الكاتب: yuyusm

كابوس محيط الرعب

الأشياء التي تحيط بنا و تدور حولنا وندور في محيطها هي من تحدد سلوكياتنا، بل تجبرنا على عمل ما لا نقتنع به إطلاقاً لكننا نمارسه مجبرين لأن محيطنا المرعب يفعل ذلك، وهنا يبرز دور الأشخاص الواثقون بأنفسهم ويبرز دور القدوة الصالحة، ليسبح ضد تيار المحيط ويشجع الناس على السباحة ضد التيار والتغريد خارج السرب الخطأ.

مجتمعنا يعاني من عادات، بل ممارسات دخيلة لم تكن معتادة، تنتشر بين الغالبية بسرعة ويتضرر منها كثيرين ولا ينتفع منها إلا من روج لها وغالباً هم مستثمرون من خارج بيئتنا.

خذ على سبيل المثال إحضار هدية عند كل زيارة وغالباً تكون حلوى غالية الثمن (ماركة) باهظة التكلفة على الزائر والضرر الصحي على الجميع، هذا تقليد أعمى جديد جاءنا من الغرب ودول استعمرها الغرب، ففي كثير من دول أوروبا لابد أن يصطحب الزائر زجاجة نبيذ (أكرمك الله) على أساس أنها هدية بينما واقع الحال أنها (اسكر من جيبك) ونحن ولله الحمد والمنة على نعمة الإسلام من هذا براء، لكننا قلدنا السلوك المكتسب بالعدوى عن طريق إحضار حلوى وما شابه.

صحيح أننا أول من بدأ هذا الذوق الرفيع بأسلوبنا الجميل غير الملزم، عندما كانت الأحوال مستورة والظروف صعبة، فكانت المرأة ميسورة الحال تزور جارتها مستورة الحال وتذيقها ما تيسر مما طبخت وقد تكون وجبة يحتاجها الجيران ويتلهفون عليها، أما اليوم فهي مجرد بطر ومباهاة وتسابق على المظاهر، يحرج غير القادر، فكم أسرة تتحاشى الزيارات لأنها لا تستطيع أن تجاري غيرها في ميدان المباهاة، وكم من بنت أحرجت أمها بعدم الذهاب لأنها بالكاد تستطيع توفير مصروفها من حافز أو حساب المواطن على فواتير المنزل، ولقد أدى ذلك إلى التباعد وقلة التواصل بين الناس بسبب ذلك الرعب الذي يحيط بنا من عادات دخيلة.

شراء ورد لزيارة مريض مثال آخر، لا أساس له إلا التقليد فقد كان خير ما نحمله للمريض وللمرأة الوالدة هو الدعاء و التطمين أما اليوم فإن شركات استيراد الورد الهولندي تستغل مباهاتنا بأعلى باقة ورد قد تصل لسقف غرفة المريض!، ثم (ورد من هذا ؟!)، ورد أم زيد، وماذا عن أم عبيد؟!، لقد كانت تحمل باقة من دعاء وتطمين ومواساة، لكنها خجلت من الحضور لعدم قدرتها على شراء الورد!

كعكة كل مناسبة هذه تقليعة أخرى جديدة لا أصل لها عندنا، ولقد أصبح لكل مناسبة كعكة وسيف يقطعها به نجم الحفل، ومصاريف لا داعي لها ومصير الكعكة حاوية النفايات والمستفيد انطوان وبطرس.

حفلات التخرج والزواج المبالغ فيها هي الأخرى تنافس وهياط شاهدنا صوره المقززة وحديثاً للطلاق حفلة!

السؤال هو أين دور المصلحين والعقلاء الناصحين لتوجيه المجتمع شريطة أن يكونوا قدوة حسنة ويسبحوا ضد تيار المحيط، لا أن ينهوا عن الخلق ويأتوا بمثله.

أقترح حوارات مفتوحة لـ (نزاهة) مع صغار الموظفين

في جانب محاربة الفساد المالي حققنا نجاحاً مميزاً ومتميزاً يدل عليه حالة الرعب الذي هز قلوب الفاسدين وشل أركانهم وهم يرون كائناً من كان يتم إيقافه ومساءلته وأخذ حق الوطن منه بالتسوية العادلة، فقد أحدثت هذه الخطوة الجبارة إصلاحاً عظيماً تلمسه في عيون المذنبين وخوف المخالفين وقلق المقاولين الفاسدين وسعادة الصالحين.

بقي علينا كخطوة هامة جداً محاربة شكل اخر من أشكال الفساد لا يقل خطورة ولا يقل تأثيراً في مسيرتنا التنموية وهو ذلك المسؤول الذي يأخذ كثيراً ولا يعطي إطلاقاً ولا يحرك ساكناً في مجال عمله معتمداً على قاعدة قديمة مفادها (لا تهش ولا تنش فلا تلفت الأنظار ولا تمش) وهذا النوع من المسؤولين لا يستحق راتبه العالي ولا مميزاته وما يحصل عليه من منصبه ولا يتناسب مطلقاً مع روح عصرنا الذي يشهد حراكاً كبيراً إيجابياً.

أرجو أن لا يقول قائل أن ثمة قياساً لأداء الجهات ومنجزاتها وما تحقق من نجاح، فهذا الجانب لا يزال قاصراً، والتقارير السنوية للجهات يتم تلميعها وصياغتها بطريقة توهم بأن ثمة عمل، والحقيقة أن ثمة توقف وسكون وثبات على إنجازات سابقة حققها من كان يعطي ولا يأخذ كثيراً، ثم أن التقرير السنوي يشتمل على فقرات تتعلق بالصعوبات التي تواجه الجهة والمقترحات لحلها، والمسؤول غير المنتج الذي أعنيه لا يرد في التقرير السنوي لجهته أي ذكر للصعوبات التي يواجهها لأنه أصلاً لم يحاول أن يعمل لتواجهه صعوبات!.

هذا النوع من المديرين يحيط نفسه بمجموعة يثق بها من المقربين ويمنح لهم الصلاحيات والحصانة ويتحوصل هو في منصبه، فيزداد الركود في إدارته ويعاني الموظف المخلص من الإحباط والتجاهل ويعاني المستهدف بالخدمة من قصور الخدمات ويعاني الوطن من صرف دون انتاج، واعتقد أن الخطوة القادمة لـ(نزاهة) والمراقبة العامة هي مراجعة ما تحقق من تقدم في الإنجازات ومقارنته بما صرف والسؤال عن السيرة الذاتية للموظفين في المواقع المفصلية للمؤسسة ومؤهلاتهم وكيف تم وصولهم للوظيفة كما أقترح أن تعقد الجهات الرقابية حوارات مفتوحة مع سائر الموظفين صغارهم قبل كبارهم وستخرج بمحصلة كبيرة وصيد ثمين.

وزارة الخدمة تخاطر

أرجو أن لا يستعجل قائل فيقول أن انتقادي للخطوة هو من باب عدم الرغبة في التغيير والركون للواقع، فالأمر ليس كذلك إطلاقاً، فنحن من جيل غير إيجابياً إلى الأفضل، وحقق إنجازات عظيمة قائمة على التغيير المدروس للأفضل، ثم أن وجهة نظري هذه عرضتها على معالي وزير الخدمة المدنية ونوابه ومساعديه في ديوانية الزميل عبدالوهاب الفايز ولم يكن الرد عليها مقنعاً لغالبية الحضور وفق حديثهم بعد ذلك.

وزارة الخدمة المدنية في استراتيجيتها الجديدة، التي تنوي (الاستعجال) في تطبيقها، تريد أن تمنح الوزارات والجهات الحكومية صلاحيات التصرف في شؤون موظفيها دون الرجوع للوزارة وهذا معناه أن الترقيات والتعيين ومنح المراتب وكل ما يتعلق بالموظف ستتولاه الجهة نفسها دون الاحتكام إلى جهة وزارة الخدمة المدنية التي، في وضعها الحالي، لا تعتبر رقيب فقط بل خبير متخصص ومرجعية لضمان حد أدنى من العدالة الوظيفية وعدم  إساءة استخدام سلطة الترشيح والرفع بالأسماء لمقام الوزارة، ومع ذلك وجدت (نزاهة) مخالفات عدة ورواتب إضافية وتعيينات غير مستحقين وترقية غير أكفاء وإحباط شباب متقد مؤهل، فكيف إذا تولى مدير التشغيل ومدير شؤون الموظفين في الجهة كل الصلاحيات للتنفيذ.

قلت لمعالي الوزير أنكم ستمنحون الجهات الثقة والصلاحيات وتضعون لهم الحبل على الغارب  قبل سد ثغرات إساءة الاستخدام الموجودة أصلاً وتتكشف كل يوم، فحبذا لو كانت البداية بأن تكون إدارات الموارد البشرية في الوزارات مرتبطة مباشرة بوزارة الخدمة المدنية، أو على أقل تقدير أن يكون لوزارة الخدمة ممثل فيها، تماماً مثل الممثل المالي التابع لوزارة المالية، وكان رد معاليه أننا سنراقب كل الحركات الوظيفية للجهات بالحاسوب فنعرف كم الترقيات والتعيينات، وهنا قلت لمعاليه أنكم بالحاسوب ستراقبون الكم وليس الكيف وهو الأهم.

مشكلة توجه وزارة الخدمة المدنية الحالي أنه يحاكي أسلوب عمل القطاع الخاص، وثمة فرق كبير جداً يجب أخذه في الحسبان وهو أن المدير في القطاع الخاص محكوم بمعيار نجاح واضح هو تحقيق ربح مالي وهو دافعه للعمل فهو يعلم أن الشركة لو لم تحقق الربح فسيخسر منصبه، لذا فإن لديه دافع  للعمل للوصول لهدف صعب، لن يصل إليه لو عين غير مؤهل أو رقى غير مستحق أو أحبط موظف منتج، بينما المدير في الحكومي دافعه للبقاء مختلف جداً وهو إحاطة نفسه بقريب وصهر ونسيب ومساعدين غير مؤهلين، له عليهم منة ومعروف، يفرض الولاء للمدير لا للمؤسسة!.

إن ما يتلقاه كاتب الرأي من شكاوى الإحباط والظلم الوظيفي والمخالفات الواضحة لأنظمة الخدمة المدنية والالتفاف حولها، يفوق ما وجدته هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) أو ديوان المراقبة العامة، لأن غالبية الموظفون المحبطون يخشون تبليغ الجهات الرقابية أو حتى التحدث مع مندوبهم الزائر.

(فتى البيضة) في نهائي الدوري

في البداية، لابد أن نرسخ في أذهاننا ونحاول دوماً تذكير بعضنا البعض أن (فتى البيضة) ورئيسة وزراء نيوزيلاندا، وكثير من الشعب الأسترالي اللذين تظاهروا احتجاجاً على الجريمة النكراء للإرهابي الأسترالي  قاتل المصلين في مسجدي نيوزيلاندا واللذين أيدوا (فقش) البيضة على رأس السيناتور الاسترالي العنصري فرايزر أنينغ وسخروا منه وتظاهروا مؤيدين للفتى اللذي أهانه بكسر بيضة على رأسه عن قرب، كل هؤلاء يجب أن نرسخ في أذهاننا ونذكر بعضنا أنهم هم من يمثل الأسوياء المنصفين من الشعب النيوزيلندي والأسترالي، وليس ذلك الإرهابي ولا السيناتور العنصري، وهذا الشعور سيريحنا أولا وينصف الأسوياء والمنصفين في العالم وهم الغالبية فالشاذ لا حكم له، وهذا الشعور سيشيع التسامح الفعلي في العالم ويخفف التوتر.

الفتى الأسترالي الملقب بـ(فتى البيضة) أسمه ويل كونولي  ويبلغ من العمر ١٧ عام ، أصبح بطلاً عالمياً وبلغت شهرته عنان السماء بعد ذلك المقطع الذي انتشر، وواضح جداً أن الفتى لم يكن هدفه الشهرة، بل كان هدفه إهانة ذلك العنصري وتصوير البيضة وهي تسيل على رأسه الأصلع الفارغ إلا من الحقد على المسلمين والعنصرية المقيتة ضد الملونين والمهاجرين، ولعل ثبات الفتى ويل كونولي بالرغم من توجيه ذلك الوغد الصفعات له، بل أن فتى البيضة رد عليه بلكمة بيد وجهازه الخلوي يصور في اليد الثانية يؤكد إصراره على النيل من ذلك العنصري بشجاعة واضحة وإصرار.

أقترح استضافة ذلك الفتى والاحتفاء به في المملكة، قبلة المسلمين، ومنبع التسامح، فمثل هذا الاحتفاء سيبرز روح الامتنان لأمثاله ويشجعهم ويلفت مزيد من الأنظار لموقفه الإيجابي في الاعتراض على العنصرية المقيتة، وأتمنى أن نحتفي به في مناسبة جماهيرية كمباراة كرة قدم نهائية، كنهائي كأس خادم الحرمين الشريفين أو نهائي الدوري وينقل هذا التكريم للعالم.

أيضاً أين إعلام العالم، وخصوصاً أمريكا وكندا، مما تعرض له الفتى من الضرب واضطهاد رفاق السيناتور العنصري فرايزر أنينغ، وهو ما لا يحدث لكل متهم دون محاكمة، فأين منظمات حقوق الإنسان من مراهق يطرح أرضاً ويشتم ويضرب ويهينه أكثر من أربعة شداد دون احترام لإنسانيته و حقوقه وصغر سنه؟!

 

تناقضات حكومية

الإجازة المرضية والعذر الطبي للطالب والطالبة في الجامعات وللموظف الحكومي غير مقبولة إذا صدرت من مستشفى خاص!، ولابد من الحصول على العذر الطبي أو الإجازة المرضية من مستشفى حكومي، وهذا أمر لا أعترض عليه مطلقاً كوني أعرف أن مصوغاته مقبولة وهي الخوف من إساءة الاستخدام أو المتاجرة بالتقارير الطبية وتولد سوق سوداء للإجازات المرضية، ولكن عدم الثقة لا تتجزأ، تماماً مثل أن الثقة لا تتجزأ، إما أن أثق فيك أو لا أثق.

كيف أثق في المستشفى الخاص وهو يطلب من المريض إجراء الفحوص المخبرية والإشعاعية المكلفة جداً وأثق فيه وهو يقرر التنويم لعدة أيام بتكلفة عالية ويقرر إجراء جراحة أو أي تدخل مكلف وأنا لا أثق في ما يصدره من تقارير إجازة أو عذر طبي؟!. هذا تناقض واضح و ازدواجية غريبة.

ومن التناقضات العجيبة أننا نركز في مكافحة الفساد على الفساد المالي (رشوة ، اختلاس، وهدر مال عام) ولا نحاسب على فساد سلوكي وظيفي واضح وضوح الشمس وله نتائج وخيمة خطيرة وهدر جهد ومال، مثل المخالفة الواضحة المتمثلة في ترك طبيب حكومي لعمله في المستشفى الحكومي والذهاب أثناء الدوام الرسمي لمستشفى خاص للحصول على كسب غير مشروع، وهذا الفساد ينجم عنه إهمال مريض مستشفى حكومي وإهمال طلبة طب وأطباء تحت التدريب وتعريض المريض لأخطاء طبية نتيجة قيام المتدرب بعمل الاستشاري الغائب وهي أخطاء تدمر المريض صحياً ونفسياً وهذا الأهم، وتعويضاتها المالية تكلف الدولة كثيراً وعلاج نتائجها يكلف الدولة أكثر!.

ومن التناقضات توظيف الفتاة السعودية في بيع قطع غيار السيارات بينما مديرها مستورد!،  ومطالبة المتقدم السعودي بشهادة خبرة بينما الأجنبي يتدرب عندنا!، واشتراط اجتياز اختبار لغة انجليزية على المتقدم داخلياً بينما التعاقد من الخارج يتم مع شخص لا يفك الحرف ولا يتحدث بالانجليزية!.

ومن التناقضات تطبيق بعض الدوائر للتقشف في عناصر أساسية بينما عقد الورود لمكتب المدير ولطاولة اجتماعاته يضيع تقشف سنة!.

علينا أن نعيد النظر في الأمور المتعارضة والمواقف المتناقضة ونعالج الإزدواجية والكيل بمكيالين للكثير من القضايا فالتناقض في حد ذاته يحبط الهمم ويثير التساؤلات و يولد الحجج.

 

يا مذيعة عيب ويا مقدم اركد

لا جدال أن المملكة العربية السعودية محسودة على ما تنعم به من أمن ورخاء ورغد عيش، وهذا ليس بجديد، بل منذ عقود من الزمن، وعلى صور متعددة ومواقف متنوعة ومن أطراف عديدة.

كل محسود مرزوق، والعجوز الحكيمة اختصرت دعاءها لإبنها بالقول (اللهم اجعله من المحسودين)، فكل ذي نعمة محسود، وطبيعي جداً أن كل حاسد لابد أن يتصيد ويتحين الفرص للنيل من هدفه فيستهدفه، لذا فقد كان علينا دوماً أن نحرص أكثر من غيرنا على تفادي كل سلوك يسيء للوطن أو حتى قول يمنح الحاسد فرصة وحجة.

في هذا الزمن والظرف تحديداً، فإننا يجب أن نكون أكثر حرصاً وتفادياً لما يسيء لنا ولوطننا، فنحن نعيش حالة حرب على جبهات عدة ونديرها باقتدار وحزم وعزم ونضحي بأغلى ما نملك وهي أرواح أبطالنا على حدود الوطن، فكيف لا يضحي البعض بأتفه وأرخص ما يملك وهو مناكفة الآخر والتشفي منه؟!.

الإعلامية والإعلامي، المذيعة والمذيع، حري به أن يكون الأكثر إدراكاً لهذه الحقيقة والأكثر حرصاً على أن يكون واجهة مشرفة وقدوة حسنة، لكن ما حدث مؤخراً لا يدل على أدنى شعور بالمسئولية، بل ولا أدنى احترام للآخر ناهيك عن احترام المشاهد في الداخل والخارج!.

مذيعة تتلفظ بما لا يليق وتستفز الآخر بعبارات لا تقال في الشوارع ولا في المشاجرات والمشاحنات الهابطة ، ومذيع يشوه سمعة شعب بأكمله بتضخيم حالات شاذة يمكن معالجتها بستر لو أجريت دراسات اجتماعية في الجامعات ومراكز البحث وشخصت مشاكلها وتم اقتراح وسائل العلاج والرفع بها للجهات المختصة لأن مثل هذه السلوكيات الشاذة لا تعالج بنشرها وتعميمها والصراخ والتهديد.

أقول للزميلات والزملاء، المذيعات والمذيعين ومقدمات البرامج، استرونا، فقد أصبح بعضكم معول هدم و تشويه ظالم للوطن وتلفظ بألفاظ نابية لا نريد أن يسمعها المراهقين والشباب والكبار فما بالك بالصغار؟!، سب وشتم واستفزاز وتحد وتهديد ووعيد لا ينم عن حكمة ولا عقل ولا خلق حسن وتربية صالحة، أكرر نحن في حالة حرب تستوجب أن نتكاتف، لكن البعض يتصرف بالميكرفون وكأنه نافخ الكير في نار بيننا.

 

مهزلة (زغبي) وأبحاث الجامعات واحد

فخر كبير جداً أن لدينا حوالي ٣٠ جامعة حكومية و١٢ جامعة أهلية وخاصة، ومؤسف جداً أننا نفتقر للدراسات الاجتماعية والأبحاث والإحصاءات والأرقام الدقيقة التي يمكن أن تسهم بها تلك الجامعات في إمداد جهات التشريع ورسم الاستراتيجيات بأرقام صحيحة للحالات، وتقارير دقيقة عن الممارسات، ونتائج أبحاث علمية محكمة لأسباب مشاكلنا الاجتماعية والغذائية والصحية ليسهل تشخيصها وعلاجها على أساس صحيح.

في جلسة واحدة حافلة بعدد من المتخصصين والأكاديميين وكتّاب الرأي تم طرح أكثر من (تخمين) لأسباب ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع السعودي، وكل يخمن حسب هواه وانطباعه الشخصي!، لم يرد ذكر بحث أو دراسة!.

هل يعقل أن لدينا أكثر من أربعين جامعة وليس لدينا مئات الأبحاث عن أسباب الطلاق وأرقامه ونسبه الصحيحة؟! وليس لدينا إلا دراسة فقر واحدة قديمة!، وليس لدينا رقم صحيح لخط الفقر!، وأن معلوماتنا المتوفرة للمجتمع عن عادات التغذية السيئة وأنواع الأطعمة  الضارة والصبغات المسرطنة والورقيات الملوثة، مصدرها الوحيد شائعات (واتساب) و (تويتر) وسواليف مجالس.

عشت في الجامعة عشرات السنين، طالباً ومعيداً ومحاضراً ورائد لجان نشاط، ورأيت أن الأستاذ المساعد والمشارك والأستاذ لا يجري أبحاثه بنفسه بل يتولاها فني متعاقد أو موظف أجنبي يبحث عن استمرارية  وتجديد عقد!، حتى الأبحاث المطلوبة للترقية بين درجات الأستاذية يجريها صغار فنيين ومساعد باحث لا يهمه تزوير و(فبركة) أرقامها طالما أنه يمسك الأستاذ السعودي من أذن فاسدة تؤلمه!.

لم نكن قط في حاجة لأن تتسابق الجامعات لتصحيح مرتبتها عالمياً عبر عدد زيارات مواقع إلكترونية، بل كنا ولانزال في أمس الحاجة لأن تتسابق الجامعات في إجراء أبحاث ودراسات محلية نعتمد عليها في اتخاذ قرارات ورسم استراتيجيات  مصيرية!.

إذا ساورك أدنى شك، عزيزي القارئ، في ما ورد أعلاه، وفي أن جامعاتنا مقصرة في إجراء الدراسات الاجتماعية والإحصاءات، فتذكر أن أتفه دراسة إحصائية، عن جماهيرية الأندية الكروية، لم تجريها جامعة أو كلية دراسات بل دفع لـ (زغبي) لتخرجها بالاستغفال (المصلحجي) الذي خرجت به، ودعك من تعصب كرة القدم وتذكر أنه إذا لم يتم التقصي عن الفساد وتغليب المصالح الشخصية في أبحاث الجامعات فإنها لن تختلف عن دراسة زغبي.

 

معيار الاختيار طار

هذا الوقت تحديداً، بما فيه من جدية المحاسبة ومحاربة الفساد هو أنسب وقت لمراجعة معيار الترشيح والاختيار للأشخاص والمحاسبة عليه بشدة، فيفترض أن يبنى كل اختيار، أو ترشيح لشخص، على معيار أو مجموعة عناصر (معايير) معروفة يجب توفرها لدى من يتم ترشيحه أو ترشيحها لوظيفة أو إنجاز مهمة.

لم يسبقنا الغرب في الاهتمام  بمعيار اختيار الأشخاص  للمهام ووضع مقاييس أو معايير أو صفات لابد أن تتوفر في من يتم اختياره لإنجاز المهام، بل نحن سبقناهم، بدليل أننا من قال في هذا الخصوص (للحروب رجال يعرفون بها وللدواوين حساب وكتاب)، لكن الغرب تفوق علينا في استمرارية التطبيق ودقته والمحاسبة عليه.

والفرنجة يطلقون على المعيار لفض (كريتيريا) بالانجليزية وهي مفردة دقيقة وبليغة وذات معنى شامل ويحاسبون عليها بشدة وحزم، فسؤالهم الدائم: ماهي الكرتيريا التي بني عليها اختيار ذلك الشخص أو الأشخاص، وإذا لم تنطبق (الكريتيريا) بدأ البحث عن فساد أو هوى تحكم في الاختيار.

في وزاراتنا وهيئاتنا ومؤسساتنا نفتقد كثيراً لمعايير الاختيار والترشيح ونفتقد أكثر للسؤال عنها والمحاسبة عليها، وفي أغلب الأحيان نركز على الشخص دون التركيز على مؤهلاته و سيرته الذاتية ومواصفاته التي هي جزء من خصائص ومعايير يفترض أن تطبق للحكم على استحقاقه دون غيره لتولي مهمة أو وظيفة.

عندما تعمل لسنوات طويلة في جهة حكومية أو عدة جهات، تشهد مواقف تشعرك بأن معيار الاختيار طار في كثير من الاختيارات، أو أنه معيار خاطئ سيطر عليه الهوى،  فقد ترى شخص  رشح لأنه صهر أو قريب أو عديل (زوج أخت الزوجة) أو صديق وهذه جميعها معايير لا علاقة لها بالوظيفة أو المهمة المرشح لها، وقد شهدت مسؤولاً يسيطر عليه التحيز للمهنة دون الكفاءة فلا يختار لأي وظيفة إلا طبيباً حتى لو كانت الوظيفة تتعلق بالشأن الاجتماعي الذي يتطلب أخصائية اجتماعية أو شأن هندسي أو وظيفة  فنية لا علاقة لها بالطب، إلى درجة أننا قلنا: من الطبيب الذي سيشرف على قسم الصيانة والنظافة؟!.

سألت أحدهم: ما هي المعايير التي تعتمدونها في اختيار رجال ونساء يمثلوننا في المؤتمرات والحوارات الخارجية غير إجادة اللغة الانجليزية؟! فوجدت من الإجابة أن الكوادر المتخصصة ذات الإطلاع والإلمام والحجة والقناعة الذاتية بتوجه الوطن لم تمنح الفرصة ومنحت لمن لا يمتلك الحد الأدنى من المقومات ومعايير الاختيار.

وزارة الصنعتين عذاب

حضرنا ككتّاب رأي اجتماعين مع وزيري عمل وتنمية اجتماعية، السابق معالي الدكتور علي الغفيص والحالي معالي المهندس أحمد الراجحي في تاريخين مختلفين وفي ذات القاعة بمبنى وزارة العمل، وفي الاجتماعين كان التركيز منحصراً على العمل، دون التطرق لشق الوزارة الثاني المهم عن النواحي الاجتماعية!.

ككاتب رأي، وموظف حكومي في ذات الوقت، كنت أضطر لأخذ إجازة يوم من عملي لألبي الدعوة للاجتماع وأحضر وأنا أحمل ملفات قضايا اجتماعية لمعاناة ذوي الدخل المحدود والمعلقات والمطلقات ونزلاء دور العجزة ودور اليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة ودور الرعاية الاجتماعية، وقضايا العنف الأسري وغياب التخصص في شؤون الحماية الأسرية وإهمال دور الأخصائية الاجتماعية في الوقوف مع المتعرض للعنف أو أقارب المتوفى في حادث أو المتعرض لمصائب الدهر وهو النهج الأنجع لمجتمع سليم، لكن المفاجأة تكون بأن النقاش سيدور حول العمل فقط!، مما يعطي شعوراً على أقل تقدير (شعور) بأن الوزارة مشغولة بالعمل عن التنمية الاجتماعية.

وعندما تتابع أنشطة وتصريحات وحوارات وزير التجارة والاستثمار تجد أن الاستثمار يطغى على كل شيء في وقت يحتاج فيه شق التجارة لوقت أكبر وجهد مضاعف.

ولأن التجار أذكياء بالفطرة فقد استفادوا كثيراً من برود جانب حماية المستهلك ورقابة الأسعار والتأكد من صحة إعلانات التخفيضات وتنفيذ بنود الضمان والصيانة ناهيك عن تخلي الوزارة عن الخلافات التعاقدية بين العميل ووكلاء السيارات وإحالتها لمحاكم تستغرق وقتاً وجهداً وتكاليف محاماة تجعل مالك السيارة يعزف عن المطالبة بحقوقه كما أشرت سابقاً.

حتى وزارة التعليم منذ أن جمعت بين التعليم العام والتعليم العالي تركزت جهودها على المشاكل الكبيرة للتعليم العام و باتت الجامعات كل يغني على ليلاه!.

إذا كان المثل الشعبي يقول أن صاحب صنعتين كذاب، بصرف النظر عن صواب وجهة نظر المثل من عدمه فإن المؤكد أن  الوزارة ذات الصنعتين تعاني عذاب التحكم في كل صنعة وأداء واجباتها خصوصاً أن الكوادر لم تزد ولم تتنوع ولم تتطور.

“تعسير” فاتورة كهرباء أم سالم

وأم سالم عجوز عصامية عرفتها منذ عشرات السنين تبيع في بسطة في سوق العويس بالرياض، وعرفتها لأنني كنت وما زلت أحب التحدث لكبيرات السن اللاتي يبعن في الأسواق، قبل قرار إيكال البيع للفتيات، ويعملن بجد ومثابرة لكسب العيش وإعاشة أسر كاملة (لا لشحن جوال أو لشراء شنطة ماركة أو جوال جديد)، وحديثي معهن لا يشمله قانون التحرش، لأنه حديث للتعلم لا للتحرش فمن أم سالم وزميلاتها تعرفت (سابقاً) على معاناتهن من قسوة مراقبي البلديات بسحب البضاعة والطرد (مع أنها ملابس لا غذاء ولا دواء)، حتى رحمهن ربي بالدكتورة ليلى الهلالي في أمانة مدينة الرياض، التي تبنت مشروع الأسر المنتجة والبساطات، فسمح لهن وانبسطن البساطات ولم تنبسط ليلى بتكريم، إلا بنجاح إنجازها الإنساني، فلم تشكر وتدعم بعد ذلك.

ما علينا، أم سالم أرملة تولت أسرة تزيد عن عشرة أولاد وبنات، أهلت الأولاد للدخول لدورات ومعاهد عسكرية وسيخدمون هذا الوطن الحب، وعلمت بناتها الكسب عبر العمل مع مواصلة الدراسة ثم زوجتهن بشهادة تربية عليا وكفاح أعلى، وبلغت أم سالم اليوم من الكبر عتيا وأرهق قلبها المرض وهم الدنيا ولا زالت تبيع في العويس بعد عملية صمام قلب!.

قابلتها الأسبوع المنصرم وسألتها عن الحال، فحمدت الله وشكرت وطناً وفر لها تقاعد زوجها المتوفى وضمان اجتماعي وحساب مواطن ووفر لها فرصة تيسير البيع وكسب الرزق بعد عسر مضى، لكنها تشتكي من شركة الكهرباء (ومن لا يشتكي من شركة الكهرباء؟!)، تقول أم سالم: خدعونا ببرنامج (تيسير) واكتشفنا أنه (تعسير)، تقول عودونا على قسط لا يتجاوز ١٣٧ ريال شهرياً، ثم فجأة قالوا أن عليك فاتورة ب ١٥٠٠ ريال وذهبت وسددت ثم قالوا عليك ١٥٠٠ ريال مرة ثانية، وعندما جمعت المبلغ وذهبت للتسديد قالوا: عليك تسديد ٣٥٠٠ ريال كاملة، وطبعاً لا أملك هذا المبلغ دفعة واحدة فرجعت، والآن فصلوا الكهرباء ويطالبونني بمبلغ ٤٤٠٠ ريال! فأين التيسير؟!، هذا تعسير!!.

أعرض لشركة الكهرباء حالة أم سالم وهي بالمناسبة تمثل حالة شريحة كبرى من ذوي الدخل المحدود اللذين (وهقتهم) الشركة بنظام (تيسير) الذي اعترض عليه النقاد ولم يشرح للمشتركين بطريقة توضح سلبياته ونتائجه الوخيمة إذا تراكم على المشترك مبلغ كبير.

أطالب شركة الكهرباء أن تتحمل أخطاء توريطها لذوي الدخل المحدود بنظام التقسيط هذا (تيسير) الذي ثبت أنه (تعسير) وتعيد لأم سالم وغيرها من المشتركين خدمة الكهرباء وتقوم بتسوية المبالغ المتراكمة كديون غير مرجوة (غير محصلة) ولا تربطها بفصل التيار، و(خلوا حيلكم على الي ما يسدد واستهلاكه الشهري يدل على أنه قادر).