التصنيف: بصوت القلم

حمى العمل في القطاع الصحي الخاص

بقلم الأستاذ الدكتور جمال الجارالله
استشاري واستاذ طب الأسرة والمجتمع
بكلية الطب بجامعة الملك سعود

 

نشر في الملتقى الصحي

فرض العمل في القطاع الصحي الخاص نفسه على الأطباء في السنوات الأخيرة، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من منظومة الخدمات الصحية موازياً للقطاع العام أحياناً .. ومنافساً له أحياناً وطاغياً عليه أحياناً أخرى ..

 

ولا يشك أحد في أهمية القطاع الصحي الخاص والعمل به كرديف للقطاع العام الذي يتسم أحياناً بعدم المرونة في تقديم الخدمة الصحية، إما مكاناً وإما زماناً أو يقصر في تقديم بعض الخدمات المهمة، أو لا يلبي رغبات بعض المستفيدين ومنها الخدمات الفندقية ..

 

وإذا كان العمل في القطاع الخاص خيراً أو شراً لا بد منه تفرضه ظروف كثيرة وتدفع إليه، فلا أقل من أن يضبط بضوابط ويحاط بأنظمة تحول دون انحرافه إلى مالا تحمد عقباه ..

نعم .. إن العمل في القطاع الصحي الخاص حقيقة ماثلة للعيان لا يمكن إغفالها ولا إهمالها .. ولا محاربتها .. فقد يصل الأمر أحياناً إلى حد الضرورة التي لا محيد عنها ..

لقد رفع كثيرون عقيرتهم بالتشكي من سلبيات العمل أو العاملين في القطاع الخاص، وما يحدثه ذلك من تأثير سلبي ليس على العاملين في هذا القطاع وحدهم وإنما على مهنة الطب وشرفها.. ورفعتها..

تحدث المتحدثون عن التنافس غير الشريف في العمل في القطاع الخاص، وما ينتج عنه من شياع المؤامرة .. حيث تضيع كثير من القيم السامية التي تفترض في الأطباء قبل غيرهم أن يتصفوا بها ويلتزموا بأصولها.

أما الإعلان عن الخدمات فهو غني عن الحديث عنه، فالصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى تعج بأنواع من الإعلان تجاوزت كل حدود الأنظمة والأعراف الطبية والتقاليد بل وحتى حدود الحياء … ويرتد إليك طرفك حسيراً وأنت تقلب صفحات الجرائد والمجلات فتقرأ فيها نماذج من الإعلانات لا يمكن قبولها بحال ,, فهي إما إنها تحمل أنواعاً من المبالغة، أو تستخف بالقارئ المستهلك المسكين، وتشكل عليه ضغطاً هائلاً مباشراً أو غير مباشر.. لكن المحصلة في النهاية هي نوع من الخداع ولون من ألوان الغش.. كان الأولى بالأطباء أن يترفعوا عنه وأن يرفضوه.

وتحدث المتحدثون بل تواترت الأخبار عن استغلال حاجة المرضى للعلاج، وجهلهم بالمعلومات الطبية، وغياب الرقيب، ودفعهم إلى أنواع من الإجراءات الطبية ليسوا في حاجة إليها، ولا تستدعيها حالتهم الصحية بل ربما كانوا أصحاء متوهمين يزيدهم الطبيب بحنكته وخبرته – وربما بخبثه – وهماً على وهم، ويصور لهم أنهم في حاجة إلى ذلك الإجراء الطبي او تناول تلك الأدوية على وجه السرعة وإلا حلت الكارثة.

وفي كثير من الأحيان زالت آلام المريض ومعاناته دون أن تجرى له تلك الإجراءات الطبية ودون أن يتناول حبة دواء واحدة … بل بلمسة حانية من يد نظيفة شريفة وقلب أمين مؤتمن على أرواح الناس وصحتهم .. إنه الجشع وإنه الطمع الذي جاوز كل الحدود.

ويستجيب بعض الأطباء، وللأسف الشديد لمطالب مالكي المؤسسات الصحية، فيثقل كاهل المريض بفحوص طبية متعددة بشكل روتيني سواء استدعتها حالة المريض  أم لا، دون أدنى تفكير فيما يمثله ذلك من تعد صارخ على أخلاقيات المهنة، وما ينطوي عليه من فقدان الثقة بالأطباء وبطبهم وأخلاقياتهم.

هذا شأن بعض العاملين في القطاع الصحي الخاص ممن هم متفرغون للعمل فيه يملؤون ساحاته صباح مساء، فماذا عمن تفرغوا له جزئياً؟

يبدو أن الحال ليست أحسن، بل ربما أسوأ، ويبدو أن بيئة العمل في القطاع الخاص تفرض نوعاً من التعامل وطريقة في الأداء وأسلوباً في الممارسة تضغط على العاملين فيه فيستسلمون لإغراءاته دون تفكير في مدى انسجام ذلك مع أخلاقيات المهنة وسمعتها ..

ويزداد الأمر سوءاً على سوء إذا أضيف إلى ذلك ذلك التسابق المحموم لإغراء المرضى بالمراجعة في العيادات الخاصة، وحين يكون العمل في القطاع العام هو المدخل الرئيس لاستقطاب المرضى، وأحياناً بشكل ممجوج ترفضه الفطر السليمة والمهنية العالية ..

وبعد ..

فهل يمكن أن يقال أن العمل في القطاع الصحي الخاص مصدر لتلويث الطب والأطباء؟

وهل ينسحب ما قـلناه هنا على كل العاملين في القطاع الخاص؟ ولا شك أن الإجابة عن هذا السؤال: أن لا!

فليس كل العاملين في القطاع الخاص على هذه الشاكلة.. فهناك نماذج راقية للعاملين في هذا القطاع ما زالوا قدوة في الممارسة يحتذى حذوهم ويقتدى بهم.

إنني هنا لا أخاطب الجهات الرسمية المسؤولة عن الرقابة على هذا الجهاز.. ولا أخاطب أصحاب المؤسسات الصحية من غير الأطباء إن وجدوا .. إنني أخاطب ضمير الطبيب، وأخاطب إيمانه وشرف مهنته .. الطبيب الذي نذر نفسه أصلاً لخدمة المرضى وتخفيف آلامهم .. لا لشفط ما في جيوبهم وحسب، وكلي أمل أن نستجيب لنداء الضمير مرة أخرى .. وللذين لم يبيعوا ضميرهم للقطاع الخاص وإغراءاته ولم يستسلموا لبريقه .. لهؤلاء مني تحية خاصة .

 

والله من وراء القصد …

 

يا وزير الصحة إعدلوا هو أقرب للتقوى .. الفريق الصحي سواء فلا تستثنوا الأطباء

أجزم أن معالي الوزير توفيق الربيعة قد لمس عن قرب خلال عمله في وزارة الصحة، وأنه كان يعلم قبل ذلك كمراجع أو مرافق لمريض أو قارئ ملهم الحقائق التالية:

١- الرعاية الصحية عمل جماعي لفريق من عدة تخصصات لا يقل دور أي منهم عن الآخر ولا يزيد ولا غنى لواحد منهم عن بقية الفريق والطبيب لم يعد يعمل وحده أو حتى يملك قراراً وحده دون الرجوع لعمل فني مختبر(فحوصاته تقود للتشخيص) وفني أشعة (صوره تحدد العلة ومكانها وتقود حتى إجراء الجراحة) وممرض (يقوم بكل أدوار الرعاية السريرية وفحص المؤشرات وتثبيت أنابيب الحقن والسحب والإجراءات المتعلقة بكل تخصص) وصيدلي (ملم ببحر متلاطم من علم دوائي واسع يشمل تفاعلات أدوية مع بعضها وتعارض بعضها مع المرض وتعارض بعضها مع عجز عضو كالكبد والكلى وجرعاتها وتفاعلاتها وسميتها المميتة وأثارها الجانبية وتحضير المحاليل الوريدية الدوائية بقدر حسّاس وخطير ومميت لو أوكل لغير مختص) وأخصائي علاج طبيعي (هو أساس نجاح أو فشل كثير من التدخلات الجراحية والعلاجية) وأخصائي تغذية (لا تنجح رعاية ولا علاج ولا حال مريض دون تدخلاته) وغيرهم من فنيين وأخصائيين لا يتسع المجال لشمول أدوارهم.

٢- تمييز فرد من أفراد الفريق الصحي عن غيره سيؤدي إلى تسرب البقية لجهات ودول تدرك تكامل عملية الرعاية الصحية وأهمية جميع أفرادها وبالمناسبة نحن البلد الوحيد، في العالم المتقدم صحياً، الذي يميز الطبيب عن غيره من أعضاء الفريق، والسبب أن القرار ارتجالي يتخذه شخص أو عدة أشخاص يعتمد على تأثره الشخصي بمن يحتك بهم فقط ولا يحيط أو يحاط علما بمن لا يراهم من الفريق الصحي، بينما في البلدان المتقدمة الأخرى تقوم النقابات والجمعيات وأحيانا الإضرابات بلفت النظر لأهمية من يُغَيب الجهل أهميته، مما أدى إلى انتشار مقولة: الرعاية الصحية كالساعة لا يرى منها إلا عقرب الساعات والدقائق (الطبيب والممرضة) بينما تقوم التروس الخفية بالعمل الأهم وهو تحريكهما دون أن يراهم أحد) لكن القرار هناك تتخذه لجان تدرك أهمية توقف التروس عن العمل!.

٣- بعض التدخلات الجراحية والطبية أصبح يقوم بها جهاز الإنسان الآلي (الروبوت) لكن ذلك لا يلغي أهمية الطبيب مهما كان التدخل روتينيا، ولا يمكن أن يقبل عاقل بالقول أن الروبوت سيغني عن الطبيب! وأخشى أن يأتي من يقول (يلغى بدل السكن باستثناء الإنسان الآلي، لأنه أجري له عملية بالروبوت!).

٤- الزمن الذي كان فيه الطبيب يشخص الداء ويصرف الدواء ويعطي الحقنة، زمن ولى منذ خمسين سنة أو تزيد وكان زمن له ضحاياه اللذين دفنوا مع خطأ المرحلة المتخلفة والأمم الطموحة تتقدم لا تتخلف! وعبارة (إلغاء بدل السكن باستثناء الأطباء) ستعيدنا ٥٠ سنة للوراء.

٥- تذكرت د. توفيق الربيعة (وزير الصحة) بل تذكرت كثير من أعضاء مجلس الوزراء وأنا أشاهد شاب سعودي (أخصائي أطراف صناعية) يحاول بحماس منقطع النظير انجاح تركيب طرف صناعي لجندي بتر ساقه انفجار لغم ، يحثه و يشجعه ويدربه ويعيد عشرات المرات وزن الطرف ليعيد له الأمل! ثم تساءلت كيف خالف التوفيق توفيق فوافق على تجاهل أهمية هـذا العضو من الفريق؟!.

أمس الضحى رأيت الملك عبدالله

كان يسير في ممرات مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني عند زيارته لمريض فيداعب كل من يصافحه في طريقه ويحدثه بعفوية وتلقائية وابتسامة عريضة لا تخلو من تعليق طريف وممازحة، تماماً كما كان يفعل وهو يزور المعارض أو المراكز التجارية، يتذوق طعاماً من هذا ويداعب ذاك، بنفس شخصيته الفريدة جداً التي تجمع هيبة ملك وعفوية رجل الصحراء وحنان أب، شخصية لا يمكن أن تصطنع بدليل أنها تكررت في ظروف مختلفة، ظهرت في زيارته التاريخية للفقراء وهو يتألم لحالهم ويرفض تسميتهم بالفقراء ويستبدلها بذوي الدخل المحدود وظهرت في انتقاله من نيس إلى جازان مباشرة وبعد رحلة شاقة وزيارته لمرضى وباء حمى الوادي المتصدع ويرفض ارتداء كمام واق كان مرافقوه من منسوبي وزارة الصحة يرتدونه، وظهرت وهو يقرب الكرسي لمواطن يشتكي له، وظهرت وهو مريض يرفض مسمى عرق النساء مؤكداً أن النساء لا يأتي منهن إلا كل خير، هي ذات العفوية والتلقائية في الرخاء والشدة (شخصية فريدة) لا تصنع فيها.

أخذت عهداً على نفسي أن لا أمتدح إلا من مات مقتدياً بالسلف وبقول ابن مسعود رضي الله عنه: من كان متأسياً فليتأس بمن مات فإن الحي يخشى عليه من الفتنة.

لذا أقول أنني ضحى أمس الأربعاء وفي حفل تخرج طلاب جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني عندما رأيت سموه يسن سنة حميدة بأن يسلم شهادة التفوق لكل متفوق ويطلب منه أن يحدد مكان والده في القاعة ويلوح له بالتهنئة أو يدعوه للمشاركة في تسليم الشهادة ثم يسأل عن والدته في المكان المخصص للنساء (شرفة علوية منعزلة ولله الحمد) ثم يلوح لها مهنئاً، فعل ذلك مع كل متفوق على حدة، ثم صور مع كل خريج رغم كثرتهم واقفاً لأكثر من ساعة دون ملل ولا كلل، بل بمنتهى المرح والسعادة والمشاركة في الفرحة، أقول أنني ضحى أمس الأربعاء رأيت عبدالله بن عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته في شخصية متعب بن عبدالله (ذات التلقائية ذات العفوية)، هي صفات موروثة من أب صالح وملك عادل، وهذا وطنياً مبعث اطمئنان كبير أننا في هذا البلد الأمين نستقبل جيل ثالث يحمل ذات صفات الحكمة والعطف والعفوية الممزوجة بهيبة التي نعمنا بها منذ عهد المؤسس وأبنائه من بعده.

«صعباوي» يصدم رعاية الشباب!

لم يكن رفض مجلس الشورى تحويل رعاية الشباب إلى هيئة أو وزارة أمرا مفاجئا، بل يكاد يكون أفضل وأصوب قرار اتخذه المجلس في دورته الحالية، فعلى أي أساس تحول رعاية الشباب إلى هيئة وما الذي يؤهلها لهذا التحول في الوقت الحاضر إلا أن تكون (هيئة مشجعين) على وزن رابطة مشجعين!، ومشجعين لنادٍ وليس لمنتخب فلم ترق بعد لمستوى تشجيع منتخب وطني.
قلت للأمير نواف بن فيصل ذات حوار مفتوح في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عندما كان رئيسا للرعاية أن رعاية الشباب لا تعنى بعضو في الشاب مثل حنجرته!، فأنتم تريدون الشباب مشجعين فقط!، تغرونهم بنقلهم بحافلات لتشجيع المنتخب من مدينة لمدينة أو من الوطن لدولة مجاورة وهذا كل ما تقدمونه لهم وما تريدونه منهم (مجرد حناجر)، وقلت إن الشباب يعانون من سمنة مفرطة وسكر وأمراض عصر مبكرة ويمارسون التدخين وأنتم لا تفعلون شيئا ينم عن رعايتهم! (المداخلة طويلة وموجودة على اليوتيوب بعنوان الأحيدب لنواف بن فيصل هل تخشى الإعلام) لمن أراد الرجوع لها.
الأمير نواف بن فيصل من الشخصيات الذكية الواقعية التي تقبل الرأي والرأي الآخر، وأعلم من تغريداته أن رفض الشورى تحويل الرعاية إلى هيئة لم يعجبه، حتى وهو بعيد عن الرئاسة وأحترم وجهة نظره، لكن تقرير برنامج (في المرمى) الذي قدمه الزميل بتال القوس قبيل مباراة منتخبنا الوطني ومنتخب ماليزيا في جدة قد يكون صادما لكل من يعتقد أن شبابنا سهل!، بل هم أصعب وأذكى وأكثر عصامية وجدية مما يتوقع كثير من الوزراء.
في التقرير سأل الصحفي أكثر من عشرة شباب سعوديين عن مباراة المنتخب وكانت الإجابات جميعها أنهم لا يعرفون عنها شيئا وأنهم مشغولون بالبحث عن وظائف أو المذاكرة لامتحان!.
شباب اليوم أذكى وأصعب من أن ينجرفوا خلف كرة قدم تحولت إلى (بزنس) ومصدر رزق مليوني لشباب غير متعلم أصبح همهم فقط رصيد بنكي وقصة شعر جاذبة، كانوا يحبونها عندما كانت خالصة لوجه الوطن من شباب هواة يلعبون ويبحثون مثلهم عن عمل ومصدر رزق معقول!.
شباب اليوم أذكى وأصعب من أن ينجرف خلف إثارة كرة القدم الحالية وهو يرى أنها تحولت بالكامل إلى استغلال مادي لعقله!، اللاعب يلعب من أجل مزيد من المال فقط، والصحفي يحلل في البرامج ويتقبل إهانات (تخسى وأخواتها) من أجل المال، وخبير التحكيم يحلل من أجل المال، والبرامج تستفزه من أجل إعلان ومال، ورئيس النادي يدفع مالا مقابل شهرة وهو فقط يدفع سعر تذكرة مرتفع من أجل أن يحرق حنجرته.
الحديث يطول والمساحة لا تسمح.

يا وزير المياه .. لا تكتموا الشهادة

جميل أن يستهل وزير المياه والكهرباء حواره المتلفز في برنامج (ساعة حوار) مستشهدا بحث تعاليم الدين الإسلامي الحنيف على عدم الإسراف، لكن الدين لم يحدد قناة واحدة من قنوات الإسراف ويركز عليها ويهمل سواها، ففي الماء مثلا لم يحدد إسراف المستهلك فقط، فإهدار الماء عبر أنابيب مكسورة لا يبادر بإصلاحها أو عبر تسريب شبكات لعشرات السنين هو أمر أشد من الإسراف ويصل لمرحلة عدم تقدير النعمة والتبذير المقيت والهدر بإهمال.
الوزير خلال حديثه ذكر (السيفون) أكثر من سبع مرات ولم يذكر المسبح ولا مرة واحدة!، واستشهد برسوم توضيحية فيها تكرر (السيفون) في ثماني صور ولم يظهر المسبح في رسمة واحدة، وتحدث عن مواصفات فرضها وسيكرر التشدد فيها ولم يذكر شيئا عن مواصفات للمسبح تقلل الهدر، وقاس (السيفون) بما يعادله من قوارير ماء صحي سعة لتر ونصف فتمنيت لو أنه كان منصفا منطقيا وواقعيا فقاس المسبح بما يعادله من مئات (السيفونات).
استغرب أن يتحدث وزير مياه عن هدر نعمة الماء ويتجاهل أهم صور الهدر، مثل انكسار الأنابيب و تغيير المسابح وسقيا المسطحات الخضراء والاستراحات والقصور بأنابيب تصل سعتها إلى ٨ بوصات ففي ذلك تجاهل غير علمي وعدم شمولية في تعداد صور الهدر وتحيز للرأي الواحد، وهذا التحيز يمقته بل يحتقره الأكاديميون وأهل الدراسات العلمية فلا يحترمون الدراسات المتحيزة والأرقام المنحازة.
رحم الله الدكتور غازي القصيبي فعندما كان وزيرا للمياه لم يكن يبدأ بالمواطن الضعيف الأقل استهلاكا، بل كان يستهدف الهامور الأكثر هدرا.
شخصيا، لا أرى جدوى من الحوارات التي يشترط فيها الضيف أن يكون وحيدا ولا أرى فيها أدنى مهنية، فطابعها المراوغة دون وجود من يقارع الوزير الحجة!، لذا فإن أول حوار مع وزير المياه بعد حالة الغضب من فواتيره النارية لم يجب على أهم الأسئلة وهي: ما تفسير الوزير لفواتير شقق صغيرة وصلت ألفي ريال لشهر؟! ، ولماذا أقفلت الشركة إمكانية الدخول للفواتير عن طريق النت؟، ولماذا تجاهل الوزير صور الهدر الأكبر (مسابح، مواسير مكسورة، تسريب شبكات وسقيا مسطحات)؟.
عودة لديننا الإسلامي الحنيف، فعلى من يحتج به أن لا يكتم الشهادة (ولا تكتموا الشهادة)، وأن يتحدث بصراحة المسؤول الصريح عن كل صور الهدر مما يسدد ولا يسدد.

شح مياه وشح «دبرة»

لا أحد ينكر شح المياه في العالم أجمع وأن الماء هو العنصر الأهم والأكثر شحا وخطورة في المستقبل، والجميع يعلمون أننا ومن حولنا في هذا الشح سواء، خاصة في الدول المجاورة التي تعاني من شح المصادر الطبيعية للماء العذب أو تعتمد على التحلية.
أيضا لا أحد ينكر أن تعاطينا مع شح الماء صاحبه شح في حسن التصرف وشح عظيم في ترتيب الأولويات والتعامل معها من قبل وزارة المياه والكهرباء وشركتها النائبة عنها في كل ما يخص الماء، فمثلا من غير المعقول أن تقنعني بأنك تسعى لترشيد هدر الماء وأنت لا تستجيب لبلاغات مواطن صالح بوجود ماسورة تنزف ماء الضغط العالي إلى أعلى في الرياض وكأنها نافورة جدة ولمدد تتراوح بين ساعات وأيام!.
لا يمكن أن تقنعني بأنك جاد في ترشيد الماء وأنت لم تحرك ساكنا وعلى مدى ١٢ سنة في شأن تسريبات الشبكات عدا أن تصرح بأنها تشكل نسبة من الهدر تارة تقول أنها ٣٠% وتارة تقول أنها ١٥% (يا أخي لنقل أنها ١% ابدأ بإصلاحها قبل أن تبدأ بحث المستهلك على الترشيد، على الأقل لتكون مقنعا)، ثم أن من نافلة القول أن تبدأ في وقف نزف الماء في تعبئة المسابح المنزلية ووقف نزف الماء في سقيا مسطحات خضراء وأشجار استراحات وقصور وفلل غير منتجة قبل أن تتحدث ولو مجرد حديث عن صندوق الطرد (السيفون) وغسل اليدين والوضوء.
ولكي تكون مقنعا وغير مستفز يجب أن تكون مقارناتك منطقية وذات علاقة، فلا تقارن فاتورة الماء بفاتورة الجوال، فالماء عنصر أساسي للحياة، ويفترض أنك أول من يدرك ذلك ويركز عليه!، بينما الجوال أقرب للعنصر الاختياري الترفيهي، وعند مقارنتك الماء بالجوال فأنت تقلل من قيمة الماء وقدر ترشيده، (ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل أن السيف أمضى من العصا).
عدم المبادرة بإصلاح أنابيب الضغط العالي المكسورة وبأقصى سرعة، وإهمال تسربات الشبكات، والبدء في الترشيد بغسل اليدين و (السيفون) قبل المسابح وسقيا المسطحات الخضراء دلالات واضحة على أننا نعاني من سوء تصرف وسوء إدارة وشح (دبرة) لا تقل خطورة عن شح الماء.

وحق «معيضة» يا حقوق الإنسان

قلنا مراراً وتكراراً إن جمعية حقوق الإنسان تبحث عن أي قضية مشهورة تصور معها، طبعاً ولا تهون هيئة حقوق الإنسان التي لا تخرج من (بشتها) لا في قضية مشهورة ولا مغمورة.
جمعية حقوق الإنسان تركت كل القضايا التي توسلنا إليها للتدخل فيها لإنقاذ أسر عديدة يعيش بينهم مدمن رفض مستشفى الأمل علاجه ويجلد في أخواته وأمه وربما أبيه ليل نهار ولا أحد يتفاعل مع قضيتهم بما في ذلك جمعية وهيئة حقوق الإنسان.
مرضى نفسيون لم توفر لهم مستشفيات ولا مصحات نفسية يجلدون أسرهم وجيرانهم والمارة في الشوارع، بل ويجلدون أنفسهم بالعيش تحت أشعة الشمس أو بين النفايات أو تحت الجسور، وأكثرهم رفاهية يقطن داخل كبائن الصرافات بحثاً عن البرودة أو الدفء ولم تهتم بهم جمعية وهيئة حقوق الإنسان.
لا أحد يؤيد تصرف معيض بلسعه لأطفاله وأبناء عمومتهم بخيزرانته الشهيرة، لكن لو كل من لسع أبناءه بخيزرانة تم تصويره صدفة وانتشر مقطعه وبحثت عنه جمعية حقوق الإنسان فإن الجمعية ستتحول إلى دوريات مباحث فالعدد كبير جداً، وستنطبق هنا مقولة عادل إمام الشهيرة في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) حين قال (يا بيه لو كل واحد عزل عشان جارته رقاصة البلد كلها حتبات في الشارع).
جمعية حقوق الإنسان عرف عنها أنها لا تبحث عن حق الإنسان بقدر ما تبحث عن وسم (هاشتاق) تخرج من خلاله في الإعلام، فمثلاً لو انعكس الأمر وأصبح (الهاشتاق) عن حق معيض في أن لا يكسر مجلسه بكورة فإن جمعية حقوق الإنسان ستفزع لمعيض وتبحث عن الأطفال الذين كسروا محتويات مجلس معيض، ولو أن (الهاشتاق) كان عن حق معيض في أن ينام وقت القيلولة دون أن يزعجه الأطفال بلعب (بلنتيات) في المجلس فأيضاً ستشارك الجمعية في الوسم لصالح معيض.
أما الطامة الكبرى لو أن الموقف حدث مع امرأة ما (معيضة) مثلاً، فإن جمعية حقوق الإنسان والقنوات الفضائية والبرامج والمقالات ستهب للمطالبة في جلد الأطفال لأنهم حرموها من حقها أثناء القيلولة.

بلاوي أمريكا بدأت بالبقالات

الحديث عن إلغاء البقالات الصغيرة تماما، والاعتماد على المتاجر الكبيرة (سوبرماركت) و (هايبرماركت)، بدلا من التفكير في سعودة جادة لتلك البقالات، هي نتاج أفكار أمريكية غير عادلة ولا إنسانية، تعتمد على فكر أمريكي غريب يتعمد أن يزداد الغني غنى ويزداد الفقير فقراً، و بلادي مملكة الشريعة الإسلامية، الملقبة استحقاقا بـ (مملكة الإنسانية) لن تقبل بمثل هذه الأفكار.
عندما كنت طالبا في كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، تشرفت بأن أتولى التعليق المباشر على حفل لختام الأنشطة الرياضية حضره مدير الجامعة آنذاك د. منصور التركي في ساحة ملعب الجامعة، وكان الجو ممطرا والأجواء حبية يتخللها المزاح وروح الفكاهة ومباراة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب والتعليق بمكبرات صوت موزعة في الساحة، فقلت مازحا (سيبدع خريجو بريطانيا من الدكاترة في هذه الأجواء ولن يتحمل خريجو أمريكا هذه الأمطار)، عندها همس لي الدكتور أسعد عبده أمين الجامعة آنذاك (منصب اختفى اليوم) قائلا (هذه المقارنة حساسة، خذ بالك، فيه ناس تزعل).
أقول وبالله التوفيق أعرف حساسية هذه المقارنة منذ القدم، لكن تلك الحساسية لا تعنيني، وما يهمني تدوين ملاحظة جديرة بالانتباه وطنيا وهي أن بعض خريجي أمريكا جلبوا معهم أفكارا تعد فاشلة في أمريكا نفسها لكنها لا تملك خط الرجعة منها، وعلينا أن لا نرتكب نفس الخطأ.
ومن أمثلتها حصر نشاط البيع على الشركات والمؤسسات الكبرى المملوكة لهوامير وإخراج دكاكين الأفراد من السوق، وتشجيع سلسلة فروع المتاجر التابعة للهوامير، و تشجيع سلسلة الصيدليات مما أدى إلى الاحتكار.
ومن الأمثلة تخصيص الرعاية الصحية والتأمين الصحي على الطريقة الأمريكية الفاشلة والتي جعلت ملف الرعاية الصحية أكبر مآسي الشعب الأمريكي وأهم طعم في الوعود الكاذبة لكسب الأصوات في الانتخابات الرئاسية.
تجربتنا الفاشلة منذ سبع سنوات في ملف الاستثمار وجلب الاستثمار الأجنبي الذي تمخض جبله فولد حلاقا و جزارا ودباغ جلود ومقاول تنظيف خزانات، كان نتاج (توهيق) أفكار مخرجات أمريكية.
الابتعاث و نقل العلوم وترجمتها أمر محمود، لكن ليس بالضرورة نقل تطبيقات خاطئة وتجارب فاشلة في بلد الابتعاث مثل أمريكا، ولدينا تجارب ناجحة مثل التجربة اليابانية الماليزية في التأمين الصحي ، وتجارب هندية وشرقية أخرى وعربية في توطين تجارة التجزئة وتحديدا الدكاكين الصغيرة (البقالات) التي هي بداية مناسبة لشاب عصامي يريد أن يعيش و يسترزق ليطعم زغب الحواصل.

بين تعرفة الماء وتعدد الزوجات!

غني عن القول أن الإدارة علم وتخصص عميق لايقل عن الطب والهندسة، وكما أنه لايمكن لمتخصص في علم الإدارة أن يشخص مرضاه أو يجري جراحة أو يخطط هندسيا لعمارة أو طريق، فإن الطبيب والمهندس يستحيل على أحدهما أن يمارس الإدارة ويصبح قائدا إداريا ناجحا، يقود دفة وزارة أو منشأة كبيرة ويقترح لها الحلول.
بعد تخبط الأطباء نعاني اليوم من قسوة قرارات المهندسين وبعدها الكبير عن معالجة المشكلة المقصودة، أي باختصار عدم وجود توافق بين تحديد المشكلة المستهدفة وقرار المعالجة، إلى جانب وجود خلل واضح في تحديد أولويات الحلول وجدولتها الجدولة الصحيحة حسب علاقتها بالمشكلة المستهدفة بالحل.
فمثلا، مشكلة هدر المياه ليس من أولويات الحد منها رفع تعرفة الماء بهذا الشكل على المستهلك، والتي تسببت في مشاكل كبيرة و فواتير عالية على مستهلك فقير هي أقرب للخطأ أو الخيال منها للتكلفة المتناسبة مع الاستهلاك وأجزم أن ثمة قرار حزم ينصف المواطن من هذه الفوضى.
مشكلة هدر المياه يحد منها فعليا معالجة أسباب الهدر بناء على جدول المسبب الأكبر فالأصغر وليس العكس، وهدر المياه عندنا أهم وأكبر أسبابه التسرب في الشبكات والهدر الناجم عن تأخر الصيانة للمواسير المكسورة والتي بعضها شاهدنا إغراقه لأحياء وجرفه لسيارات!، فهل يقارن هذا بالهدر الناجم عن عدم استخدام المرشدات أو الهدر الناجم عن إسراف مستهلك في غسل يديه أو الاستحمام والوضوء؟!.
وزارة المياه أوكلت كل مسؤولياتها لشركة وارتاحت وأصبح الموظف في الوزارة متفرغا لأعماله الخاصة ومنزله وربما أمور زواجه الثاني (فاضي)، وقد سبق أن قلت لأحدهم، (ممن يشير بتعدد الزوجات رحمة بالعوانس)، أن هذا فيه (هدر للماء) وضد توجهكم في الترشيد، والشركة، التي تسببت في ذلك التفرغ والبطالة المقنعة، لم تقدم الكثير في شأن صيانة المواسير المكسورة ولا تسرب الشبكات طبعا.
وزارة الصحة هي الأخرى بدأت التوفير بتقليص عدد مرافقي مرضى السرطان في حين أن رواتب التشغيل الذاتي المضافة أولى بالتقليص.
إدارة الطبيب قد تتخبط وإدارة المهندس قد تقسو والضحية هو تطبيق أولويات الحلول والمواطن طبعا، أما الحل فهو بإيكال الإدارة للمتخصص في علم الإدارة ممن يستطيع تحديد المشكلة و مسبباتها وأولويات حلولها بموجب دراسة وإحصاءات و أرقام لا تحيز فيها لوجهة نظر شخصية أو حتى فنية هندسية صرفة.

جماهيرية مزعومة وعداوة خيال.. الربيعة مثال

لم أكتب في حياتي قط عن شأن شخصي ولا مديحا لشخص حي مقتنعا قناعة تامة بمقولة السلف الصالح المنسوبة لابن مسعود (من كان منكم مستنا فليستن بمن مات ؛فإنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة)، وأعدكم بأن لا أفعل، لكنني هنا أستشهد بمناسبة شخصية استشهادا فقط للتوضيح فأقول وبالله التوفيق أن بعض الأحبة القراء يعتقد مخطئا أن الكاتب الناقد إنما يبحث عن الجماهيرية!، وهذا وربي مخالف لواقع الحال فأي فائدة من جماهيرية قد تفقد الشخص علاقاته مع مسؤولين كبار ووزراء أمور حياته مرهونة بإمضاء منهم حسب واقع الحال في المعاملات وشأن الحياة؟! بل المستفيد من يمدح!.
ويعتقد آخرون أن الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية، وهذا يحدث، لكنه لا يحدث بين الرجال الحكماء (الرجال بمعنى الكلمة) وهنا مربط الفرس في استشهادي بمناسبة شخصية للتوضيح، فقد كنت ولازلت من أكثر من ينتقد الواقع الصحي في وطني بحكم التخصص وبحثا عن الأفضل لوطن طموحه الأفضل، ولعل من أكثر من قسوت عليهم كتابة وتلفزيونيا في هذا الصدد معالي الدكتور حمد المانع ومعالي الدكتور عبدالله الربيعة (وزيرا صحة سابقين) حتى إن البعض ظن من حدة النقد أن ثمة أمرا شخصيا، مع أن حمد المانع لم أقابله في حياتي شخصيا قبل الوزارة وعبدالله الربيعة ابن قريتي جلاجل وجار قديم في حي جبرة ولوالده، أمد الله في عمره، فضل حسن جوار و ثمة صلات قرابة ونسب، يجمعهما ود لا خلاف، وعندما حلت أول أمس مناسبة زفاف ابنتي كان معالي د. حمد المانع أول الحضور ومعالي د. عبدالله الربيعة من أعرض الحضور ابتسامة و أمتعهم حديثا و بشاشة وود وأخذ بالأحضان، ومن كان آنذاك يردد أن ثمة أمرا شخصيا كان حينها يجهل أنني من أوائل المدعوين لزواج الزميل الطبيب جراح المسالك حاليا خالد الربيعة ابن الدكتور عبدالله، المشابه لأبيه في براعة الجراحة، ومن أوائل المدعوين لزواج كريمة الدكتور الربيعة وأول الحضور في المناسبتين.
نحن يا أحبة نعمل ونكتب وننتقد من أجل وطن له علينا فضل بعد فضل الله أعظم من فضل أحدنا على الآخر، ونحن يا أحبة نختلف من أجل وطن لا نختلف عليه، وغني عن القول أن استمرار الود، رغم قسوة النقد، راجع لخلق الرجال ورحابة صدورهم وقبولهم للرأي والرأي الآخر وهي ميزة وخلق رفيع لا نضمن توفره في الجميع و(إنك لا تهدي من أحببت) فثمة محبوبون (لا داعي لذكر أسمائهم) انتقدناهم ثم دعوناهم خطيا و باتصال ورسائل ولم تسعفهم مشاعرهم حتى بالرد أو الاعتذار ولا نلومهم، ويؤسفنا أن نخسرهم، لكن هذه حال الكاتب الناقد، من يعتقد أنه يكسب ويحقق جماهيرية عليه أن يتقي ربه.