحصل على العديد من الدورات وشهادات الدبلوم في مجال الاتصالات خاصة اللاسلكية، وبرع في هذا المجال، ثم ابتعثه الحرس الوطني لدراسة البكالوريوس في الولايات المتحدة الأمريكية وركز في هذه التخصصات مع حرص على اكتساب اللغة، وعاد ليتدرج في الرتب العسكرية وقائدا لسلاح الإشارة فأدخل تطويرا ملحوظا في التقنية والتدريب والتطوير حتى وصل لرتبة لواء ثم تقاعد.

وقال عنه الدكتور سعد بن إبراهيم الخلف في مقال رائع نشره في صحيفة الجزيرة في 1 شعبان 1446 بعنوان (عبدالرحمن العياضي عاش هادئا ورحل هانئا) قال: الذي أذهلني، وبقي مضيئاً في ذاكرتي، مسلكه الإداري المتميز داخل مكتبه، ومع فريق عمله، حيث وجدت قائدًا فذاً، يجمع الحزم والصرامة والجدية واللطافة والأدب والهدوء، ويواصل د. سعد في مقاله فيقول: حدثني ابن العم العميد ماجد بن محمد القديري، الذي عمل معه في سلاح الإشارة، بأن الشغل الشاغل لأبي عبدالله -رحمه الله- كان في بناء قدرات زملائه، وتدريبهم وتعليمهم؛ ليمتلكوا المهارات العملية لأداء مهماتهم الفنية، باقتدار وكفاءة عالية؛ لنفع بلدنا العظيم، ولم يكن يحابي أو يجامل أحدًا على حساب أحد.

تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته..

نشر بجريدة الرياض يوم  الأربعاء 13 شعبان 1446هـ 12 فبراير 2025م

شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)

هما ضدان، وبضدها تتميز الأشياء، كما قالها الحكيم المتنبي الذي ينطق الحكمة شعراً، أو كما قيل في قصيدة اليتيمة المنسوبة لدوقلة المنبجي (ضدان لما استجمعا حَسُنا ،، والضد يُظهِرُ حسنه الضد)، والضدان هنا لهما نفس العلم والمهنة وتقارب في العقد والراتب والبدلات لكن المردود متعاكس متضاد بتباين شديد.

كتبت كثيراً وسأكتب أكثر عن أطباء صرف عليهم الوطن وعلمهم وابتعتهم ووظفهم وأجزل لهم العطاء في الرواتب والبدلات وبدل المناوبات وجعل لهم أعلى بدل تفرغ ولم يتفرغوا، بل تركوا عياداتهم في وقت الدوام الرسمي ليذهبوا للعمل في عيادات غير نظامية في المستشفيات الخاصة بحثاً عن دخل إضافي غير نظامي، أدى فيه الجشع إلى تباين التشخيص عندما يكون الطبيب في عيادته الحكومية عنه عندما يكون في عيادة المستشفى الخاص، واستشهدت كتابياً وتلفزيونياً بأمثلة لتباين التشخيص وكمية الأدوية وتكلفة الأدوات التي يكتبها الطبيب الجشع في الخاص عنها في الحكومي مستشهداً بجراحة العمود الفقري وجراحة الركبة والتجميل والعيون.

وكتبت كثيراً أيضاً وسأكتب أكثر عن أطباء سعوديين أصبحوا رواداً في مجالاتهم وتخصصاتهم وقبل ذلك في إخلاصهم وإنسانيتهم وتطوعهم، وذكرت أمثلة منهم في مقالاتي في صحيفة الجزيرة، ثم صحيفة “الرياض” ثم صحيفة عكاظ ثم صحيفة “الرياض” بعد العودة حالياً، وفي حوارات متلفزة كثيرة، ومنهم الأطباء محمد المعجل، وأسامة شبكشي، وعبدالله الكريدة (رحمهم الله)، ومحمد المفرح، ومحمد الفقيه، ومحمد السبيل، ومؤيد الزيبق، ومحمد قطان، وخالد بن علي الربيعان، وخالد بن محمد الجبير، وعبدالله الربيعة، وسعود الجدعان، وهاني نجم، وسعود التركي، وعبدالعزيز القناص، ومحمد الوهيبي، وأحمد الفريان، وعلي بن سلمه، ونوفل الجريان، وخالد الجهني، وعلي بن معيض الشهري، ورتبتهم زمنياً فقط مع حفظ الألقاب وقد أكون نسيت بعضهم وإن كانت إنجازاتهم لا تنسى.

أما مناسبة المقال فهي تلك الخطوة الإنسانية الخيرية المتجردة من كل حب للمال ومن كل طمع في (الفلوس) التي خربت النفوس، التي قدمها لدينه ووطنه وتربيته الحسنة الطبيب عبدالعزيز بن صالح القناص استشاري الجراحة والرائد عالمياً في مجال جراحة القدم والكاحل، والمحاضر عالمياً في مؤتمرات العناية بالقدم السكري، ومحاولة تلافي بتر القدم قدر الإمكان باتباع سبل العناية والوقاية التي لا يمكن شرحها هنا، حيث أسس بعد تقاعده مركزاً خيرياً للعناية بالقدم السكري في مدينة الرياض، تكفل هو بجميع تكاليف تأسيسه وأجهزته ورواتب موظفيه، وتكفل أحد رجال الأعمال (الذي لم أستأذنه بذكر اسمه) بدفع إيجار مبنى المركز التخصصي لطب وجراحة القدم والكاحل، وفي هذا المركز الخيري يقدم الطبيب الخبير عبدالعزيز القناص عصارة علمه وخبرته خدمة لوطنه ومجتمعه في شكل عناية مجانية لقدم مرضى القدم السكري، عسى أن يتحقق على يديه سلامة القدم السكري من المضاعفات وعلاجها وفك كربة مريض يخشى أن تبتر قدمه أو ساقه.

يقول د. القناص: “أتألم كثيراً حينما أرى أن مريضاً يعاني من مجرد بداية دخول ظفر إصبع القدم الكبير في اللحم ويطلب منه إجراء العملية بالتخدير العام ليدفع أكثر بينما هي عملية يمكن إجراؤها بتخدير موضعي بسيط وبدون تلك التكاليف العالية التي تستغل حاجته”.

هنا اكتفي بقول المتنبي: (وبضدها تتميز الأشياء) فشتان بين الاستشاري عبدالعزيز القناص وهو يرد جميل الوطن بعمل خيري مجاني، ومن يستغل تعليمه وتخرجه كطبيب ترك (الفلوس) تعبث في نفسه وذمته وقراراته في هذه المهنة الإنسانية.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 6 شعبان 1446هـ 5 فبراير 2025م

عناق مخالف للذوق العام

تبذل دوريات أمن الطرق جهوداً عظيمة في الإشراف على سير الأمور على الطرق الطويلة وتتولى مهاماً عديدة مرورية وأمنية ورقابية ومساعدات غير محدودة لرواد الطريق، وحقيقة لا ينكرها إلا مكابر أن كثافة دوريات أمن الطرق كبيرة جدًا، وانتشارها وتقاربها يحقق تغطية واسعة يليق بمستوى الخدمات المتعددة التي تقدمها، وقد ذكرت هذا في مقال سابق متحدثاً عن طريق الرياض الدمام وتفرعاته.

هذه المرة سوف أتحدث مستشهداً بواقعة عن طريق الرياض – سدير – القصيم، والذي يشهد كثافة كبيرة جداً بل وازدحاماً وكأنه أحد طرق وسط العاصمة الرياض بسبب العدد المهول من المركبات التي ترتاده خاصة الشاحنات (التريلات) وحافلات النقل الجماعي وشاحنات النقل الزراعي المعروفة بـ(الدينا) والتي تحمل منتجات زراعية ودجاجاً وخلافه، هذا إضافة للمركبات الصغيرة الخاصة حيث إن الطريق شريان عريض يصل العاصمة بعدة مناطق ومحافظات شمال المملكة مروراً بمنطقة سدير والقصيم، وإحقاقاً للحق فإن دوريات أمن الطرق توجد بأعداد وفاعلية كبيرة وأدوار متعددة.

وبحكم ارتيادي للطريق بكثرة خاصة من وإلى سدير فإنني ألاحظ أن الطريق يشهد ممارسات خطيرة ومخيفة جداً من قبل الشاحنات (التريلات) وحافلات النقل والشاحنات الزراعية خاصة فيما يتعلق بالتجاوز من اليمين أو استخدام المسار الأوسط وتجاوز طابور طويل متقارب من الشاحنات الأخرى مع عدم وجود إمكانية للرجوع للمسار الأيمن بسبب الزحام، خاصة في طريق العودة إلى الرياض ليلاً، وعموماً فإن مجرد استخدام (التريلات) لمسار غير الأيمن ممنوع (حسب علمي) إلا إذا وجد حادث، وتلك المخالفات من الشاحنات والحافلات كثيرة ومخيفة جداً للسائق المتزن العاقل، إضافة إلى مخالفات التهور من سائقي المركبات الصغيرة خاصة السرعة الجنونية والانحراف بين المسارات، والسلوك الأكثر خطراً ورعباً وهو إلصاق الصدام بالصدام لإجبارك على إفساح الطريق في المسار الأيسر رغم أنك تسير بالسرعة القصوى المسموحة وعدم وجود مسافة كافية في المسار الأوسط لإفساح الطريق.

في طريقي للعودة إلى الرياض ليلاً شاهدت أكثر من (تريلة) في المسار الأوسط تتجاوز صفاً طويلاً من الشاحنات في المسار الأيمن، ثم إذا شاهد السائق أضواء دورية على جانب الطريق خاف وحاول الرجوع للمسار الأيمن رغم عدم وجود مكان شاغر، وهنا يحدث ما نسميه في لغة كرة القدم المكاتفة غير القانونية ولكن بين (تريلات)، وهو ما يعني لي كسائق خلفهم انحراف إحداهما أو كلاهما والالتفاف والعودة نحوي وعندها -لا سمح الله- لن تكون مكاتفة بل عناقاً مخالفاً للذوق العام، حمانا الله من كل أنواعه، وسينتهي بكارثة لي ولمن خلفي ولن ينجو منه إلا سائق الشاحنة.

أصابني الرعب فخففت السرعة في المسار الأوسط خوفاً من تكرار الموقف المرعب خصوصاً وأن تلك الشاحنات تخرج من المسار دون سابق إنذار، وما هي إلا دقائق قليلة وإذا بدورية أمن الطرق تطلب مني الوقوف، وصادف أن الطريق مرتفع وعلى يميني سياج حديدي يعلو مجرى السيل وبعده كان الطريق مرتفعاً لكن الدورية خلفي تطلب التوقف فتوقفت بالكاد خارج الطريق واستأذنت رجل الدورية بأن أنزل أنا ونبتعد عن حافة الطريق، وكان قمة في الذوق فلم يقترب عندما لاحظ وجود العائلة، وسمح لي بالنزول وأشعرني بأن سرعتي كانت بطيئة 85كم/ساعة وهذه مخالفة، قلت أنا في المسار الأوسط ومن خوفي على أسرتي ونفسي مما رأيت تمنيت أن أسير على التراب بجانب الطريق أو أن أبيت في البر حتى تنقشع غمة الشاحنات وشرحت له سبب إبطائي وطمأنني أنه أوقف ومنح غرامة مخالفة التجاوز والسرعة لثلاث شاحنات، وأن الدورية الأخرى أمامنا ستوقف الشاحنة المخالفة وكان لطيفاً جداً، لكنه كان شجاعاً جداً ونحن نقف على قارعة طريق يهدر بالمركبات المسرعة في أربعة مسارات، أما أنا فكنت ارتجف خوفاً من سائق متهور ينحرف علينا فلا يبقي ولا يذر.

سائقو الشاحنات والحافلات والمتهورون غيرهم لن تردعهم إلا رقابة ميدانية بشرية (غير الكاميرات) وعقوبات مغلظة وإعادة نظر في الاكتفاء بالتأمين كتعويض للخسائر جراء الحوادث ذات الاستهتار أو شبه العمد، فيتحمل المتهور عقوبة مالية ومعنوية رادعة.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 29 رجب 1446هـ 29 يناير 2025م

دهن سير الشهرة بزيت الزيتون

لب مشكلتنا مع الادعاءات الطبية والعلمية للباحثين عن الشهرة هو أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إعلام من لا إعلام رسميًا يقبله، لكن في الوقت نفسه فإن ما ينتشر في وسائل التواصل أصبح يؤثر في بعض البرامج المتلفزة خاصة البرامج الحوارية فتتبنى طالب الشهرة وتستضيفه وتروج لما يدعي من معلومات سطحية غير موثقة ولا محكمة سواء فيما يمس صحة الإنسان أو سلوكياته وأسلوب حياته، والناس أصبحوا يدركون أن أغلب ما ينشره هواة جمع المتابعين وطالبي الشهرة عبر وسائل التواصل هو غثاء وأبعد ما يكون عن الحقيقة، لكنهم مازالوا يثقون في البرامج الحوارية وقد تؤثر فيهم أو تقنعهم، لذا على معدي ومقدمي تلك البرامج أن يكونوا أكثر وعيًا وحذرًا من جياع الشهرة، وعلينا كباحثين ومتخصصين تذكيرهم أن المعلومة الطبية أو الدوائية أو السلوكية أو حتى الفيزيائية والكيميائية وبصفة أعم أي معلومة تقرر أن هذا ضار أو نافع لابد أن تمر بأبحاث ودراسات شاملة وعميقة وشاقة وليس مجرد انطباع شخصي عن حالة أو اثنتين أو عشر حالات.

على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن لطبيب مهما بلغ عمره ورغبته في الانتشار أن يقول إن زيت الزيتون يرفع الكوليسترول لمجرد أن مريضًا جاءه بنسبة كوليسترول مرتفعة وقال إنه شرب زيت الزيتون!! فهذا التقرير ممعن في السطحية والاستعجال، ونهم الشهرة أكبر أسباب الاستعجال، فحالة واحدة أو حتى عشر حالات لا تكفي لهذا الحكم وحتى لو أدخلت العشر حالات في قلوبنا شكًا في علاقة زيت الزيتون بنسبة الكوليسترول المرتفعة فعلينا قبل الحكم أن نعرف نوع زيت الزيتون الذي تناوله العشرة وعلامته التجارية (البراند) ومكوناته، وهل بين مكوناته ومواده الحافظة ما يتفاعل مع كواشف المختبر الذي أجرى التحليل، وما السلوك الغذائي للعشرة ذلك اليوم وما سلوك نسبة الكوليسترول لديهم خلال الستة أشهر الماضية وعوامل كثيرة أخرى قد تكون سبب الارتفاع قبل أن نسارع ونحكم أن زيت الزيتون يرفع الكوليسترول.

باختصار علمي شديد وسريع أود أن أذكر الطبيب والمعد والمقدم وكل من يتأثر بالمعلومة السطحية أننا لكي نحكم أن (مثالنا هنا) زيت الزيتون يرفع الكوليسترول أو يخفضه يجب أن ندرس حالة عدد من الأشخاص لا يقل عن المئة ونوزعهم لمجموعات عمرية وسلوكية غذائية محددة ويتناولون كمية معروفة من زيت الزيتون معروف العصرة والنوع والعلامة التجارية وتاريخ الإنتاج ومكوناته المضافة (مواد حافظة وخلافه)، وأن يتم التحليل في مختبر واحد ونعرف كواشفه (نوعها وتاريخها وطريقة عملها)، وأن يكون لدينا (خارج المئة) مجموعة مقارنة أي مجموعة مرجعية أو ما نسميه (كونترول قروب) لهم نفس السلوك الغذائي والفئات العمرية والخصائص المتقاربة لكنهم لم يتناولوا زيت الزيتون، ثم نقارن النتائج بدراسات أخرى مشابهة لعلماء آخرين سبقونا لنخرج (باحتمال) وجود علاقة لزيت الزيتون في خفض أو رفع الكوليسترول.

خلاف ذلك فإن كل من ينشر معلومة طبية أو غذائية أو سلوكية أو نفسية مدعيًا أنها حقيقة وهي مجرد انطباع سطحي أو شغف في شهرة على حساب المعلومة التي قد تكون مضللة، تجب محاسبته وردعه عن التمادي في التضليل.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 22 رجب 1446هـ 22 يناير 2025م

شفافية وطن يا شركة المياه!

في كل جوانب حياتنا نعيش شفافية عالية غير مسبوقة، وجدير بالشركات الخدمية أن تدرب موظفيها على هذا القدر من الشفافية والتعامل الراقي مع العملاء والمشتركين، وإلا فإن الشركة التي لا تفعل ذلك لا يمكنها مسايرة ركب الحضارة الذي يسير بنا اليوم أو أن إدارة تلك الشركة تعاني هي من القدرة على السير في الركب.

عادة لا أتفاعل مع الشكاوى بسرعة حتى أتأكد من صحتها وسلامة الوارد من كل الأطراف، وأعمد ككاتب رأي إلى التواصل مع الجهة المعنية للتأكد من شكوى عميل أو مشترك أو مستهلك ومحاولة تقريب وجهات النظر وحل الإشكال، خاصة في الحالات الخاصة الفريدة، أما إذا كان القصور مؤثراً على شريحة كبرى أو الجميع أو أصبح التقصير طبعاً سائداً وشاهدته بنفسي وتأكدت منه فإنه لا مناص من مناقشته على بساط أحمدي وإيصال تفاصيله إلى جميع أطرافه التي لا يرضيها وجوده.

أمر غريب لاحظته منذ عدة أشهر وفي أكثر من مناسبة وهو أن ردود موظفي الدعم والمساندة في أمر المياه (غير مساندة إطلاقاً) وتفتقر للشفافية والوضوح، عبر كل قنواتها خاصة في حساب العناية بالعملاء في منصة إكس (تويتر سابقاً) أو عبر الاتصال الهاتفي بالرقم 800 أو عبر التطبيق، فقد جربت مراراً سواء كمواطن متعاون أبلغ عن تسربات وهدر مياه، أو كمشترك يشتكي من انقطاع الضخ في أيام مجدولة كأيام ضخ، فوجدت ردوداً مكررة غريبة تفسر الماء بعد الجهد بالماء وتجيب عن السؤال بإجابة لا علاقة لها بالسؤال ولا تشفي غليل السائل بل تزيده استفزازاً، وإليكم أحدث مثالين لتجربتي مع موظفي الدعم والمساندة في منصة X، وفي الاتصال الهاتفي.

عدت من سفر خارجي فوجدت تسرباً مهولاً في الحي بسبب انكسار ماسورة تحت الأرض وجريان نهر من الماء الصافي المحلى بفضل وطن كريم، فسألت الجيران وأوضحوا أنهم بلغوا دون جدوى، فتواصلت مع أحد مسؤولي الشركة وأبلغته، وفعلاً حضر المقاول لكنه قفل المحبس الرئيس للحي وربما أصلح جزءاً من الكسر ودفن حفرته الصغيرة ووضع الإسفلت ونسي فتح المحبس الرئيس لماء الحي لمدة أسبوع، فتواصلت مع العناية بالعملاء عبر (X) بالرسائل الخاصة لإبلاغهم بانقطاع الماء عن كامل الحي لعدم فتح المقاول للمحبس بعد انتهاء الإصلاح فوجدت أنهم يطلبون بلاغ انقطاع عن مشترك وفعلت، وفي كل مرة يكون الرد (تم التحقق من الحساب ونفيدك بأنه يوجد أعمال صيانة في الحي وجارٍ العمل على حلها ما لم يحدث عائق، وفي حال لم تعد المياه بعد الساعة الثامنة نأمل إبلاغنا ليتم التحقق، ويمكنك طلب صهريج عبر القنوات الرقمية)، وعبثاً حاولت إفهامهم أن أعمال الصيانة انتهت والمشكلة عامة لكل الحي ولا يوجد أعمال صيانة والمتبقي فتح المحبس، وفي كل مرة يكون الرد (نفيدك أنه جارٍ العمل على حلها، نهارك سعيد)، واستمر توقف الضخ عن الحي عدة أيام، وفي كل مرة أراسلهم يكون الرد نفسه، حتى توقعت أنه رد آلي لكن مع ارتفاع نبرة الشكوى اتضح أنه رد إنسان ولكن شبه آلي! وعند فتح المحبس عاد التسرب، ما يدل أن المقاول غير كفء واستمر الحفر والدفن والتسريب، حتى غردت عن الوضع فوردني اتصال من مراقبة البنية التحتية (وفقهم الله) وتم معالجة الوضع بطريقة جد مهنية ورائعة.

وهذه الأيام عانيت كمشترك من انقطاع الضخ في أيام الضخ المجدول وهي 7 و8 ديسمبر دون معرفة السبب، وفي كل مرة يكون رد العناية بالعملاء هو (موعد الضخ القادم 11 ديسمبر)، وسؤالي هو (لماذا لم يتم الضخ يومي 7 و8 ديسمبر، وهل ثمة خلل في العداد)، فيأتي الرد نفسه رغم أنه ليس رد آلي! وهذا مستفز جداً، فمن حق المشترك أن يعرف سبب الانقطاع قبل حلول موعد الضخ القادم وفواته دون حل، لكن ثمة أمر غريب في توحد الردود وبطريقة جد غامضة، علماً أنه يستحيل رفع بلاغ انقطاع لا من المشترك ولا من الموظف إذا وجد ضخاً مجدولاً حتى لو كان الضخ المجدول غير صحيح! أي أن (الأتمتة) أصبحت في المياه (تمتمة) وعدم شفافية.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446هـ 11 ديسمبر 2024م

لنحاربها معاً كما حاربنا الفساد

هي صور موجودة وعايشناها وتكررت، وليس بالضرورة أنها وصلت حد الظاهرة، لكن كل من عمل لأكثر من عشر سنوات وفي قطاعات مختلفة لا بد أنه لاحظ واحدة منها على الأقل، وأتمنى أن نعمل على اجتثاثها أو الحد منها كما فعلنا بكل حزم وعزم مع الفساد فهي صور من جنس الفساد.

إحدى هذه الصور هو إصرار المدير الجديد للمؤسسة على طمس إنجازات سلفه والتنكر لمنجزات سابقه، والأدهى والأمر أن يسعى جاهداً لهدم ما بناه سلفه بدلاً من أن يكمل البنيان ويواصل الركض في طريق الإنجاز، تماماً كالمتسابق التالي في سباق التتابع بدلاً من أن يرمي العصا ويعود من جديد وفي ميدان آخر مختلف، ولمن يظن أن هذه الصورة نادرة أو أنني بالغت في سوادها، أقول إننا شاهدناها وعايشناها كثيراً وسببها مركب نقص لدى الجديد يشعره بأنه لا يمكن أن يبرز إلا في مساحة خالية أو أن لديه موقف من المدير السابق جعله يحقد عليه لدرجة لا يتحمل معها بقاء ما يذكره به (ما ذنب المؤسسة وذنبنا كموظفين فيما بينكما من تصفية حسابات؟!).

الصورة الثانية: تتجسد في اختزال جهود فريق العمل في شخص واحد (غالباً لأنه المدير)، وهذا أمر يتكرر وهو محبط للفريق، وغالبية الإنجازات إن لم يكن جميعها هي نتاج عمل فريق إما هندسي أو طبي أو صيدلاني أو علمي بحثي أو قانوني أو إداري، ويفترض أن يجير النجاح لجميع أعضاء الفريق بالتساوي، فهم كالجسد الواحد لو أخفق منه عضو لتداعى له سائر الجسد (المتمثل هنا بالعمل) وفشل ولم يتحقق الإنجاز، لذا علينا دوماً كوطن وإعلام وطن أن نحتفل بالإنجاز الوطني ونحتفي بجميع عناصر الفريق دون تمييز واحد عن آخر، ومن الغريب جداً أن لاعبي كرة القدم (رغم تدني تعليم أغلبهم) يجيرون إنجازاتهم لكل الفريق وكذا إخفاقاتهم، بينما يختزل متعلمون الإنجاز في رئيس الفريق (غالباً المدير) بينما يتحمل الفشل العنصر الأقل وظيفياً!

الصورة الثالثة: هي صورة الموظف (البيز)، و(البيز) لمن لا يعرفه هو قطعة من قماش سميك أو محشو بالقطن يستخدم لحمل الدلة من النار أو أي قدر ساخن ليحمي حامله من الحرق، ويقول السلف في الأمثال الشعبية (رد البيز هات البيز وأثر البيز خرقة)، وأشبه الموظف بـ(البيز) لأن المدير يستخدمه واقياً لتحمل الإخفاقات خاصة الإعلامية، فيطلب منه أن يكتب الردود الإعلامية على الانتقادات أو مقالات الثناء على المدير أو هجو غيره أو التغريدات سواء للقدح أو المدح فيكون الموظف عرضة للسعات نار ردود الفعل والمدير محمياً عنها، تماماً مثل اليد والبيز.

الصورة الرابعة: كتبت عنها قديماً وحديثاً وأسميتها الأنوف الشائكة، وهي مجموعة تحيط بالمدير وتشم رائحة كل من يقترب منه أو يتقرب إليه فتحاول منعه وعزل المدير عن رؤية وسماع أي شيء لا يخدم مصالحها، ومثل هؤلاء صورة الشللية والمناطقية التي يحيط بها بعض المسؤولين نفسه فيخسر هو والمؤسسة كفاءات مؤهلة لا ينقصها إلا كونها ليست من الشلة أو المنطقة.

أما الصورة الأخيرة، فتتمثل في سرقة إبداعات وإنجازات الموظف من قبل الرئيس المباشر؛ لأن عقدة التسلسل الوظيفي تفرض على الموظف أن لا يكتب للمدير إلا عبر رئيسه المباشر، فإن راقت الفكرة الإبداعية فسوف تسرق من الرئيس أو المدير وتسجل لهم، فهي أي الفكرة الإبداعية أصبحت مثل نعجة ضائعة فهي لك أو لأخيك أو للذئب، وما أكثر ذئاب سرقة الإنجازات

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 3 جمادى الآخرة 1446هـ 4 ديسمبر 2024م

كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه

كنت سوف أقصر هذا المقال على المطالبة بتوعية مستحقي الضمان الاجتماعي بمميزاتهم وحقوقهم التي يكفلها لهم النظام، وما أكثرها -ولله الحمد- في هذا العصر الذهبي، والذي لا ينكر ذهبيته إلا جاحد ولا يحسن قياس ما شهده من تطور سريع وعلاج ناجع ناجح للكثير من أوجه القصور فيما يخص مستحقي الضمان الاجتماعي إلا من عايش المعاناة السابقة لذوي الدخل المحدود مع التسجيل كمستحق ضمان ويرى ويقارن كيف كنا وكيف أصبحنا في هذا الصدد.

لقد عايشت أوضاع المحتاجين ككاتب صحفي مهتم بشؤون احتياجات المواطنين وخدماتهم ومحاولة إيصالها للمعنيين بخدمتهم خاصة منهم فئة المواطنين شديدي الحاجة مثل: المرضى ومستحقي الضمان والعجزة والمرضى النفسيين والهائمين والمستهلك وضحايا الأخطاء الطبية، ومن أكثر ما شد انتباهي (آنذاك) البيروقراطية الإعجازية والتعقيد الشديد في طرق تسجيل الأسر المستحقة للضمان والتي تشتمل على متطلبات ثبوتية ورقية عديدة ومتعددة صعبة جداً على أرملة أو معلقة أو مطلقة تعول عدداً من الصغار أو حتى أسرة لها عائل يحتاج من يعوله ويتولى أموره، ومن ضمن تلك المتطلبات ورقة من عمدة غير معروف ولا موجود وتدعيمها بشهادة من إمام مسجد وتقرير من جمعية خيرية لا تعتمد الزيارة بل الأوراق التي قد لا تتوفر أو يصعب الحصول عليها إلا بمراجعة دوائر هي أكثر بيروقراطية سلبية، وأذكر أنني قد تساءلت في أكثر من مقال وحوار متلفز قائلاً (كيف لمعلّقة حرمها زوجها ورقة طلاق أو مطلقة بكلمة وطليقها يريد تعقيدها أن تحصل أيًا منهما على دفتر العائلة أو عقد الإيجار أو شهادات الميلاد؟!).

أما كيف أصبحنا -ولله الحمد-، فإن كل ما تحتاجه الأسرة أو أي فرد منها هو أن يدخل إلكترونياً وعن بعد عبر منصة النفاذ الوطني ويسجل كمستحق لحساب المواطن أو استحقاق الضمان فيحصل عليه بمنتهى السهولة والستر ولست في حاجة للتفصيل، فالكل يعرفون الآن أننا أكثر وطن في العالم أجمع يدير مواطنه والمقيم فيه كل شؤونه عن بعد وبيسر وسهولة، ويبقى أن أُذَكِّر أن هذا التطور العظيم في آلية تحديد المستحقين كشف عن الفساد العظيم الذي ارتكب في تسجيل أغنياء كمستحقين وهو أمر منشور لكن التذكير به واجب.

أقول كنت سوف أقصر هذا المقال على المطالبة بتوعية مستحقي الضمان الاجتماعي بمميزاتهم وحقوقهم التي يكفلها لهم النظام، حتى تشرفت بالحديث هاتفياً ومطولاً مع المواطن الذي يحق لنا أن نفخر بأمثاله وهم كثر، المهندس خالد بن عبدالله الحقيل الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للنقل الجماعي ورئيس الاتحاد العالمي للنقل والمواصلات العامة ومناصب عالمية أخرى يصعب حصرها هنا، وكان سبب تواصلي مع سعادته الاستفسار عن وضع أرملة من مستحقي الضمان تحتاج لتردد هي وإحدى بناتها على والدتها المريضة في جازان بواسطة حافلة النقل وتحتاج لدفع نحو 280 ريالاً لتذكرة الذهاب فقط ومثلها لابنتها، فهل لمستحقي الضمان تخفيض لا تعرفه هذه المرأة فحصلت منه على بشائر وأخبار سعيدة كثيرة قد تعلن من الهيئة في حينها، ولكن الأهم في موضوع تلك المرأة وغيرها أن التذكرة التي تشتريها عند السفر مباشرة بمبلغ 170- 280 ريالاً يمكنها الحصول عليها عبر موقع الشركة إلكترونياً قبل موعد الرحلة بثلاثة أيام بمبلغ 29 ريالاً فقط، وهذا توفير كبير وخير من أي تخفيض ولم تكن تعلمه تلك الأرملة ولا ابنتها!.

تلك المعلومة الغائبة المعلنة في موقع الشركة وتطبيقها وحساباتها في مواقع التواصل جعلتني أعيد النظر في مطالبتي وأجعلها عامة بالمطالبة بتكثيف توعية المواطن والمقيم بالفرص والمميزات التي يوفرها هذا الوطن المعطاء ليس فقط عبر حسابات التواصل الاجتماعي التي قد لا يدخلها الجميع ولكن عبر برامج التلفزيون والإذاعة واللوحات الإرشادية في الطرق، وبالنسبة لمستحقي الضمان، الذين هم الأكثر حاجة فإن على الأخصائيات الاجتماعيات في الجمعيات الخيرية والمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية توعيتهم دورياً بحقوقهم، كما أن رسائل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يجب أن تشتمل على توعيتهم بكل ما يستجد من حقوقهم وتذكيرهم بالقديم منه دورياً.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 25 جمادى الأولى 1446هـ 27 نوفمبر 2024م

لنطعم العاملات قبلنا ومن خير ما نأكل

العاملة المنزلية والسائق بشر يعيشون داخل منازلنا، جاؤوا من بيئات ينقصهم الكثير مما أنعم الله به علينا، خاصة من الطعام، ففي ظني أنه يفترض أن يأكلوا قبلنا ومن خير ما نأكل، سواء ما نطلب من المطاعم -وإن غلي سعره- أو ما نطبخ في منازلنا وإن ارتقى صنفه وارتفعت جودته وغلي ثمنه، فليس من الدين ولا القيم الأخلاقية والكرم ولا من الحذر أن يتناول ابنك أو بنتك أو نفسك طعاما شهيا منظره جذاب ورائحته زكية تفتح الشهية والعاملة تنظر والسائق يشم ولا ينالهم إلا شطيرة جبن أو (أندومي) أو أي طعام غير ما تأكلون.

ليست نصيحة، فالناس لم تعد تطيق النصح، ولكن خاطرة تبادرت لذهني وطرحتها على أسرتي الصغيرة ثم أردت أن أشارككم إياها، راجيا أن تسمحوا لي بتبرير الاستثناءات الثلاثة أو بعضها ولكم حق الاعتراض:

ليس من الدين ولا من شرع الله وهدي نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن نحرم من يعمل لدينا (لا أحب مسمى خادمة وخادم) من أكل خير الطعام الذي نرضاه لأنفسنا، هذا أمر أتركه لأهل الذكر وطلبة العلم الشرعي (لا حرمنا الله من علمهم وتعمقهم وسؤالهم فيما هم أعلم منا به)، فلست في مقام من يفتي ولا مقام من يعظ، وإن كانت كثير من الآيات والسيرة النبوية في هذا الخصوص واضحة جلية.

وليس من القيم الأخلاقية والكرم أن نأكل وغيرنا ينظر ويشم ما نأكل ولا نطعمه، هذا أمر عرفناه وتربينا عليه وغرسه فينا الأجداد والآباء، ويجب أن نسقي هذا الغرس وننميه في أبنائنا وأجيالنا، فمجتمعنا بكل مناطقه وأطيافه ومستوياته المعيشية تربى على مكارم الأخلاق وعلى الإيثار والتضحية والكرم والسخاء، ولنا في هذه الصفات والطبائع والسلوكيات قصص ومواقف حدثت في كل منطقة ومدينة وقرية وهجرة، خاصة في مواقف إكرام الضيف، والعاملة والسائق ضيوف وإن كان لهم أجر وبدل طعام، فليس من مكارم الأخلاق (مثلا لا حصرا) أن نفتح كيسا لطعام شهي مميز جاء من مطعم راق ونجتمع حوله ونأكل منه والعاملة ترى شطيرة (الهامبورغر متعددة الأدوار مثلا) أو قرص (البيتزا) المستدير بما يعلوه من خيرات الله من جبن وزيتون وشرائح لحم وخضار، وهي -أي العاملة- ترى وتشم ولا ينالها منه شيء! والسائق هو من أحضره أو حضر إدخاله وشم رائحته (الزكية) ولم تكن كفيلته (ذكية) فتطعمه منه، ورأى السائق بقايا الأكل ترمى في (القمامة) ولم يعزمه عليه كفيله (الهمام)!

وليس من الحذر والخوف والاحتياط أن ننسى أو نتناسى أن العين حق وأنها (أي العين) أكثر ما تكون فيما اشتهت النفس ولم تنله، وشهية الطعام (خاصة لمن جاء من جوع أو تم تجويعه) هي من أخطر الشهوات (نعم أخطر).. والله أعلم وأحكم.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ 20 نوفمبر 2024م

يسمونه وسخًا ويأكلونه

الأمر يحتاج إلى بحث (جيني) وليس البحث عن (جني) أو شيطان يقف خلف هذا السلوك الغريب أو التحول الفوري من حالة الزهد الشديد إلى حالة السرقة.

نعم أمر تحول الإنسان من شخص يرى الدنيا رخيصة جدًا وهو في المقبرة يدفن أخا أو صديقا أو عزيزا ثريا ترك خلفه أموالا طائلة وأراضي شاسعة، إلى شخص ينهب شقيقه ويخدع صديقه ويحتال على فقير ويستقوي على ضعيف، أمر يحتاج إلى دراسة للجينات أو العوامل الوراثية والحمض النووي المسؤول عن هذا التحول السريع في الطباع والقناعات، ونحن نفتقد لمثل هذه الأبحاث التي تدرس سلوكيات الناس وتحللها، بل العالم أجمع (بمن فيهم الغرب المتقدم في مجال الأبحاث والدراسات) يفتقد لمثل هذه الأبحاث والدراسات النفسية، لكننا أكثر حاجة منهم، ليس لأننا أكثر إجرامًا وتحولًا، ولكن لأننا أكثر تمسكا بقيم دينية وأخلاقية يفترض أن تردعنا، وأكثر استشعارا وشعورا أن الحياة الدنيا محطة عبور هي أرخص وأحقر من أن ننشغل بها عن دار الخلود، بدليل أننا أكثر من يساوره ذلك الشعور الزاهد في الدنيا بأموالها وأراضيها في أوقات محددة وظروف معينة مثل دفن عزيز ثم يحدث لدى كثير منا ذلك التحول السريع والرجوع للجشع وسرقة شقيق أو خداع صديق واختلاس ماله أو أرضه أو حقوقه وظلمه.

أعلم أن الشيطان وجنوده خلف كل شر وتحول من الخير إلى الشر (أعاذنا الله منه) لكن الشيطان موجود في كل مكان بما فيه المقبرة وفي كل زمان بما فيه الساعات أو حتى الأيام التي تلي الفقد أو الظرف الذي تحدث فيه حالة الزهد، فما هو الطبع أو (الجين) أو (الكروموزوم) المسؤول عن الضعف الشديد أمام وساوس الشيطان والذي يعزف عليه الشيطان سريعا فيجعل ذات الشخص يرقص طربا لمغريات الدنيا من جديد وبسرعة؟!

وأعلم أن النفس الأمارة بالسوء لها دورها في ذلك التحول السريع من الزهد إلى الطمع، لكن الغريب هو اجتماع النقيضين أو الضدين في ذات الشخص في وقت واحد فتجده يقول وبإلحاح ما لا يفعل (أسمع كلامك يعجبني وأشوف أفعالك أتعجب)، وتراه ينصح بالزهد بقوة وإقناع وهو ينهب بنهم واقتناع، بل يمارس الوعظ وهو يعظ، وينصح بالصدق وهو كذاب، وبصلة الرحم وهو قاطعه، ويسمي المال (وسخ دنيا) وهو يأكله!

هذه التناقضات التي تحدث في الشخص نفسه في الوقت نفسه تنم عن خلل نفسي يحتاج لدراسة؛ علّنا نستطيع الحد منه بقطع دابره وليس بالوعظ فقط، فكفى بالموت واعظا ولم يتعظ كثير ممن يعملون جاهدين على جمع الأموال وتعدادها ونهب المساحات والاعتداء على أملاك الآخرين ومثلهم مثل صاحب التسع وتسعين نعجة ويريد أخذ نعجة أخيه ليتم بها المئة ويتركه تائهًا.

قد يقول قائل إن حرص هؤلاء على جمع المال والمساحات رغم اتعاظهم بالموت هو لضمان مستقبل أبنائهم، فنقول إن من حق غيرهم أيضًا ضمان مستقبل أبنائهم والله الضامن سبحانه وهو الرازق وعليه التوكل، ثم إن كثيرًا من الأثرياء في العالم حرصوا على جمع الكثير من المليارات وهم لا وريث لهم ويورثون كلالة، لكن حب المال وتملك الأرض والمزارع شعور غريب أصر على أنه يحتاج لدراسة عميقة متعمقة لا تقبل المبررات السطحية.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 11 جمادى الأولى 1446هـ 13 نوفمبر 2024م

الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع

إعلان الممارس الصحي عن نفسه ممنوع نظاماً حسب المادة العاشرة من نظام مزاولة المهن الصحية، حيث حدد النظام في الفقرة (أ) أنه يحظر على الممارس الصحي (في غير الحالات التي تحددها اللائحة التنفيذية) الإعلان عن نفسه أو الدعاية لشخصه مباشرة أو بالوساطة، وكانت الفقرة (ب) من هذه المادة واضحة وصريحة حيث نصت على أنه يحظر على الممارس الصحي أن يسجل على اللوحات أو البطاقات أو الوصفات الطبية أو الإعلانات ألقاباً علمية أو تخصصات لم يحصل عليها وفقاً للقواعد المنظمة لها.

الأنظمة لدينا رائعة جداً ودقيقة ومفصلة، لكن التزام الممارسين الصحيين بها يكاد يكون معدوماً بسبب ضعف المراقبة والمتابعة وتطبيق العقوبات الرادعة، لذا تجد وسائل التواصل الاجتماعي خاصة (X) تعج بالمخالفات خاصة من قبل بعض الأطباء ممن تحولوا إلى تجار يعتبرون المريض (زبوناً) يجب إغراؤه، والمرض (سلعة) يجب استغلالها، فتجد أحدهم يضع في تعريف حسابه أنه جهبذ الطب والخبير في تخصصه وفي غير تخصصه (مثل: التجميل الذي أصبح تخصص الجميع بسبب دخله العالي)، ويكون معرفه أكثر من أربعة أسطر كلها دعاية لنفسه ويختمها برقم جوال التواصل!! فأي إعلان ودعاية وجذب أكثر من هذا؟!

إن إغراء المريض للتوجه لممارس صحي بعينه سواء كان طبيباً أو طبيب أسنان أو أخصائي علاج طبيعي أو صيدلانياً أو أخصائي تغذية وغيرهم من الممارسين الصحيين أمر زاد عن حده بل يفترض ألا يحدث أبداً، لكن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تعج بهؤلاء وأصبحت ساحة أشبه بالحراج الذي فيه يصرخ كل بائع بأعلى صوته للفت النظر لسلعته، وهذا سلوك غير لائق مهنياً ولا يتناسب مع ما نشهده من تطور في الأنظمة والحزم في تطبيقها إلا أن إدارة الإلتزام والمتابعة بوزارة الصحة تحتاج هي لمتابعة والتزام فليس أوضح مما ينشر في (X) و(السناب) وأخواتهما.

وليس أدل من أن الصورة الدعائية بلغ فيها السيل الزبى دون ردع من رقيب، مما يحدث في سوق علاج احتكاك الركب وتركيب المفاصل ومجال المسالك البولية وتوابعه من أعراض الضعف الجنسي وتخصص العيون وعمليات تصحيح النظر والطب النفسي، من إعلانات بطرق مباشرة من الطبيب نفسه أو المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب (سواء كان نظامياً أو مخالفاً) أو عن طريق أشخاص أخرين يستخدمهم الممارس للثناء عليه وجلب (الزبائن) له، وكل هذه الممارسات شملها النظام الوافي الكافي الذي يحتاج لمتابعة وحزم، هذا خلاف الوصول لقلب المريض عن طريق مداعبة مشاعره وما يعاني منه بنصائح وفتاوى طبية غير مدعمة بدليل أو بحث علمي، فطبيب القلب يفتي في الغذاء والدواء والزواج والمسرطنات والأسنان وحتى التعصب الرياضي، وقس على هذا بعكوز وبكوز الطب النفسي.

غني عن القول إن وجود نظام واضح وصريح ومستوفٍ لكل جوانب الممارسة ووجود مخالفين في العلن هو مدعاة للاستهانة بكل منع إذا لم يتبعه ردع.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى 1446هـ 6 نوفمبر 2024م